الجيش الإسرائيلي: مقتل إسرائيلي وإصابة 5 جنود بإطلاق صواريخ مضادة للدروع من لبنان    بسبب الدولار.. شعبة الأدوية: نطالب بزيادة أسعار 1500 صنف 50%    شوبير ام الشناوي.. تعرف على حارس مرمى الاهلي في مباراة الترجي التونسي    الأرصاد تحذر من موجة حارة تبدأ من اليوم حتى الاثنين المقبل    مرصد الأزهر يستقبل وزير الشؤون السياسية لجمهورية سيراليون للتعرف على جهود مكافحة التطرف    هدوء حذر.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة وعيار 21 الآن يسجل هذا الرقم    سلمان رشدي: محاكمة ترامب في قضية منح أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية قد تفضي لسجنه    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    بوتين: العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين تتطور بسرعة    "بنكنوت" مجلة اقتصادية في مشروع تخرج طلاب كلية الإعلام بجامعة جنوب الوادي (صور)    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    اليوم، التشغيل التجريبي ل 5 محطات المترو الجديدة بالركاب (فيديو وصور)    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    عرض فيلم Le Deuxième Acte بافتتاح مهرجان كان السينمائي    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    اجتياح رفح.. الرصاصة الأخيرة التي لا تزال في "جيب" نتنياهو    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    المالية تزف بشرى سارة للعاملين بالدولة بشأن مرتبات شهر يونيو    عاجل - مبTHANAWYAاشر.. جدول الثانوية العامة 2024 جميع الشعب "أدبي - علمي"    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    شوبير: الزمالك أعلى فنيا من نهضة بركان وهو الأقرب لحصد الكونفدرالية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    بوتين: لدى روسيا والصين مواقف متطابقة تجاه القضايا الرئيسية    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    «أفريقية النواب» تستقبل وفد دولة سيراليون في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القصر الى إلقبر ..نهاية 4 رؤساء حكموا مصر!
نشر في صوت الأمة يوم 05 - 10 - 2012

نصحه الأطباء بالتزام الراحة التامة وتجنب الضغوط والمشكلات والاسترخاء التام فى سريره حتى تتحسن حالة القلب.
لكنه استقل السيارة من الاسكندرية متجها للقاهرة لحضور الاجتماع الطارئ للملوك والرؤساء العرب والمخصص لوقف مذبحة أيلول الأسود فى الأردن وتصفية المقاومة الفلسطينية!
انتهى الاجتماع وتوجه عبدالناصر إلى مطار القاهرة ليكون فى وداع الملوك والرؤساء العرب وكان آخرهم الشيخ صباح السالم امير الكويت.
وفى قاعة كبار الزوار احس عبدالناصر بارهاق شديد فأحضروا له كوبا من عصير البرتقال ونقلوه بسرعة إلى منزله فى منشية البكرى فاستبدل ملابسه وارتدى البيجامة واستلقى على سريره فى حالة اعياء كامل وحضر الاطباء فى محاولة لانقاذ حياته غير إنه فارق الحياة فى تمام الخامسة والربع من مساء يوم الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 عن عمر يناهز 52 عاما!
هذه بعض تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم جمال عبدالناصر الذى نروى قصة لحظاته الاخيرة ضمن ثلاث قصص لثلاثة رؤساء حكموا مصر بعد الثورة نرويها لعل الرئيس القادم يأخذ العبرة والعظة من دراما التاريخ ويتذكر فى كل لحظة أن الموت على رقاب العباد وأنه سيأتى حتما وحين يأتى فإنه لايستسنى صاحب سلطة وصولجان:
وتبقى قصة الرئيس الرابع حسنى مبارك التى لم تنته فصولها الأخيرة بعد والقابع الآن ذليلا محسورا فى انتظار حكم المحكمة جراء ما قترفته يداه فى حق شعبه من ظلم وفساد واستبداد ونهب للمال العام ولعل القلم ينتظر هذه النهاية حتى يسجلها مثل قصص الرؤساء الثلاثة ليبرز اللحظات الاخيرة فى حياة هذا الطاغية اسوأ من حكم مصر على مر تاريخها ولأن الاعمار بيد الله .. فقد يرحل كاتب هذه السطور قبل رحيل الطاغية.. وقد يكون فى العمر بقية لكتابة نهايته لتكون عبرة لكل من يعتبر!
محمد نجيب
بعد حياة حافلة توفى فى 28 أغسطس 1984 محمد نجيب ويتذكر اللواء حسن سالم اللحظات الأخيرة فى حياة خاله أول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب قائلا:
فى ذلك اليوم اصطحبت خالاتى إلى المستشفى لزيارة خالى وكان كويس وبيتكلم معانا، وفجأة تعب «شوية» ورفع يده إلى السماء ثم أنزلها ببطء ووجدناه يميل إلى الأرض برقبته قليلا وعندما حضر الطبيب قال لنا: «البقية فى حياتكم» فاتصلت رئاسة المستشفى بوزارة الدفاع، واتصلت أنا بنور فرغل من رئاسة الجمهورية وقلت له: «لقد كانت وصية اللواء محمد نجيب أن يدفن فى السودان وبعدها أخبرنى أنه تحدد أن تكون الجنازة عسكرية وأن يدفن الرئيس محمد نجيب فى مقابر الشهداء بالغفير «طريق صلاح سالم» وكانت جنازة عسكرية بالفعل. وصل الجثمان على عربة مدفع وتقدم الجنازة اعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين على قيد الحياة فى ذلك الوقت وكان موجودا رئيس مجلس الشعب السودانى ورؤساء أحزاب المعارضة والباقى حرسه وفى المساء أقامت الدولة سرادق العزاء أمام مسجد عمر مكرم وكان أغلب الموجودين من العسكريين..!
