رغم أن العلاقات المصرية الليبية تعد نموذجا يحتذى على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية والشعبية ، وفى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ساعدت على حركة السكان والمبادلات الاقتصادية والحضارية بين البلدين، ، إلا أن تصريحات لرئيس الوزراء المصري هشام قنديل حول "حق مصر في إقليم برقة شرق ليبيا وفي النفط الليبي" جاءت لتثير حالة من القلق لدى العديد من الأوساط السياسية والشعبية فى ليبيا . وفي أول رد فعل على تلك التصريحات استدعت الحكومة الليبية أمس الأحد، السفير المصري في طرابلس، وطالبته بإيضاحات رسمية حول تصريح منسوب الى رئيس حكومة بلاده قال فيها إن لمصر أحقية في الأراضي الليبية.
دولة ذات سيادتها
وطلب رئيس الحكومة الليبية علي زيدان خلال استدعائه السفير المصري بطرابلس هاشم عبد الواحد، بضرورة الاتصال بحكومة بلاده لتوضيح تصريحات منسوبة الى رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل قال فيها إن لمصر أحقية في الأراضي الليبية.
وأكّد زيدان أن "ليبيا لن تقبل المساس بسيادتها أو أي جزء من أراضيها"، قائلاً إن "الليبيين الذين قاوموا الاستعمار الإيطالي وعاشوا في ظل ظروف معيشية صعبة، سيقاومون أي شخص يحاول التفكير في المساس بتراب الوطن ولو أكلوا الحجر".
ولفت إلى أنه رغم عدم التأكد من تصريحات قنديل غير أننا "استغربنا هذا النوع من التصريحات بعد أحاديث الكاتب المصري حسنين هيكل الذي كان الداعم الأساسي للنظام السابق منذ انقلاب أيلول/سبتمبر عام 1969".
وأضاف "لم نكترث بتصريحات هيكل باعتباره صادر عن شخص لا يمثل إلا نفسه، لكن يأتي تصريح رئيس الحكومة المصرية ليصبح مصدر قلق للشعب الليبي ولرئاسة الحكومة والبرلمان اللذين تلقيا اتصالات كثيرة تعبّر عن التأثر بمثل هذه التصريحات".
وأشار زيدان إلى أن السفير المصري نفسه "عبّر عن استغرابه لهذا الأمر"، وأكد أن "مصر لم يكن في سياستها الماضية أو الحاضرة مثل هذا التفكير، وأن ما نقل عن رئيس حكومة بلاده غير وارد إطلاقاً".
وقال زيدان إن "مصر جارة عزيزة وستظل دائماً محل تقدير واحترام"، ولفت إلى أن ليبيا "لم تتدخّل في شئون أحد ولم تعتدِ على أحد".
مخطط إخواني
هذا وقد وصف محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية بليبيا، تصريحات رئيس الوزراء المصري بالأمر الخطير، ودعا المؤتمر الوطني إلى اجتماع عاجل لمناقشة الموضوع لأنه يمس السيادة الليبية بدل أن يجتمعوا ليعلنوا كم شخصا سيتم استبعاده من المشهد السياسي لليبيا، في إشارة إلى قانون العزل السياسي الذي يثير خلافات داخل المؤتمر.
وقابل كتاب ومحللون ليبيون ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بغضب كبير تصريحات قنديل، خاصة وقد ارتبطت بتصريحات سابقة للكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل قال فيها إن منطقة برقة الليبية "الغنية بالنفط" تابعة للأراضي المصرية.
ولفت محللون إلى أن هناك نية لدى دوائر إخوانية مصرية لتوتير العلاقة بين البلدين بعد أن فشل إخوان ليبيا في الانتخابات ولم يتمكنوا من إنجاح مخطط إخواني سري يقوم على جعل تونس وليبيا ومصر نواة للدولة الإخوانية بالمنطقة.
يشار إلى أن التيار الليبرالي بقيادة محمود جبريل قد فاز في انتخابات المؤتمر الوطني على مستوى القائمات، كما حاز المستقلون غالبية المقاعد المخصصة للأفراد، ولم يحقق الإسلاميون بمختلف تلويناتهم نتائج تذكر.
