الباحث المصرى د. بدر عبد العزيز أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة بور سعيد والحاصل على الدكتوراه فى الآثار الإسلامية بقبرص يؤكد أن قبرص تمتلك كنوزاً معمارية من الآثار الإسلامية ودفن بها العديد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجد مواقع عديدة بقبرص بها شواهد أثرية تحتاج لحفائر علمية . كما تمتلك قبرص مواقع أثرية تحتاج لأعمال ترميم وتطوير ولخبرة مصر الطويلة فى مجال الحفائر والترميم والدراسات الأثرية فإن هناك فرصة طيبة للتعاون مع قبرص فى مجال الآثار لفتح مجالات جديدة للأثريين المصريين للاحتكاك بالثقافات المختلفة ومشاركة مصر رائدة علم الآثار الإسلامية فى العالم فى حماية وتطوير الآثار الإسلامية بقبرص وتنشيط التعاون الثقافى والسياحى بين قبرص ومصر . وقد تم توقيع اتفاقية فى العام الماضى بين فضيلة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والسيدة إيرانو كوزاكومار وزيرة خارجية قبرص للتعاون بين الأزهر والحكومة القبرصية شملت تفويض علماء التاريخ وخبراء العمارة الإسلامية بالأزهر الشريف بتدوين تاريخ مسجد الصحابية الجليلة "أم حرام" بقبرص والتأريخ للمساجد التاريخية بقبرص باللغتين العربية واليونانية كما تم الاتفاق على التعاون بين الأزهر الشريف والحكومة القبرصية فى المجالات الدينية والفقهية وإيفاد بعض أساتذة الأديان من جامعة قبرص للمشاركة فى ندوات وإلقاء محاضرات في جامعة الأزهر وتلقى دورات تدريبية على الوعظ والإرشاد والإفتاء ويقترح الباحث د. بدر عبد العزيز بخبرته العملية فى الدراسة الميدانية لآثار قبرص منطقة آثار مسجد الصحابية الجليلة "أم حرام" لأعمال الحفر حيث يتوقع كشف المزيد من الآثار الإسلامية الخاصة بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصحابية الجليلة أم حرام الصحابية الجليلة أم حرام بنت ملحان الأنصاري الخزرجي رضي الله عنها هى خالة الصحابى "أنس بن مالك" الذى قضى حياته منذ أن كان فيى الثامنة من عمره في خدمة سيدنا رسول الله ، وصار من كبار الصحابة ورواة الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله . تزوجت في بداية حياتها عمر بن قيس الذى شارك فى غزوة بدر عام 2ه / 623م ثم استشهد في غزوة أحد ثم تزوجت الصحابى عبادة بن الصامت .وهى السيدة التى بايعت الرسول وكانت من المسلمات اللاتى أحبهن رسول الله لصلاتها وعبادتها وكرمها وحسن ضيافتها . ولقد كان رسول الله "ص" يزور أصحابه في بيوتهم ومن أصحابه الذين زارهم الصحابى عبادة بن الصامت وزوجته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهم فدخل عليها رسول الله فاستقبلته ورحبت به وجاءت بطعام إلى رسول الله وبعد أن أكل الرسول أخذته سنة من النوم قليلاً ثم استيقظ ضاحكاً مستبشراً وبشرها بعبور المسلمين للبحر وفتحهم لجزيرة قبرص واستشهادها هناك حيث قال لها "أنت من الأولين". وتحققت رؤيا رسول الله لأم حرام رضى الله عنها فكانت أول شهيدة من شهداء المسلمين فى قبرص وكان ذلك فى أول حملة بحرية للمسلمين يغزون فيها البحر إلى قبرص بقيادة معاوية بن أبى سفيان فى عهد الخليفة عثمان بين عفان ثالث الخلفاء الراشدين وكان معها فى هذه الغزوة جمع كبير من الصحابة ومنهم أبو أيوب خالد بن يزيد بن كليب الأنصارى و أبو الدرداء وأبو ذر الغفارى و عبادة بن الصامت وفضالة بن عبيد الأنصارى وعمير بن سعد الأنصارى ووائلة بن الأسقع الكناني وعبد الله بن بشر المازنى وحسان بن ثابت شاعر الرسول رضى الله عنهم جميعاً واستشهدت أم حرام وكان عمرها حينذاك 86 عاماً بعد سقوطها من على ظهر بغلتها وكان ذلك فى عام 29 ه ، 649م ودفنت فى نفس الموضع الذى سقطت فيه والذى يعرف باسم "قبر المرأة الصالحة" الذى يهتم به المسلمون والمسيحيون فى قبرص وكانت السفن والبواخر التركية إبان العصر العثمانى فى قبرص تنكس وتخفض راياتها وتطلق مدافعها النيران عند مرورها بسواحل مدينة لارناكا على مقربة من ضريح أم حرام كتحية إجلال وتقدير للصحابية الجليلة جامع أم حرام يعتبر هذا الجامع من أشهر جوامع قبرص ويطلق عليه هناك جامع هالة سلطان من الكلمة التركية " خالة" وتمت به أعمال ترميم تحت رعاية الأممالمتحدة عام 2005 شارك فيها القبارصة الأتراك واليونانيين لإرساء دعائم