تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 9 مايو 2024    جدول مواعيد قطع الكهرباء الجديدة في الإسكندرية (صور)    ارتفاع أسعار النفط مع تقلص مخزونات الخام الأمريكية وآمال خفض الفائدة    قوة وأداء.. أفضل 7 سيارات كهربائية مناسبة للشراء    «رفح الفلسطينية» كابوس يواجه إسرائيل.. شبح العقوبات الأوروبية والأمريكية يلاحق تل أبيب    بعثة الزمالك تسافر اليوم إلى المغرب استعدادا لمواجهة نهضة بركان    مدرب نهضة بركان السابق: جمهور الزمالك كان اللاعب رقم 1 أمامنا في برج العرب    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    محمد فضل: صورة الكرة المصرية بالخارج سيئة.. وهذا موقفي من انتخابات الجبلاية    حر جهنم وعاصفة ترابية، تحذير شديد من الأرصاد بشأن طقس اليوم الخميس    حرارة قاسية اليوم.. والأرصاد تُصدر تحذيرا عاجلا    للفئة المتوسطة ومحدودي الدخل.. أفضل هواتف بإمكانيات لا مثيل لها    يسرا تواسي كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    الغندور يطرح سؤالا ناريا للجمهور عقب صعود غزل المحلة للدوري الممتاز    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    ناقد رياضي يصدم الزمالك حول قرار اعتراضه على حكام نهائي الكونفدرالية    ارتفاع كبير.. مفاجأة في سعر الحديد والأسمنت اليوم الخميس 9 مايو بالبورصة والأسواق    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    ما الأفضل عمرة التطوع أم الإنفاق على الفقراء؟.. الإفتاء توضح    مواد مسرطنة في القهوة منزوعة الكافيين احذرها    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    خوان ماتا: عانيت أمام محمد صلاح.. وأحترمه كثيرا    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    ننشر أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس .. المستقل .. خطر


تحليل سياسي يكتبه : عبدالله كمال
الرئيس .. المستقل .. خطر
كيف تكون قيادة مصر أسيرة التسول السياسي والمالي البرلماني؟
المعادلة الآن بسيطة جدا .. ويجب ألا يهرب منها أحد: الحزب الوطني، صاحب الأغلبية يجب أن يتقبل عمليا، وليس نظريا فحسب أو بالشعار فقط، أن حفاظه علي مكاسبه مرتبط بحياة سياسية تعددية شرعية (فعالة) . وأحزاب المعارضة لابد أن تدرك أن حربها الشعواء علي الحزب الوطني قد أضرتها بقدر ما أضرته .. ومن ثم فإن الجميع لابد أن يوقن أنه في قارب واحد .. يبحر في يم النظام القانوني .. وإن كان ركابه مختلفين إلا أن هذا لا يعني أنهم فرقاء أو يمكن أن يتعمد أحدهم ثقب القارب.
لا أحد يريد من أحد أن يكون مثله .. يحاكيه ويشابهه .. لا اليسار سوف يقبل أن يكون يمينا ولا اليمين سوف (يتمركس) غدا . هذا كلام غير منطقي ولا تقبله الديموقراطية في أساس فكرتها . ومن الطبيعي أن تسعي أحزاب المعارضة إلي إزاحة الحزب الوطني من مقاعده (سلميا) .. كما أن من الطبيعي ألا يتنازل الحزب صاحب الأغلبية عن مكتسباته (سلميا بدوره) .. ووفق هذا لابد أن يدور الصراع السياسي الذي يسمي قانونا (التنافس) .
عملية النفي المتبادل (التاريخية) التي قام بها كل فريق للآخر، هذا يقول إن الأحزاب بلا قيمة، وذاك يقول إن الأغلبية بلا شرعية، أضرت بالجانبين.. أهدرت مصداقية العملية السياسية.. وأدي التنابز المتواصل إلي هدم الثقة بين الناخبين في الواقع السياسي.. وهكذا فتحت الثغرات في النظام القانوني المدير للعملية السياسية.. فظهرت في الشارع حركات لا شرعية كثيرة .. تحت لافتات الاحتجاج .. وامتلأت الساحة بأكثر من محظورة .. ولم تعد هناك محظورة واحدة .. وإن اختلفت درجة خطورة كل منها علي الأمن القومي للبلد.
