رابط نتيجة الامتحان الإلكتروني للمتقدمين في مسابقة شغل وظائف بالشهر العقاري    محافظ المنوفية: 647 مليون جنيه حجم استثمارات الدولة في قطاع التعليم قبل الجامعي    بالتزامن مع موسم الحج، سعر الريال السعودي في البنك المركزي اليوم    تنفيذ 11 مشروعًا لمياه الشرب والصرف الصحي بمطروح    جالانت: لن نكون طرفا في الإطار الثلاثي المقترح من فرنسا    موعد مباراة منتخب ألمانيا واسكتلندا والقنوات الناقلة في افتتاح كأس أمم أوروبا.. معلق وتشكيل اليوم    صفقة الأهلي في مهب الريح.. بلعيد يطير إلى الدوري البلجيكي    بسبب موجة الحر.. دولة تغلق المدارس وتسمح للموظفين بالعمل من المنزل (فيديو)    حبس تشكيل عصابي سرق أحد خطوط نقل المواد البترولية بالقليوبية    24 مليون جنيه حجم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    ختام فعاليات دورة التعقيم المركزي بمستشفيات الدقهلية    الرئيس الروسي: موسكو ستوقف إطلاق النار وتبدأ المحادثات مع كييف في هذه الحالة    بسبب الأمواج.. الجيش الأمريكي يدرس تفكيك الرصيف العائم قبالة غزة    الشؤون الإسلامية تعلن جاهزية مقرات ضيوف خادم الحرمين الشريفين في المشاعر المقدسة    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    الثالثة محليًا وال 306 عالميًا.. الأكاديمية العربية ضمن أفضل الجامعات في تصنيف التايمز    "بعد بيان بيراميدز".. رئيس منظمة مكافحة المنشطات يكشف تفاصيل جديدة في أزمة رمضان صبحي    وسام أبو علي يغيب عن قمة الأهلي والزمالك    منح دراسية ومنتدى.. وزير التعليم العالي يلتقي نظيره البيلاروسي لبحث سُبل التعاون    توريد 211 ألفا و115 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    تفعيل غرف الطوارئ.. توجيهات عاجلة من وزير الري بشأن الاستعداد لعيد الأضحى    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بمدخل مدينة قنا الجديدة    مالك مصنع وأجنبيان آخر الضحايا.. سقوط عصابة الشرطة المزيفة في أكتوبر    ملحقش يعيد.. "أدهم" دهسه جرار زراعي بعد خروجه من فرح بالغربية    الأمن يكشف واقعة اختطاف شخص وإكراهه على توقيع إيصالات أمانة    وزيرة الثقافة تعلن برنامج الاحتفال بعيد الأضحى، اعرف الفعاليات    فيديو جديد.. حنان ترك تهنئ جمهورها بعيد الأضحى المبارك    "المسرح التجريبي" يكرم "بانوراما برشا" الحائز على جائزة العين الذهبية بمهرجان كان    اليوم يوم التروية.. تعرف على سنن وأعمال للحاج في هذا اليوم    مقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود في الفيلم الوثائقي «أيام الله الحج»    يلقيها الشيخ بندر بليلة.. خطبة الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة (بث مباشر)    الجيش الإسرائيلي: اعتراض 11 طائرة معادية انطلقت من لبنان    هيئة الدواء: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    فحص 694 مواطنا في قافلة متكاملة بجامعة المنوفية    وزارة الثقافة تعلن فعاليات برنامج عيد الأضحى بقطاعاتها.. اعرف التفاصيل    مهرجان المسرح التجريبي يكرم فريق بانوراما برشا الفائز بالعين الذهبية في كان    بايدن يتجول بعيدا فى قمة ال "G7" ورئيسة وزراء إيطاليا تعيد توجيهه.. فيديو    «متشطبة ومفروشة».. تسليم 11 وحدة سكنية لأبناء دور رعاية الأيتام بالمنوفية    تفاصيل ضبط أخطر تشكيل عصابى تخصص فى النصب الإلكترونى بالشرقية    إزالة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبنى سويف الجديدة    وزير الإسكان: جار إجراء التجارب لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح    وزير التنمية المحلية يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    الكشف على 902 مواطن في قافلة طبية مجانية بدشنا ضمن «حياة كريمة»    مواقيت الصلاة.. موعد آذان المغرب يوم عرفة 2024    أزهري يوضح موعد ذبح الأضحية.. والصيغة الصحيحة لتكبيرات العيد    «غرفة أزمات مركزية».. خطة وزارة الصحة لتأمين احتفالات عيد الأضحى وعودة الحجاج    يورو 2024| إنجلترا يبحث عن إنجاز قاري في المجموعة الثالثة.. فيديوجراف    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 14-6-2024 في قنا    صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة بسهل الحولة والجليل الأعلى شمالي إسرائيل    إنبي: زياد كمال بين أفضل لاعبي خط الوسط في مصر.. ولا أتوقع تواجده في الأولمبياد    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    باسل عادل: لم أدع إلى 25 يناير على الرغم من مشاركتي بها    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    جامعة الدلتا تشارك في ورشة عمل حول مناهضة العنف ضد المرأة    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا عرب .. لا تأملوا خيراً من الشرق أو الغرب فكلاهما لا يريدان الخير لكم
نشر في محيط يوم 07 - 07 - 2012

