مرت أمس ذكرى ميلاد الأديب العالمى الكبير نجيب محفوظ والذي رحل عن عالمنا في 30 أغسطس 2006 ، و خلال رحلة حياته كان محفوظ وفير العطاء و أضاف للأدب العربى الكثير ، و هو أكثر أديبٍ عربي حولت أعماله إلى السينما والتلفزيون . بدأ كتابة القصة القصيرة عام 1936 ، وانصرف إلى العمل الأدبي بصورة شبه دائمة ، و فى ذلك الوقت نشر رواياته الأولى عن التاريخ الفرعوني. ولكن موهبته تجلت أكثر في ثلاثيته الشهيرة ( بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية) التي انتهى من كتابتها عام 1952 ولم يتسن له نشرها قبل العام 1956 نظرا لضخامة حجمها. نقل نجيب محفوظ في أعماله حياة الطبقة المتوسطة في أحياء القاهرة، فعبر عن همومها وأحلامها ، وعكس قلقها وتوجساتها حيال القضايا المصيرية. كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع. ولكن هذه الأعمال التي اتسمت بالواقعية الحية لم تلبث أن اتخذت طابعا رمزيا كما في رواياته " أولاد حارتنا" و "الحرافيش" و "رحلة ابن فطومة". بين عامي 1952 و 1959 كتب عددا من السيناريوهات للسينما ، ومن هذه الأعمال " بداية ونهاية" و " الثلاثية" و " ثرثرة فوق النيل" و" اللص والكلاب" و " الطريق ". و كان محفوظ عاشقا للقراءة و الكتابة و فير الأعمال صدر له ما يقارب 50 مؤلفا من الروايات والمجموعات القصصية. ،ترجمت معظم أعماله الي 33 لغة في العالم .
فى عيون مقربيه توفيق الحكيم كان من المقربين لمحفوظ و قال عنه " أدب نجيب محفوظ معجزة لا تتكرر " . و من أصدقائه الكاتب الساخر محمد عفيفى و تحدث عن محفوظ قائلا : " يستطيع جيران محفوظ أن يظبطوا ساعاتهم على مواعيد نشاطاته المختلفة ، يظبطونها مرة فى الصباح على لحظة خروجه من البيت لعمله الوظيفى ، و مرة فى المساء على اللحظة التى يضاء فيها النور فى حجرة مكتبه . فهو ليس من أولئك الناس الذين يجلسون للكتابة في أية لحظة، وانما للكتابة مثل صلاة الجمعة لحظة معينة محددة لا تجوز إلا فيها " و حسد عفيفى مثابرته قائلا عنه " أذ رأيت مؤلفات الرجل ترتفع وترتفع حتي توشك أن تنطح السقف، فأدركت قيمة النظام والمثابرة بالنسبة للرجل الذي يريد أن يكون كاتباكبيرا " .
و يحدثنا يوسف القعيد عن لقائه الأول بنجيب محفوظ ، عندما جاء القعيد لأول مرة من قريته إلى القاهرة حبا فى القراءة و الكتابة و استطاع أن يصل لمحفوظ من خلال دليل التليفون ، و رد عليه بنفسه ووافق على مقابلته ، و تحدث عن إعجابه ببساطته و باب المفتوح للجميع فى حين أن معاصريه من الأدباء كان لديهم جيوش من السكرتارية . و قال عن نجيب انه ليس كاتبا جيدا فقط بل قارئ أكثر جودة ، و قال أن من يقرء روايات أربعينات القرن الماضى و روايات نجيب فى عقده الأخير ، سيكتشف أنه انقلب على نفسه و أعاد إنتاجها أكثر من مرة فى عمره . أما الكاتب محمد سلماوى رئيس اتحاد كتاب مصر فارتبط بعلاقة خاصة جدا مع الأديب العالمى نجيب محفوظ، فهو الوحيد الذى ظل يلتقى بمحفوظ فى بيته لمدة 21 عاما جمع خلالها أكثر من 500 ساعة حوارات مع نجيب محفوظ، - كما أطلق عليه محفوظ –أنه وزير خارجيته وهمزة الوصل بينه وبين العالم الخارجى.