التشويه المتعمد والعلني والصريح للنظام المتعدد حزبيا من عناصره، قبل غيرهم، هو الذي أدي إلي نشوء (كفاية)، وما شابه، وهو الذي أدي إلي إحباط الشباب، وابتعادهم عن الأحزاب، وهو الذي جعل تلك الكيانات الحاصلة علي موافقة القانون بالعمل السياسي تنزوي شيئا فشيئا.. وتجد نفسها وقد سحب البساط من تحت أقدامها.. إذ ماذا تنتظر من شاب يريد أن ينخرط سياسيا في العملية الديموقراطية وهو يجد رئيس حزب ما يتكلم بصفة مستمرة عن أنه محاصر وضائع وعمله غير مجد؟.. وماذا تتوقع من فتاة تجد رئيس حزب آخر يقول طوال الوقت إن العملية السياسية فاسدة وتخضع للتزييف المستمر ولا أمل في الوصول إلي شيء.
الدولة والأحزاب
المعارضون الشرعيون هم الذين اختلقوا- بتراكم الظواهر- المعارضين غير الشرعيين، خاصة حين حفروا هوة بينهم وبين النظام الذي ينتمون له .. وقدموا أنفسهم للمجتمع علي أنهم من خارج النظام .. وأن النظام هو الحزب الوطني .. في حين أن كل حزب هو لبنة في بناء النظام .. وجزء من الدولة .. وعنصر في مقوماتها . وقد جف ريقنا ونحن نشرح أن هناك فرقا كبيرا بين الدولة ونظامها .. وبين الحكومة وحزب الأغلبية . وأنه لاينبغي أبدا لمن هم من مقومات النظام (بما في ذلك كل الأحزاب) أن يخلطوا ما بين النظام والحكومة والحزب.
الدولة هي البناء الذي يجمع الشعب والأرض . الكل تحت مظلتها . والنظام هو الإطار القانوني والمؤسسي الذي تنبني عليه قواعد التفاعل في الدولة ..السلطات والمؤسسات والعلاقات ..النظام هو غطاء الشرعية .. والأحزاب هي مؤسسات صغرت أو كبرت . والحزب الوطني أيا كان حجمه وأيا كانت هيمنته هو واحد من بين كل الأحزاب .. أتاحت له الأغلبية أن يشكل الحكومة .. والحكومة هي التي تدير البلد .. والإدارة تتغير لكن الدولة ثابتة .. ويفترض في كل الأحزاب أنها تؤمن بقواعد النظام ولا تعمل علي هدمه وليست بصدد الانقلاب عليه.
من حق كل حزب أن يسعي إلي أن يكون هو المسيطر علي الإدارة . ومن واجبه ومهماته أن يمضي إلي هذا الهدف . له أن يختلف عبر آليات القانون . لكن ليس عليه أن يهدم القانون . من حقه إن استطاع أن يغير القانون لكن ليس عليه أن ينقلب عليه . وله أن يسعي إلي تغيير الدستور .. ولكن هذا يقتضي آليات محددة .. وقدرات بعينها .. ولكن حتي وهو يتجه إلي تحقيق هدفه من تغيير الدستور فإنه لايمكن أن يفقد الجمهور الثقة في الدستور.
خلطت الأحزاب بين المفردات المختلفة . بل أخرجت نفسها واقعيا من النظام . في حين أنها جزء منه . وكان أن دفعت الثمن لولا أنها انتبهت أخيرا .
