احتفل الشعب المصري بانتصارات أكتوبر المجيدة، النصر الذي خرج بمصر من هزيمتي 1956 و 1967 إلى استقلال وكرامة . لكن السيرة الذاتية لقائد الحرب الرئيس الراحل محمد أنور السادات لاتزال حافلة بالجدل حولها ، خاصة اتهامات الرئيس بالتناقض ، كما تتطرق لهذا الجانب عدد من مذكرات قادة حرب أكتوبر كالفريق الشاذلي، أو المراقبين لها أمثال محمد حسنين هيكل .
تروي سيرة السادات نشاته الريفية المتواضعة وحياته بعد ذلك في القاهرة ، ونلحظ فيها فخره بأنه ابن الأفندي المتعلم الوحيد بقريته ، غير أنه يعود ويخبر بأن القرية كانت مليئة بالأطباء والمهندسين . ويحاول السادات إثبات أن تراجعه الدراسي وانتقاله من مدرسة لأخرى لم يكن فشلا ولكنه كان فرصة منه للتحدي ومعرفة ذاته . . أما هيكل فيروي في "خريف الغضب" ان السادات كان لا يحب أبيه وهو ما لم يقره في سيرته ، بل وأنه كان يبغض أمه السيدة السودانية التي تعرضت للإذلال من جانب والده الذي تزوج عليها اثنين وتركها تعيش مع أولادها الأربعة في حجرة واحدة ، فعاملها كجارية سوداء اشتراها من سوق الرقيق . ثم يقول هيكل أن السادات دخل المدرسة الحربية بالواسطة عبر أصدقاء أبيه، لكنه مني بالحسرة بعد أن خرج اسمه من كشوف المقبولين بسبب زج أحد الباشوات بأقاربه للمدرسة. وقد التحق السادات بكلية الأداب ومنها إلى كلية الحقوق وأخيرا قرر الانتقال للدراسة في كلية التجارة ، إلى أن جاءت المعجزة حيث تم قبوله مرة ثانية بالمدرسة الحربية بعد مضي 26 يوما من بدء الدراسة بها . ,والسادات يقول بمذكراته بأنه أول من أسس تنظيم "الضباط الأحرار" ليرفع الوعي السياسي لدى طلاب المدرسة الحربية. ثم يشير السادات - بينما يمسك البايب في فمه - بأنه ولد قائدا ولا يجوز أن يلعب دورا آخر في الحياة . أخذ نفسا من سيجاره ثم قال أنه تعرض على الشيخ حسن البنا الذي كان يحسن الاختباء بالدين وراء ممارسته للسياسة ، بحسبه، فهو من وافق على التعاون مع تنظيمه السري من الضباط الأحرار ، وهو أيضا من عرفه بعزيز باشا المصري ذو التاريخ النضالي الوطني الفريد . ويعتبر السادات أنه سعى طيلة حياته وفقط لتحقيق حلم زهران فلاح دنشواي الذي كانت الجدة دوما تحكي عن شجاعته في مقاومة ظلم الأعداء . ثم تعرف السادات بعبدالناصر غير أنه دائما كان يوصفه بأنه غير اجتماعي كثير الشكك وقليل التحدث مع الناس والناس يخشون الكلام معه لأنه سيء الظن بهم ، في حين أنه يصف نفسه بعكس هذه الصفات وهي الاجتماعية وحب الناس له ولجوئهم إليه .
