كمال القاضي حفل حقل الدراسات الأدبية في الجامعات بعدد من الأبحاث الأكاديمية حول " المسرح العبري المعاصر " ، وكان من بين هذه الدراسات " تاريخ المسرح العبري في فلسطين " من عام 1914 : عام 1956.. رسالة دكتوراه مقدمة من الدكتور " عبد الوهاب وهب الله " بكلية الآداب جامعة القاهرة 1984 و" المسرح السياسي في إسرائيل " عند " حانوخ ليفين " في جامعة عين شمس 1991 وهي رسالة ماجستير للباحث " يحيي محمد عبد الله " الذي نحن بصدد الحديث عن رسالته للدكتوراه حول " صورة المرأة في النص المسرحي الإسرائيلي " من 1960 : 1990 . وسوف نعود إليها بعد استعراض عناوين أهم الدراسات التي تناولت الأدب الإسرائيلي في المسرح العبري وهي تزيد علي سبعة أبحاث لعل أهمها بالإضافة إلي ما أشرنا إليه رسالة الماجستير المقدمة من الباحث " منصور عبد الوهاب " عن " الوطن والاستيطان " و" الكيبوتس " و " نصوص الحرب والسلام من سنة 1948 : 1993 " المسرح العبري عند يوسف بريوسف " .. دراسة في الشكل والمضمون وأخيراً " صورة المرأة في النص المسرحي الإسرائيلي " وهو واحد من الأبحاث المهمة ليس لأن المرأة الإسرائيلية تمثل نصف المجتمع الإسرائيلي فحسب طبقاً للإحصاءات الإسرائيلية الرسمية ولكن لكونها عنصراً فاعلاً داخل المجتمع الإسرائيلي ، وظلت لفترة طويلة مجرد صورة شائهة وغير دقيقة أقرب ما تكون إلي " الأسطورة " وهو أمر يستحق استجلاء صحته من عدمها . كما أكد الباحث " يحيي محمد عبد الله إسماعيل " الذي اختار الفترة من بداية الستينيات وحتى مشارف التسعينيات للوقوف علي الصورة الموضوعية للمرأة الإسرائيلية في " المسرح العبري " لأسباب تعود إلي أن بداية الستينيات تمثل الانطلاقة الحقيقية للكتابة المسرحية العبرية وظهور أجيال جديدة من الكتاب المسرحيين الإسرائيليين المتحررين من الأيدلوجيات الصهيونية " المغرضة " والتي وقع في فخاخها من سبقهم من الكتاب . غير أن هذه الحقبة من بداية الستينيات وحتى بداية التسعينيات قد شهدت منعطفات تاريخية مهمة منها أكبر حربين مؤثرتين في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وهما حربا " 1967 ، 1973 " ، بالإضافة إلي حرب لبنان 1982 وتوقيع معاهدة " كامب ديفيد " عام 1979 والانتفاضة الفلسطينية " 87 " وكلها أحداث تفاعل معها الأدب المسرحي العبري المعاصر وعبر عنها . كما أن هذه الفترة بالتحديد شهدت اختلاط الإسرائيليين بالفلسطينيين بحكم الاحتلال ، الأمر الذي انعكس جلياً في الكتابات المسرحية العبرية التي تعالج النظرة إلي العربي ، وفي خضم هذه الأحداث كان الأدب المجند يصور المرأة الإسرائيلية قبل بداية هذه الفترة علي أنها مثال للتضحية والبطولة في كثير من الأحيان ، لكن الأدب المعاصر أعاد تقييمها ، بشكل أكثر واقعية فكانت صوراً لنماذج تعبر فقط عن همومها وقضاياها بحيث تغيرت صورتها البطولية الفدائية المبالغ فيها ، مما أكد أن المرأة لم تحتل مكاناً بارزاً في القضايا السياسية ولم تتم الإشارة إلي دورها في هذا الصدد عند تناولها في كتابات " إفرايم كيشون " في بعض نصوص العامية المسرحية أو حتى في فترة ما قبل حركة - الهسكالاه - " التنوير " مروراً بالكتابات المسرحية العبرية قبل قيام دولة إسرائيل وبعد قيامها . وتنقسم المرأة في المجتمع الإسرائيلي طبقاً لما ورد في الرسالة وصورته النصوص المسرحية إلي شريحتين : شريحة تمثلها المرأة " المتدينة " وأخري تمثلها المرأة " العلمانية " ، ويعاني المجتمع الأنثوي من انقسام حاد تمتد جذوره إلي تاريخ بعيد نتيجة " الهوة " العميقة بين التيارين .