ويستكمل اللواء حسن سالم قائلا: الغريب أنه فى ذلك اليوم العجيب والرجل لم يبرد دمه فى قبره إلا وجاءنى خبر طرد أحفاده من فيلا ولى العهد التى خصصها له أصحاب الأمر بعد طرده من فيلا المرج!
وكان محمد نجيب قد قضى أيامه الأخيرة متنقلا بين مستشفى المعادى للقوات المسلحة أو القبة العسكرى للعلاج من أمراض الشيخوخة مثل ضعف الشهية وفقدان القدرة على الإبصار وهشاشة العظام وغيرها وبالرغم من ذلك كان يحرص على الصلاة وسماع الاخبار والأحداث العالمية من جهاز الراديو القديم فى غرفته!
وتتذكر حفيدته «نجيبة يوسف محمد نجيب» أن جدها كان متأثرا جدا «وهو يسمع خبر اغتيال الرئيس السادات فى الراديو وكاد ينهار باكيا» لأنه كان يشعر دائما بأنه والد لكل رفاقه من أعضاء مجلس قيادة الثورة مهما كانت قسوتهم وتعاملهم معه بعنف!
وتضيف نجيبة: إنه كان قلقا من بعض الاحداث مثل غزو اسرائيل لبنان فى عام 1982 .
لم يكن محمد نجيب يشغل فى فيلا المرج التى قضى فيها سنوات منفاه الطوال سوى غرفة واحدة مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفى من كثرة الكتب الموضوعة عليه وبجانبه منضدة صغيرة تتناثر عليها عشرات من علب الدواء ومجموعة كبيرة من الآيات القرآنية بالإضافة إلى صور كبيرة لمجموعة من الكلاب والقطط كتب عليها «هؤلاء هم أصدقائى فى وحدتى و30 عاما فى المنفي! وكان دائم الحديث عن وفاء هذه الحيوانات النادر له.. وهذه الصلة الوثيقة بينه وبين الكلاب والقطط والتى استمرت حتى النهاية وحينما قامت ثورة 23 يوليو فى مصر لم يكن يدور بخلد أحد أن ابرز قادة الثورة إن لم يكن ابرزهم بالفعل وهو اللواء اركان حرب محمد نجيب أن عداد السفينة لن يمهله كثيرا لكى ينعم بالتحول التاريخى الذى قاده فى حياة مصر والمصريين سوى ما يقارب العامين وبعدها سيكون أبرز تكريم له هو تقديمه كطعم حى لغياهب الوحدة والنسيان والنفى فى غرفة فقيرة فى فيلا مهجورة بضاحية المرج بالقاهرة إلى أن وافته المنية بعد 30 عاما من الاعتقال الجبرى ويتم الكشف لأول مرة عن الدوافع الخفية التى كانت وراء اعتقاله وتضعيفه وتهميشه ومعاملته بصورة لاتليق ببشر..!
ومن خلال عشرة فصول فى كتاب «الأوراق السرية لمحمد نجيب أول رئيس جمهورية فى مصر» تنوعت تفاصيل الكتاب ما بين الملامح الشخصية لمحمد نجيب ودوره كقائد للثورة وأزمة مارس 1954 التى أطاحت به وعلاقته بالسودان ثم المشهد الاخير لدراما حياته.. ويصحح الكتاب العديد من الحقائق التى شابها لغط كبير وكان على رأسها أن واحدا من أسباب استبعاد محمد نجيب عن السلطة شائعة كونه سودانيا وهو ما كان يمثل مأزقا كبيرا للسلطة فى مصر إذ كيف يكون رئيس الجمهورية ليس من أب وأم مصريين خالصين لكن الكتاب يفند هذه المزاعم خاصة أن محمد حسنين هيكل أكد على هذه الشائعة أكثر من مرة فى أحاديثه وكتاباته زاعما أن الانجليز كانوا يبحثون عن رجل تجرى فى عروقه دماء سودانية أو تركية لكى يضعوه على رأس السلطة فى مصر بدلا من الضباط الشبان اعضاء مجلس قيادة الثورة الذين يعادون فكرة التحالفات مع العرب وأن اختيارهم وقع على محمد نجيب لأنه تجرى فى عروقه دماء سودانية إلا أن الكتاب ومن خلال الوثائق يؤكد على أن جذور اللواء محمد نجيب ترجع الى قرية التجارية بمركز كفر الزيات محافظة الغربية حيث ولد اليوزباشى يوسف نجيب والد اللواء محمد نجيب والذى ينتهى لقبه ل «قطب قشلان نسبة إلى عائلة مشهورة بالزراعة فى ذلك الوقت.. أما الام فهى السيدة زهرة محمد عثمان ابنة الاميرالاى محمد عثمان وهو ضابط مصرى كبير بالجيش المصرى بالسودان، وكانت تعيش أسرته فى أم درمان حيث كان قائدا لحامية بواب المسلمية أحد معاقل الخرطوم الجنوبية وقد أنجب يوسف نجيب من زهرة التى تزوجها عام 1900 ثلاثة أبناء هم: محمد، علي، ومحمود، وست بنات.
وتعرض كتاب الاوراق السرية لمحمد نجيب لازمة مارس 1954 بعد محاولة اغتيال جمال عبدالناصر وما أعقبها ويتحدث عن اجراءات دور نجيب وشعبيته من خلال منع نشر صوره وتصريحاته وخطبه حتى تم اقصاؤه عن السلطة تماما واعفاؤه من منصب رئيس الجمهورية وتحديد إقامته خارج القاهرة وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة عشر سنوات وظل رهن الاقامة الجبرية لمدة 18 عاما.
