كانت احوال المواطن العربى قبل اندلاع الثورات العربية فى بلاد الربيع العربى ليست على ما يرام. فملايين المواطنين فى الصومال والسودان ولبنان والعراق وفلسطين ومصر تتعرض يومياً للقتل والسجن والتهجير والقمع والترحيل والجوع والتشريد . وبالرغم من مضى العامين على هذه الثورات إلا انها لم تحقق شياً من اهدافها الرئيسية ولم يصل قطارها بعد الى محطته الاخيرة .
فمازال الطريق امامها طويل وقاسياً وغير ممهد تملائه المطبات وتحوطه المنزلاقات من كل جانب. وما غاب عن انظار الجميع هو العوامل والتحديات الخارجية التى تحول دون انطلاق الشعوب العربية نحو التقدم مما يجعلنا لا نقلل من شأن هذه التحديات بالاضافة بالطبع لهذه العوامل والتحديات الداخلية التى تسيطر على مجمل المشهد .
وهنا يجب ان نعلم ان المخططات التى تستهدف تفتيت الوطن العربى واعادة رسم خريطته على اسس طائفية هى اخطر هذه التحديات على الاطلاق .
وهنا لا نقول ان هذه المخططات لا تعتمد على نظرية المؤامرات الخارجية فحسب لكنها تعتمد فى المقام الاول على حصر وتغذية التناقضات الداخلية فى كل بلد عربى وتعمل على استغلال المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يؤدى الى التفتت والتشرذم بدلاً من التوافق والتوحد .
فهناك قوى اقليمية ودولية معادية تحاول استثمار بعض التفاعلات المرتبطة بالثورات العربية لوضع هذه المخططات موضع التنفيذ .
وهنا نذكر بذلك المخطط الصهيونى الذى نشر فى فبراير 1982 فى شكل دراسة بأسم (استراتجية لأسرائيل فى الثمانينيات) لدبلوماسى اسرائيلى يدعي اوديد ينون .
وقد اعتمدت هذه الدراسة على محورين اساسيين الاول يؤكد على عدم تجانس العالم العربى اثنياً ودينياً وعرقياً واجتماعياً وانما هو يضم تشكيلة وخلطة غير متجانسة تتصارع داخلها قبائل وطوائف واقليات قومية وعرقية ودينية ومذهبية .
كما أن الدول العربية الحالية صنعتها مصادفات تاريخية واطماع استعمارية ولذلك فمن السهل تفكيكها واعادة تركيبها على اسس جديدة . اما المحور الثانى وهو الاهم يقول ان امن اسرائيل لا يتحقق بالتفوق العسكرى وحده ولكن الاهم هو عدم وجود دول مركزية كبرى فى المنطقة بل العمل على تفتيت ما هو قائم منها وتحويله الى كيانات صغيرة تقوم على اسس طائفية وعرقية وبذلك تكون اسرائيل هى الدولة الاكبر والاقوى والاكثر تقدماً فى المنطقة فتكون قادرة على قيادتها والتحكم فى تفاعلاتها وضبط صراعتها .
وكعادتنا فأننا لا نقراء واذا قرأنا لا نفهم واذا فهمنا لا نتذكر . وبالرغم من نشر ذلك المخطط فلم ننتبه وبعد ان بدأ تنفيذه على ارض الواقع مازلنا فى غفله فلم يلفت انظارنا تقسيم العراق الى ثلاث دول تحت مسمى الفوضى الخلاقة التى تعنى التفكيك واعادة الترتيب على الطريقة الامريكية كما جاء في المحور الاول صراحةً .
اضافة الى تقسيم السودان شمال وجنوب واعادة ليبيا الى ثلاث طرابلس وبرقا وفيزان وسوريا فى الطريق ولبنان تحتضر . اما مصر فحدث ولا حرج فمازلنا فى حالة الفوضى التى تنتشر ولا تنحسر . المؤسسات تنهار والقانون يسقط والدولة تتأكل وتضيع هيبتها .
الشئ المقصود دون ان ندرى . والنسيان والغفلة سيطرت علينا حتى أننا نسينا تصريحات رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية فى أكتوبر 2010 أى قبل الثورة بأيام عندما قال (أن أسرائيل تفخر بأنها أستطاعت أستغلال العلاقة الاسلامية المسيحية فى مصر حتى ينهار النظام المصرى فلا يجد من سيأتى بعد مبارك دولة حتى يحكمها .
فهل ما نعيشه الان هو تنفيذ لهذا المخطط ولتلك التصريحات؟ وهل تفجير مشاكل البدو فى سيناء وحالة الامن المنفلت فيها وعدم قدرة الدولة على فرض سيطرتها عليها ضمن المخطط؟ وهل أثارة مشكلة النوبة بهذا الايقاع المرتفع وغير المسبوق يدخل فى هذا الاطار؟ وهل اللعب التاريخى بمشكلة الاقباط من كل اشكال الاستعمار بحجة حمايتهم خاصة فى ظل النظام الاسلامى الحالى يتم أستغلالها حتى أننا نسمع تلك التصريحات من كل مسئول أوروبى وأمريكى يزور مصر بخصوص مشكلة الاقليات الدينية .
وهنا لا يجب أن تستغرقنا الاحداث وننسى ما يحاك لنا. فنحن نعيش لحظة خطر حقيقى على المستويين الداخلى والخارجى. فهل هناك من يفهم ويقدر ولا يغامر بالوطن فى مقابل مصالح ذاتية أو حزبية؟ الوطن أهم والتاريخ لن ينسى والشعب لن يغفر .
ولا حماية لنظام او سلطة بغير الشعب والشعب وحده . ومن له أذنان للسمع فليسمع.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه