مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    البيت الأبيض: ويتكوف يتوجه لغزة غدا وترامب سيوافق على خطة مساعدات جديدة    رسميا، البرتغالي هيليو سوزا مديرا فنيا ل منتخب الكويت    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    دياز: كومباني أخبرني بأنني سألعب على الجناح الأيسر.. وهذه تفاصيل محادثتي مع فيرتز    مصرع سائق توك توك على يد 3 أشخاص بالقليوبية    ضبط فني ينتحل صفة أخصائي تحاليل ويدير معملًا غير مرخص بجرجا في سوهاج    أحمد كرارة يوجه رسالة لشقيقه بسبب "الشاطر"    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    سفير المغرب في حفل الذكرى 26 لعيد العرش: علاقتنا مع مصر أخوة ضاربة في عمق التاريخ    أمريكا تحظر منح تأشيراتها لأعضاء منظمة التحرير ومسئولى السلطة الفلسطينية    مسؤول أمريكي: شروط ترامب عدم وجود حماس للاعتراف بالدولة الفلسطينية    رئيس الوطنية للانتخابات يدعو المصريين للمشاركة فى انتخابات مجلس الشيوخ    عودة نوستالجيا 90/80 اليوم وغدا على مسرح محمد عبدالوهاب    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    القليوبية تحتفي بنُخبَتها التعليمية وتكرّم 44 من المتفوقين (صور)    واشنطن تبلغ مجلس الأمن بتطلع ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا 8 أغسطس    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    معاقبة شقيق المجني عليه "أدهم الظابط" بالسجن المشدد في واقعة شارع السنترال بالفيوم    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يشهد توقيع مذكرة تفاهم لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق (EHVRC)    وزير الثقافة يشارك باحتفالية سفارة المملكة المغربية بمناسبة عيد العرش    الخميس 7 أغسطس.. مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولى"    محافظ سوهاج يبحث استعدادات انتخابات مجلس الشيوخ ويؤكد ضرورة حسم ملفات التصالح والتقنين    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    ريبيرو يستقر على مهاجم الأهلي الأساسي.. شوبير يكشف التفاصيل    طريقة عمل الدونتس في البيت زي الجاهز وبأقل التكاليف    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    مصرع مسن أسفل عجلات اتوبيس على طريق بركة السبع بالمنوفية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    تعرف على كليات جامعة المنيا الأهلية ومصروفاتها في العام الدراسي الجديد    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وسيول الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    "يحاول يبقى زيهم".. هشام يكن يعلق على ظهوره في إعلان صفقة الزمالك الجديدة    محافظ المنوفية: تكريم الدفعة الرابعة لمتدربي "المرأة تقود في المحافظات المصرية"    البورصة: تغطية الطرح العام للشركة الوطنية للطباعة 23.60 مرة    تعليقا على دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية.. رئيس حزب العدل: ليس غريبا على الإخوان التحالف مع الشيطان من أجل مصالحها    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    الصحة: المرور على 1032 منشأة صحية وتدريب أكثر من 22 ألف متدرب    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    البابا تواضروس يشارك في ندوة ملتقى لوجوس الخامس لشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    "الأكثر تاريخيا".. ميسي يواصل تسجيل الأرقام القياسية في كرة القدم    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس .. المستقل .. خطر


تحليل سياسي يكتبه : عبدالله كمال
الرئيس .. المستقل .. خطر
كيف تكون قيادة مصر أسيرة التسول السياسي والمالي البرلماني؟
المعادلة الآن بسيطة جدا .. ويجب ألا يهرب منها أحد: الحزب الوطني، صاحب الأغلبية يجب أن يتقبل عمليا، وليس نظريا فحسب أو بالشعار فقط، أن حفاظه علي مكاسبه مرتبط بحياة سياسية تعددية شرعية (فعالة) . وأحزاب المعارضة لابد أن تدرك أن حربها الشعواء علي الحزب الوطني قد أضرتها بقدر ما أضرته .. ومن ثم فإن الجميع لابد أن يوقن أنه في قارب واحد .. يبحر في يم النظام القانوني .. وإن كان ركابه مختلفين إلا أن هذا لا يعني أنهم فرقاء أو يمكن أن يتعمد أحدهم ثقب القارب.