فى صباح 14 نوفمبر 1954 توجه محمد نجيب رئيس جمهورية مصر الاسبق إلى مكتبه بقصر عابدين ولاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربى التحية العسكرية وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربى ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به فصرخ فى وجه حسين عرفة طالبا منه الابتعاد حتى لايتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهورى فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربى وعندما لاحظ محمد نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربى يتبعانه أثناء صعوده إلى مكتبه نهرهما فقالا له ان لديهما أوامر بالدخول من الاميرالاى حسن كمال كبير الياوران فاتصل هاتفيا على الفور بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته!
وعندما وصل عبدالحكيم عامر وبصحبته قائد الاسراب طيار حسن ابراهيم وزير شئون رئاسة الجمهورية فقالا له فى صوت خافت:
«مجلس قيادة الثورة قرر اعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية فرد عليهما محمد نجيب فى شجاعة: «انا لا استقيل الآن، لاننى بذلك سأصبح مسئولا أمام التاريخ عن انقطاع صلة السودان بمصر أما إذا كان الامر إقالة فمرحبا لأنكم تعفوننى من مسئولية لم يعد يحتملها ضميري».
ووعده عبدالحكيم عامر وأقسم بشرفه العسكرى أنه سيقضى أياما فى استراحة زينب الوكيل بالمرج ثم يعود بعدها إلى منزله ولكن ذلك لم يحدث فقد ظل نجيب منفيا لمدة تزيد على 29 عاما وغادر نجيب القصر الجمهورى دون تحية عسكرية من جنوده أو اطلاق البروجى لتحيته ودون أن يودع أحدا وهو الذى لم يحدث مع الملك المخلوع فاروق الذى اطلقت 21 طلقة فى وداعه بقصر رأس التين قبل أن يغادر البلاد منفيا إلى ايطاليا.
جمال عبدالناصر
قبل أن يسافر فى العلاج مرة أخرى إلى «تسخالطوبو» بالاتحاد السوفيتى القديم بعد أن عرفت آلامه.. طلب طبيبه الخاص الصاوى حبيب الذى فحصه وأجرى له رسم قلب وذهل الطبيب عندما شاهد رسم القلب الذى اجراه للرئيس..!
ولم يصدق الدكتور الصاوى عينيه لكن الدليل كان مرسوما أمامه.. هناك صورة جلطة وانسداد فى فرع الشريان الأمامى للقلب! وحاول الدكتور الصاوى أن يخفى الحقيقة مؤقتا.. وأن يتعلل بحاجته إلى استشارة مجموعة من الاطباء.. لأنه يجد أمامه حالة انفلونزا حادة ويقتضى الامر بقاء الرئيس فى فراشه!
وجاء عدد من الاطباء.. الدكتور محمد صلاح الدين والدكتور منصور فايز والدكتور على المفتى ومعهم الدكتور الصاوى حبيب وأعيد رسم القلب فى المساء.. وكان من رأى الدكتور صلاح الدين أن يعرف الرئيس الحقيقة.. لأن تعاونه الكامل وبدقة مطلوب مع جهد الاطباء. وبدأ يقول له الحقيقة تدريجيا.
ثم يطلب منه فى النهاية أن يبقى فى الفراش بغير حركة لمدة ثلاثة أسابيع وبعدها يعاد بحث الامر على ضوء التطورات الصحية!
ويقول محمد حسنين هيكل الذى كان موجودا فى تلك اللحظات: وذهبت ليلتها أجلس مع الاطباء فى غرفة الصالون فى الدور الأول فى بيته أسأل بالضبط عن تفاصيل الحالة.. وعرف الرئيس اننى موجود فى البيت فدعانى إلى غرفته!
وعندما دخلت كان جالسا على مقعد على وشك أن يبدأ فى تناول العشاء وهو قطعة من الخبز الجاف وكوب من اللبن الزبادي.. وسألنى بسرعة لكى لايترك لى وقتا للتفكير:
كنت معهم؟
- قال: هل صحيح ما يقولون.. أو هى محاولة لتخويفى حتى يفرضوا على الاجازة الاجبارية؟!
وقلت للرئيس: إن الأمر يجب أن يؤخذ جد
قال بهدوء: ليكن.. ولكن المهم ألا يعرف أحد، حتى لا تفلت البلد!
كيف يمكن أن نفسر غيابى ثلاثة أسابيع!!
قلت: قد نقول إنها انفلونزا. لا يهم ما نقوله، ولكن المهم أن تستريح والمهم أنه ليلتها.. نفس الليلة لم يستطع أن يستريح! ليلتها كانت هناك أزمة بين حكومة الأردن والمقاومة الفلسطينية وبعت الملك حسين رئيس وزارته السيد بهجت التلهونى إلى القاهرة برسالة منه إلى عبدالناصر.. وجاء بهجت التلهونى يطلب مقابلة الرئيس، وقيل له إن الرئيس تعرض لنوبة انفلونزا وهو يرقد فى فراشه.
وقال بهجت التلهونى إنه إذا جاء بغير مقابلة عبدالناصر فسوف يقدم استقالة وزارته!
وتم التوصل الى حل وسط اقتراحه الرئيس... هو أن يجيئ إليه التلهونى فى غرفة نوم.. يراه.. ولكن لا يبحث معه شيئا بحيث يستطيع أن يقول للملك إنه اجتمع بعبدالناصر لكنه بحث ما يريد مع أنور السادات، ولم يعرف أحد بما جرى فى تلك الليلة حتى السيدة الجليلة قرينته.. اخفينا الحقيقة عنها، وإن بدأت تساورها الشكوك بعدما وجدت المهندسين فى البيت وعمال يشتغلون فى تركيب مصعد! ولاحظت نظرات الشك فى عينيها وكنت واحدا من الذين تجنبوا نظراتها المتسائلة الجياشة بقلب ملهوف!