خطيئة الأغلبية
الحزب الوطني بدوره تعامل مع الأحزاب ردحا من الزمن علي أنها (عدو) ..في حين أنها خصم .. ومنافس .. وقد ظن أنه النظام .. قبل أن يقر بقاعدة أنه ليس هو الدولة وأنه سوف يأتي اليوم الذي يترك الحكم .. أو علي الأقل عليه أن يتخيل ذلك .. وحتي حين آمنت قياداته - بعد الإصلاح الداخلي - بهذا المبدأ الذي هو أساس التعددية .. فإنها واجهت صعوبة - تذوب بمضي الوقت - في إقناع الكوادر الأقل تنظيميا - وهي مهمة جدا - بنفس المنطق.
الجميع أدرك الآن أنه خسر، بقدر ما، كل حسب حجمه السياسي، وقدرته علي استيعاب الصدمات والمتغيرات، ومما لاشك فيه أن الوطني لم يعان بقدر ما عانت الأحزاب ..التي استخدمت معاول هدم الشرعية .. إلي أن امتلأت الساحة بالمتسلقين والقفازين والمزايدين وكلهم من خارج الشرعية وضدها .. وليس لديهم أي مانع في أن يلهبوا الشارع بالفوضي .. وأن يقضوا علي النظام .. وهذه هي أجندتهم المعلنة والصريحة .. ولا يخجلون منها.
إن الموقف الذي بلورته تفاعلات مؤتمر الأحزاب الأربعة الرئيسية في معسكر المعارضة خلال الأسبوع الماضي .. كان خطوة علي طريق استعادة الوعي بالدور والقيمة والمكانة .. قبل أن يكون خطوة سياسية معلنة من قبلها لكي تتحالف علنا ضد الحزب الوطني .. وتتجمع في ائتلاف .. أو خطوة في اتجاه مسعاها لتعديل الدستور.
أختلف بالتأكيد مع الكثير مما ورد في البيان الصادر عن المؤتمر، ومن المؤكد أن هناك تناقضات عميقة بين تلك الأحزاب (الوفد - التجمع - الناصري - الجبهة) تشير إلي احتمال أن يكون (الائتلاف) مظلة جامعة أكثر من كونه تحالفا وثيق الترابط، لكنني في النهاية أقرأ ما جري بطريقة مختلفة .. أبعد مما ورد في البيان .. وفي ضوء أنني كتبت قبل انعقاد المؤتمر بنحو أسبوعين في جريدة روزاليوسف مقالا عنوانه (تحية إلي أحزاب المعارضة) :
هذا انتصار للشرعية .. تدرك أهميته وخطورة تأثيره الجماعات غير الشرعية .
هذا تحرك في إطار القانون .. وتحت غطاء القانون .. حتي لو كان يسعي إلي تبديل القانون.
- دفع المؤتمر بدفقة حيوية في شرايين الأحزاب المعارضة .. سواء كانت تلك التي اجتمعت .. أو تلك التي لم تكن بينها .. وسوف تشعر بأن عليها أن تهرول لكي تجد لها مكانا في الساحة.
التحرك هنا جاء بدون تدخل من الإدارة .. أو إعاقة .. أو تحفيز .. وتمتع بكل الحرية والعلنية وجرت المناقشات بدون أي تعطيل.
أحدث هذا التحرك وتفاعلاته استقطابا واضحا بين معسكرين صريحين: الأحزاب الشرعية .. والحركات غير الشرعية (كفاية - الإخوان - جمعية البرادعي - أحزاب لم تؤسس وتعمل تحت لافتات أنها تحت التأسيس .. وغير ذلك).
هذا التحرك أخرج الأحزاب الشرعية من مجموعة الآليات غير الشرعية التي تلوح بها الحركات غير الشرعية .. ومنها: العصيان المدني - الانتفاضة الشعبية .. وحتي والأحزاب تعلن اللجوء لتحرك في الشارع فإن هذا يأتي منها في إطار القانون.
- أفقد هذا التحرك الحركات غير الشرعية فرصة التماهي التي كانت تخدع بها الناخبين .. وكونها في معسكر واحد مع الأحزاب الشرعية المعارضة ..بحيث سوف تبدو علي حقيقتها .. أصواتا بلا قاعدة .. كل تصرفاتها غير قانونية.
