اتهم كتاب يساريون وليبراليون جماعة الإخوان بالتخلف ضمن المائدة المستديرة لمجلة "الهلال" مساء أمس، وأبرزوا في جلسة ركزت على موقف الإخوان من الثقافة عبارة المرشد السابق للجماعة مهدي عاكف أن الدراما الرمضانية يحركها شياطين الإنس، وفي المقابل رأى كتاب إخوانيون مشاركون أن هناك تربص متعمد بكل ما يمت بصلة للدين ، مؤكدين أن قمع مبارك معهم لن يكرروه بعدما فاز إبنهم محمد مرسي بمقعد الرئاسة في مصر. وعبر الكاتب الصحفي البارز صلاح عيسى عن تخوفه من موقف الإخوان من الأدب والفن، وضرب المثل باعتراض مكتب الإرشاد وضغوطه المستمرة على الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح حين حضر ندوة وأبدى إعجابه برواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ منذ سنوات وحين صرح لحسام تمام ذات يوم بأن برنامج الإخوان ليس به رؤية ثقافية متماسكة، وبسبب الضغوط اضطر أبوالفتوح للتراجع عن موقفيه. وبخصوص الرواية فقد عادت مرة أخرى للتداول في مصر بعد طول مصادرة ، وصدرت بطبعة قدم لها اثنين من رموز الكتابة الإسلامية وهم الدكتور سليم العوا وأحمد كمال أبوالمجد . وأضاف : الإخوان يصمتون إزاء هجوم متطرفين إسلاميين على رموز أدبية وحين نسأل الإخوان عن رأيهم بالسينما يقولون أن حلالها حلال وحرامها حرام ، وهو قول غير مفهوم . و هذه النظرة الضيقة لا تستوعب التراث العربي المليء بالتعبير الصريح عن الحب والخمر وغيرها ككتاب "الإلف والإيلاف" وكتب الإمام السيوطي عن النكاح ، وكتابات أخرى لا حصر لها تعظم بهجة الإنسان التي أباحها الله، وحتى الكتابات الماجنة لم يكن أحد ليصادرها من الحكام الإسلاميين. وبناء عليه دعا الكاتب جماعة الإخوان لتفعيل الإجتهاد الحقيقي وترك المناورة، وهو اجتهاد ننتظر منه أن يجيب على تساؤلات "أي إسلام سيكون هو الحل" هل إسلام الدول النفطية التي تحرم التمثيل والفن أحيانا برمته، أم إسلام حسن الترابي في السودان، أم إسلام طالبان بأفغانستان، أم الإسلام الناهض المعتدل . وهو ما يجعلنا نسألهم كذلك كيف ستتعاملون مع الإبداع، وهل لو قدمت حوار على لسان شخصية ملحدة داخل رواية ستتهمني بالإلحاد مثله ؟! وأكد على المعنى ذاته الكاتب الصحفي محمد الشافعي رئيس تحرير مجلة الهلال، ومدير الندوة، والذي انتقد عدم ظهور مبدعين من بين تيار الإخوان المسلمين باستثناءات قليلة كنجيب الهلالي ، قائلا أن ذلك على الرغم من أن حسن البنا مؤسس الجماعة كان يحفظ 19 ألف بيت شعر . وأضاف أن تصريحات القيادي الإخواني عصام العريان المسيئة لتيار اليسار، هي إدانة في الحقيقة لجماعة الإخوان ، واعتبر أن خطابات الرئيس لم تذكر الثقافة ولا الإبداع ، وهو مؤشر سلبي للغاية . وفي كلمتها، انتقدت الكاتبة والمعارضة اليسارية البارزة فريدة النقاش ، مبدأ السمع والطاعة داخل جماعة الإخوان، وهو مبدأ يعارض النقد والتفكير الحر ، ويحصر المرجعية الثقافية على القرآن والسنة والنبوية، رغم أن الأمم الناهضة الإسلامية كدولة الأندلس عرفت الترجمة عن الثقافات الشرقية واليونانية ومن هنا لعبت دورا بارزا وساهمت في نهضة أوروبا نفسها . كما اعتبرت النقاش أن جماعة الإخوان منذ نشأتها لعبت دور الخصم لكافة رموز الإصلاح الديني كالإمام الغزالي، وقبله بقرون المفكر بن رشد، كما أنهم ساهموا بتحريك قضايا الحسبة ضد المبدعين، داعية إياهم لنقد ذاتي حقيقي واحترام الآخر. من جهته يرى أحمد عبدالحفيظ المحامي بالنقض والدستورية، أن كل الثورات المصرية السابقة كان لها مكون ثقافي