وجلسنا بعد ذلك مجموعة من أصدقاء الرئيس ومعاونيه نتحدث واتفق رأينا على أن نستعين بخبرة عالمية وكان تساؤلنا: لماذا لا نجيئ بأكبر أطباء القلب السوفييت؟
وطارت رسالة سرية عاجلة إلى موسكو وجاء الدكتور شازوف وزير الصحة فى الاتحاد السوفيتي، وهو نفسه أكبر خبراء القلب ومعه مجموعة من صفوة الاطباء.. وأجرى الكشف على الرئيس.. وكانت النتيجة نفس النتيجة!
والعلاج نفس العلاج الذى اقترحه وطبقه الاطباء المصريون وقبل أن يعود شازوف الى موسكو ذهب لزيارة عبدالناصر.. كل ما طلبه منه هو الراحة التامة.
وقال الرئيس لشازوف: كان مقررا أن أجيئ الى تسخالطوبو لاستكمل العلاج لآلم التهاب الشرايين.
قال شازوف: سيدى الرئيس.. لم تعد تستطيع أن تجيئ عندنا لأن القلب لا يحتمل العلاج بالماء الطبيعي، انما بعد مرور خمس سنوات على الاقل!
وسكت عبدالناصر لحظة وعرف وقتها أن عليه أن يتحمل القلب وأن يتحمل آلام التهاب الشرايين فى نفس الوقت!
وفى تلك الايام.. راودته فكرة الاعتزال ليس من أجل نفسه ولكن من أجل البلد ايضا ومن أجل كل بلد عربى كان لا يستطيع الوصول الى القرار.
وخلال تلك الفترة كان عبدالناصر يقول.. سوف يفسر ذلك مهما يكن بأننى يائس من نتيجة المعركة.. وذلك سوف يؤثر تأثيرا كبيرا على القوات المسلحة وعلى جماهير الأمة العربية.
ويقول هيكل: كنا جالسين فى غرفة الحكم الملاحقة لغرفة نومه وقلت للرئيس عبدالناصر: ألا تستطيع بتنظيم جديد، أن تخفف عن نفسك بعض ما تحتمل!
قال: لا تحلم إن الواقع لا يسمح لى بذلك كل وفد يجئ يريد أن يتحدث معي، كل مناسبة عامة لابد أن أظهر فيها كل أمر متعلق بالمعركة وبالذات استراتيجية المعركة لابد أن أبت فيه بنفسي، صحيح المسألة كما يلى طالما أننى موجود فلابد أن أباشر واذا توقفت عن المباشرة فلا يمكن أن أكون موجودا!
وفى تلك الفترة كان الاطباء قد تأكدوا من خطورة الحالة الصحية للرئيس عبدالناصر واكتشفوا متاعب قليلة وانسداد شرايين ساقه وسافر الرئيس الى الاتحاد السوفيتى وتقدم شازوف طبيب القلب الأشهر هناك برجاء للرئيس أن يبقى لمدة شهر للراحة التامة ولخطورة حالته.. الا أن عبدالناصر رفض ذلك وعاد إلى القاهرة وبدأ يحس بالارهاق يضغط عليه وبالآلام تشتد وقرر أن يذهب الى مرسى مطروح فى اجازة لاسبوع كامل واتفق الجميع على ألا يتصل به أحد.. مهما كان ومهما كانت الظروف! ويقول هيكل فى نهاية الحكاية الحزينة عن الرئيس عبدالناصر: لكن الازمة فى الأردن انفجرت وبقى الكل مترددا فى الاتصال به هناك أول أيام الازمة لكنه عند المساء كان قد سمع من الاذاعات بما يجرى واتصل هو وطلب موافاته أولا بأول بالتفاصيل. وعاد الى القاهرة من مرسى مطروح!
وكان المؤتمر الكبير الذى التقى فيه ملوك ورؤساء الدول العربية لبحث أزمة الاردن على وشك أن ينعقد.
ومن سيارته على الطريق الزراعى بين الاسكندرية والقاهرة كان يرتب للاجتماع عن طريق هاتفه بالسيارة.. وكان أطباؤه جميعا فى حالة ثورة غاضبة! حياة الرئيس فى خطر!
وكانت كلمتهم له بالاجماع تقريبا: إن الامور لا يمكن أن تستمر على هذا النحو وحين نقل إليه الدكتور الصاوى رأيهم كان رده بغضب: ماذا تقولون؟
فى كل دقيقة يمكن أن يقتل عشرات من الرجال والنساء والاطفال فى عمان، الا ترون اننا فى سباق مع الزمن؟!
وبكلمات أقرب الى الدموع يختم هيكل حكاية رحيل عبدالناصر باكيا أو قائلا: «رباه» كأنه كان يعرف!
كنا بالفعل فى سباق مع الموت!
ومات جمال عبدالناصر.. وكان قد تم نقل جثمانه الطاهر من بيته الى قصر القبة وطوال الليل ظلت جماهير المصريين المذهولة المصدومة تندفع فى شوارع القاهرة لتملأ الشوارع المحيطة بالقصر، وكأنه سرادق عزاء بدأ قبل أن يطلع صباح يوم الوداع.. دموع وصراخ وأنات محتجزة يفصل الصدمة فى الحناجر.. ونساء فى ملابس الحداد السوداء، رجال وشباب واطفال تملأ الدموع عيونهم يشعرون جميعا بالحزن الكبير، حزن مصر على ابن مصر العظيم جمال عبدالناصر.