- أعلي هذا من القيمة السياسية للأحزاب المعارضة وأدخلها في معادلات تقاسم التأثير .. وزكي وجودها بين الأجيال الجديدة .. ولو جزئيا . ولفت الأنظار إلي كياناتها .. وإلي خطابها.
- الثمن المدفوع
ومن المؤكد أن هذا التحرك لن يمر بشكل عابر .. خاصة أنه يستبق التنشيط المتوقع في التفاعلات السياسية التالية (ثلاثة انتخابات في مجلس الشوري ثم في مجلس الشعب وبعدهما علي مقعد الرئاسة).. وأول الآثار هو أن الأحزاب الأربعة بدأت في التعرض لحملات تشويه متعمدة وتصفية شخصيات سياسية .. بقصد إرهابها .. أو إفقادها الحماس .. أو نزع المصداقية عنها .. أو جرها مجددا إلي ساحة الحركات غير الشرعية.
ولا أبالغ إذا قلت إن هناك مشاعر خوف لدي الأحزاب .. وأن فيها من يضع قدما هنا وقدما هناك .. بل إن عددا من عناصر الحركات غير الشرعية لديها تمثيل ما في داخل عدد من تلك الأحزاب .. وبعض القيادات تشارك علنا في الفعاليات التي تنظمها الحركات التي تخالف القانون .. وهناك تحركات لا يمكن توقع ذبولها قريبا داخل الأحزاب ..لكنها سوف تنزوي بمضي الوقت ومع إصرار قيادات الأحزاب علي التمسك بالشرعية .
أعرف أن هذا الصخب الداخلي يؤثر بشكل ما علي الخطاب السياسي، وقد يدفع تلك الأحزاب إلي الحدة والعنف .. لكي تثبت أنها لاتمالئ الحكم كما تدعي عليها تقارير صحفية مفبركة أو الحروب النفسية من حركة كفاية أو ماكينة شائعات جماعة الإخوان .. لكن هذا ثمن مقبول مادام سوف يؤدي إلي ترسيخ المجتمع المدني .. وإعادة تنشيط التفاعلات الشرعية .. وتجسيد التعددية بمعناها الحقيقي لا الشكلي.
غير أن علي الأحزاب، وهي تستعيد الوعي الوطني الذي جمدته حينا أن تنتبه إلي أن المشكلة ليست مجرد دفاعات في مواجهة الحروب الشعواء التي تخوضها الآن ضد حملات التشويه .. هذا جانب تحصيني متفهم .. ولكن الجانب البنائي الأهم في مرحلتها المقبلة يتعلق بمجموعة من الأمور التي تقود إلي تحقيق هدف واضح .. وهو تحفيز الشباب المتناثر والمبعثر .. أو الذي تجتذبه الحركات المحظورة .. علي الانضمام إلي الأحزاب أيا كان انتماؤها .. ودفعه إلي الانخراط فيها .. وزيادة طلبه عليها .. بدلا من أن يذهب إلي غيرها من أنشطة وكيانات ليست شرعية.
ولن يتحقق هذا بدون انتباه إلي أن الأحزاب ليست صحفا .. وأن الكيانات السياسية لابد أن تكون لها تنظيمات دقيقة ومتراتبة وفعالة ومجدية .. وأن تفتح النوافذ للهواء النقي .. وأن يكون الأفق منفتحا علي الشباب .. والأهم والأجدي قبول منطق التغيير والتطوير داخل الأحزاب .. بدلا من التكلس الحادث فيها الآن.
إن هذا لايعني أنني أطالب بتغيير القيادات الحزبية . علي العكس الكثير منها يمثل ضمانة حقيقية لصمود تلك الأحزاب أمام الأنواء والرياح العاتية .. وإنما أطالب بإطلاق عملية (تحديث) تعلنها الرغبة في إضفاء الحيوية علي الأحزاب .. فتزيد جاذبيتها .. وتنمو أهميتها .. وترتفع معدلات الثقة فيها .. وبحيث تمثل بديلا مدنيا حقيقيا .