و يحكى لنا سلماوى عن سنواته الأولى و ألاخيرة قائلا " وفى سنواته الأولى كان يستقي أفكار رواياته وشخصياتها وأحداثها من جلساته مع الأصدقاء ، وكثير من شخصيات رواياته قابلها على القهاوى أو استمع إلى قصصها من أصدقاء له، وفى سنواته الأخيرة تراجعت صحته ولم يكن يقرأ أو يرى التليفزيون، وكان أصدقاؤه هم حلقة تواصله مع العالم، وكان يستقى منهم الأحداث المحيطة به، ويتعرف على أحوال الدنيا من خلالهم " . و يقول الفنان التشكيلي محمد الشربيني أحد المقربين من محفوظ : " يتميز نجيب محفوظ بوجه بشوش، وروح مرحه مع أصدقائه، وهو يضفي على مجلسه معهم جوا من المرح والدعابة بقفشاته وتعليقاته اللاذعة، فالجلوس معه متعة بذاتها حتى وإن ظل صامتا " و قال : لم يكن محفوظ في أي يوم من الأيام «رجل معارك» في الواقع الأدبي والسياسي في مصر، ولم يقتاد للسجن في أي مرحلة من حياته، وكان حديثه موجزا جدا في السياسة ، وأحيانا رمزي ، وبحسب المقربين منه كان نجيب يؤكد دوما أن معركته الحقيقية مع الورق، مع فعل الكتابة والإبداع نفسه .
فلسفة محفوظ يصف نجيب والدته بأنها: "سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية.. وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار.. والغريب أن والدتي أيضا كانت دائمة التردد على المتحف المصري، وتحب قضاء أغلب الوقت في حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير "مار جرجس".. وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين و"مار جرجس" في نفس الوقت تقول "كلهم بركة" وتعتبرهم "سلسلة واحدة".. والحقيقة أنني تأثرت بهذا التسامح الجميل لأن الشعب المصري لم يعرف التعصب، وهذه هي روح الإسلام الحقيقية" ، و عن رؤيته للدنيا و الدين و الأدب قال : "الادب الانساني الراقي يدعو دائما للحرية والمساواة" ، " ديننا عظيم وحياتنا وثنية" ،اخذت التصوف في البدايه علي انه ادب روحي رفيع لكني تاثرت به تاثرا خاصا, فالتصوف بالنسبه لي لم يجعلني انفصل عن الحياه او ازهد فيها, بل العكس جعلني اتخذ من تربيته الروحيه وسيله لتحسين علاقتي بالحياه ومن ثم بالناس وبالعمل ، " الدنيا بلا أخلاق ككون بلا جاذبية " . و من أقواله الخالدة "سوف تدول دول وتنقلب أزمان ولم يزل الدهر يتمخض عن امرأة سارحة ورجل جاد في اثرها. الشباب لعنة والكهولة لعنات فأين راحة القلب أين.." ، و قال نحن في حاجة إلى أن نعود للحياة مرارا حتى نتقنها" و لما سأل شاب صغير السن من باكستان نجيب عن الحياة، لم يتصور أصدقائه أنه سيرد علي السؤال وربما رد عليه بضحكة كما كان يفعل أحيانا، غير أنه صمت طويلا وقد غرق في التفكير ثم قال بابتسامة: هي تجربة رائعة . مواد متعلقة: 1. أحمد الخميسى: عظمة نجيب محفوظ الروائية حجبت شهرته كقاص 2. "المسرح" .. جانب مجهول في أدب نجيب محفوظ رغم إبداعه وتفرده 3. أدباء : عبدالناصر أوقف اعتقال نجيب محفوظ بعد "ثرثرة النيل"