لا أحد يريد من أحد أن يكون مثله .. يحاكيه ويشابهه .. لا اليسار سوف يقبل أن يكون يمينا ولا اليمين سوف (يتمركس) غدا . هذا كلام غير منطقي ولا تقبله الديموقراطية في أساس فكرتها . ومن الطبيعي أن تسعي أحزاب المعارضة إلي إزاحة الحزب الوطني من مقاعده (سلميا) .. كما أن من الطبيعي ألا يتنازل الحزب صاحب الأغلبية عن مكتسباته (سلميا بدوره) .. ووفق هذا لابد أن يدور الصراع السياسي الذي يسمي قانونا (التنافس) .
عملية النفي المتبادل (التاريخية) التي قام بها كل فريق للآخر، هذا يقول إن الأحزاب بلا قيمة، وذاك يقول إن الأغلبية بلا شرعية، أضرت بالجانبين.. أهدرت مصداقية العملية السياسية.. وأدي التنابز المتواصل إلي هدم الثقة بين الناخبين في الواقع السياسي.. وهكذا فتحت الثغرات في النظام القانوني المدير للعملية السياسية.. فظهرت في الشارع حركات لا شرعية كثيرة .. تحت لافتات الاحتجاج .. وامتلأت الساحة بأكثر من محظورة .. ولم تعد هناك محظورة واحدة .. وإن اختلفت درجة خطورة كل منها علي الأمن القومي للبلد.
التشويه المتعمد والعلني والصريح للنظام المتعدد حزبيا من عناصره، قبل غيرهم، هو الذي أدي إلي نشوء (كفاية)، وما شابه، وهو الذي أدي إلي إحباط الشباب، وابتعادهم عن الأحزاب، وهو الذي جعل تلك الكيانات الحاصلة علي موافقة القانون بالعمل السياسي تنزوي شيئا فشيئا.. وتجد نفسها وقد سحب البساط من تحت أقدامها.. إذ ماذا تنتظر من شاب يريد أن ينخرط سياسيا في العملية الديموقراطية وهو يجد رئيس حزب ما يتكلم بصفة مستمرة عن أنه محاصر وضائع وعمله غير مجد؟.. وماذا تتوقع من فتاة تجد رئيس حزب آخر يقول طوال الوقت إن العملية السياسية فاسدة وتخضع للتزييف المستمر ولا أمل في الوصول إلي شيء.
الدولة والأحزاب
المعارضون الشرعيون هم الذين اختلقوا- بتراكم الظواهر- المعارضين غير الشرعيين، خاصة حين حفروا هوة بينهم وبين النظام الذي ينتمون له .. وقدموا أنفسهم للمجتمع علي أنهم من خارج النظام .. وأن النظام هو الحزب الوطني .. في حين أن كل حزب هو لبنة في بناء النظام .. وجزء من الدولة .. وعنصر في مقوماتها . وقد جف ريقنا ونحن نشرح أن هناك فرقا كبيرا بين الدولة ونظامها .. وبين الحكومة وحزب الأغلبية . وأنه لاينبغي أبدا لمن هم من مقومات النظام (بما في ذلك كل الأحزاب) أن يخلطوا ما بين النظام والحكومة والحزب.
الدولة هي البناء الذي يجمع الشعب والأرض . الكل تحت مظلتها . والنظام هو الإطار القانوني والمؤسسي الذي تنبني عليه قواعد التفاعل في الدولة ..السلطات والمؤسسات والعلاقات ..النظام هو غطاء الشرعية .. والأحزاب هي مؤسسات صغرت أو كبرت . والحزب الوطني أيا كان حجمه وأيا كانت هيمنته هو واحد من بين كل الأحزاب .. أتاحت له الأغلبية أن يشكل الحكومة .. والحكومة هي التي تدير البلد .. والإدارة تتغير لكن الدولة ثابتة .. ويفترض في كل الأحزاب أنها تؤمن بقواعد النظام ولا تعمل علي هدمه وليست بصدد الانقلاب عليه.