فيما مضي، وقبل ثماني سنوات، كان يوسف والي ينتمي لمدرسة تقليدية جدا في السياسة، تؤمن بأنه علي الحزب الوطني إغلاق أبوابه بعد أي انتخابات .. كانوا يقولون وقتها (طفي الماكينة) ..ليس من المصلحة أن تبقي (شغالة) .. وكانوا يقفون ضد أي تطور أو سعي إليه .. وهكذا علي سبيل المثال حورب الدكتور حلمي الحديدي وحورب ممدوح البلتاجي .. وفيما بعد جري التقييم .. وتحركت عملية الإصلاح .. وابتعدت مدرسة (طفي الماكينة) .. وجري الحراك في الحزب الوطني قبل أن يتفاعل في الساحة السياسية المصرية كلها.
الأحزاب يجب أن تدخل هذه المرحلة بدورها .. لابد أن تتطور .. أن تقبل رياح العصر .. وأن تفتح الأبواب .. وأن ترتضي التنافسية داخلها حتي ينعكس هذا علي النشاط السياسي في مصر كلها .. فلا تتعثر في الوصول إلي كوادر تمثلها في الانتخابات .. ولا تبقي أسيرة مجموعة أسماء معلنة ومعروفة منذ سنوات بعيدة .. وحتي يجد الشباب نفسه داخلها .. فتتدفق الحيوية .. وتقوي الكيانات .. وتختفي النباتات الشيطانية التي تتغذي في الأرض البور غير المنزرعة.
- تعديل الدستور
وكما يعرف الجميع فإنني لست معارضا، ولكن حماسي لتحرك أحزاب المعارضة له أسباب وطنية، وحتي لو كنت أختلف معها في مسألة مطالبتها بتعديل الدستور .. فإنني أجد في تنشيطها نوعا من التحصين للأمن القومي للبلد .. حماية له .. وهل يوجد خطر أكبر من أن تسيطر علي الشارع قوي محظورة وكيانات غير شرعية.
لكن هذا لايمنعني من أن أناقش الأفكار التي ترددها الأحزاب بخصوص تعديل الدستور .. إن هذا يقودنا مجددا إلي مناقشة إيجابيات وأهمية المادة 76 المتعلقة بطريقة اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية .. ودع الآن جانبا ما تطالب به الأحزاب بخصوص المادة 77 المتعلقة بمدة بقاء الرئيس في موقعه ..هذه ليست المشكلة العويصة في الجدل .. ولا أعتقد أن هناك أي مرشح قادم من أي اتجاه لن يعمل التفكير فيها بعمق.
المادة 76 هي أهم مصلحة للأحزاب التي تطالب بتعديلها .. لأن مضمونها يؤكد علي التعددية الحزبية ويرسخ وجود الأحزاب .. ويقف ضد الكيانات غير الشرعية .. ومن ثم هي من العوامل الأكيدة التي تزيد الطلب علي الأحزاب وعلي الانخراط فيها .. لأن المميزات الدستورية تمنح للمرشح المنتمي لحزب كما أصبح يعرف الجميع.
ولست بالتالي أجد أي منطق في أن تكون الأحزاب هي أول من يدافع عن ضرورة تعديل المادة 76 وهي المستفيد الأول منها .. وليس الحزب الوطني.
لا أريد أن أعود إلي الأهمية القومية لضمانة ألا يكون أي مرشح للانتخابات مجرد عابث عابر .. بلا خلفية معلنة .. أو تنظيم مساند .. ولا أريد أن أذكر هنا بأننا حين نتطرق إلي هذا الموضوع إنما نقرر مصير الإقليم .. الكل يعرف ما هي قيمة وتأثير رئيس مصر ومكانته ودوره في الإقليم .. وكيف يكون أمن الإقليم مرتبطا أكيدا بموقع رئيس مصر ..مهما قال البعض إن دور بلدنا قد تراجع .. أو تأثيره قد اضمحل .. إن الناخب المصري وهو يختار رئيسه إنما يقرر مستقبل الإقليم.