السلام بينهما وشيد هذا الجامع بمدينة لارناكا السيد محمد أفندى سنة 1231ه /1816م على طراز المسجد القبة الذى يتكون من مساحة مربعة الشكل تحتوى على ثمان دعائم حجرية مضلعة ومدمجة بالجدران تحمل ثمانية عقود مدببة الشكل وترتكز القبة على هذه العقود وعلى المثلثات الكروية فيما بين العقود وفى الأركان الأربعة للقبة أربعة أنصاف قباب ويتوسط المحراب جدار القبلة الجنوبى الشرقى وعلى يمين المحراب فتحة باب مستطيلة الشكل ذات عقد موتور تؤدى إلى ممر يصل إلى القبة الضريحية الخاصة بالصحابية الجليلة أم حرام ويطل القسم الشرقى من الجدار الشمالى الشرقى للمسجد على رواق يضم مجموعة هامة من القبور المغطاة بتراكيب وشواهد قبور رخامية ذات نصوص كتابية وزخارف نباتية وهندسية غاية فى الدقة والجمال تتضمن نصوص قرآنية من آية الكرسى وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة وبعض الأدعية الدينية بالرحمة والمغفرة لصاحب التكية مشمولاً بأسمائه وألقابه وتاريخ وفاته
ويوجد بالمسجد من الداخل لوح رخامى يزخرفه نصوص كتابية تشتمل على خمسة أبيات شعرية من نظم الشاعر "عطاء الله كمال الدين" كتبت عام 1313ه فى مدح السيدة أم حرام والسلطان عبد الحميد وترجمة هذه النصوص من اللغة التركية إلى اللغة العربية كالآتى السيدة خالة سلطان منبع الفيض والكرم أتت لمكان العبادة لتمسح وجهها وأوجد هذا الأثر العظيم حضرة قطب العالم يعنى عبد الحميد بحر الوجود والإحسان هذه المياه قطرة من بحر خيراته فقد فاض بحر لطفه وكرمه على العالم يا رب إن هذا السلطان كثير الحسنات ليكون حكمه جارياً فى الدنيا كل لحظة مثل الماء وكان تاريخ مجراه بلا خفاء فقد انهمر الماء للتكية بهمة سلطان العصر
العناصر المعمارية يحوى الجامع مقصورة للنساء توجد بالجدار المواجه لجدار القبلة و هى عبارة عن مقصورة خشبية مستطيلة الشكل ذات درابزين خشبى مدهونة بالألوان الخضراء وترتكز المقصورة على زوج من الأعمدة الرخامية أما قبة الجامع 3
فهى قبة حجرية ضخمة نصف دائرية وفتحت فى مثمن القبة من الخارج ثمانية نوافذ مستطيلة ذات عقود موتورة ويزخرفها من الداخل الشهادتين وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة بما نصه:- "لا إله إلا الله – محمد رسول الله – أبو بكر – عمر – عثمان – على" وتقع المئذنة بالطرف الغربى من الواجهة الشمالية الغربية وتتكون من مستويين الأول مثمن الأضلاع والثانى اسطوانى ينتهى بشرفة ترتكز على عدة مستويات من الإطارات الحجرية الدائرية ويلى الشرفة بدن آخر اسطوانى ينتهى بقمة مخروطية الشكل ذات ناقوس يعلوه هلال من البرونز والمئذنة مشيدة على طراز المآذن العثمانية ولقد تم ترميمها على يد إدارة الأوقاف بقبرص سنة 1379ه/ 1959م ويرجع الفضل في بناء القبة الضريحية الخاصة بالصحابية الجليلة أم حرام إلى الشيخ حسن سنة 1174ه/1760م وهى مشيدة على طراز القباب الضريحية التقليدية التخطيط حيث تتكون من مساحة مربعة الشكل وقد فتحت فى كل ضلع من أضلاعها الأربعة نافذتين مستطيلتين كل نافذة تقع على نفس محور النافذة الأخري المقابلة لها ويتوسط الضلع الشمالى الغربى من مربع القبة المدخل الخاص بالقبة الضريحية وهو مدخل مستطيل الشكل ذات عقد مدبب يبدو فيه أثر طراز العمارة القوطية المتأخرة على العمارة العثمانية فى قبرص ويعلو المدخل إطار مستطيل الشكل يحتوى على خمسة صفوف من النصوص الكتابية وترتكز القبة على مناطق انتقال من الحنايا الركنية والمثلثات الكروية والقبة من القباب الحجرية الضخمة النصف دائرية ويوجد بالأركان الأربعة للقبة من الخارج أربعة أنصاف قباب صغيرة الشكل ويتم الوصول إلى القبة الضريحية عن طريق مدخل يقع بجدار القبلة على يمين المحراب وهو يفضى إلى ممر يتقدم مدخل القبة وفي عام 1212ه / 1797م تم إضافة تكية إلى المبنى وهى تحيط بالقبة الضريحية من الجهات الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية الغربية والشمالية الغربية وفى عام 1232ه / 1816م قام الوالى سيد محمد أمين ببناء الجامع الذى يتقدم الواجهة الشمالية الغربية للقبة الضريحية ويتكون مبنى التكية من طابق واحد فقط وهى ذات تخطيط مربع الشكل يتوسطها قبة ضريح السيدة أم حرام وتشرف واجهات التكية على الحوش الذى يحيط بالمبنى بعقود مدببة الشكل