من حق كل حزب أن يسعي إلي أن يكون هو المسيطر علي الإدارة . ومن واجبه ومهماته أن يمضي إلي هذا الهدف . له أن يختلف عبر آليات القانون . لكن ليس عليه أن يهدم القانون . من حقه إن استطاع أن يغير القانون لكن ليس عليه أن ينقلب عليه . وله أن يسعي إلي تغيير الدستور .. ولكن هذا يقتضي آليات محددة .. وقدرات بعينها .. ولكن حتي وهو يتجه إلي تحقيق هدفه من تغيير الدستور فإنه لايمكن أن يفقد الجمهور الثقة في الدستور.
خلطت الأحزاب بين المفردات المختلفة . بل أخرجت نفسها واقعيا من النظام . في حين أنها جزء منه . وكان أن دفعت الثمن لولا أنها انتبهت أخيرا .
خطيئة الأغلبية
الحزب الوطني بدوره تعامل مع الأحزاب ردحا من الزمن علي أنها (عدو) ..في حين أنها خصم .. ومنافس .. وقد ظن أنه النظام .. قبل أن يقر بقاعدة أنه ليس هو الدولة وأنه سوف يأتي اليوم الذي يترك الحكم .. أو علي الأقل عليه أن يتخيل ذلك .. وحتي حين آمنت قياداته - بعد الإصلاح الداخلي - بهذا المبدأ الذي هو أساس التعددية .. فإنها واجهت صعوبة - تذوب بمضي الوقت - في إقناع الكوادر الأقل تنظيميا - وهي مهمة جدا - بنفس المنطق.
الجميع أدرك الآن أنه خسر، بقدر ما، كل حسب حجمه السياسي، وقدرته علي استيعاب الصدمات والمتغيرات، ومما لاشك فيه أن الوطني لم يعان بقدر ما عانت الأحزاب ..التي استخدمت معاول هدم الشرعية .. إلي أن امتلأت الساحة بالمتسلقين والقفازين والمزايدين وكلهم من خارج الشرعية وضدها .. وليس لديهم أي مانع في أن يلهبوا الشارع بالفوضي .. وأن يقضوا علي النظام .. وهذه هي أجندتهم المعلنة والصريحة .. ولا يخجلون منها.
إن الموقف الذي بلورته تفاعلات مؤتمر الأحزاب الأربعة الرئيسية في معسكر المعارضة خلال الأسبوع الماضي .. كان خطوة علي طريق استعادة الوعي بالدور والقيمة والمكانة .. قبل أن يكون خطوة سياسية معلنة من قبلها لكي تتحالف علنا ضد الحزب الوطني .. وتتجمع في ائتلاف .. أو خطوة في اتجاه مسعاها لتعديل الدستور.
أختلف بالتأكيد مع الكثير مما ورد في البيان الصادر عن المؤتمر، ومن المؤكد أن هناك تناقضات عميقة بين تلك الأحزاب (الوفد - التجمع - الناصري - الجبهة) تشير إلي احتمال أن يكون (الائتلاف) مظلة جامعة أكثر من كونه تحالفا وثيق الترابط، لكنني في النهاية أقرأ ما جري بطريقة مختلفة .. أبعد مما ورد في البيان .. وفي ضوء أنني كتبت قبل انعقاد المؤتمر بنحو أسبوعين في جريدة روزاليوسف مقالا عنوانه (تحية إلي أحزاب المعارضة) :
هذا انتصار للشرعية .. تدرك أهميته وخطورة تأثيره الجماعات غير الشرعية .
هذا تحرك في إطار القانون .. وتحت غطاء القانون .. حتي لو كان يسعي إلي تبديل القانون.
- دفع المؤتمر بدفقة حيوية في شرايين الأحزاب المعارضة .. سواء كانت تلك التي اجتمعت .. أو تلك التي لم تكن بينها .. وسوف تشعر بأن عليها أن تهرول لكي تجد لها مكانا في الساحة.
التحرك هنا جاء بدون تدخل من الإدارة .. أو إعاقة .. أو تحفيز .. وتمتع بكل الحرية والعلنية وجرت المناقشات بدون أي تعطيل.
أحدث هذا التحرك وتفاعلاته استقطابا واضحا بين معسكرين صريحين: الأحزاب الشرعية .. والحركات غير الشرعية (كفاية - الإخوان - جمعية البرادعي - أحزاب لم تؤسس وتعمل تحت لافتات أنها تحت التأسيس .. وغير ذلك).