لكن ما أريد أن أذهب إليه .. هو أن تعديل الدستور بحيث يتيح الفرص لمرشحين يوصفون بأنهم مستقلون .. يمثل خطورة حقيقية علي استقرار البلد .. وفي هذا أسجل بعض الملاحظات:
- لأن المرشح المستقل لا ينتمي إلي تنظيم يرتبط بكتلة أصوات .. وليس لديه كيان يستند إليه .. فإنه يتحول إلي مرشح الاستجداء والتسول السياسي .. يتنازل لهذا الكيان .. ويطيب خاطر هذه المجموعة .. ويتقرب إلي تلك الفئة .. ويتزلف إلي غيرها .. والمبرر واضح .. فهو يريد أن يحصل علي أصوات وعلي مساندات .. ومن ثم يكون فيما بعد لو نفعت هذه التسولات السياسية وحققت له الفوز .. رئيسا تحت رحمة الجميع .. مدينا للجميع .. عليه أن يرضي كل من جعلوا منه رئيسا .. ويسدد لهم الفواتير .. فهل هذه مواصفات رئيس لمصر.
وليس بعيدا عن تلك الحالة أن نرصد هذا التضارب الحادث في مواقف محمد البرادعي .. حتي لو لم يكن قد أعلن أنه سوف يترشح للانتخابات .. وقد لاحظ الجميع بالطبع أنه قد تورط في التصريح بقبول فكرة ومنطق الأحزاب الدينية .. لأنه يريد أن يمد يده إلي جماعة محظورة .. فاضطر لأن يقول كلاما من المفترض أنه ضد ثقافته .. وضد علمانيته .. وهو ما فتح أبواب القلق منه .. والخشية من احتمالات عبثه.
- المرشح المستقل سوف يكون أسيرا لضغوط المال .. الأحزاب تمول مرشحيها .. لكن المستقلين سوف يكونون ملتقي للمتبرعين والدافعين من تحت وفوق الموائد .. أي رجل أعمال عابر سوف يكون له تأثير في حملاتهم الانتخابية .. وأي برنامج تمويل أجنبي سوف يكون ضاغطا علي برامجهم .. إن للأموال الفردية الشخصية حساباتها وفواتيرها ..التي لابد أن يدفعها المدين فيما بعد .. في حين أن الأحزاب حين تمول مرشحها فإنها تخدم أهدافها ومبادئها في إطار القانون .. ولا أعتقد أن أحدا يريد أن يكون رئيس مصر خاضعا لمن مولوا تحركاته وأنشطته.
- الرئيس الذي كان مرشحا مستقلا لا يمكن توقع ضمانة الاستمرار معه . لو أنه مستقل .. كيف سيختار رئيس الوزراء .. من أي كتلة سياسية .. ومن أي حزب .. المستقل يفترض فيه أنه يختلف مع جميع التيارات السياسية الحزبية لأنه لم ينتمِ إليها .. والمستقل فرد .. في حين أن المرشح الحزبي ينتمي إلي كيان مجموع.
تري كيف يمكن أن يحيل الرئيس الذي كان مرشحا مستقلا مشروعات القوانين إلي البرلمان إن لم يكن ينتمي إلي الأغلبية التي يمكنها أن تمرر القوانين .. هل يمكن أن يحيل قانونا ولا يحظي بموافقة البرلمان؟ كيف سوف يدير البلد إذن؟ هل سيكون الرئيس أسير أعضاء مجلس الشعب ومجلس الشوري؟ إن تلك حالة تخالف تماما منطق توازن السلطات والمهمة الرقابية التي يمارسها البرلمان علي السلطة التنفيذية.
هذه بعض مخاطر المرشح المستقل لرئاسة الجمهورية في نظام مصر .. ومن ثم فإن علي الأحزاب أن تنشغل بأمور حيوية أهم من المطالبة بتعديل الدستور .. وأن تطور آلياتها . .وأن تدفع الدماء الجديدة في شرايينها .. هذه مهمة وطنية قبل أن تكون حزبية .. وسوف نستفيد جميعا لو أن هذه الدفعة الأخيرة من قبل الأحزاب قد أدت إلي ذلك الذي نتمناه.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الأراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.