وحانت اللحظة التى سيغادر فيها جمال عبدالناصر قصر القبة الى الابد.. وتحرك الموكب الحزين خارجا من قصر القبة.. وصاح ضباط حرس الشرف بصوت مرتعش ممزوج بالدموع! انتباه! ومضى جثمان عبدالناصر أمام حرس الشرف.. وأدى الحرس التحية العسكرية ونكس العلم فوق سجادة خضراء.. مائة متر.. قطعها الموكب الحزين فى حديقة القصر وأخيرا توقفوا أمام سيارة الاسعاف ليوضع فيها الجثمان برفق، وببطء تحركت السيارة وبداخلها جثمان الرئيس المسجى والكل يصيح فى انفعال مع السلامة يا ريس.. ومضت سيارة الاسعاف وخلفها ثلاث سيارات جيب الى مكان الطائرة الهليكوبتر التى هبطت فى حديقة القصر، ولاول مرة كان علم رئيس الجمهورية فوق الباب الرئيسى منكسا، وهو العلم الذى لا يتم تنكيسه الا عند وفاة رئيس الجمهورية! واقلعت الطائرة الهليكوبتر رقم 1029 تحمل جثمان جمال عبدالناصر فى رحلته الاخيرة!
وخلفها أقلعت طائرتان أخريان وبدا مشهد حديقة قصر القبة كأنه سرادق مآتم فقد بدأ جنود الحرس الجمهورى يتساقطون على أرض الحديقة وعيونهم معلقة على الهليكوبتر التى تحمل جثمان الرئيس، وأغمى على عدد كبير منهم، ثم شهدت السماء مشهدا أكثر حزنا فقد حلقت الطائرة فى دورتين فوق منزل الرئيس وقصر القبة، ثم أخذت طريقها نحو أرض الجزيرة، وهناك أخذت تحلق على ارتفاع منخفض يتصاعد إليها صراخ الجماهير ونحيبها الهادر تلوح بالمناديل البيضاء للطائرة التى تحمل جثمان حبيب الملايين وكان هتاف الملايين ناصر.. ناصر الوداع يا جمال يا حبيب الملايين.. وهبطت الطائرة وحمل الجثمان إلى عربة اسعاف مخصصة وفى العاشرة تماما بدأ الموكب يتحرك، تتقدم الدراجات البخارية مخترقا شارع النيل وميدان سعد زغلول إلى مبنى مجلس قيادة الثورة.
وعبر مكبرات الصوت ارتفعت أصوات المقرئين مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد وغيرهما وهم يتلون آيات القرآن الكريم كان المشهد شديد الرهبة والجلال.. وعلى الناحية الاخرى من ضفة النيل لم يكن فى الاستطاعة رؤية شبر واحد من الأرض خاليا وكأن مصر كلها قد احتشدت لتوديع ابنها العظيم.
وفوجئ رجال الأمن فى مجلس قيادة الثورة بحوالى مائة شاب أمام المبنى وعندما تم الاستفسار منهم كيف استطاعوا تخطى الحواجز والموانع، قالوا إنهم باتوا ليلتهم فوق رءوس أشجار حديقة الحرية، ليكونوا فى انتظار جثمان جمال عبدالناصر.
لحظات حزن لا توصف فى الساحة الداخلية لمجلس قيادة الثورة كانت الورود الحزينة فى كل مكان يطل عليها مكتب عبدالناصر الذى قضى فيه السنوات الأولى للثورة.
وأخيرا وصلت سيارة الاسعاف التى تحمل الجثمان، وعندما فتحت أبوابها وتقدم رجال الحرس الجمهورى لحمل النعش، امتدت نحوه مئات الأيدى وكانت لحظة بكى فيها الجميع ضباط الحرس، أعضاء الوفود العربية وعشرات غيرهم، وتدافع الجميع وقد فقدوا سيطرتهم على أنفسهم، ألقوا بأنفسهم على المقصة التى وضع النعش عليها.. نحيب وصراخ ولوعة وأسى ووفاء عظيم ثم بدأت محاولات مضينة لافساح الطريق أمام عربة المدفع لتصل الى مكان النعش واندفع ضباط الحرس الجمهورى يحملون النعش ويضعونه على عربة المدفع التى اصطف على جانبيها حرس شرف من أربعين ضابطا برتبة اللواء.
وتم اتخاذ الاجراءات اللازمة لتثبيت النعش فوق العربة احتياطيا وسط محاولات الملايين حمل النعش فوق أكتافهم.
وفى خارج مبنى مجلس قيادة الثورة اصطف الملوك والرؤساء الذين حضروا للمشاركة فى وداع عبدالناصر الوداع الاخير وأعطى الفريق سعد الدين متولى كبير الياوران اشارة بدء تحرك الجنازة وكانت قد اعطيت أوامر لجميع مواقع السلاح فى أنحاء مصر بأن تطلق فى نفس هذه اللحظة 21 طلقة ما عدا مدفعية السلام فى القلعة التى اطلقت 101طلقة ومثلها مدفعية السلاح الخاص بالاسطول البحرى فى الاسكندرية وتحركت عربة المدفع التى تحمل نعش الرئيس عبدالناصر وبدأ الموكب المهيب وتحركت العربة لتخوض فى بحر متلاطم من عشرات الآلاف من المصريين وعلت الاصوات الحزينة الباكية الله أكبر.. الله أكبر.. وتزايد تدافع الملايين فى الطريق الضيق، وكان واضحا استحالة أى امكانية لتحرك الجنازة الرسمية رغم كل الترتيبات. وكان لابد من صدور قراربأن تتوقف الجنازة عند ميدان سعد زغلول وأن يكون العزاء عند نهاية سور مبنى مجلس قيادة الثورة، انها جنازة الزعيم.
