تعتبر أشجار الزيتون إحدى أهم الزراعات وأقدمها في سوريا ، إذ أن الموطن الأصلي لشجرة الزيتون هو سوريا أي انها مهد الزيتون في العالم، وزادت أهميته بعد الثورة، إذ أضحى غذاء رئيسيا للكثيرين في ظل غياب المواد الأساسية . وتوجد بهذا البلد نحو مليون شجرة زيتون مثمرة يعيش من وراءها أكثر من أربعمائة ألف أسرة تعمل في قطاع إنتاج الزيتون. إلا أنه في ظل الأزمة السورية تعاني زراعة الزيتون من مشاكل جمة شأنها شأن باقي القطاع الزراعي، فخلال الثورة انقطعت إمدادات المستلزمات الزراعية كالأسمدة والمبيدات الحشرية بسبب الحالة الأمنية.
هبوط الاسعار
هذا وقد شارف موسم قطاف الزيتون في سوريا على الانتهاء بعد أن عانى المزارعون من انقطاع إمدادات المستلزمات الزراعية كالأسمدة والمبيدات الحشرية. وهبطت أسعار زيت الزيتون إلى نصف قيمتها الفعلية تقريبا بسبب توقف تصديرها وتراجع العملة الوطنية (الليرة) مقابل الدولار. والأخطر من كل ذلك لجوء البعض لاستخدام أشجار الزيتون للتدفئة.
فخلال الموسم الحالي هبط سعر زيت الزيتون من مائتين إلى 160 ليرة للكيلوجرام الواحد أو ما يعادل الدولار والسبعين سنتا، وإذا أخذ بالاعتبار ضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية أمام الدولار فإن سعر الزيت وصل إلى نصف قيمته الفعلية مقارنة بما كان عليه قبل عام مضى.
وقدر رئيس مجلس زيت الزيتون سامي الخطيب، في وقت سابق، إنتاج زيت الزيتون هذا العام ب160 ألف طن مما يجعلها الرابعة من حيث حجم الإنتاج عالميا.
وتوقف تصدير معظم كميات زيت الزيتون بسبب الأوضاع الأمنية حيث إن الكثير من المناطق التي تزرع الزيتون وخاصة في ريف إدلب خاضعة لسيطرة الثوار مما يجعلها والشاحنات المحملة بمنتج الزيتون عرضة لاستهداف الجيش الحكومي.
الدعم الذكي
وفي ظل هذه الاوضاع فقد ترأس وزير الزراعة والإصلاح الزراعي المهندس صبحي العبدالله في نوفمبر الماضي اجتماع موسع ضم جميع المعنيين بتصدير زيت الزيتون في بالقطاعين العام والخاص لبحث المشاكل والصعوبات التي تعترض تسويق زيت الزيتون داخليا وخارجيا وسبل إيصاله إلى المستهلك بالطريقة الصحيحة .
ودعا المجتمعون إلى ضرورة تفعيل الدعم الذكي للمحاصيل والتوجه نحو المزارع الذي يستخدم الزراعة العضوية والنظيفة وتحسين الوضع الراهن للمعاصر فيما يخص طريقة التعبئة والتخزين والعصر والجني والسعي مع الجهات ذات الصلة لإدخال المعاصر المتنقلة إلى سورية والعمل بها نظرا لأهميتها في تخفيض التكلفة وإنتاج زيت ذو مواصفات ممتازة ومناسبة للتصدير .
وأكدوا أن إنشاء جمعيات تعاونية متخصصة بتسويق المنتجات الزراعية أسوة بدول العالم المنتجة وتجميع هذه الجمعيات ضمن اتحادات نوعية يؤدي إلى التحكم بمجموع التكاليف الإنتاجية من خلال تقسيمها على جموع المزارعين وتحسين جودة المنتج وزيادة هامش الربح للمنتج والمسوق وتأمين سعر مقبول للمستهلك من خلال إلغاء سلسة الوسيط .
وأشار المجتمعون إلى أن الاتحاد النوعي يمكن من إبرام عقود مسبقة وتلبية طلبات المصدرين من الزيتون والزيت وفق المواصفات المطلوبة داخليا وخارجيا وسهولة التسويق والتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة لدفع أداء العملية التسويقية للزيتون المعلب وزيت الزيتون وتحقيق القيمة المضافة .
ودعو إلى تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على مستوردات آلات تعبئة زيت الزيتون وإعفاء المعاصر الحقلية المستوردة الصغيرة من الرسوم أيضا واستمرار الحملات الإعلامية للتعريف بفوائد زيت الزيتون لزيادة معدل استهلاك الفرد الذي إلى الآن لا يتجاوز السبعة كيلوغراما علما أنه في بعض المحافظات لا يتجاوز واحد كيلوغرام فقط .