وقد أخذ الإشكال " العلماني " يتصاعد في الأعمال المسرحية العبرية مع بداية الثمانينيات مشكلاً تياراً قوياً يواجه بحسم التيار الديني وينظر بحذر إلي نفوذه في حين غابت عن الساحة الرؤية المسرحية الأخرى التي تعرض لهذا الإشكال " الديني - السياسي " من وجهة نظر مغايرة أو بمنظور أصولي . وعلي الرغم من ندرة الصور المسرحية للمرأة المتدينة في النصوص العبرية إلا أن الدراسة تناولتها بالتحليل موضحة أن أنماط التدين لدي المرأة الإسرائيلية تتجاوز الشكل والإطار إلي الموقف والمضمون ، وذلك من خلال خمسة نماذج لكتاب مختلفين : " ليلة في مايو " من تأليف " ط ب" " يهو شواع " ، " إلي أين يقودنا الوضع الراهن " من تأليف " يهو شواع سوبول " و" عقدة آيار " " ليوناتان جيفن " و " العم بيرتس مقلعاً " من تأليف " يعقوب شبتاي " و" يوسليه الهلامي " للمؤلف " دان هوروفيتس " . وقد جاءت أنماط المرأة المتدينة في النصوص العبرية المسرحية متعددة ومتباينة ، منها من يؤمن إيماناً راسخاً بحرفية النصوص في العهد القديم خاصة ما يتعلق منها " بالأرض " و " الوعود " و " الحدود التوراتية " ، ومنها من يختلط لديه الإيمان بحرفية النصوص الدينية مع " الأيدلوجية " " الصهيونية " الموجهة سلفاً ومع الحشد التربوي من قبل المؤسستين العسكرية والتعليمية في إسرائيل نحو التغرير بالإسرائيليين أنفسهم . ومن هذه الأنماط أيضاً كما ذكر الباحث " يحيي محمد عبد الله " من تتخذ من الدين مطية لتحقيق مآرب شخصية دون أن تكون امرأة دينية في أعماقها بالمفهوم السائد ، ومنها أيضاً من هي دينية وسطحية تؤدي واجباتها وطقوسها العقائدية فحسب ، أما فيما يتعلق بالمرأة العلمانية فإنها تأخذ صوراً شتي .. فمن بينها المرأة المتحررة النافرة من القيم الدينية اليهودية وهو نمط تمت معالجته من خلال أربعة أعمال مسرحية هي " دورة الكحول " من تأليف " يوسف موندي " و" أواه ياجولييت " من تأليف " إفرايم كيشون " و " تجار المطاط " من تأليف " حانوخ ليفين " و " عقدة آيار " من تأليف " يوناتان جيفن " . ويخرج من هذا النمط العلماني أيضاً نمط آخر يحقر" ركوب " الموجة الدينية من جانب بعض المتسترين وراء الدين ويهزأ من حرفية النصوص المقدسة الجامدة ويتمرد علي المؤسسة الدينية ذات النفوذ . وهو الشكل الذي تمت معالجته من خلال مسرحيتي " قداس السبت " من تأليف شموئيل هسفري و " إلي أين يقودنا الوضع الراهن" ليهو شواع سوبول . ونأتي إلي النوع الثالث وهو الذى بلوره " الأدب المجند " وسعي جاهداً إلي محاولة ترسيخه وتقديمه بوصفه القدوة والمثال للأجيال اللاحقة ألا وهو المرأة " الكيبوتسية " و " الطلائعية " نتاج الفكر الصهيوني ، وقد أوضحت الرسالة من خلال