: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بقلم السفير نبيل فهمى*
طرحت ما تسمى باهداف الربيع العربي اسئلة كثيرة حول علاقات دول الشرق الأوسط (دول عربية - اسرائل - إيران ) فيما بينها ، و علاقات تلك الدول مع الدول المجاورة للمنطقة (مثل تركيا ) وبين دول المنطقة ودول العالم وتكتلاتها الكبرى (الولاياتالمتحدة - الاتحاد الأوروبي - روسيا - الصين) فختلفت المواقف و ردود الفعل لتغيير الأنظمة في تونس ومصر. ثم ما شهدناه من تغييرات في اليمن وليبيا ، وكان لكل ذلك انعكاسات على مواقف الأطراف الإقليمية والدولية من أحداث و تطورات الوضع في سوريا. وأعتقد إنه رغم كل ما قيل عن وجود أيدي خارجية في التغييرات العربية ويخطأ من يتصور أن تلك الأهداف تمت في عزلة عن العالم ، إلا انني لا اتفق مع الرأي الداعي، بأن كل ما شهدناه ونشهده الأن إنه جزء من مؤامرة خارجية على النظام العربي ، لأن في ذلك رجاف للهوية العربية وأرادت الشعوب العربية في الحرية، والسبب الثاني هو تباين وتضارب المواقف العالمية بما في ذلك المنطقة الواحدة مثل العالم الغربي أو حتى داخل دولة بذاتها مثل الولاياتالمتحدة في التعامل مع تطورات تونس ومصر تحديداً كما بات واضحاً من تذبذب مواقف فرنسا بالنسبة للوضع في تونسوالولاياتالمتحدة فيما يتعلق بالتطورات المصرية .
رأيت البدء بهذه الملحوظة للتنويه بأنني لاين من مؤيدي المؤامرة الكبرى انما من المحذرين من خطورة إستغلال التقلبات العربية وضعف النظام العربي من قبل الغير في تحقيق مصالحهم ، بل قد تمتد القضايا وتتشابك الأمور التي تجعل مصالح أطراف عربية وغير عربية على المستوى الإقليمي والدولي تغلب على موقفها ومبادئها في التعامل مع قضايا الربيع العربي وعلى حساب الشعوب المعنية مباشرةً ، ولعل الوضع في سوريا أكبر مثل على ذلك.
بدئ لي بدء أعتقد أن كافة الأطراف غير السورية كانت تفضل إستقرار الأمور على ما كانت عليه قبل الربيع العربي ، مقارنةً بالتعامل مع إحتمالات متعددة وغير واضحة المعالم لما نشهده في الساحة السورية الأن ، ولا استثني في ذلك أحد. إسرائيل ، الولاياتالمتحدة ، روسيا ، الصين ، إيران ، المملكة السعودية ، قطر ، مصر، تركيا ، والاتحاد الاوروبي .
إما وقد حدث ما حدث بدءًا بربيع عربي في شمال أفريقيا وممتداً شرقاً، إلى توترات في الخليج العربي بتنشيط الدور الإيراني في البحرين والعراق تحديداً ، إلى توسع النيتو في العمليات العسكرية في ليبيا إنطلاقاً من مباركة عربية ومستنداً على قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتنامي قوة المعارضة السورية في الداخل وعنف وشراسة ودموية رد فعل النظام السوري مع فشل كل محاولة لإيجاد حل سياسي مبكر تحت قيادة كوفي عنان سكرتير عام الاممالمتحدة السابق. إزاء كل ذلك لم يعد الإستقرار بديلاً متاحاً لأي من الأطراف السوري أو العربي أو غير العربي ، والمعارك والمواقف بين كل هؤلاء دخلت في منعطف أكبر و أخطر وهي في الأساس مواقف لها طابع إستراتيجي أهم ملامحها وصورها ما يلي :
أولاً: الساحة السورية
لم يعد بلإمكان تصور وصول إلى حل وسط بين المعارضة السورية في الداخل والنظام السوري برموزه وعلى رأسهم بشار الأسد وعائلته ، ومن ثم البقاء لأحدهم وليس الأخر ، يدخل في الإعتبار في هذه الساحة توازنات مختلفة بين السنة بمعنى التيار السياسي الإسلامي والشيعة والعلوين وغير المسلمين والأكراد ألخ ..
غنى عن القول إن إنهيار النظام السوري سيكون رسالة لإنتكاسة نفوذ إيران على البحر المتوسط فضلاً عن أنه سيصعب علاقته من الأطراف المختلفة في لبنان وعلى رأسهم حزب الله. إذاً تدافع إيران عن مكانتها الريادية وهيبتها في الشرق الأوسط والتي شهدت تنامر واسع نتيجة أحداث العراق جعلتها ضمن أمور فرس تنشط سياسياً في الخليج العربي وبالتحديد في البحرين . من المقابل نجد موقف المملكة السعودية مؤيداً للثوار رغم أنه لم يكن مؤيداً الثورات في شمال أفريقيا بات صرامة في الشام أساساً ضد إيران ليس دعماً لطرف أو مواجهة لأخر بين الجانبين السوريين .
وجدت الولاياتالمتحدة نفسها في موقف بالغ الحساسية في قضايا الربيع العربي ، فمن ناحية كنت ملتزمة بدعم الديمقراطية فلم يكن أمامها خيار معارضة تطلعات الشعوب إلا أن ذلك كان ولا يزال يعني ضرورة قبول تغيير قيادات سياسية عربية اعتادت التعامل معه وعلى رأسهم الرئيس مبارك في مصر والرئيس بشار الأسد في سوريا ، وكلاهما إحتفظ بإستقرار وهدوء جبهتهما مع إسرائيل بصرف النظر عن المناوشات اللفظية ، ويضاف إلى ذلك أن المجتمع الأمريكي بعد أن انغرز في العراق وأفغانستان كان رفضاً الدخول في عمليات عسكرية جديدة ، فرأت الادارة بلنسبة للوضع في ليبيا وكذلك الوضع في سوريا دعم التغيير دعماً لوجستيكياً ومن خلال النشاط المخابراتي والقوات الخاصة.
إلا أن الوضع في سوريا كان ولايزال أكثر تعقيداً مما شهدناه في ليبيا فامكانيات الجيش السوري حتى الأن جعلت من الصعب تصور القيام بعمليات عسكرية واسعة دون حدوث خسائر كبيرة لقوات المجتمع الدولي وهو ما دفع الجانب الأمريكي إلى التنويه بشكل متكرر أن الخيار العسكري الخارجي ليس متاحاً ، رغم وجود عمليات لقوات خاصة بين أنٍ وأخر.
المشكلة الثانية بالنسبة للخيار العسكري أو التحفظ الشديد لروسيا ومعها الصين من مد اليد الطولي للموحد الأطلنطي للقيام بعمليات عسكرية لتغيير الأنظمة تحت غطاء التأييد أو الدعم الدولي ، أي أن الموقف الأمريكي كان عليه أخذ في الاعتبار تداعيات أي خطوات من جانبه على العلاقة مع روسيا والصين.
في نفس الوقت لم يستقر أن يحسم الأمر داخل سوريا فبات من الصعب أيضاً السكوت على ما نشهده من قتل وخسائر دون تحرك دولي، فنشطت الإتصالات الأمريكية الروسية خاصةً في جو نيتو ومع المبعوث الاممي الأخضر الابراهيمي سعياً لصفقة سياسية وشاهدنا التطور في المواقف المريكية بالتنويه العربي باحتمال توفير دعم لاسلحة فتاكة -إن لم يتخذ القرار رسمياً حتى الأن - أو في مستوى التعامل مع المعارضة السورية المتجددة الأشكال والهياكل.
و بالتوازي مع كل ذلك تجد الاممالمتحدة نفسها في موقف حرج وحساس بالنسبة لها وإسرائيل لأن مع رفضها لنظام بشار ودعمها للحريات فلا تشعر بالراحة والإطمئنان تجاه توجهات المعارضة السورية خاصةً بالنسبة للتيار السياسي الاسلامي وكذلك لقدرة المعارضة السوريا الحفاظ على إستقرار الأوضاع ما بعد بشار وتخشى تنامي تيار إسلامي متطرف مدعم ملياً وتسليحياً كما تخشى إنهيار الأوضاع في سوريا وتنظر إلى تداعيات كل ذلك على الجبهة السورية الإسرائيلية.
لروسيا علاقات تاريخية تقليدية مع الأنظمة السورية المعاصرة خاصة مع عائلة الأسد حافظ ثم بشار فضلاً عن وجود علاقات عسكرية وأمنية قوية بين البلدين وخاصةً بين البحرية الروسية ومع هذا لا ترغب روسيا أن ترى نفسها في موقف متناقض ومتعرض مع ما يسمى بالربيع العربي، وأعتقد أنها تقدر أكثر من غيرها نقاط القوة والضعف في المنظومة السورية السياسية نتيجة لتواجدها الجغرافي والامني والعسكري في الساحة السورية لسنين طويلة ، مع هذا فمن الأرجح أن الاعتبارات العسكرية التي تحكم الموقف الروسي هي تخوفها من تنامي التيار السياسي الاسلامي المتطرف مما قد يشجع تيارات ممثلة داخل روسيا نفسها أو المناطق المجاورة لها ، والاعتبار الثاني والأهم هو رغبتها في كبح جماح الانتشار الغربي عامةً في فرض توجهاته و وصيته على العالم وتحذير الدول الغربية وعلى رأسها الاممالمتحدة من تجاهل روسيا ومواقفها وحساسيتها في التعامل مع الساحة الدولية خاصة مع وجود مؤشرات أخرى لذلك ومن ضمنها الخلاف الذي أثير حول نشر الصواريخ في بولندا.