وشدد المجتمعون على التشاركية في العمل بين الدولة ومجلس الزيتون لتذليل المعيقات المتعلقة بإنتاج وتصنيع زيت الزيتون وتسويقه ورفع التقنية المستخدمة من خلال الاتصال بمختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة لتقديم خدمات فعلية لكل من الفلاح والمصنع والمصدر واستمرار التنسيق مع المؤسسة العامة للخزن والتسويق لاستجرار الزيتون والزيت وإجراء دورات تدريبية نظرية وعملية للمزارعين عن عمليات القطاف والتعبئة والفرز والإرشاد التسويقي والتوسع بمراقبة المعاصر ومعامل التعبئة للحصول على زيت زيتون منافس من حيث النقاوة والطعم والعبوات .
وأوضح الوزير العبدالله أن هناك خصوصية لشجرة الزيتون كونها يمكن أن تعطي إنتاجا متميزا وكبيرا وغزيرا في أراضي متواضعة الخصوبة لافتا إلى أن غنى هذه الشجرة لايقتصر فقط على زيتها بل هي غنية بجذورها وأوراقها وجذوعها وأزهارها وثمارها لأن كل قسم منها يدخل في عدد من الصناعات لاسيما الصناعات العطرية والطبية والسماد ما يستدعي العمل للتوسع بهذه الصناعات والاستفادة من القيمة المضافة التي تنتج عنها عبر تصديرها .
كما أشار إلى أن هذا الاجتماع يجب أن يخرج بمجموعة من التوصيات تلزم كل جهة معنية بهذا المنتج العمل بجدية لفتح آفاق تسويقية وتصديرية له وتباين قيمته الغذائية والتجميلية للجهات التي يمكن لتصدير إليها رغم الصعوبات المتعددة التي تواجه المنتج والمصدر والمسوق في ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها سورية وحزمة العقوبات التي تطال الكثير من القطاعات لاسيما المصارف ما يشكل عقبة أمام الدول التي ترغب باستيراد زيت الزيتون السوري إضافة لزيادة تكاليف الإنتاج نتيجة ارتفاع تكاليف بعض مدخلاته .
وأشار وزير الزراعة إلى أن المشاكل الداخلية التي تعيق إيصال الزيتون والزيت إلى مختلف المحافظات سيتم العمل على تلافيها مؤكدا أن إحداث اتحاد نوعي لمنتجي ومصدري زيت الزيتون بات ضرورة ملحة سيما وأن سورية تمتلك نحو 100مليون شجرة زيتون منها /77/مليون شجرة مثمرة .
من جهته قدم المهندس مهند الأصفر مدير التسويق الزراعي في الوزارة عرضا عن واقع زراعة الزيتون في سورية مبينا أن إجمالي المساحة المزروعة يبلغ 647 ألف هكتار تضم مئة مليون شجرة تشكل 12بالمائة من إجمالي المساحة المزروعة في سورية و65 بالمائة من إجمالي مساحة الأشجار المثمرة متوقعا أن يصل أن يصل إنتاج سورية من الزيتون لهذا الموسم إلى 900 ألف طن ينتج عنها 175 ألف طن من الزيت و170 ألف طن زيتون مائدة .
واشار الأصفر إلى أن كمية الصادرات من زيت الزيتون تتراوح بين 18 و45 ألف طن تشكل 15 إلى 25 بالمئة من الإنتاج وهذه النسبة تشكل 40 بالمئة من المتاح للتصدير فيما يصل عدد الأسر العاملة في هذا القطاع إلى 400 ألف أسرة ويتراوح متوسط سعر الجملة للكيلوغرام من الزيتون بين 43و50ليرة ومتوسط سعر الكيلوجرام من الزيت 172ليرة.
الاقتلاع للتدفئة
وفي ظل الأحوال الصعبة التي يعيشها السوريين حاليا وخاصة خلال الشتاء القارس والتي أجبرت البعض على ارتكاب ما يعتبر محرما في عرف أهل البلاد، فقد قام العديد باقتلاع أشجار الزيتون لاستخدامها حطبا، بعد أن وصلت أسعار الوقود إلى أرقام فلكية تجاوزت ثلاثة دولارات للتر البنزين ودولارين للمازوت. إضافة لذلك توقف تصدير معظم كميات زيت الزيتون بسبب الأوضاع الأمنية حيث إن الكثير من المناطق التي تزرع الزيتون وخاصة في ريف إدلب خاضعة لسيطرة الثوار مما يجعلها والشاحنات المحملة بمنتج الزيتون عرضة لاستهداف الجيش الحكومي.