لكن هؤلاء المحللين قالوا إن التصريح لو ثبتت نسبته لقنديل فإن الهدف منه هو ممارسة ضغوط على حكومة ليبية ما زالت تتلمس طريق الاستقرار والإمساك بالملفات الداخلية الكثيرة، ودفعها إلى الارتماء في أحضان إخوان مصر، وفتح خزائنها لإخراجهم من الورطة، خاصة أنهم وعدوا المصريين بمشروع ل"النهضة" يحل كل مشاكلهم في فترة زمنية قصيرة.
وفشل إخوان مصر إلى الآن في توفير التمويلات اللازمة للشروع في خطتهم الاقتصادية التي يقولون إنها ستوفر آلاف مواطن العمل، وتخفف أزمة السكن خاصة لدى الفئات المهمشة.
ودعا أحد الكتاب هاشم قنديل إلى الاعتذار لليبيين والمصريين معا، قائلا "إنني على ثقة من أنك ستدرك ضرورة الحفاظ على علاقات حسن الجوار والتعاون مع ليبيا، ليس فقط من منظور الحرص على المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة، لكن أيضا بما يحتمه الفهم الصحيح لأمن مصر القومي وكونه يبدأ باستقرار أمن دول الجوار وعلى رأسها ليبيا".
وقلل مراقبون من تداعيات تصريح قنديل ومن قبله هيكل، لافتين إلى أن العلاقات التاريخية بين البلدين الجارين ستكون أكبر من الأشخاص والأحزاب الحاكمة، وأنه سيتم تطويقها سريعا.
وكشف هؤلاء المراقبون عن أن رحيل الاستعمار خلف الكثير من "الألغام" التي تخص ترسيم الحدود بين مختلف دول المنطقة، وأن تفكيكها يتم بالحوار، والاحتكام إلى القانون الدولي.
وينظر الليبيون بريبة إلى خطط إخوان تونس ومصر في علاقتهم بليبيا التي تسعى لتوظيف إمكانياتها الذاتية في تحقيق ثورة هادئة بعيدا عن الشعارات وعن أي تنظيمات ذات أهداف مشبوهة.
خطورة التصريحات
وتعليقاً على تلك التصريحات أعرب أيمن نور رئيس حزب غد الثورة - عن اندهاشه من تصريح الدكتور "هشام قنديل" رئيس الوزراء لصحيفة الديار اللبنانية وطالبه بنفي هذه التصريحات.
فقال نور - عبر حسابه الشخصي على موقع التدوين العالمي "تويتر" - مندهش من تصريح رئيس الوزراء لصحيفة الديار اللبنانية حول حقوق مصر في الأراضي الليبية، ولا بد من نفي عاجل واعتذار لخطورة التصريح على العلاقات الثنائية.
مصر تنفي
من جانبها عبرت الحكومة المصرية، على لسان السفير علاء الحديدي المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء عن اندهاشها من الأنباء تداولتها إحدى الصحف العربية، ونسبت إلى الدكتور هشام قنديل بشأن حقوق مصرية في إقليم برقة شرق ليبيا وفي النفط الليبي.
وأكد السفير علاء الحديدي أنه لم تصدر مثل هذه التصريحات عن الدكتور هشام قنديل أو عن أي مسئول مصري آخر، مؤكدًا أن علاقات تعاون وثيقة تربط مصر بليبيا حكومة وشعب، خاصة وأن الشعبين يتشاركان في الكثير، ولا سيما أنهما قاما بثورة لإحداث تغيير حقيقي وعميق في كلا البلدين من شأنه أن يعلي المصالح المشتركة لهما، وأن يبتعد عن أي خلافات.
كما نفى أحمد سبيع المتحدث الرسمي لحزب الحرية والعدالة لليبيا ما نسب لقنديل ، مؤكداً على أن هذة الأقوال لا تعدو كونها شائعات تهدف لزعزعة الاستقرار بين مصر وليبيا والنيل من العلاقة القوية بين الشعبين خاصة وأن هذه التصريحات لم تنشر في اى وسيلة اعلامية مصرية وتأتى قبيل زيارة اول زيارة للرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى الى ليبيا خلال هذا الشهر .