هذا التحرك أخرج الأحزاب الشرعية من مجموعة الآليات غير الشرعية التي تلوح بها الحركات غير الشرعية .. ومنها: العصيان المدني - الانتفاضة الشعبية .. وحتي والأحزاب تعلن اللجوء لتحرك في الشارع فإن هذا يأتي منها في إطار القانون.
- أفقد هذا التحرك الحركات غير الشرعية فرصة التماهي التي كانت تخدع بها الناخبين .. وكونها في معسكر واحد مع الأحزاب الشرعية المعارضة ..بحيث سوف تبدو علي حقيقتها .. أصواتا بلا قاعدة .. كل تصرفاتها غير قانونية.
- أعلي هذا من القيمة السياسية للأحزاب المعارضة وأدخلها في معادلات تقاسم التأثير .. وزكي وجودها بين الأجيال الجديدة .. ولو جزئيا . ولفت الأنظار إلي كياناتها .. وإلي خطابها.
- الثمن المدفوع
ومن المؤكد أن هذا التحرك لن يمر بشكل عابر .. خاصة أنه يستبق التنشيط المتوقع في التفاعلات السياسية التالية (ثلاثة انتخابات في مجلس الشوري ثم في مجلس الشعب وبعدهما علي مقعد الرئاسة).. وأول الآثار هو أن الأحزاب الأربعة بدأت في التعرض لحملات تشويه متعمدة وتصفية شخصيات سياسية .. بقصد إرهابها .. أو إفقادها الحماس .. أو نزع المصداقية عنها .. أو جرها مجددا إلي ساحة الحركات غير الشرعية.
ولا أبالغ إذا قلت إن هناك مشاعر خوف لدي الأحزاب .. وأن فيها من يضع قدما هنا وقدما هناك .. بل إن عددا من عناصر الحركات غير الشرعية لديها تمثيل ما في داخل عدد من تلك الأحزاب .. وبعض القيادات تشارك علنا في الفعاليات التي تنظمها الحركات التي تخالف القانون .. وهناك تحركات لا يمكن توقع ذبولها قريبا داخل الأحزاب ..لكنها سوف تنزوي بمضي الوقت ومع إصرار قيادات الأحزاب علي التمسك بالشرعية .
أعرف أن هذا الصخب الداخلي يؤثر بشكل ما علي الخطاب السياسي، وقد يدفع تلك الأحزاب إلي الحدة والعنف .. لكي تثبت أنها لاتمالئ الحكم كما تدعي عليها تقارير صحفية مفبركة أو الحروب النفسية من حركة كفاية أو ماكينة شائعات جماعة الإخوان .. لكن هذا ثمن مقبول مادام سوف يؤدي إلي ترسيخ المجتمع المدني .. وإعادة تنشيط التفاعلات الشرعية .. وتجسيد التعددية بمعناها الحقيقي لا الشكلي.
غير أن علي الأحزاب، وهي تستعيد الوعي الوطني الذي جمدته حينا أن تنتبه إلي أن المشكلة ليست مجرد دفاعات في مواجهة الحروب الشعواء التي تخوضها الآن ضد حملات التشويه .. هذا جانب تحصيني متفهم .. ولكن الجانب البنائي الأهم في مرحلتها المقبلة يتعلق بمجموعة من الأمور التي تقود إلي تحقيق هدف واضح .. وهو تحفيز الشباب المتناثر والمبعثر .. أو الذي تجتذبه الحركات المحظورة .. علي الانضمام إلي الأحزاب أيا كان انتماؤها .. ودفعه إلي الانخراط فيها .. وزيادة طلبه عليها .. بدلا من أن يذهب إلي غيرها من أنشطة وكيانات ليست شرعية.
ولن يتحقق هذا بدون انتباه إلي أن الأحزاب ليست صحفا .. وأن الكيانات السياسية لابد أن تكون لها تنظيمات دقيقة ومتراتبة وفعالة ومجدية .. وأن تفتح النوافذ للهواء النقي .. وأن يكون الأفق منفتحا علي الشباب .. والأهم والأجدي قبول منطق التغيير والتطوير داخل الأحزاب .. بدلا من التكلس الحادث فيها الآن.