الرجل الذى أحبته مصر وعشقته وحررها من الاستعمار الانجليزى والملك الفاسد بعد أن قام بثورته فى عام 1952 مع رفاقه من الضباط الاحرار.. زعيم أخلص لبلاده فلقى كل هذا الحب العظيم بكل الامتنان والتقدير والاعزاز.. كانت جنازته تاريخية سيتذكرها التاريخ ويبقى السؤال هل يستفيد الاخرون من الرؤساء من قصة عبدالناصر مع شعبه وقصة هذا الشعب المصرى البطل مع زعيمه الراحل؟
أنور السادات
صباح الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 استيقظ السادات من نومه فى الثامنة والنصف، وضع يده على جرس قريب من فراشه وضغط عليه لتبدأ طقوس الصباح، نظرة سريعة على صحف الصباح مع كوب من الشاى ثم التمرينات الرياضية التى تعقبها جلسة تدليك وحمام دافئ، استقبل بعض الاتصالات التليفونية التى لم تخرج عن التهنئة بذكرى يوم العبور، ثم تناول افطاره الاخير، فى ذلك الصباح، كان أنور السادات رائق المزاج وكانت حالته الصحية جيدة للغاية هذا ما قاله طبيبه الخاص بعد أن أجرى الكشف اليومى عليه بعد ذلك بدأ فى ارتداء ملابس القائد الاعلى للقوات المسلحة.
وفى تمام الساعة العاشرة كان الموكب أمام بيت الرئيس مستعدا للتحرك الى ساحة العرض فى الحادية عشرة ظهرا بدأ العرض العسكرى وبدأ معه العد التنازلى لاغتيال الرئيس محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر بعد جمال عبدالناصر ومحمد نجيب!
ولد محمد أنور السادات فى 25 ديسمبر عام 1918 بقرية ميت أبوالكوم بالمنوفية وبدأت دراسته بكتاب القرية وحفظ القرآن الكريم كله وهو مازال صبيا.. التحق بالمدرسة الحربية بواسطة من إبراهيم باشا والذى كان والده يعرف «صول» من الذين يعملون فى خدمته فرتب لقاء بين الوالد والباشا ومعهم الطالب محمد أنور السادات، جاء الباشا بكل عنجهية وغطرسة وتحدث مع والده بكل كبرياء وهو يسير نحو الباب والأب يسير وراءه مثل الخدم ولهذا كان هذا الموقف على وجه التحديد من المواقف التى لم تبرح وجدانه أو خياله أبدا وقال فى كتابه «البحث عن الذات» فيما بعد إن هذا الموقف لن ينساه أبدا وقُبل أنور السادات فى المدرسة الحربية وتخرج فى فبراير عام 1938 وعين فى منطقة المكس ثم ينتقل الى منقباد وهناك يكون لقاء القمة لاول مرة بين كل من جمال عبدالناصر وأنور السادات يتكون فى الجيش بعد ذلك تنظيم أطلق عليه تنظيم الضباط الاحرار يهدفون الى التفكير والعمل على اصلاح الفساد المتنامى فى الجيش والحكومة والقصر الملكى والاحزاب السياسية.
كان السادات من البارزين فى هذا التنظيم ولهذا عرف الانجليز كرهه الشديد لهم وعلموا بنشاطه المستمر ضدهم فأوعزوا الى قيادة الجيش محاكمته عسكريا وفصله من الجيش واعتقاله فى المنيا، وعندما اقيلت وزارة النحاس باشا لم يستطع أحمد ماهر باشا الافراج عن السادات مثلما تم الافراج عن باقى المعتقلين هذا يرجح الى أنه كان معتقلا بأمر من الانجليز، لكنه بذكائه الخارق الذى يشهد به الجميع وضع خطة للهروب ونفذ هذه الخطة بنجاح فى نوفمبر 1944 وبعد ذلك عندما رفعت الاحكام العرفية عن مصر أصبح من حقه الظهور علانية.
ثم بعد ذلك جاء اسم السادات مرة أخرى عام 1946 بين أسماء المتهمين بقتل أمين عثمان الذى كان من مؤيدى الاحتلال البريطانى لمصر فوجه الاتهام الى السادات والذى كان ترتيبه السابع فى القائمة الخاصة بالمتهمين فى قضية الاغتيال!
ولكن الله كان معه فتم الحكم عليه بالبراءة فى 24 يوليو 1948 وبعد الافراج عنه بدأ فى كتابة مذكراته.
وعندما جاءت ثورة 23 يوليو 1952 كان أنور السادات من أول الصفوف وكان أول خطاب يصدر عن هذا التنظيم بصوت السادات وفى الساعة السابعة والنصف من صباح يوم 23 يوليو 1952 كان البكباشى محمد أنور السادات قد احتل دار الاذاعة المصرية بالقاهرة وتحدث منها للعالم كله.
تولى السادات منذ بداية الثورة عدة مهام منها عضوية محكمة الثورة، رئاسة البرلمان، ثم عين بعد ذلك نائبا لرئيس الجمهورية عبدالناصر وبعد وفاته عين السادات رئيسا للجمهورية وبدأ العمل الفعلى فى يوم 17 أكتوبر عام 1970 وبدأ السادات على الفور فى مواجهة ما اسماه مراكز القوى من وجهة نظره والتى كانت سببا فى تدهور الاوضاع فى مصر من وجهة نظره أيضا!
