حبس العراقيون أنفاسهم بعد الإعلان عن نقل الرئيس جلال طالباني إلى المستشفى، بعد إصابته بجلطة دماغية حادة، وتردد أنباء عن وفاته، تم نفيها لاحقاً. وأثارت الأنباء المتضاربة عن الوضع الصحي للرئيس العراقي، حالة من الجدل، ففي الوقت أعلنت فيه بعض وسائل الإعلام وفاته سريريا ، إلا أن مكتب طالباني نفى تلك الأنباء وأكد أن حالته مستقرة. وطالباني هو أول رئيس كردي للعراق الحديث، تولى منصبه عام 2005 وجُددت ولايته عام 2006 وعام 2010. وأوضح ديوان الرئاسة أن الفحوص والتحاليل أظهرت أن وظائف الجسم عادية، والحالة الصحية مستقرة، وهو يخضع لعناية مركزة بإشراف فريق طبي تخصصي متكامل.
وفي بيان رئاسي صدر عن مكتبه جاء فيه: "بذل الرئيس جلال طالباني خلال الآونة الأخيرة جهودا مكثفة بهدف تحقيق الوفاق والاستقرار في البلاد. وبفعل الإرهاق والتعب تعرض فخامته إلى طارئ صحي نقل على أثره مساء الاثنين 17 ديسمبر / كانون الأول 2012 إلى المستشفى في بغداد، حيث يقوم برعايته كادر طبي متخصص.
استعادة الوعي وفي الوقت الذي أكدت مصادر إخبارية تدهور صحته ، أعلن الفريق الطبي الذي تم تشكيله لمتابعة الحالة الصحية للرئيس العراقي اليوم الأربعاء استقرار حالة طالباني، وإجراء الفحوص الطبية اللازمة للتأكد من سلامته.
من جانبه، قال بارزان شيخ عثمان مسئول المكتب الإعلامي للرئيس العراقي جلال طالباني، إن الفريق الطبي المعالج للرئيس "أكد حصول تحسن في وضعه الصحي"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه استعاد وعيه.
وأضاف شيخ عثمان في تصريحات "الحمد لله والشكر، صحة الرئيس مستقرة، وصدر تقرير عن الفريق الطبي المعالج له، أشار إلى أن صحته في تحسن وتكللت جهود الأطباء في المساعدة على استقرار وضعه الصحي، وهو الآن واع وقادر على الكلام".
وتابع: "الرئيس لم يتعرض لجلطة في القلب أو الدماغ، وإنما تعرض لإعياء شديد لأن برنامج عمله خلال الأيام الأخيرة كان حافلاً". واستدرك بالقول: "الرئيس لا يزال تحت العناية المركزة في المستشفى".
وكان قيادي مقرب من طالباني أكد لصحيفة "الشرق الأوسط" ظهر أمس أن الرئيس دخل مرحلة الغيبوبة، وليست هناك أي إشارة مؤكدة من أطبائه حتى الآن ما إذا كان سيفيق منها أم لا، مشبها حالته الصحية بما أصاب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي طالت فترة غيبوبته وقال: الحالة هي نفسها، ولا ندري هل سيطول الأمر لأيام أو شهور أو حتى لسنوات" .
وقال مصدر طبى، إن الرئيس العراقى جلال طالبانى حرك إحدى يديه صباح اليوم الأربعاء، فى تطور وصفه الفريق الطبى المعالج لرئيس الجمهورية بالإيجابى.
وأضاف المصدر الطبى فى تصريح اليوم الأربعاء، أن وضع رئيس الجمهورية فى تحسن، لكنه مازال فى غيبوبة وتحت العناية المركزة.
وتابع المصدر، أن طالبانى حرك صباح اليوم إحدى يديه، وقد تحسس الألم الأمر الذى عده الفريق الطبى المعالج بالتطور الإيجابى، وقرروا بعده تخفيض نسبة المهدئات التى تعطى له.
من جانبها أكدت عقيلة رئيس الجمهورية جلال الطالبانى، استقرار الحالة الصحية للرئيس، نافية وجود أى نية لنقله إلى إحدى الدول الأوربية، وأنه يخضع لمتابعة مستمرة، ولن يتم نقله إلى أى بلد آخر.
وبدوره أعلن القيادى فى الاتحاد الوطنى الكردستانى فرياد رواندوزى اليوم الأربعاء، عن وصول فريق طبى ألمانى للإشراف على الوضع الصحى لرئيس الجمهورية جلال طالبانى.
وقال رواندوزى، إن الفريق الطبى الألمانى وصل إلى بغداد صباح اليوم الأربعاء، للإشراف على الوضع الصحى لرئيس الجمهورية جلال الطالبان، مؤكدا أن صحة رئيس الجمهورية جيدة جدا، وفى تحسن مستمر.
و فى نفس الوقت أعلن عضو البرلمان العراقى عن التحالف الكردستانى النائب محمود عثمان، اليوم الأربعاء، أن فريقا من الأطباء الألمان وصلوا العاصمة العراقية "بغداد"، لعلاج الرئيس جلال طالبانى الذى لا يزال فى العناية المركزة بإحدى المستشفيات بعد إصابته بوعكة صحية.