إن هذا لايعني أنني أطالب بتغيير القيادات الحزبية . علي العكس الكثير منها يمثل ضمانة حقيقية لصمود تلك الأحزاب أمام الأنواء والرياح العاتية .. وإنما أطالب بإطلاق عملية (تحديث) تعلنها الرغبة في إضفاء الحيوية علي الأحزاب .. فتزيد جاذبيتها .. وتنمو أهميتها .. وترتفع معدلات الثقة فيها .. وبحيث تمثل بديلا مدنيا حقيقيا .
فيما مضي، وقبل ثماني سنوات، كان يوسف والي ينتمي لمدرسة تقليدية جدا في السياسة، تؤمن بأنه علي الحزب الوطني إغلاق أبوابه بعد أي انتخابات .. كانوا يقولون وقتها (طفي الماكينة) ..ليس من المصلحة أن تبقي (شغالة) .. وكانوا يقفون ضد أي تطور أو سعي إليه .. وهكذا علي سبيل المثال حورب الدكتور حلمي الحديدي وحورب ممدوح البلتاجي .. وفيما بعد جري التقييم .. وتحركت عملية الإصلاح .. وابتعدت مدرسة (طفي الماكينة) .. وجري الحراك في الحزب الوطني قبل أن يتفاعل في الساحة السياسية المصرية كلها.
الأحزاب يجب أن تدخل هذه المرحلة بدورها .. لابد أن تتطور .. أن تقبل رياح العصر .. وأن تفتح الأبواب .. وأن ترتضي التنافسية داخلها حتي ينعكس هذا علي النشاط السياسي في مصر كلها .. فلا تتعثر في الوصول إلي كوادر تمثلها في الانتخابات .. ولا تبقي أسيرة مجموعة أسماء معلنة ومعروفة منذ سنوات بعيدة .. وحتي يجد الشباب نفسه داخلها .. فتتدفق الحيوية .. وتقوي الكيانات .. وتختفي النباتات الشيطانية التي تتغذي في الأرض البور غير المنزرعة.
- تعديل الدستور
وكما يعرف الجميع فإنني لست معارضا، ولكن حماسي لتحرك أحزاب المعارضة له أسباب وطنية، وحتي لو كنت أختلف معها في مسألة مطالبتها بتعديل الدستور .. فإنني أجد في تنشيطها نوعا من التحصين للأمن القومي للبلد .. حماية له .. وهل يوجد خطر أكبر من أن تسيطر علي الشارع قوي محظورة وكيانات غير شرعية.
لكن هذا لايمنعني من أن أناقش الأفكار التي ترددها الأحزاب بخصوص تعديل الدستور .. إن هذا يقودنا مجددا إلي مناقشة إيجابيات وأهمية المادة 76 المتعلقة بطريقة اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية .. ودع الآن جانبا ما تطالب به الأحزاب بخصوص المادة 77 المتعلقة بمدة بقاء الرئيس في موقعه ..هذه ليست المشكلة العويصة في الجدل .. ولا أعتقد أن هناك أي مرشح قادم من أي اتجاه لن يعمل التفكير فيها بعمق.
المادة 76 هي أهم مصلحة للأحزاب التي تطالب بتعديلها .. لأن مضمونها يؤكد علي التعددية الحزبية ويرسخ وجود الأحزاب .. ويقف ضد الكيانات غير الشرعية .. ومن ثم هي من العوامل الأكيدة التي تزيد الطلب علي الأحزاب وعلي الانخراط فيها .. لأن المميزات الدستورية تمنح للمرشح المنتمي لحزب كما أصبح يعرف الجميع.
ولست بالتالي أجد أي منطق في أن تكون الأحزاب هي أول من يدافع عن ضرورة تعديل المادة 76 وهي المستفيد الأول منها .. وليس الحزب الوطني.
لا أريد أن أعود إلي الأهمية القومية لضمانة ألا يكون أي مرشح للانتخابات مجرد عابث عابر .. بلا خلفية معلنة .. أو تنظيم مساند .. ولا أريد أن أذكر هنا بأننا حين نتطرق إلي هذا الموضوع إنما نقرر مصير الإقليم .. الكل يعرف ما هي قيمة وتأثير رئيس مصر ومكانته ودوره في الإقليم .. وكيف يكون أمن الإقليم مرتبطا أكيدا بموقع رئيس مصر ..مهما قال البعض إن دور بلدنا قد تراجع .. أو تأثيره قد اضمحل .. إن الناخب المصري وهو يختار رئيسه إنما يقرر مستقبل الإقليم.
لكن ما أريد أن أذهب إليه .. هو أن تعديل الدستور بحيث يتيح الفرص لمرشحين يوصفون بأنهم مستقلون .. يمثل خطورة حقيقية علي استقرار البلد .. وفي هذا أسجل بعض الملاحظات:
- لأن المرشح المستقل لا ينتمي إلي تنظيم يرتبط بكتلة أصوات .. وليس لديه كيان يستند إليه .. فإنه يتحول إلي مرشح الاستجداء والتسول السياسي .. يتنازل لهذا الكيان .. ويطيب خاطر هذه المجموعة .. ويتقرب إلي تلك الفئة .. ويتزلف إلي غيرها .. والمبرر واضح .. فهو يريد أن يحصل علي أصوات وعلي مساندات .. ومن ثم يكون فيما بعد لو نفعت هذه التسولات السياسية وحققت له الفوز .. رئيسا تحت رحمة الجميع .. مدينا للجميع .. عليه أن يرضي كل من جعلوا منه رئيسا .. ويسدد لهم الفواتير .. فهل هذه مواصفات رئيس لمصر.
وليس بعيدا عن تلك الحالة أن نرصد هذا التضارب الحادث في مواقف محمد البرادعي .. حتي لو لم يكن قد أعلن أنه سوف يترشح للانتخابات .. وقد لاحظ الجميع بالطبع أنه قد تورط في التصريح بقبول فكرة ومنطق الأحزاب الدينية .. لأنه يريد أن يمد يده إلي جماعة محظورة .. فاضطر لأن يقول كلاما من المفترض أنه ضد ثقافته .. وضد علمانيته .. وهو ما فتح أبواب القلق منه .. والخشية من احتمالات عبثه.
- المرشح المستقل سوف يكون أسيرا لضغوط المال .. الأحزاب تمول مرشحيها .. لكن المستقلين سوف يكونون ملتقي للمتبرعين والدافعين من تحت وفوق الموائد .. أي رجل أعمال عابر سوف يكون له تأثير في حملاتهم الانتخابية .. وأي برنامج تمويل أجنبي سوف يكون ضاغطا علي برامجهم .. إن للأموال الفردية الشخصية حساباتها وفواتيرها ..التي لابد أن يدفعها المدين فيما بعد .. في حين أن الأحزاب حين تمول مرشحها فإنها تخدم أهدافها ومبادئها في إطار القانون .. ولا أعتقد أن أحدا يريد أن يكون رئيس مصر خاضعا لمن مولوا تحركاته وأنشطته.
- الرئيس الذي كان مرشحا مستقلا لا يمكن توقع ضمانة الاستمرار معه . لو أنه مستقل .. كيف سيختار رئيس الوزراء .. من أي كتلة سياسية .. ومن أي حزب .. المستقل يفترض فيه أنه يختلف مع جميع التيارات السياسية الحزبية لأنه لم ينتمِ إليها .. والمستقل فرد .. في حين أن المرشح الحزبي ينتمي إلي كيان مجموع.
تري كيف يمكن أن يحيل الرئيس الذي كان مرشحا مستقلا مشروعات القوانين إلي البرلمان إن لم يكن ينتمي إلي الأغلبية التي يمكنها أن تمرر القوانين .. هل يمكن أن يحيل قانونا ولا يحظي بموافقة البرلمان؟ كيف سوف يدير البلد إذن؟ هل سيكون الرئيس أسير أعضاء مجلس الشعب ومجلس الشوري؟ إن تلك حالة تخالف تماما منطق توازن السلطات والمهمة الرقابية التي يمارسها البرلمان علي السلطة التنفيذية.
هذه بعض مخاطر المرشح المستقل لرئاسة الجمهورية في نظام مصر .. ومن ثم فإن علي الأحزاب أن تنشغل بأمور حيوية أهم من المطالبة بتعديل الدستور .. وأن تطور آلياتها . .وأن تدفع الدماء الجديدة في شرايينها .. هذه مهمة وطنية قبل أن تكون حزبية .. وسوف نستفيد جميعا لو أن هذه الدفعة الأخيرة من قبل الأحزاب قد أدت إلي ذلك الذي نتمناه.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الأراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.