يحركها، وعلى سبيل المثال كان عبدالناصر صاحب مشروع مناهض للإحتلال الإنجليزي وذو رؤية تنحو للتصنيع والإصلاح الزراعي باعتبارها آمال البسطاء الكادحين ، وهي رؤية تغيب اليوم عن حزب الحرية والعدالة الحاكم، لأنه غير متسق مع نفسه ثقافيا. أما الدكتور طارق النعمان أستاذ البلاغة بجامعة القاهرة فهاجم الإخوان معتبرا أنهم يجرون المجتمع نحو حياة الكهف التي خرجوا منها، ويجرونه لحالة من العنف ، ولديهم قدر عال من الانتهازية السياسية ، ويدل عنوانهم "الإخوان المسلمون" على الاستعلاء ، وعلى الرغم من أن مبدأ الجماعة الأول هو "السمع والطاعة" فإنهم بعد الثورة أسموا حزبهم "الحرية والعدالة" ، ويدل شعارهم "الإسلام هو الحل" عن وجه جديد من الانتهازية السياسية التي تزج بالدين الإسلامي في معترك النهضة الذي يتطلب برامج اقتصادية واجتماعية ، وهو شعار لا يفسر تقدم الأمم الشيوعية والمسيحية وغيرها من دول العالم . واستطرد أستاذ الأدب بقوله أن الإخوان يرفعون شعار المشاركة وهم يقومون بالمغالبة ويستحوذون على كتابة الدستور والبرلمان بغرفتيه الشعب والشورى ، متهما إياهم بالنفاق والكذب . وأضاف أن برنامج الحزب هو الآخر مليء بالتناقضات وموقفه من الفن لا يرقى للأمة وبه تهويل من الغزو الفكري للعرب والمسلمين من قبل الغرب . وأبدى الشاعر والناقد شعبان يوسف من جهته اطمئنانا نحو الثقافة قائلا أن الإبداع المصري سيتنفس تحت أي ضغوط ، واعتبر أن تاريخ جماعة الإخوان لم يقدم مبدعين أمثال يوسف ادريس ونجيب محفوظ، وقد صودرت رواية محفوظ بتقرير من الشيخ الغزالي، وحين عادت بعد 40 سنة لم يحدث أن أفسدت الرواية المصريين ولا شيء . وقال يوسف أن الإخوان كانت لهم أعمال أدبية متميزة في البداية مثل أعمال سيد قطب الذي أصدرت له هيئة الكتاب مؤخرا روايته "أشواك" ، وقد كانت أعماله تستقي مناهلها من الحضارة المصرية القديمة والإسلامية وغيرها . ويؤكد يوسف أن تاريخ الإخوان مليء بالمصادرة للفكر، مثل مصادرة 8 كتب في معرض القاهرة للكتاب عام 1992 بسبب هجمات الإخوان ومنها كتب سعيد العشماوي و"أقلام ومصاحف" ، وحين قتل فرج فودة قال مرشد الإخوان آنذاك أن الدولة هي التي قتلته حين سمحت له بالخروج والتحدث بحرية في وسائل الإعلام ، ولم يدن قاتله ، وظل نواب الإخوان بالبرلمان يهاجمون الكتاب من أمثال حيدر حيدر في روايته "وليمة لأعشاب البحر" وحلمي سالم في ديوانه "شرفة ليلى مراد" . وفي نفس الاتجاه، رأى مجدي أحمد علي المخرج السينمائي أن الإخوان يعيشون اليوم في المرحلة السلفية وأصبحوا أقرب للسيف من الوسطية التي تعايشوا فيها في الستينات والسبعينات، وأصبحت لديهم أفكار احتكار الحقيقة والحقيقة المطلقة وهي التي تؤول دائما للفاشية . واعتبر مجدي علي أن الإخوان يتلونون بحسب المواقف والمصالح ، منتقدا بشدة الإفراج عن الجهاديين المتورطين في أعمال سفك الدماء البريئة مثل تفجير أتوبيسات السياح ، وقتلة فرج فودة ، كما انتقد استعانة حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية بشيوخ السلفية لحل مشكلات مصر العشائرية بسيناء . وقال المخرج المصري أن السلفيين يعتبرهم البعض لطفاء لأنهم فقط لا يريدون حمل السلاح الآن!. وأكد بالختام أن الإخوان عليهم تغليب مصلحة الوطن على أنفسهم حتى يعودوا لماضيهم الأكثر قوة . واعتبر المترجم والكاتب ربيع مفتاح، أن حكم الإخوان سيمتد لسنوات لا أحد يعلم منتهاها لأن القوى المنافسة لها غير مترابطة وهشة، واستنكر عدم ردع من يدعون أنهم جماعات