وأكد عثمان فى تصريحات له، أوردتها شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، أن طالبانى 79 عاما، أضحى اليوم بحالة مستقرة مقارنة بالأمس، مشيرا إلى احتمالات نقل الرئيس إلى ألمانيا لتلقى العلاج اللازم، فى حين عرضت تركيا إرسال طائرة هيلكوبتر مجهزة بالأدوات الطبية لنقل الرئيس للعلاج بالخارج.
خليفة طالباني
وعانى طالباني من أزمات صحية متلاحقة منذ عام 2007، أدخل إلى مستشفى مدينة الحسين الطبية في الأردن، حيث بقي بضعة أسابيع، ثم نقل لتلقي العلاج في مستشفى "مايو كلينك" في الولاياتالمتحدة. واستمرت رحلاته العلاجية بشكل متقطع خلال السنوات الماضية، وكان آخرها في ألمانيا، حيث مكث شهوراً وعاد إلى البلاد في أيلول / سبتمبر الماضي.
وتزايدت المخاوف في العراق من انهيار الجهود التي كان يبذلها طالباني للخروج من الأزمة المتصاعدة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، بل واحتمالات دخول البلاد في فراغ سياسي إذا استمر غيابه طويلاً. وعلى رغم أن الأطراف الكردية ترفض الحديث عمن يخلفه، حتى الآن، وفيما يطرح في الأروقة السياسية اسم برهم صالح خليفة لطالباني، تؤكد مصادر أخرى ان شخصيات سنّية، بعضها يحظى بدعم المالكي، تطمح إلى تولي المنصب، فيما ينافس صالح على رئاسة حزب "الإتحاد الوطني" قادة تاريخيون في إقليم كردستان، مثل كوسرت رسول وملا بختيار، إضافة إلى زعيم حركة "التغيير" نيوشروان مصطفى.
وتثير خلافة طالباني، الذي يرقد في مستشفى مدينة الطب في بغداد في حال غيبوبة، جدلاً وخلافات سياسية في العراق حيث ينتظر أن يكون على رأس المرشحين لخلافته برهم صالح نائب طالباني في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، باعتبار أن المنصب هو للمكون الكردي، وكذلك أسامة النجيفي رئيس البرلمان القيادي السني في القائمة العراقية، وصالح المطلك السني نائب رئيس الوزراء باعتبار أن الرئاسة هي للسنة، بحسب المحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق منذ عام 2003.
حق للأكراد
وقال النائب عن التحالف الكردستاني ازاد أبو بكر لصحيفة "الحياة" اللندنية :"من السابق لأوانه الحديث عن فراغ في منصب رئيس الجمهورية لأن الرئيس في حالة مرض وليست حالة غياب وهناك دستور يوضح ذلك".
وتنص المادة 75 من الدستور على ان "يحل نائب رئيس الجمهورية محله عند خلو منصبه لأي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز الثلاثين يوماً من تاريخ الخلو".
وأضاف أبو بكر ان "غياب طالباني عن الأزمة السياسية انتكاسة كبيرة لجهود التهدئة التي يبذلها لحل الأزمة، سيما انه راعي المبادرة الأخيرة التي بدأها بالدعودة إلى عدم التصعيد الإعلامي".
إلى ذلك، توقع النائب عن "العراقية" أحمد العلواني خلافات كبيرة وربما وقوع فراغ سياسي في حال استمرار غياب طالباني عن منصبه. وقال "رغم ان الدستور يحدد بشكل واضح الخطوات التي يجب اتباعها في حال خلو منصب رئيس الجمهورية إلا إن الخلافات السياسية، خصوصاً بين المركز والإقليم ستلقي بظلالها على عملية اختيار الرئيس البديل". وأضاف العلواني :"إن المنصب حق للأكراد بموجب الاتفاقات السياسية ونظام توزيع المناصب، لكن، بعد ان خرقت كل الاتفاقات وكثرت الخلافات بين الكتل نتوقع مرحلة صعبة للغاية".
من المقاومة للرئاسة
وطالباني هو جلال حسام الدين وينادى "ابو شلال" كاسم حركي أو مام جلال بالكردية وتعني "القائد الاب".. ولد عام 1933 في قرية "كلكان" القريبة من بحيرة دوكان في اقليم كردستان العراق وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في كويسنجق الشمالية وتلقى التعليم الثانوي في مدينتي أربيل وكركوك.
وشكلَ مع مجموعة من الطلاب عام 1953 اتحاد طلبة كردستان بشكل سري فأصبح عضوًا في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وانتخب طالباني عام 1951 عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني وله من العمر 18 سنة وعند حصوله على الشهادة الثانوية تمكن من دخول كلية الحقوق في بغداد عام 1953 إلا أنه اضطر الى الإختفاء عام 1956 ولم يتمكن من اتمام الدراسة فيها.