ونجد هيكل في كتابه يتحدث عن بداية تعرف السادات بعبدالناصر من خلال إحدي روايات السادات نفسه وهي رواية شفهية من أن عبدالناصر كان شخصية منذ البداية سياسية ناضجة اجتمع حولها ضباط كانوا نواة تنظيم الضباط الأحرار ، وما يؤكد ذلك أن من شهد السادات في تلك الفترة اكدوا أنه كان يتمتع بشعبية بسيطة نظرا لقدرته على التمثيل وتقليد الرؤساء ليس أكثر . فجأة يعتدل السادات تاركا المقارنة التي كان قد بدأها بينه وبين عبدالناصر لصالحه غالبا إن لم يكن دائما عائدا إليها من وقت لأخر ، غير انه اعتدل وبرزت عيناه بشدة متذكرا ما أسماه تاريخه النضالي من أجل حرية مصر والذي أدخله المعتقل مرتين . كانت المرة الأولى في عام 1942 عندما قبض عليه الشرطة بتهمة مساعدة عزيز باشا المصري في الهرب إلى لبنان لمساعدة الألمان ضد الأنجليز واعترف عليه " أبلر " شاب مصري حاصل على الجنسية الألمانية . وقد استطاع أن يقوض القضية فما كان من هيئة التحقيق إلا احتجازه ، أما المرة الثانية كانت عام 1946 لاتهامه في قضية اغتيال أمين عثمان ، ويسترجع السادات هنا لحظات حياته في زنزانة 54 والتي يقسم أنه وجد ذاته بها ليصل إلى أعلى درجات الحب لكل الناس حتى من اساءوا إليه . وفي لحظات سجنه الأولى والثانية لم يكن شيئا يفرحه قدر معرفته أن هناك من يعرف قيمته ويتذكره فيشعر حينها بذاته وهي الشيء الأهم في حياته ، ومثال ذلك عندما جاءته هديه من أسرته روب غال جدا عرف أنه هام في نظر الأخرين مما أعطاه احساسا بالفرحة رغم ما كان يمر به في تجربة السجن من حرمان من وظيفته وبعد عن عائلته وغير ذلك . ويرى هيكل أن السادات كان يدعي الوطنية ويعطي لنفسه حق اغتيال السياسيين الفاسدين بنظره أمثال أمين عثمان . وبعد هروبه من السجن نجد أن السادات وطبقا لمذكراته يلجأ إلى صديق قديم ليعود إلى الجيش هو الطبيب الخاص للملك يوسف رشاد وهو ما قال عنه هيكل بأنه كان يعمل تحت اشراف الملك ذاته وكون ما يسمى بالحرس الحديدي لاغتيال من يريد القصر القضاء عليه وتحت اشرافه تمت محاولات اغتيال النحاس باشا واغتيال أمين عثمان بواسطة السادات الذي ادعى أن ذلك كان عملا وطنيا خالصا . ويروى أن السادات قبل يد الملك فاروق في جامع الحسين حتى يعود مرة ثانية للعمل بالقوات المسلحة ، وبالفعل عاد وضمه عبدالناصر لتنظيمه السري وذلك رغم معرفته بتاريخه في الحرس الحديدي ، وقد يرجع السبب إلى رغبته بمعرفة أخبار القصر من خلال يوسف رشاد ، بينما يعلل ذلك السادات نسبة إلى تاريخه السياسي المشرف . وتمضي الأيام ويتملص السادات وفقا لرواية هيكل من الحضور لحظات الثورة الأولى إلا أنه يدخلها ، غير انه لم يكن يتمتع برغبة في وجوده من بقية أعضاء المجلس بدء من محمد نجيب والأخرين ، وهو ما علله السادات في البحث عن الذات برغبة محمد نجيب الوصولية ، وغيرة الأخرين من تاريخه السياسي البطولي . ويتم تنصيب السادات في عدد من المواقع المسؤولة ، وهو يكرر بمذكراته أنه عاصر أزمة عبدالحكيم عامر في منزل عبدالناصر عند اعتقاله ، رغم أن الروايات التاريخية ومنها ما ذكره يسري فودة في تحقيقاته عن مقتل المشير من أن المشير نفسه قد توجه بالسب للسادات ، بالإضافة إلى روايات بضرب السادات على وجهه نتيجة لتدخله ، وهو ما يظهر في اعتراف السادات بنفسه في سيرته من أنه فرح بانتحار عامر في محادثة هاتفية بينه وبين عبدالناصر . ويستمر السادات في إلقاء التهم على عبدالناصر قائلا بمذكراته أنه محب لسماع الوشايات ولا يهتم سوى بأمنه الخاص فقط !. ويتوفى ناصر عام 1970 ويعرض اسم السادات ليكون المرشح لرئاسة الدولة ويبدأ في انتقاد سياسة الدولة الإقتصادية والسياسية وغير ذلك ، وهو نقد لحكم عبدالناصر ، ويعرض ما واجهه مؤكدا أنه لم يهتز رغم أن لو أحد غيره واجه ما واجهه لكان اهتز وسقط . وتأتي حرب أكتوبر وينتصر السادات متباهيا باستراتيجيته في إدارة المعركة ، وهو نصر يرى هيكل أنه أعطى السادات فوق ما يستحق .. غير أن التاريخ لا زال يشهد له بأنه قائد حرب أكتوبر ، والذي لن تنتهي حالة الجدل حوله .