ولم يكن أمام سكان مدينة عندان في سوريا سوى خيار واحد هو قطع أشجار الزيتون، لاستعمالها في التدفئة. أشجار عمرها عشرات السنوات قطعت بالكامل واستخدمت أغصانها كوقود للتدفئة وللطبخ.
ويبدو أن الأشجار أصبحت أيضا ضحية النظام السوري، فلم يبق للسوريين سوى الطبيعة ليتكئوا عليها، وهم هنا قد ضحوا بمصدر رزقهم من الزيت والزيتون للتعويض عن المحروقات.
ومثل عندان، هناك الكثير من بلدات وقرى حلب، التي عاد فيها السوريون لأيام الحطب، وأم معتوق تسابق الوقت وهي تستغل يوما مشمسا لإعداد خبز التنور، وهي تأمل أن يكفيها وعائلتها لمدة أسبوع كامل.
وتقول أم معتوق لقناة "العربية"، إنه في غياب الغاز، تطبخ بخلاف الخبز، ما يعرف محليا ب"المجدرة"، و"الكبة"، وتقول بشأن المال "إنه قليل".
وأم معتوق ليست وحيدة لحسن الحظ، فحفيدها عاصم استلم مهمة جمع الحطب للتنور، ويقول في هذ الإطار ل"العربية": "بسبب القصف أغلقت كل الأفران، ولم يبق هناك خبز، ولهذا اضطررنا لشراء الطحين وصناعة الخبز"، مضيفا أنه "يشعر بالحزن على إخوانه الذين يقتلون من أجل الحرية". واللافت في الأمر أن الولد عاصم رغم صغر سنة، انفجر باكيا عندما نطق كلمة "حرية"، وأشاح بيديه الصغيرتين، على عينيه اللتين تبكيان في خجل. وعندما سألناه ماذا يفعل عندما يسمع صوت الطائرة يجيب عاصم: "نهرب باتجاه الكروم حتى لا تقصف البيت فنموت فيه".
وبينما كانت أم معتوق تعد الطعام، كانت الطائرات الحربية تجول في السماء، وهنا تقول أم معتوق إنها ليست المرة الأولى التي يحدث هذا، فقد وقع قبل مدة وأن كان الطيران السوري يقصف، لكنه لم يثنيها عن عجن الخبز، وتضيف "لم يعد يخيفنا هذا الشيء".
ولأن الطبخ على الحطب يحتاج وقتا، فتنهمك أم معتوق طويلا لتحضير الوجبة، وحتى الخبز يحتاج إلى وقت كي ينضج.
وفوق هذه المعاناة، اشتكت أم معتوق من غلاء الطحين، حيث بلغ ثمن الكيس الواحد 3 آلاف ليرة سورية، وهي لديها 14 شخصا وهؤلاء يحتاجون كمية كبيرة من الطحين، خصوصا وأن كيس الطحين الواحد ينتهي في عجنتين اثنتين.
المساحة المزروعة
وبلغت المساحات المزروعة بالزيتون في سوريا حوالي 500 ألف هيكتار وبلغ عدد الأشجار ما يزيد عن 70 مليون شجرة، منها حوالي 60% في طور الإثمار والباقي هي أشجار فتية لم تدخل طور الإثمار بعد. وتنتج سوريا سنوياً حوالي 150 ألف طن من زيت الزيتون.
تتمركز زراعة الزيتون بشكل رئيسي في المناطق الشمالية و الغربية ( حلب – ادلب – اللاذقية – طرطوس ) و تلقى انتشاراً واسعاً في المناطق الجنوبية و الوسطى (درعا – السويداء – القنيطرة – ريف دمشق) و بشكل أقل في المناطق الشرقية ( الرقة – دير الزور – الحسكة) و هناك عشرة مراكز لإنتاج غرس الزيتون , تنتج سنوياً 4 ملايين غرسة توزع على الفلاحين بأسعار رمزية.
تتمتع سوريا بثروة من أجود أصناف الزيتون بعضها مخصص لاستخلاص الزيت و البعض الآخر لتحضير زيتون المائدة وثالثة ثنائية الغرض وأهمها: وتحتل سوريا اليوم في المركز الثاني من حيث الإنتاج على مستوى الوطن العربي ، والمركز السادس على مستوى العالم ، وتأتي أهمية هذه الزراعة من كون شجرة الزيتون تمتاز بقدمها وطول عمرها وجودة عطائها ، وهي بحكم تركيبها الفيزيولوجي والمورفولوجي من أكثر الأشجار تحملاً لظروف البيئة ، فهي تنمو في الأراضي الأقل خصوبة( الهضابية منها والمحجرة ) كما أنها تزرع بعلاً في ظروف مطرية محدودة يصعب على الزراعات الأخرى تحملها.