"خلوها تعفن".. في أجرأ وأخطر رد فعل على ارتفاع الأسعار، قرر السعوديون بعد ارتفاع اسعار الدجاج واللحوم بنسبة تتراوح بين 25% إلى 40%، المقاطعة، وذلك للتعبير عن الغضب والرفض للزيادة. ففي تهديد للتجار والاقتصاد السعودي، شن السعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي ال "فيس بوك" و"تويتر" حملة لمقاطعة اللحوم والدواجن، تحت شعار "خلوها تعفن"
المقاطعة وخطرها
وتعد هذه الحملة مصدر تهديد وخطر كبير، حيث حذر منه المفكر الاقتصادي الدكتور محمد القحطاني، وقال: "إن مقاطعة شراء اللحوم والدجاج تؤدي إلى عواقب وخيمة، وسوف يتكبد التجار خسائر تصل بالمليارات، كما تؤدي إلى تلف المواد الغذائية وتنذر بخسائر مادية فادحة".
وأشار القحطاني إلى أن هناك ثلاثة احتمالات لوقوع الأزمة منها احتمال كونها أزمة مفتعلة أو ارتفاع زيادة الطلب على شراء وتخزين الدجاج المبرد لقرب موسم الحج أو أن تكون هناك عوامل بيئية أثرت بشكل ملحوظ على إنتاج البيض ومنها نشأت الأزمة وسوف ينتج عن الحملة عزوف المشترين عن شراء الدواجن بشكل كبير نظرا لضعف قيمة الشراء وعدم استطاعة الأسر تحمل الغلاء المعيشي الذي يلجأ إليه بعضهم.
وتجنباً لتلك الخسائر، داعا القحطاني التاجر السعودي للمحافظة على الأسعار حتى يقبل المواطن على الشراء،
وانتقد القحطاني تجاهل دور وزارة الزراعة عن دعم فئة منتجي الدواجن المبردة من تقديم الأعلاف الغذاء اللازم لتثبيت الأسعار.
كما حذّر المفكر الاقتصادي من تأزم الوضع، إذا لم تتخذ إجراءات سريعة في احتوائه كما اقترح تشجيع الاستثمارات المحلية في قطاع الدواجن وتربية الأغنام في جنوب وشمال المملكة، داعياً التجار السعوديين للاستثمار في البلاد العربية الصالحة للزراعة كالسودان واليمن، مما سيؤدي إلى وفرة الإنتاج ومن ثم التحكم في الأسعار.
خسائر التجار
وفي دليل قاطع على نجاح المقاطعة، فقد شهدت محلات الدواجن وعدد من المطاعم عزوفا لافتا من قبل المستهلكين، خلال اليومين الماضيين.
وتخوف متعاملون من استمرار حملات المقاطعة، وأن الأضرار ستتعدى مزارع الدواجن إلى أصحاب محلات التوزيع والمطاعم والبوفيات التي تعتمد بشكل كبير على الدواجن.
وأكد عدد من الباعة والعاملين بحسب صحيفة "الوطن", أن محلاتهم تأثرت بحملة المقاطعة بنسب تتراوح بين 20 و35 %.
الاستمرار مستبعد
وشهدت حملات المقاطعة جدلا كبيرا لعدم وجود بدائل مناسبة للدواجن، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، والأسماك، والتي لا تقارن بأسعار الدواجن، مما يحد من استمرار ونجاح المقاطعة.
وقال مرزوق العايد مستثمر في توزيع الدواجن: "إن المقاطعة عملت موقفا تجاة الصف الأول من مستثمري الدواجن، والمتسبب في تعديل أسعار الدواجن، ويجب أن يصاحب هذه الحملة تحرك سريع من الجهات الحكومية ذات العلاقة، حتى لا يتأثر الاسثمار المرتبط ببيع الدواجن، كالمطاعم والبوفيات".