مسرحيتين هما " حنا سنش " من تأليف " أهرون ميجد " و " ليلة العشرين " من تأليف " يهو شواع سوبول " كيف أن هذا النموذج العلماني كان صنيعة الظروف التي أحاطت بوجود اليهود في أوروبا خلال فترة الأربعينيات ، وأن الدافع وراء بعض حالات ما يسمي بالهجرة الطلائعية من جانب بعض النساء لم يكن إلا هروبا من واقع معين وليس بالضرورة التحمس لمفهوم الطلائعية أو مختلف الشعارات الصهيونية . تعرض الباحث لنموذج آخر للمرأة الإسرائيلية يحمل عنوان " صورة المرأة التي تنتمي إلي جيل الصابرا " ويقصد هنا بجيل " الصابرا " الأبناء الذين ولدوا في فلسطين ثم لاحقاً في إسرائيل ، ويشيرلخصائص وسمات أبناء هذا الجيل وكيف حاول الأدب العبري إعادة صياغة الشخصية اليهودية عن طريق رسم صورة جديدة لإنسان يهودي متحرر من رواسب الماضي ومن عقلية " الجيتو " .. وقد أتت هذه الشخصية الجديدة شخصية الصبار بإشكاليات عديدة لا حصر لها ، منها علي سبيل المثال الشخصية " الإشكنازية " اليهودية الغربية " فقط والتي تستبعد أبناء الطوائف اليهودية الشرقية غير أنها شخصية رجالية لا تعني بالنساء ولا تلتفت إليهن . وقد انتبه الأدب العبري إلي أن شخصية " الصبار " شخصية " مذمومة " وموبوءة بالعلل والأوجاع وكثيرة العورات ومن ثم برز في الكتابات المسرحية الحديثة اتجاه يرمي إلي تحطيم " الهالة القدسية " التي أحاطت بشخصية " الصبار " بشقيها الذكوري والأنثوي وكشف جميع سوءاتها وتعريتها وإبراز مثالبها ، التي يأتي علي رأسها الغرور والغطرسة والفظاظة والقسوة والخشونة إلي حد التنكيل بالأباء وأقرب الأقرباء ، فضلاً عن التعالي والإنطوائية والتمرد علي التقاليد والتطلع نحو الحياة المادية المترفة والنفعية والبلاهة ، وهي الصفات المشار إليها في العديد من الأعمال المسرحية . كشفت الرسالة من ناحية أخري عن صورة وطبيعة المرأة " الإشكنازية " و " السفاردية " وأشارت إلي الجذور السحيقة التي تفصل ما بين هاتين الطائفتين وكيف حاولت الصهيونية إعلاء شأن النموذج الغربي " الإشكنازي " علي حساب أبناء الطائفة " السفاردية " والوضع المتميز الذي ينعم به أبناء هذه الطائفة في إسرائيل ثم عرض الباحث للعداء المتأصل بين الطائفتين وانعكاساته علي المجتمع الإسرائيلي من خلال عمل مسرحي عبري هو " واضح كل الوضوح " للكاتب الإسرائيلي " إفرايم كيشون " ، وقد خصص الباحث الفصل الثالث لموقف المرأة الإسرائيلية من " الآخر " العربي وفيه سلط الضوء علي المبدأ العنصري اليهودي القائم علي أسس دينية بارزة ، حيث يقسم العالم إلي قسمين أحدهما يهودي ، والثاني " أغيار" أو " جوبيم " . وهو تقسيم يتضح فيه التمايز والاستعلاء ، أما قضية احتلال الأراضي العربية فهي قضية عالقة بحقول " ألغام " " وتمس موروثا " عقائدياً توراتياً وآخر تاريخياً يتصل بالأرض والحق المزعوم لليهود فيها ! كما يشير البحث إلي دور المؤسسات التعليمية في إسرائيل ، والتي يغذيها ويؤازرها المعسكر الديني المتعصب في ترسيخ مفهوم رفعة الشعب اليهودي دون سائر البشر والتي من منطلقها يتعامل الإسرائيلي مع العربي عامة والفلسطيني خاصة بمزيد من الاستعلاء والاحتقار !!