اشتبك جمهور مائدة "ماذا يفعل السجن بالفنان؟!!" أمس، والتي انعقدت على هامش معرض الفنان محسن شعلان "القط الأسود.. تجربة سجن؟!!" في قاعة "المؤتمرات" بمركز "الجزيرة" للفنون، مع أحد الحضور، حينما سأل في مداخلة "هل الإخوان ضد الفن؟" الأمر الذي أجابه الجميع بالتأكيد؛ معللين ذلك بما تشهده تماثيل الميادين من انتهاك لم تتصدى له الحكومة، وقتل المتظاهرين في ظل وجود رئيس منتخب من جماعة "الإخوان المسلمين"، اعتبروا أنهم المسئولة عن كل ما يحدث في الوطن. تحدث الفنان د. مصطفى الرزاز عن عدد من التجارب الذاتية لفنانين مصريين وأجانب في مختلف المجالات عانوا من الظلم والسجن والاضطهاد في عهود سابقة، مستعرضا نماذج من هؤلاء الفنانين الباقين عبر الزمان، في حين يلقى بالحكام الظالمين في مزبلة التاريخ. وبدأ د. الرزاز حديثه بأنه انشغل كثيرا بقضية كبح حرية الفنانين، وذلك عندما شارك في معرض دولي عن حرية الفكر والرأي مع منظمة نرويجية متخصصة في ذلك؛ حيث ساهم في أنشطة تلك المنظمة وأصبح عضوا فيها، وقدم دراسة عن طبيعة الفنان المختلفة؛ لأنه مارق عن التقاليد والتعاليم، كلما تمرد أنتج فنا رائعا، وهو يتميز بتوجه مستقل؛ ولذلك فهو الأمل في الحضارة لتبشيره بآفاق جديدة تحددها نظرته إلى ما وراء المجتمع؛ ولهذا نجد أن الفنان مقهور لأنه يواجه أصحاب النظم الشمولية والسلطة والقرار، والمدعين الذين يؤمنون بأنهم يمتلكون الحقيقة والشريعة. وتحدث د. الرزاز عن كيفية صناعة ديكتاتور مستشهدا بحوار الإعلامي الكبير مفيد فوزي مع الرئيس السابق مبارك بعد خمس سنوات من حكمه، عندما أوهمه أنه صاحب فكر وخيال رائع يجب أن يحتذي به المواطنين حينما سأله "كيف تربي أولادك كي يحتذي بك المصريين؟". أما عن الفنان في رأي السلطة فقال د. الرزاز أنه يجب أن يلزم حدوده ويصبح داخل الإطار ليصبح الفنان الذهبي، أو فنان الشعب، أو فنان الطليعة التي صنعها الطغاة، لكن هذا القفص الذهبي يتحول فيه الفنان إلى طائر ذهبي جميل محنط، لابد أن يكون مطيع ومطاوع وإلا يكون متمرد وحقود. وقال د. الرزاز أن الفنانين "الداديين" سموا أنفسهم "زمن فنانون ال "لا" الكبيرة". كما قام الفنانين المستقبليين في إيطاليا بعمل مهادنة مع الرئيس، وحصلوا منه على ملابس الخيول القديمة ومارسوا بها إبداعهم كما يريدون. أما الفنانين الروس فأنشئوا المدرسة "البنائية" لكن الحكومة لم تقتنع بهم لأنهم يريدوا من يرسمون فقط الطبيعة؛ فطاردوهم حتى هربوا وخسرتهم روسيا، وذهبوا إلى أوروبا فطاردهم هتلر، ثم أخذتهم أمريكا التي صنعت مجدها على حسابهم، ومن ظلوا في مراسمهم من فناني روسيا حرم عليهم عرض أعمالهم. وأكد د. الرزاز خلال حديثه أن الديكتاتور بالرغم من عداءه للفن إلا أن التاريخ يثبت أنه يلقى في القمامة، والفن يعيش، وهذا ما شاهدناه عن كل من قهر الفن كهتلر الذي انتقد الفنانين وطردهم وسماهم بأقذع