وقدر العايد أن نسبة انخفاض المبيعات للبيض والدواجن وصلت خلال اليومين الماضيين إلى نحو 35%، وتحديدا في الدواجن المبردة أو حديثة الذبح، والتي يقبل عليها المواطنون بشكل كبير، بينما لم يشهد الدجاج المثلج انخفاضا ملحوظا بسبب تسويقة في منافذ بيع بعيدة عن حملات مقاطعة المواطنين.
من جهته، قال عبدالعزيزالشعيبي: "إن المقاطعة صعبة، وخاصة لعدم وجود بديل مناسب للدواجن، ولكن يجب علينا أن نسجل موقفا أمام جشع التجار وزيادتهم غير المبررة، وخاصة أن أعلاف الدواجن مدعومة من الدولة".
وتوقع الشعيبي نجاح الحملة لما تشهده من تأييد كبير في مواقع التواصل الاجتماعية، والهواتف النقالة وما يثار في المجالس.
أسباب ودوافع
وحول أسباب ارتفاع الأسعار، ذكر القحطاني، أن أسعار الغذاء بشكلٍ عام مرتفعة، ويرتبط اللحم والدجاج بعناصر إنتاج أخرى كالحبوب والمياه، لافتاً إلى ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة تصل من 30 إلى 40 %، ودعا الحكومة إلى تحمل الزيادة في الأسعار، ومحاولة تخفيض الفاتورة على المواطن.
وأبدى أسفه لغياب الوعي الاقتصادي الاستهلاكي للمواطن السعودي، مبيّناً أن المواطن السعودي اعتاد على سلوك استهلاكي معين، من الصعب تغييره فجأة، كما طالب أساتذة الاقتصاد بالعمل على الارتقاء بوعي المجتمع، مع وضع خطط لاحتواء مشكلة زيادة الأسعار.
ولفت إلى معاناة ذوي الرواتب المنخفضة الذين يمثلون 60 % من المجتمع من ارتفاع الأسعار، داعياً المواطن إلى ترشيد الاستهلاك في تناول اللحوم والدجاج، معتبراً ذلك وسيلة ضغط ناجحة على التجار لتخفيض الأسعار.
حلول سريعة
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي محمد البشري أن الحل السريع والكامل لهذه الزيادة هو قيام وزير التجارة الدكتور توفيق الربيعة ووزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم بالاجتماع مع كبار المنتجين المحليين والمستوردين لمناقشة سبب ارتفاع السعر، وإيجاد حل سريع يصب في مصلحة المواطن والمقيم، كما حذث من قبل في حل مشاكل بعض السلع الأساسية مثل الحليب، والأسمنت والشعير.
وأضاف البشري أن التدخل الحكومي من قبل أدى إلى ضبط الأسعار، وختم حديثه قائلاً: "أنا على ثقة كاملة بأن كبار المنتجين المحليين لديهم الكثير من الحلول لإعادة الأسعار إلى سابق عهدها من دون تحميل المستهلك المزيد من الأعباء الإضافية".
وقد اتفق عصام خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودية مع البشري في الرأي، حول إلقاء المسئولية على وزارة التجارة متمثلة في جمعية حماية المستهلك، وعليها دراسة السوق والتعرف على المشاكل الموجودة وحلها.
المقاطعة "فورة حليب"
وحول فعالية المقاطعة، فرأى خليفة أنها مبدأ معمول به، ولكن تفعيله في غاية الصعوبة، حيث يستلزم اتفاق مجتمعي، وقال: "جميع الخبرات السابقة لم تؤتِ بثمارها في هذا الشأن، والمقاطعة غير مجدية، وما زال الطلب على الدواجن كبيراً جداً، لاعتبارها البديل الأمثل للحوم بعد ارتفاع أسعارها"، واصفاً ما حدث بأنه "ردة فعل وفورة حليب" ليس أكثر.
وأكد خليفة أن المملكة ليست بمنأى عن الاقتصاد العالمي، وما يحدث في الاقتصاد العالمي يؤثر في الاقتصاد السعودي، مشيراً إلى أن المملكة تعد دولة مستوردة فأي تضخم في الخارج يؤثر هنا.