ماهى الفائده التى سوف تحققها المعارضه المصريه إذا تنافست مع الإخوان وأنصارهم من بقية الجماعات المتطرفه فى الإنتخابات المقبله ؟ تلوح بوادر أن (جبهة الإنقاذ) تفكر جدياً فى ألا تفعل ، فبعد أن طالبت برقابه دوليه لضمان النزاهه التى إفتقدتها كل عمليات التصويت بعد 25 يناير 2011 ، كان أن أعلنت قبل يومين أنها تريد تعديلا فى الدستور وحكومة إنقاذ وطنى وتقنين لوضع جماعة الاخوان .. فإن لم يحدث فإنها سوف تقاطع الانتخابات .
هذه شروط منطقيه جداً - بل قد تكون أقل مما ينبغي طرحه - على الرغم من أن تحقيقها أو مجرد القبول بها سيكون أصعب على جماعة الاخوان من أن تعثر على ( العنقاء) .. لكن المزعج فى الأمر هو أن عدداً من المنتمين لقيادة الجبهه لايكتفون بالتجهيز للترشيح للانتخابات ، بل ويعقدون جلسات تفاوضيه مع قيادات من الجماعه لإتمام ترتيب خلفي يتجاوز صناديق الانتخاب وقرار الناخبين !! تداعبهم آمال المقاعد وتبرق أمام أعينهم عدسات البرامج وقناة صوت الشعب .
والواقع أن (جبهة الإنقاذ) تعبر بهذا عن قصور فادح فى تشخيص حال مصر السياسي وتؤكد حيرتها فى توصيف مستوى الشرعيه التى عليها الان نظام الحكم المستحدث ، ومن ثم هى لاتقدر حدود قوته وقدرته .. ومدي صلاحيته الزمنيه .. والأهم أن فيها من يعتقد أن الجبهه تمثل بديلا ممكناً للحكم وكذلك من يري أنها لايمكن أن تكون مقنعه أو قادره كخيار تال مقبول للناخبين ، يمكنه ان يملأ الفراغ الذي ثبت وجوده فعليا فى صدارة السلطه .
مرة يبدو من تصريحات وتصرفات الجبهه أنها تخوض المعركه الأخيره مع الإخوان ، مدعومه بوقفه ثابته من الجماهير التى تحتشد فى الميادين .. ومرة تلين وترخى وتتراخى كما لو أنها مقتنعه بأن حكم الإخوان سوف يستمر الى الأبد .. فتوقظها الجماهير وتصب عليها لعنات الإنتقاد بنفس قدرالتوبيخ المعلن للإخوان . ومرة تضع الإخوان وكل تيارات التطرف الدينى السياسي فى معسكر واحد يستوجب المواجهه والدفاع عن مدنيه الدوله ضد هجمته .. ومرة تحيد خصومتها السياسيه مع الإخوان بحيث تقصر هجومها على بقية حلفائها المتطرفين .. كما لو ان هؤلاء بعيدين عن أولئك .
لايمكن لطبيب ان يقرر علاجاً لمرض لم يحدد أعراضه ولايعرف توصيفه ، هذا إذا اعتبرنا ان (جبهة الانقاذ) تمثل طبيباً قادراً .. ويفقد الطبيب مصداقيته ودوره إذا سبقه أهل المريض الى غرفه العمليات .. تماما كما يفعل المواطنون الذين يسبقون الجبهه الى الشارع .. ويفاجئونها بحجم غضبهم ورفضهم لحكم الاخوان ، وبطريقه وأسلوب من الواضح فيهما ان الناس تذهب الى طريق تعرف آخره وآثاره الجانبيه ونتائجه التي تريدها .
بناء علي التشخيص يكون القرار ، ولأن التشخيص حائر ومرتبك فإن (جبهة الإنقاذ) لاتعرف هل عليها ان تمضي في نضال - وإن امتد وكان منهكا - لتبديل صيغة الحكم برمته ، أو ان يكون هدفها خوض الإنتخابات البرلمانيه ، ومشاركه الحكم في اللعبه التي ثبت باليقين ان قواعدها مختله ، ولايمكن ضمان عدالتها ، وصدق نتائجها .
الشرعيه إنتهت ، او بلطيف القول : تلاشت ، والأسباب يدركها المواطن العادي أكثر من السياسي النخبوي . الحكم يعد ولايف ، ويتعهد ولاينفذ ، ويقول مالا يفعل ، وقد ثبت هذا عنه قبل الانتخابات البرلمانيه واستمر بعدها ، وتأكد قبل الانتخابات الرئاسيه وبعدها . إن حكما بلا ممصداقيه تتعمق بينه وبين الناس هوة لاقرار لها ، بعد نال فرصا عديده لاثبات حسن النيه ، فمضي تكرارا ومرارا لكي يؤكد انه لايمكن ضمان مايقول ليوم فما بالنا بأربعة سنوات .