الأمر بالمعروف في الشوارع . وقال أن شوقي كان يكتب "رمضان ولى هاتها يا ساقي .. مشتاقة تسعى إلى مشتاق" ولم يكفره أحد . على الجانب الآخر المدافع عن جماعة الإخوان، دعا الدكتور محمود خليل كبير الإذاعيين بإذاعة القرآن الكريم للإصطفاف الوطني في مرحلة دقيقة من عمر الوطن، مؤكدا أن دار الهلال ذات تاريخ عريق في الثقافة. وأشار خليل لأن الرسول اعتمد على أهل الكفاءة في العمل حتى من غير المسلمين، ومنهم دليله عبدالله بن أريقط . وهاجم الأفكار المادية التي يتبناها تيار اليسار مؤكدا أنها أودت بأممها للهلاك وقد أسلم روجي غارودي حين علم أن القرآن يدعو لعقلانية بلا حدود . ولم ينكر خليل نضال اليسار في مصر والعالم وبذل الدماء في مواجهة المستبدين ، وسأل الكتاب : هل يمثلكم رفعت السعيد ؟ ! في إشارة لموقفه الداعم للسلطة وليس للثورة والديمقراطية، فطلب منه المشاركون باعتبار كل كاتب معبر عن نفسه وليس عن تيار بأكمله، فرد الدكتور خليل بأن اليسار المحترم هو المناويء وليس الخانع . كما انتقد خليل اتهام الإخوان بالتخلي عن تراث الإصلاحيين ، مؤكدا أن الغزالي مرجع أساسي بأدبيات الإخوان جميعا . وأكد خليل أن تسمية "الإخوان المسلمون" ليس بها ثمة استعلاء، لأن الأخوة اسم يجمع عباد الله جميعا بنص القرآن. وقال ليس من حقكم أن تحاكمونا بتهمة قتل محفوظ وفودة فنحن لا يمثلنا المتطرفون. وأكد أن هناك تعمد لتجاهل كتابات الإسلاميين في مصر، فقد ظل علي أحمد باكثير ينشر إبداعاته المسرحية يوميا ولا أحد يكترث به ، ويقولون أن الإخوان ليس بهم مبدعون وقد خرج منهم مشاهير أمثال سيد قطب ، وكتابات جودة السحار ، والقرضاوي، وسعيد حوا، ونجيب الكيلاني الذي رشحه محفوظ لنيل نوبل لو لم يكن نالها ، وحسن البنا مؤسس الجماعة نفسه ، وهناك طلبة في الجامعات بتيار الإخوان أحرزوا تقدما ونبوغا ومنهم في هذا العام من فاز بجائزة بوليود عن فيلم ، مختتما حديثه بأننا نعيش حالة عكاشية جديدة تشوه الحقائق. ومن جهته اعتقد عاصم شلبي رئيس اتحاد الناشرين المصريين أن مبدأ السمع والطاعة من ميزات جماعة الإخوان ولا تعيبها، لأنها توحد صفوفهم وتقويه، مؤكدا أن الإخوان يحتفون بالثقافة بدرجة كبيرة وبرنامجهم هو الوحيد الذي يؤكد على الملكية الفكرية وحقوقها ، ، مؤكدا أن الإخوان عانوا القمع وهو ما أدى لخفوت صوتهم في مجال الثقافة، فقد تعرض هو شخصيا لإغلاق دار النشر الجامعي التي يمتلكها لمرات كثيرة على يد الأمن، وقد طالب شخصيا بعدم وجود رقابة مسبقة على أي إبداع وأن يتضمن الدستور ذلك. أخيرا ، ذكر عضو مجلس الشورى وعضو اللجنة التأسيسية للدستور الدكتور خالد بنورة باحتفاء الدين الإسلامي بالقراءة والتعلم، ودفعه للبشر للتفكر في الخلق، وكيف أن الرسول دعا لتعلم اللغات والسفر وغيرها، وهو ما احتج عليه المخرج مجدي علي قائلا "لسنا في مدرسة هنا ولا في جامع" ، فواصل بنورة حديثه : من شيم المسلمين احترام الآخر . وأكد أيضا أن المسلمين احترموا الحضارات ولم يهدم الصحابة أي أثر في البلاد التي فتحوها ، مؤكدا أيضا أن جماعة الإخوان تمتاز بالإنفتاح الفكري فهي تؤول الظن الشرعي لما يوافق المنطق العقلي والواقع . وقال أن ما تسميه الكاتبة فريدة بالتباس الديني والسياسي هو في رأيه نقيصة عند اليسار وليس عند الإخوان، داعيا لعدم تغييب الدين عن الثقافة والفكر والإبداع ، وقال أن الإخوان لم يستحوذوا على الدولة بدليل أنه ليس بينهم محافظ أو رئيس هيئة أو قطاع ، وأنهم يمثلون نصف المجالس النيابية فحسب.