وإثر ثورة 14 تموز/ يوليو عام 1958 استأنف الدراسة في كلية الحقوق مرة أخرى، كما عمل في تلك الفترة صحافيًا ومحررًا للصحيفتين الكرديتين "خه بات-النضال" و "كردستان". وقد تخرج من كلية الحقوق عام 1959 واستدعى الى الخدمة العسكرية في الجيش العراقي وتخرج ضابط احتياط وخدم في وحدات المدفعية والأسلحة المدرعة وأصبح قائد كتيبة دبابات. وبعد ثورة 14 تموز 1958 كان ضمن وفد اتحاد طلبة كردستان الى الاتحاد السوفياتي والتقى بالملا مصطفى بارزاني الذي كان لاجئًا سياسيًا هناك ونقل اليه أخبار عائلته.
وعندما أعلنت الانتفاضة الكردية في أيلول / سبتمبر عام 1961 كان طالباني عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني فاستلم مسؤولية قيادة جبهات كركوك والسليمانية وقاد المسلحين من البيشمركة. د وفي عام 1964 طلب طالباني مع مجموعة من الكوادر القيادية في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني من رئيس الحزب الملا بارزاني في اجتماع قيادي بدمقرطة القيادة السياسية وتوزيع المسئوليات وتقسيم السلطة وجعل الأموال تحت تصرف القيادة الجماعية فرفض الملا ذلك الطلب، فانفصل طالباني والكوادر القيادية معه عن الحزب مما أدى إلى إصدار قرار بفصلهم من الحزب.. لكنهم واصلوا العمل السياسي وعقدوا مؤتمراً تحت اسم الحزب الثوري الكردستاني وضعوا خلاله نظامًا داخليًا ومنهاجاً فكريًا للحزب.
وفي فترة الستينات من العقد الماضي ترأس طالباني وفدًا كرديًا الى بغداد والتقى بقادة الانقلاب البعثي الاول عام 1963 وسافر الى القاهرة بحثاً عن دعم عربي حيث التقى بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر كما سافر الى الجزائر والتقى برئيسها انذاك أحمد بنبيلا. وبعد اتفاقية 11 آذار / مارس عام 1970 بين الاكراد والحكومة العراقية البعثية التي منحت الشعب الكردي الحكم الذاتي واعترفت بوجود قوميتين في العراق هما العربية والقومية، التأم الجناحان الحزب الثوري الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1970 وأصبح الطالباني ممثل الحركة الكردية أولاً في بيروت ثم في القاهرة، الى أن انهار الاتفاق بين الاكراد والحكومة عام 1975 وانهارت الحركة الكردية التي قادها الملا مصطفى بارزاني.
واحتل طالباني مكانة رفيعة في الحزب الوطني الكردستاني لكنه انشق عنه في عام 1974، وساهم في العام التالي في تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني.
وقد أصبح لاعبا أساسيا في ساحة السياسة العراقية عقب الإطاحة بسلفه صدام حسين في الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في عام 2003.
في عام 2005 أصبح أول رئيس منتخب في العراق منذ أكثر من 50 عاما ، وتم انتخابه لولاية ثانية كرئيس للبلاد في عام 2006. وفي عام 2010 انتخبه أعضاء البرلمان رئيسا بموجب اتفاقية لاقتسام السلطة. وجاء ذلك بعد أشهر من المفاوضات التي أعقبت نتائج غير حاسمة للانتخابات التشريعية أجريت في مارس / اذار من العام نفسه. وتمت الإشادة به لدوره في بناء الجسور بين الفرقاء السياسيين في العراق أثناء ذروة العنف الطائفي التي عصفت بالبلاد في أعقاب الغزو .
وتوجت الرئاسة العراقية حياة كرسها جلال طالباني لخدمة بلده العراق والقضية الكردية بدأت وعمره 13 عامًا.. ومع قيام الجمهورية عام 1958 كان الكردي السني الذي تدرب كمحامٍ قد أصبح عضوًا في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان يتزعمه الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني ثم أصبح مساعداً له في قيادة الحزب الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الآن ابنه مسعود.
ويتولى الاتحاد الوطني الكردستاني الاشتراكي العلماني بزعامة طالباني ادارة نصف المنطقة الكردية التي خرجت عن نطاق سيطرة بغداد بعد حرب الخليج عام 1991، حيث له حكومة محلية في مدينة السليمانية. ورغم الخلافات القديمة مع الحزب الديمقراطي الذي يتولى ادارة النصف الآخر من خلال حكومة يديرها في اربيل الا أن الحزبين شكلا تحالفًا انتخابيًا خاض الانتخابات العامة العراقية عامي 2005 و2010.
وفيما لا يشكل الموقع الرئاسي من حيث الصلاحيات الدستورية فراغاً مهماً على صعيد إدارة شئون البلاد، يعتبر رحيل الطالباني عن المشهد السياسي العراقي المضطرب فقداناً لكتلة التوازن التي يلجأ اليها المتخاصمون، لما يتمتع به من خبرة سياسية وتاريخ حافل بالعلاقات المتوازنة مع الجميع . مواد متعلقة: 1. نقل الرئيس العراقي إلى المستشفى بعد تعرضه لوعكة صحية 2. الرئاسة العراقية : طالباني حالته مستقرة ويخضع لعناية طبية مركزة 3. فريق طبي من المانيا في العراق لعلاج طالباني