قال الأخوان انهم سيتبعون مبدأ ( المشاركه لا المغالبه) ، وبمضي الوقت تيقن الجميع انهم يتجهون الي تفعيل مبدأ ( المقاهره) الذي يفوق ( المغالبه ) في طغيانه وسطوته ، لايريدون شريكا ، ويصرون علي الانفراد والاستحواذ وصولا الي احتكار لايقف عند حدود ( الحصه المسيطره) إذا ماإستخدمنا لغة التنافس في الاسواق في عالم السياسه . إن الإخوان يقدمون انفسهم في كل مره علي انهم (شركاء) ثم يتضح بالتصرف الذي لايقبل الشك والصريح من القول والفعل انهم (شريك مخالف) ، يعلنون نيه ويخفون غيرها ، يصافحون وينقلبون ، لا كلمه التزموا ولاعهدا وثقوا ولا اتفاقا نفذوا .. بل ويكفرون الجميع حين ينتقدهم .
وإذا كانت الشرعيه تنبني علي القدره ، فقد ثبت ان هذا المقوم المحوري والضروري فيمن يتصدي للسلطه لايتمتعون به ، ليست لديهم كفاءات ، ولا توجد لديهم كوادر ، وعلي الرغم من ذلك يريدون السيطره علي كل شيء ..بدون اهتمام بالعائد والفائده علي عموم المواطنين ، كما تأكد الجميع انه ليست لديهم رؤيه ، ولايتمتعون بالخبره ، غرقوا عند شواطئ المشكلات فماذا سوف يحدث إذا ماإقتضي الامر منهم ان يقودوا سفينه البلاد في المياه العميقه .
والأخطر من كل ذلك ان اولويتهم ليست مصريه ، بل إخوانيه ، ويعرف جميع المصريين الان نظرية ( أهله وعشيرته) ، الذين يتحدث عنهم قبل ان يتحدث عن كل بلده ، ويخطب فيهم قبل ان يخاطب شعبه ، وينظر اليهم ليعين منهم بناء علي روابطهم وولائاتهم بدون ان يبال ببقية طاقات المجتمع .. ومن اجل هؤلاء الاهل والعشيره فإنه الجهات المختصه تمضي في محاولة الانتقام من كل من تعتقد انه كان له يد في تعريض الاخوان للاضطهاد خلال حكم ثورة يوليو ، وتفرغ الحكم للثأر والتشويه بدلا من ان يستخدم الوقت المتاح له من اجل البناء وحل المشكلات وترك الرصيد .
لقد ادرك المصريون العاديون بفطنه فطريه ان الحكم الاخواني يتصرف كما لو أنه سوف يقضي في موقعه دهرا ، ويسلك مايؤدي الي التأكد من انه لن يترك سلطته إذا ماانتهت السنوات الاربع لحكم الرئيس .. وثبت هذا تماما من خلال الدستور المشوه الذي اصر الاخوان علي تمريره رغم كل الاعتراضات عليه من مختلف فئات المجتمع ومن كل طوائف المعارضه ، دون اي اعتناء بالمخالفين او اهتمام بالمحتجين. إن لغه التكبر والعياء التي تبناها الاخوان منذ نهاية نوفمبر الماضي وقت أعلن الدكتور محمد مرسي عن الاعلان الدستوري الذي ابتلع به كل السلطات لم تتبدل او تتراجع الا حين خرج المواطنون الي الشارع يعبرون عن غضبهم العارم في ذكري 25 يناير ، يطالبون بسقوط الحكم وينادون علي الرئيس أن ( إرحل) .
في سابق الايام ، كان كل رافض للإخوان يؤكد انهم يريدون استخدام العمليه الديموقراطيه كأداه للوصول للحكم ، ثم ينقلبون عليها ، ويبتلعون كل السياسه ، ولكن هناك من اقتنع بالخديعه الشعاريه والدعائيه .. الي ان ثبت له بالدلائل والوقائع ان الجماعه تؤمن بان الانتخابات تتم لمره واحده في العمر ، يفوزون بها وينتهي الامر ، فاذا ماتكررت الانتخابات يجب ان تكون النتائج مثل المره الاولي .. إن كان هذا اقتناعا او خضوعا او خداعا او تزييفا .
في ثلاث مرات ذهب فيها الاخوان الي صندوق الاقتراع بالتنافس مع الاخرين كان ان اقنعوا الناخبين انهم ممثلين للسماء ، وانه الاخرين ضد الدين ، حدث هذا في استفتاء 19 مارس 2011 ، وفي استفتاء ديسمبر 2012 ، وبينهما في الانتخابات البرلمانيه التي جرت في نهايه 2011 .. وأما الانتخابات الرئاسيه فكل الملابسات وعلامات الاستفهام التي تحيط بها معروفه للكافه ، وتلق بظلال كثيفه حول نتائجها .. ولست ادري كيف يمكن ان يقبل رئيسا منتخبا بكل هذه الشكوك المثاره حول شرعية فوزه بدون ان يرتضي الحسم ويغلق كل الملفات حولها بطريق قانوني شفاف .
ماهي الضمانات المتوافره لاي انتخابات مقبله سيكون الاخوان طرفا فيها ، وسيكونوا هم من يديرونها ؟ لاتوجد .. إن المطلوب من الناخب هو ان يثق في ان ماسوف يقوله الاخوان سليم وصادق بعد كل هذه الخبرات التي تكونت خلال الفتره المنقضيه من حكم الرئيس مرسي .
وحتي اذا ماتوافرت رقابه دوليه فانه ليس من المضمون ان يتمكن المراقبون من تتبع اخطر عاملين في تشغيل ماكينه الانتخابات لحصد الاصوات قسرا او قبولا لصالح الاخوان .. الا وهما : توظيف الشعار الديني للتاِثير علي الناخب البسيط ، والتأثير علي نفس هذا الناخب باستغلال احتياجه للأكل والمال .
إن الرقابه الدوليه مهما كانت صرامتها ودقتها وتوفر الذين يقومون بتطبيقها لديها مجموعه من المعايير تتعلق بالعمليه الانتخابيه المباشره ، سواء كانت الجوانب القانونيه والدعائيه والتنفاسيه ونزاهة التصويت وتأمين العمليه الانتخابيه .. لكن اي رقابه اجنبيه لن يمكنها علي الاطلاق ان تتثبت من هذين العاملين : الخداع الديني والاغواء المالي للناخبين .
ثم أن الانتخابات يفترض فيها ان تجري في اطار عمليه ديموقراطيه ، والديموقراطيه ليست هي الانتخابات فقط ، بل واحدة من مقوماتها .. ويفترض في هذا المقوم ان ينبني علي حريه الاقتراع والتنافسيه .. لكن بقية المقومات تتضمن القبول بتداول السلطه ، وتوازن السلطات ، وحرية التعبير ، والمساواه بين الرجل والمرأه ، والقبول بالتعدديه النوعيه والرؤيويه ، وقبل كل ذلك وجود نسق دستوري واضح ومرضي عنه من الجميع ولايمارس قهرا علي فئه لحساب فئه اخري .. فهل هذا كله متوافر ؟ الاجابه هي النفي القاطع .
لقد أخل الرئيس بتوازن السلطات ، وتعدي علي إستقلال القضاء ، الذي يفترض فيه ان يكون ضمانه جوهريه للعمليه الانتخابيه ولتطبيق مبدأ المساواه بين المواطنين ، وفض النزاع بينهم وبين السلطه .. كما أن تداول السلطه ليس مضمونا في ظل هذه النزعه التوسعيه الاحتكاريه الراغبه في الهيمنه الشامله من قبل جماعة الاخوان .. ويعرف الجميع ان حرية التعبير تتعرض لملاحقات مستمره ببلاغات وقضايا يقف خلفها مرات انصار الرئيس ويقف خلفها في مرات اخري جهات قانونيه تتبع الرئيس نفسه .
وفوق كل هذا هناك عدم اجماع علي الدستور كنسق حاكم ومرجعي .. وبافتراض ان الاستفتاء عليه كان نزيها فإن ثلث المجتمع باعتراف الارقام الرسميه رفضه وهذا في حد ذاته كاف لتأكيد عدم التوافق علي الدستور .
ماذا تريد جبهة الانقاذ إذن من الانتخابات ؟ هل ترغب في أن تكون (محللا) يمنح الاخوان شرعيه تتلاشي وتنزوي ، هل تريد ان تصبح ديكورا مكملا لحكم يرغب في ان يهيمن علي المقدرات لعقود الي ان يتحقق له التمكين الذي يبعد به كل الاخرين عن الساحه وللابد ؟ وهل تريد ان تفشل مجددا امام القطاع الاوسع من الرأي العام الذي يقدمها لقيادته ؟ ماذا سوف تفعل حين تفشل ؟ الاتدرك الجبهه ان قبول المواطنين الغاضبين بقيادتها مشروط بقدرتها علي تحقيق مطالبه .. وهل من مطالبه ان تضفي شرعية علي حكم ظالم وغير قادر ، يعجز ولكنه يريد ان يسيطر ؟