فى 21 أكتوبر 1972 عقد الرئيس السادات اجتماعا مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمدة أربع ساعات متواصلة لكى يفسر لهم قرار الحرب الذى اتخذه بلا رجعة وبالامكانيات المتاحة للبلاد والظروف الدولية السائدة وقتها بعد انتهاء الحرب الباردة، وجرت ترتيبات بين كل من الرئيس السادات والرئيس حافظ الاسد للتنسيق بين الجبهتين المصرية والسورية، وكان انتصار أكتوبر الذى لم يصدقه العالم كله والذى جاء بذكاء ومكر السادات!
وفى غمرة الفرحة بالنصر العظيم نادى أنور السادات بالسلام ودعا العالم كله الى انتشار السلام فى العالم والشرق الأوسط بالتحديد وقام السادات بخطوة أذهلت العالم كله حين ذهب بنفسه إلى إسرائيل فى زيارة من أجل السلام وفى عام 1978 تم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بالولايات المتحدة وحصل السادات على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل فتبرع بقيمة الجائزة لإعمار مسقط رأسه بقرية ميت أبوالكوم كما أنه تبرع بقيمة ما حصل عليه من كتاب البحث عن الذات لبناء مساكن جديدة.
لكن رجل السلام لم يسلم من العدوان عليه فكان اغتياله يوم الاحتفال بنصر أكتوبر أثناء العرض العسكرى فكانت رصاصة فى الصدر وأخرى فى القدم فى يوم 6 أكتوبر عام 1981 فى المنصة الرئيسية لساحة العرض العسكرى للقوات المسلحة المصرية وفى الساعة الواحدة إلا دقيقة ظهر الثلاثاء السادس من أكتوبر 1981 وقعت حادثة اغتيال السادات لحظة مرور الطائرات الميراج والعيون كلها متجهة الى السماء. وقد بدأ سيناريو الحادث مساء يوم 5 أكتوبر حينما اتصل الملازم أول خالد الاسلامبولى بقائد مجموعة طابور عرض المدفعية وأبلغه أن ثلاثة من طاقم مدفعه قد اصيبوا باسهال مفاجئ وارتفاع فى درجة الحرارة وقد سمح لهم بالخروج للعلاج وأنه قد أعد ترتيباته للاستعانة بثلاثة آخرين من قوات احتياطى المنطقة العسكرية كما ذكرت مجلة آخر ساعة فى عددها التذكارى الصادر يوم 14 أكتوبر عام 1981، وفى الرابعة والنصف فجر يوم 6 أكتوبر كان قد بدأ الاعداد لطابور العرض حيث وصل الثلاثة الى مكان عرض المدفعية، وكانوا يحملون تصاريح مزورة من خالد الاسلامبولى وقدمهم الى قائده على أنهم من احتياطى المنطقة المركزية وقد حضروا للمشاركة رمزيا فى طابور العرض، وفى السادسة صباحا بدأ ركوب العربات والاستعداد للوقوف فى طابور العرض وفى السادسة والنصف قام خالد الاسلامبولى بتوزيع الذخيرة سرا على زملائه بعد أن أخرجها من مكان كان يخفيها به فى العربة، واعطاهم القنابل اليدوية واحتفظ لنفسه بقنبلتين!
وفى الحادية عشرة وصل ركب الرئيس الى مكان الاحتفال واطلقت المدفعية تحية من القوات المسلحة لقائدها الاعلى ثم اتجه الى المنصة وصافح كبار القادة ثم اخذ مكانه متصدرا المنصة الرئيسية وقرأ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد آيات بينات من القرآن الكريم، وألقى بعد ذلك وزير الدفاع كلمته ثم اتجه السادات وكبار القادة الى ساحة النصب التذكارى للشهداء ووضع إكليلا من الزهور عليه وقرأ الجميع الفاتحة على أرواح الشهداء الطاهرة وعزفت الموسيقى سلام الشهيد ثم عاد الرئيس السادات الى موقعه فى صدر المنصة!
وفى الحادية عشرة و24 دقيقة بدأ طابور العرض المدرع أو الوحدات الراكبة وظهرت فى سماء العرض ايضا طائرة هليكوبتر تحمل فريق مصر للقفز الحر بالبراشوتات وتوالى هبوط هؤلاء الابطال وتقدموا الى المنصة لتحية الرئيس والقادة الكبار، وكبار الضيوف وفى الساعة الثانية عشرة وخمسين دقيقة بدأ عرض المدفعية حيث تقدمت الصواريخ ميلان وسونج والقاذفات الصاروخية التى صنعت فى مصر وبعدها بخمس دقائق بدأ عرض المدفعية المجرورة طراز هاونز عيار 130 مللميترا وبدأ المذيع الداخلى يشرح مزاياها وظهرت فى سماء العرض طائرات ل29 والميراج وهى تتنافس فى تقديم عرض للاكروبات الجوية فى حركات ودقة بالغة، وفى الثانية عشرة و59 دقيقة توقفت عربة من بين مجموعة من أربع عربات تجر المدفع الهاونز وكان السائق مترددا فى ايقافها أمام المنصة ولكن خالد الاسلامبولى جذب الفرامل بعد أن هدد بتفجير العربة ثم فتح الباب وقفز منه ثم نزل زملاؤه الأخرون وبعد عدة ثوان تقدم خالد حاملا مدفعه الرشاش وكان يسبقه زميله الثانى وهو يحمل البندقية الآلية، وعلى اليمين واليسار اندفع بعدهما الاخران وألقى خالد بقنبلة يدوية دفاعية تصل قوتها التدميرية الى دائرة قطرها خمسة أمتار وقوتها التأثيرية الى 30 مترا ولكنها لم تنفجر فألقى زميله بقنبلة اخرى وأعصابه متوترة لتصل الى وجه الفريق عبد رب النبى حافظ رئيس الاركان وتسقط أمامه على الأرض ولا تنفجر ايضا ثم يعاود خالد إلقاء قنبلة دخان فتنفجر وسط المنصة وتنشر حالة من الذعر ليسود الهرج والمرج ليستغل القتلة هذه اللحظات ويتقدموا نحو المنصة ليطلقوا الرصاص من مدفع رشاش قصير يحمله خالد وثلاث بنادق آلية يحملها الاخرون، وكان الرئيس الراحل أنور السادات قد قام واقفا من مكانه حينما سمع انفجار القنبلة وطلقات الرصاص الذى كان هو هدفه الاول. فى الساعة الواحدة ودقيقتين كان كل شيء قد انتهى حيث حاول القتلة الهروب واللحاق بالعربة مرة أخرى ليختفوا وسط الزحام الا أن قوات الأمن تمكنت من القبض عليهم وبعد دقيقة وصلت طائرة هليكوبتر خلف المنصة لتحمل السادات وهو مصاب وتنقله الى مستشفى المعادي، ثم تصدر الاوامر فورا لاعادة تمركزها فى أماكنها ثم تخرج السيارات من ساحة طابور العرض تحمل المشاركين فى العرض من الشخصيات العامة والوفود الاجنبية ولم تمر سوى دقائق حتى سادت المنطقة حالة من الهدوء وتصدر الأوامر بعدم السماح بالاقتراب من المنصة والتحفظ فورا على السيارة التى نزل منها قتلة الرئيس السادات، والقبض على سائقها، كما نقل القتلة الاربعة الى المستشفى العسكري.