المسميات، وأنشأ ما سماه بالمتحف الحقيقي الذي تم هدمه فيما بعد، وقال عن الفنانين أنهم "كائنات نجسة، منحطة، مبشرين بالإفساد والخيانة والجهل والانحطاط". فرد الفنانين المصريين رواد الفن المصري الحديث آنذاك ببيان حمل عنوان "يحيا الفن المنحط"؛ ليوصلوا وجهة نظرهم لهتلر بأن هذا الفن المنحط سيحيى، لكنك ستدفن في القمامة. ومن قصص الفنانين العالمين الذي تم قهرهم قال د. الرزاز أن الفنان الإيطالي كارفاجيو لم يلتفت لبابا الفاتيكان عندما أراد أن يرسم لوحة للكاتدرائية بطريقة معينة، ولم يعاقبه لما كان للفنانين من مكانة كبيرة في ذلك العصر، لكنه أعطاه أجره بعملات معدنية في شكارة مما أشعره بالمذلة عند جرها، ومات بعد وصوله لبيته. وعن أعمال الفنان محسن شعلان قال د. الرزاز أنها بشكل عام تعبر عن الأشخاص المفتقدين للحرية والأمان، وهذا ما عبر عنه فنانين كبار عديدين، كجويا رسام البلاط الذي عبر عن قهر السلطة للناس، والفنان ريبين عندما عبر عن قهر الإنسان في أعماله، والفنان فان جوخ الذي كان سجين ذاته وعندما نتتبع اللوحات التي رسمها لنفسه نجد أننا نستنتج تاريخ انتحاره. وتذكر د. الرزاز تلميذه الفنان أحمد بسيوني الذي استشهد عندما نزل مع طلابه لميدان التحرير في ثورة 25 يناير، حينما أطلق على أحد طلابه النار وفروا جميعا، لكنه عاد ليلتقط صورة للقناص، فأطلق عليه رصاصة في جبهته، ثم صدمته عربة وسرقت منه الكاميرا؛ ولذلك فالسلطة دائما تستشعر الخطر من الفنانين. ولهذا أيضا يواجهون رسوم "الجرافيتي" التي لا تمثل سوى رسوم على الحوائط لكنهم يخافوها ويقوموا بإزالتها على الفور. وتطرق د. الرزاز إلى فترة الثمانينات في مصر والتي زاد فيها الإرهاب، وتجيش الرأي العالم في الشارع بتكفير المفكرين والمبدعين وفناني التماثيل والرسامين، فقتل إحدى هذه الجماعات فرج فودة، وذهبوا لقتل نجيب محفوظ، وكفروا نصر أبو زيد وقالوا عنه يزني مع زوجته. ووصف هؤلاء بأنهم لا يتحملون من لديهم أفكار؛ ولذلك نجد أن هناك تربية اجتماعية لمناهضة الفن والنظر له على أنه بذرة شيطان. وقال د. مصطفى الرزاز ضمن من كتبوا وثيقة الأزهر، أنه اتهم من يحرمون التماثيل والفن بأنهم وثنيين، وهذا ما قاله لشيخ الأزهر أثناء كتابة وثيقة الأزهر. وأكد د. الرزاز أن هناك فنون تخيف السلطة وهي المؤثرة في الجماعات الكبيرة كالشعر، المسرح، الكتابة والسينما، لكن هناك فنون كالفن التشكيلي لا تخيف أحد لأنهم لا يفهمون رسالتها في الأساس، ولأنهم يعرفون أن الفنان لا يصرف عليه أحد؛ ولذلك نجد أن الفنون التي لها طابعا فرديا لا تقيد السلطة، فلم نرى فنان سجن من أجل لوحاته، بل يسجن لأسباب أخرى؛ ولهذا أنشأت الدولة الرقابة على المصنفات الفنية، ولم تعتبر الفنانين التشكيليين ضمنهم. مشيرا إلى أن الفنان محسن شعلان رسم بأدب ولذلك أستخدم الرمز وهو "القط الأسود" الذي يعتبر القوة الباطشة.