تصدرت الأزمة الدبلوماسية التي اشتعلت بين سوريا وتركيا على خلفية مقتل خمسة مدنيين أتراك إثر سقوط قذائف هاون من الأراضي السورية أول أمس وقيام أنقرة على إثر ذلك بشن قصف عسكري لأهداف سورية صفحات كبريات الصحف الغربية. فقد اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن موافقة البرلمان التركي على شن عمليات عسكرية جديدة ضد أهداف سورية حدودية قد هدد بتصعيد مواجهة تكشف لعب أنقرة دورا مزدوجا حيث أنها تحاول أن تناى بنفسها عن أي انخراط مباشر في أعمال القتال الدائر ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بينما تقدم الدعم المادي والملاذ الآمن للثوار السوريين.
وذكرت الصحيفة في سياق تعليق أوردته على موقعها الالكتروني اليوم الجمعة أن القصف التركي لأهداف سورية واقعة على الحدود بين البلدين كان بمثابة رد فعل من جانب الحكومة التركية على تنامي الاستياء الشعبي ضدها بسبب سياساتها تجاه الأزمة السورية،التي لم تفشل فقط في إسقاط نظام الأسد بل وزادت من مشقة المواطنين الأتراك القاطنين في المناطق الحدودية،والذين أصبحوا أمام حقيقة تدني مستوى تجارتهم ودخول ما يقرب من 100 ألف لاجئ سوري إلى أراضيهم.
ولم يقتصر المشهد على ذلك،بل رجح خبراء ومحللون -حسبما نقلت الصحيفة- أن القصف التركي لأهداف سورية ربما يعكس أيضا تزايد شعور أنقرة بتخلى حلفائها الغربيين عنها لتقف وحدها في وجه رياح عاصفة تجبرها على إدارة موقف يزداد اشتعالا كل يوم.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى إشادة سولي أوزيل الأكاديمي والكاتب الصحفي لرد فعل أنقرة إزاء ما حدث قائلا"إن الحكومة التركية باستهدافها أهدافا سورية بعينها يؤكد حرصها على عدم اتخاذها رد فعل عنيف وانتقامي ، لكنها وجهت في الوقت ذاته أقل ما يمكن أن تفعله إذا ما تعرضت أراضيها لأي مخاطر جديدة".
كما نقلت الصحيفة عن إبراهيم كالين أحد مساعدي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قوله:"إن تركيا لا ترغب في دخول غمار حرب عسكرية مع سوريا،لكنها مع ذلك قادرة على حماية حدودها وسوف تنتقم بشده إذا ما اقتضت الضرورة ذلك"،مشددا في الوقت ذاته على استمرار اطلاق المبادرات الدبلوماسية والسياسية التي ترمي إلى إيجاد حل للأزمة السورية.
ونسبت الصحيفة الأمريكية إلى عدد من المحللين الدوليين قولهم:"إن الحكومة التركية،بدعمها للثوار السوريين وموافقتها على دخول الاف اللاجئين إلى أراضيها بجانب تحمل التداعيات الاقتصادية لانهيار الاقتصاد في المناطق الحدودية،لم يكن أمامها بد من ابداء رد عسكري حتى وإن كان القصف السوري للمدن الحدودية التركية غير مقصود".
من جانبها رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية -في معرض تعليقها على القصف التركي لاهداف سورية واقعة على الحدود بين البلدين-أن أنقرة أصبحت بمفردها من دون أي شركاء دوليين يساندوها في ردها العسكري إزاء ما حدث ، وذلك على الرغم من إصدار المجتمع الدولي بيانات شديدة اللهجة تدين سوريا بقوة وتطالبها باحترام سيادة الدول المجاورة لها.
وذكرت الصحيفة أن الرد العنيف الذي اتخذته تركيا تجاه سوريا يناقض في الحقيقة ما فعلته أنقرة للرد على إسقاط القوات الجوية السورية لمروحية تركية في وقت سابق من العام الجاري ، حيث أصدرت عدة بيانات متناقضة عن مسئولين أتراك من دون أن تتخذ الحكومة التركية ردا عسكريا.
وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إلى تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حول الحادث، والتي أكد فيها أن الهجوم على منطقة "أقتشة قلعة" التركية ليس عاديا نظرا لأنه أظهر أن الاشتباكات في مدينة بلد السورية الحدودية يمكن أن يمتد إلى خارج الحدود.
مشيرا إلى أن هذا ليس أول هجوم من سوريا ضد تركيا حيث كانت 7 هجمات أخرى قامت بها سوريا ضد تركيا في الآونة الأخيرة.
وفي السياق ذاته،اعتبرت صحيفة "الجارديان"البريطانية البيان الذي أصدره مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لإدانة سقوط قذائف سورية على أراضي تركية ومطالبة الحكومة السورية بضرورة احترام سيادة واستقلال جيرانها قد نجح في تجاوز الخلافات بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين الذين طالبوها بإصدار بيانات شديدة اللهجة تجاه ما يحدث بسوريا.
وأشارت الصحيفة إلى إدانة روسيا، للهجوم السوري على الأراضي التركية ومطالبتها دمشق بسرعة توضيح ملابسات الهجوم وتقديم اعتذار رسمي عن اي خطأ ، مشيرة إلى أن روسيا تعد الحليف الأكبر لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضافت الصحيفة، أن تركيا وسوريا كانتا على شفا نزاع عسكري في وقت سابق من العام الجاري عندما قامت القوات الجوية السورية بإسقاط مروحية تركية،الأمر الذي دفع أنقرة لمطالبة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بشن عمل عسكري للرد على هذا الحادث، وفقا لبنود الحلف.
وأوضحت "الجارديان" أنه على الرغم من سفراء دول الناتو لدى تركيا قد أدانوا هجوم أمس الأول من خلال بيان شديد اللهجة ، يطالب دمشق بوقف ممارساتها العدائية تجاه أنقرة،إلا أنه لم يلوح بعد بإمكانية تراجعه عن موقفه الرافض للقيام بتدخل عسكري في سوريا. مواد متعلقة: 1. مجلس الأمن يستهجن هجوم سوريا على تركيا 2. أمريكا تساند تركيا وتأمل ألا يتصاعد نزاع سوريا 3. صحيفة :التوتر بين تركيا وسوريا كشف أبعاد السياسة الدولية