التقرير الطبي
وكان الرئيس السادات قد فارق الحياة قبل وصوله المستشفى وأكد التقرير الطبى الذى أعلنه اللواء طبيب عبدالحميد لطفى حسين نقيب أطباء القاهرة ورئيس أقسام الجراحة والجهاز الهضمى بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى أن سبب وفاة السادات هو صدمة نزيفية نتيجة للنزيف الشديد الذى تعرض له وليس صدمة عصبية كما تصور البعض وقال إنه قام على الفور بابلاغ خبر الوفاة لنائب الرئيس والسيدة جيهان السادات قرينة الرئيس والنبوى اسماعيل وزير الداخلية والذين كانوا ينتظرون التقرير الطبى عن الحالة بعد أن دخل قسم الرعاية المركزة لجراحة القلب والصدر وكان هناك بصيص من الامل فى استمراره على قيد الحياة لأن جهاز رسم المخ الكهربائى سجل تموجات تشير الى أن خلايا المخ مازالت حية، رغم أنه عند وصوله المستشفى كانت كل المعايير الطبية تؤكد أنه فارق الحياة، فجميع الانعكاسات فى الجسم مفقودة بالاضافة الى توقف التنفس وضربات القلب واتساع حدقتى العين، وعندما تم توصيل جثمان الرئيس على أجهزة مراقبة القلب وكذلك توصيل جهاز رسم المخ الكهربائى لتسجيل نشاط المخ ودرجة حيويته ظهرت مفاجأة ضخمة ألهبت حماس الاطباء حيث سجل مؤشر جهاز رسم المخ على الورق الحساس رسومات عبارة عن تموجات وهذه التموجات تشير الى أن خلايا مخ الرئيس مازالت حية وهناك أمل فى انقاذه وأسرعوا فى تقديم الاسعافات العاجلة أولها تدليك خارجى للقلب بالضغط على الضلوع باليد، وفى نفس الوقت اعطاء منشطات للقلب بالحقن داخل القلب مباشرة بواسطة حقن ادرينارلين والكالسيوم، كما تم اعطاؤه كميات كبيرة من الدم وقام فريق الاطباء بعمل تنفس صناعى عن طريق جهاز خاص أتوماتيكى وبعد أن تم توصيل الجسم بأجهزة مراقبة القلب مع تسجيل مستمر للضغط للتدليك الخارجى الذى كان يجرى بالضغط على الضلوع وظل النبض غير محسوس وتم اجراء فتحة فى القلب عن طريق الصدر اسفل الثدى الايمن لعمل تدليك داخلى للقلب بواسطة اليد. وعندما تم فتح صدر الرئيس اكتشف الاطباء أنه مملوء بالدم المتجلط داخل التجويف الصدري، كما وجدوا أن القلب مترهل وجذر الرئة اليسرى متهتك بما فيه الاوعية الدموية مع تهتك كامل بالرئة، فالطلقات أصابت جذر الرئة اليسرى مما نتج عنه تمزق بالاوردة الرئوية والشريان الرئوى الايسر والشعبة الرئوية اليسرى مما صاحبه نزيف شديد بعد الاصابة وتم عمل مجموعة من الاشاعات منها أشعة على الفخذ الأيسر أظهرت وجود شظايا متعددة داخل الجهة اليسرى من التجويف الصدرى. وكذلك رصاصة على الترقوة اليمنى وهى العظمة الموجودة أسفل الرقبة وأشعة على الجمجمة وكانت سليمة وكذلك الساعد الايمن، وفى تمام الساعة الثانية وأربعين دقيقة ظهرا أعطى مؤشر جهاز رسم المخ رسومات منتظمة تشير إلى أن خلايا مخ الرئيس قد توقفت بعد وصوله الى المستشفى بنحو ساعة وعشرين دقيقة لتعلن نهائيا وفاة الرئيس محمد أنور السادات متأثرا بجراحه إثر عملية اغتياله.
نشر بالعدد 603 بتاريخ 2/7/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.