مع هذا تعلم روسيا تماماً أنه لا عودة في المشرق وفي سوريا إلى ما كان الأمر عليه وأن المغول قد يكون اخطر بكثير ، لذلك فمن مصلحتها مثلها مثل الولاياتالمتحدة الوصول إلى صفقة سياسية للصراع داخل سورية، وانما مسألة توازنات سياسية وتفاوضية ، وهو ما جعل وزير خارجية روسيا يشير إلى أن موقفه ليس الدفاع عن الرئيس بشار في حد ذاته، مع رفض روسيا في أخر جولة مفاوضات روسية أمريكية بجنيف منذ البداية في أي صفقة سياسية ان الرئيس السوري ليس طرفاً فيها.
خامساً: الصين
لا توجد مصالح ستراتيجية كبيرة بين الصين وسورية، فالتعاون العسكري فيما بينهم من حيث التصليح الصيني ليس واسعاً حتى وأن افترضنا - وهو إفتراض غير مستند على دلائل محددة- أن التعاون العسكري السوري مع كوريا الشمالية لم يكن قائماً دون رضا الصين، إذاً يجب الإستخلاص أن الاعتبارات السياسية التي تحكم الموقف الصيني عن القضية السورية هي علاقتها الدولية وبالتحديد مع الولاياتالمتحدة، والمقصود هنا عدم إرتياحهة لإفراط الغرب والولاياتالمتحدة في الانتشار سياسياً دون مراعه الأطراف السياسية الكبرى الاخرى مثل الصين وروسيا ، وموقفها مثلها مثل روسيا جاء كرد فعل لموقف حلف النيتو في ليبيا بعد صدور قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحده ، في نفس الوقت نشعر بين الحين والاخر بقلق صيني ايضا من تنامي التراث الدينيه المتترفه في الشرق الاوسط وان كان هذا الاعتبار اقل وضوحا عن غيره في الجدل السياسي الصيني.
في اعتقادي ان الموقف الصيني مع اهميته لا يتجاوز موقف وعمل للموقف الروسي ولن يكون موقف حاسما في توجهات الازمه السوريه.
سادسا: الاتحاد الوروبي.
اتخذت الدول الاوروبيه خاصه فرنسا خلال ساركوزي لمواقف السياسه الاكثر قوه في ليبيا وكذلك سوريا وانما تعاملت مع الوضع في سوريا بحذر اشد بكثير لوعيها لاختلاف الاوضاع العسكريه في سوريا ورغم تشدد مواقف الدول الاوروبي وكذلك في اطار الحلف الاطلنطي فلا اعتقد انها علي استعداد لدفع الثمن المطلوب للقيام بعمليات عسكريه مباشره فاذا تم وهذا مستبعد سيكون مره اخري في اطار الحلف الاطلنطي وفي خلال عمليه جويه محدده ومختاره انما لن يتخذ مثل هذا القرار استنادا فقط علي امكانيات دول الاتحاد االاوروبي فحتي في لبيا احتاج الي دعم لوجيستي وذخائر امريكيه.
رغم الدعم الاوروبي للمعارضه السوريه في الخارج واعترافهم بها رسميا وبل احتضانها بمختلف فئاتها فهي غيرمرتاحهحتي الان للمعارضه السوريه في الداخل وتشعر بقلق عميق ازاء تناحي تيارات متطرفه ضمن المعارضه الثوريه، وتخشي كذلك انهيار الوضع في سوريا وقيام حرب اهليه ما بعد سقوط االنظام بكل ما يحمله ذلك من مخاطر داخل سوريا وعلي جيرانهاوعلي شواطئ البحر المتوسط.
ليس من المستبعد ان يطلب من الادول الاوروبيه توفير دعم اقتصادي وسياسي لسوريا ما بعد تغير الانظام، هو مطلب يجئ في ظروف اقتصاديه معينه في اوروبا انما لن يستطيع الاتحاد الاوروبي تجاهله.
يستخلص من ذلك ان مواقف الاطراف الخارجيه في ازمه سوريه يرتبط في الاساس بتداعيات تلك الازمه علي قضايا وموضوعات خارج اطار سوريا، فبالنسبه للاتحاد الاوروبي ينطلق مواقف دولها من حساباتها لعلاقتها مع التيار الاسلامي عامه وداخل اوروبا بشكل خاص فضلا عن اعتبارات امنيه سوريا والمشرق من المناطق المجاوره لاوروبا والمطله علي لاالبحر المتوسط ، اما الدول الخارجيه الاخري الولاياتالمتحده ، روسيا الاصين موقفهما في سوريا اساسا ارتباطا بتوازنات ، دوليه بالاضافه الي مواقفهما تجاه االتيار الاسلامي فضلا عن الموقف في اسرائيل فيما يتعلق بالولاياتالمتحده.
واعتقد ان العنصر المشترك فيما بين كل هؤلاء الاطراف التوصيل الاكيد لتجنب حرب اهليه جديده ما بعد نظام بشار الاسد وصعود تيار ديني متطرف اي موقع الزياده في سوريا ولكل هذه الاعتبارات اعتقد ان الطريق الحل هو في ايجاد صفقه سياسيه اضلاعها تفاهم روسي امريكي ، وتفاهم ايراني سعودي يحتضن ويبلور تفاهم بين الاطراف السوريه.
**عميد كلية الشئون الدولية والسياسات العامة استاذ الدبلوماسية الدولية الجامعة الامريكية بالقاهرة