وأكد سبيع أن العلاقات المصرية الليبية علاقات قوية مبنية على أواصر الصداقة والأخوة وهى أصيلة محترمة وبناءة، فليبيا مهمة جداَ لمصر في السابق أو الحاضر أو فى المستقبل . وبين أحمد سبيع أن لليبيا موقف كبير فى دعم الاقتصاد المصري فهى حجر زاوية مهم جداَ فى جذب الاستثمارات الليبية لمصر ،كما تفتح ليبيا ذراعيها للمصريين العاملين فيها وتسمح بحركة تجارية واسعة بين البلدين .
قناة القذافي
وكان العام الماضي قد شهد أيضاً أزمة بين مصر وليبيا عندما تفجرت أزمة بين القيادة الجديدة في ليبيا، والمجلس العسكري الحاكم في مصر حينها ، بعد عودة قناة "الجماهيرية" الفضائية إلى البث عبر القمر المصري "نايل سات".
وأصدر مجلس ثوار طرابلس بيانا حمل فيه مسئولية إعادة بث القناة الناطقة باسم نظام العقيد القذافي، إلى المجلس العسكري في مصر وهدد بالرد عبر إقفال الحدود مع مصر وإغلاق السفارة المصرية في طرابلس.
وأكد المجلس استعداده "للرد على أي عمل يستهدف الثورة الليبية"، حيث أوضح رئيس المجلس عبد الله ناكر "لن تأخذنا رحمة بكل من يحاول القضاء على ثورتنا.. سنكون حازمين ونتخذ الإجراءات اللازمة".
ألا أن مصر قامت بتحرك عاجل لاحتواء تداعيات ازمة النايل سات ووقف بث هذه القناة والتى كانت تذيع خطبا ولقاءات للعقيد القذافى قبل قتله ، وتسارعت الاتصالات المصرية الليبية عبر وزارتى الخارجية والسلطات الاعلامية فى البلدين لاحتواء هذه الأزمة والتأكيد من جديد على ثوابت العلاقات المصرية الليبية وتوفير استحقاقات تعاون بين ثورتي البلدين في الأيام القادمة وتم الاتفاق على سرعة إغلاق هذه القناة المجهولة على الفور.
وصرح مصدر مسئول للشركة المصرية للاقمار الصناعية بأن اقمار النايل سات لم ولن تحمل قناة اسم "الجماهيرية الليبية" أو أى قناة تدعم النظام الليبى السابق. وأضاف أن قناة الجماهيرية قد بثت من موقع النايل سات 7 درجات غربا عبر قمر أوروبى وتوقفت فى نفس اليوم.
وقال المصدر ان النايل سات يبث فقط القنوات التى يوافق عليها المجلس الانتقالى الليبى وقد كانت هناك مجموعة من القنوات الليبية تبث فعليا من النايل سات وأرسل لنا المجلس الإنتقالى الليبى خطابا يطالب فيه باستمرار هذه القنوات حيث إنها تابعة للشعب الليبى وهم من يدفعون مقابلها للنايل سات، على أن يتم تغيير أسمائها.
وأضاف إن أية قناة ليبية تريد البث من ليبيا على النايل سات نشترط عليها إحضار موافقة المجلس الانتقالى الليبى بالاضافة للشروط المعروفة لبث أى قناة وذلك حرصا منا على العلاقات المصرية الليبية ولتفادى نشوب اية أزمات.
كما شهدت العلاقات بين مصر وليبيا أزمة أيضا عندما ترددت أنباء عبر وسائل الإعلام المكختلفة ، عن تهديدات ليبية بطرد العمالة المصرية من ليبيا، وربط ملف العمالة المصرية بملف سياسي خاص بتسليم بقايا نظام القذافي الموجودين في مصر ، مما أعقبه هجوم مسلح على مجمع سكني لعمال مصريين ، إلا أن السفير عادل العدوي مساعد وزير الخارجية الأسبق استبعد ، وجود أي أزمة بين العلاقات المصرية الليبية، واصفًا تلك الانباء، بأنها "تجاوزات لم ترتق إلى حد الأزمة".