نعلم أن الفن مرآة الشعوب، أو هكذا كنا نعلم! ونعتقد أن الإعلام والإنتاج والإبداع الفني حين يتصل بقضايا المجتمع وثوابته، يقترب منها بأصول الاقتراب، فلا يبالغ حين يقتضي الأمر الالتزام وضبط الحدود ضمن المعقول، ولا يلتزم وينسحب منكفئاً حين تستدعي الحاجة التوضيح وقرع الأجراس للتنبيه أو الإنذار أو وضع النقاط على الحروف، لأننا ندرك تماماً أن هذه هي رسالة الإعلام والفن والأدب، ومن غيرها يكون هراء أجوف لا تعرف له عقالاً ولا تلمس فيه عقلاً.. ونحترم كإعلاميين وكجمهور متابع للساحة الفنية، جميع الإبداعات الإماراتية مهما كانت، ما دامت حريصة على إيصال الحقائق كما نعرفها ويعرفها الجميع، وأمينة على الرسالة الفنية الحقيقية، فلا تجعل منها أداة للتهريج المحض، بغض النظر عن مصداقية التناول أو القضايا المطروحة، أو قربها أو بعدها عن الواقع الذي لم يعد خافياً على أحد ويعرفه الجميع من غير جهد. أما أن تتحول أعمالنا الفنية إلى استخفاف بأهم عنصر في المجتمع، فتكال الشتائم الصريحة والمبطنة والاتهامات جزافاً على ألسنة البعض، فهذا مما لا يعقل ولا يمكن أن تتصوره أو تتقبله طبيعة مجتمعنا. والمرأة الخليجية، وليست الإماراتية فحسب، حاضرة على الدوام في جميع قصص الدراما والكوميديا الخليجية، وحتى الإبداعات الكرتونية التي نقدر الجهد الذي يبذل من أجلها، إلا أنها غائبة عن حقيقتها، فهي ليست التي نعرفها، ولا هي ما تصوره المشاهد الجائرة إن لم نقل المتجنية! فهي في أغلب المشاهد المعروضة، متمردة مدللة لا تبالي بزوجها ولا بيتها، جلّ اهتمامها منصب على مظاهر البذخ وعمليات التجميل حتى تبدو مثل فنانات الشاشة، وتطلب الطلاق لأتفه الأسباب، والمادة أهم عندها من بيتها وأسرتها! وهي عندما تتشدق بمصطلحات الحرية والمساواة مع الرجل، تطالب بها من دون وعي أو فهم! هذه هي أغلب حالات المرأة الإماراتية والخليجية؛ أماً وزوجة وأختاً وبنتاً، ولم يقصر في ترسيخ هذه النظرة مسلسل درامي أو كوميدي كرتوني، وأطلق المخرجون والكتاب والمؤلفون العنان لمخيلتهم، ليقتنصوا كل سلبيات نساء الدنيا ويشكلوا منها المرأة الإماراتية! وللأسف فإن ما يحزننا هو عدم الاكتفاء بسرد سلبيات المرأة الإماراتية، بل تطور الموضوع وتجاوز إلى مقارنتها الظالمة ب"الجنسيات العربية والآسيوية"، مع احترامنا لأخواتنا السيدات العربيات، فكلنا نساء ولا نرضى بالنقد الجائر. ولكن مهلاً يا أهل الدراما الكوميدية.. فهل هذه هي المرأة الإماراتية الحقيقية؟ أليست بيننا ومنا المرأة الصالحة التي شاركت زوجها بناء عشها لبنة لبنة، ورعته بقلبها وعطفها حتى اكتمل؟ ألم تسمعوا بامرأة حملت تكاليف الزواج عن زوجها وأعانته عليه، وساهمت مع شريك حياتها بمالها ثم ادعت أمام أهلها والقريبين منها وكل من يعرفها، أن زوجها مَن تكفل بكل شيء ولم يرضَ الاقتراب من مالها؟! أليس منا من تحمل نفقات البيت نصفاً بنصف أو أكثر مع زوجها، بنفس طيبة حاضنة لأبنائها راعية لأسرتها معلمة ومربية وموظفة، في تكامل بين الوظائف يعجز عن حمله الرجال؟.. ألم تسمعوا بالمبدعات المثقفات الواعيات، البعيدات عن سعار التجميل والعمليات، الباحثات عن كل ما من شأنه رفعة أنفسهن وأسرهن وأهلهن ووطنهن؟.. ألا توجد نماذج كثيرة لسيدات فاضلات يصبرن على هفوات الأزواج وزلاتهم وتقصيرهم من الناحية المادية، أحياناً بتعالٍ يضعن مسؤولية الأسرة وأمانة الأطفال والمجتمع في قمة الأولويات، ساترات لعيوب أزواجهن، مظهرات الرضى في كل الحالات، ولا يطلبن الطلاق على الرغم من الجور، لكيلا يشتتن أبناءهن بين الأبوين ومتاهات المجتمع؟ ألا تستحق منكم المرأة على الطرف الآخر، ولو حلقة واحدة تبرزون فيها نبلها وعظمتها وحضورها الاجتماعي الصادق، بدلاً من كيل صنوف وألوان الازدراء؟ وإذا كانت حجتكم أن الغاية هي الفكاهة أو النقد البناء وعلاج السلبيات، فلا يمكن أن يكون العلاج من دون إظهار النماذج الإيجابية القدوة مقارنة بالنماذج القليلة السلبية، وإلا تحول النقد عندها إلى فضائح تترك انطباعاً ظالماً للصورة النمطية للمرأة عموماً والإماراتية خصوصاً، وهو ما لا نرجوه ولم نكن نتوقعه من الغريبين، فضلاً عن القريبين أبناء جلدتنا.. وإذا كنا نحن ندرك أن ما يقدم ليس إلا صورة مغالطة للواقع، فلا ننسى أن هناك جنسيات عديدة من المشاهدين ستترسخ في أذهانهم مثل هذه الصورة البعيدة عن الواقع. مهلاً يا أهل الكوميديا والإبداعات الكرتونية، فبين أظهركم الكثير من النماذج الناصعة التي تصلح للاقتداء واستدراك أخطاء من أخطأ من النساء، وإظهار المرأة الإماراتية على حقيقتها، من غير تحامل أو استخفاف أو تشويه. ** صحيفة البيان الاماراتية 24 / 8 / 2011