قبل أسابيع قليلة ارتكب نظام بشار أبشع جرائمه بحق الشعب السوري المكلوم .. حيث قام جيشه بقصف بلدة الحولة بقذائف الدبابات وراجمات الصواريخ والمروحيات، كما اجتاح شبيحته منازل البلدة وقاموا بقتل العديد من اطفالها ونسائها وذبحهم، ما أسفر عن استشهاد نحو 150 شهيداً من بينهم 35 طفلا جرى قتلهم وذبح البعض منهم على يد قتلة النظام المجرم.

وحسِب البعض أن هذه الجريمة ربما جرت بدافع الغضب والرغبة في الثار من عمليات بعينها نفذها الجيش السوري الحر ضد قوات النظام، وأوقعت خسائر بين أفرادها لم يستطع استيعابها. ومن ثم حسب هؤلاء وحسبنا معهم أن هذه الواقعة المروعة كانت مجرد ردة فعل، وليست عملاً ممنهجاً يفرض تكرارها كما يحدث الآن.

لكن ظَنُّنا هذا لم يكن في محلة، حيث توالى- وبصورة منتظمة- وقوع مذابح أخرى في أماكن متفرقة من سوريا .. تصاعدت حدتها إلى أن وصل عدد الشهداء الذين سقطوا على يد قوات النظام وشبيحته يوم الأربعاء السابع والعشرين من يونيه 2012 لنحو 180 شهيداً. كما أصبح أمراً معتاداً أن نسمع عن وقوع 100 مائة شهيداً يوميا برصاص جيش النظام وشبيحته. إذن لم يعد هناك ذرة من أمل في أن يتراجع بشار الأسد عن استخدام كافة ما في ترسانته الحربية من أسلحة في قمع الثوار وإخضاع شعبه لسطوته وجبروت نظامه، حتى لو تطلب الأمر تدمير كافة المدن والقرى على رءوس ساكنيها.

ليس من الغريب أن يعتقد بشار بصواب مسلكه هذا في التعامل مع ثورة الشعب السوري وبهذه القسوة البشعة. فهو يرى أن ثمة عوامل أربعة تدفعه للسير قدما في هذا الطريق، بل وتكفل نجاحه في قمع الثورة وإخضاع الشعب السوري لإمرة نظام الأسدين وهي أغلب الظن:

1- وهن الأنظمة الرسمية العربية: حيث يشير الواقع على الأرض ومنذ عقود، أنه لم يأت نظام عربي واحد أراد بحق أن يجمع الجهد العربي في وحدة واحدة فاعلة .. تكون قادرة على درء الأخطار التي تحيط بالمنطقة العربية، وتتصدى للأطماع الغربية والشرقية التي تسعى لفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية على دول المنطقة وبخاصة على ثرواتها النفطية. ولعل أبلغ دليل على ذلك فشل الجامعة العربية- عبر تاريخها الطويل- في توحيد الجهد العربي في كل المجالات (باستثناء جهود وزراء الداخلية العرب الذين اتفقوا على كبت الحريات ونشر التعذيب لمن يطالبون بحرية بلدانهم!!!).

2- الدعم الروسي والصيني الذي تحظى به سياسة بشار في التعامل مع ثورة شعبه، يمد نظامه بمزيد من القوة المادية والمعنوية التي تعزز قدرته على الاستمرار في ارتكاب أبشع الجرائم، حتى يحقق هدفه في قمع الثورة وتركيع الشعب السوري. فالطرفان (نظام بشار وروسيا) باتا يعتقدان أن تقاطع المصالح بينهما ينبغي تفعيلة إلى أقصى درجة ممكنة، باعتبار أنه الأداة الرئيسة التي تمد النظام السوري بالقدرة على الاستمرار، مقابل فتح الباب على مصراعيه لتواجد النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي لحليفتيه روسيا والصين على أرض سوريا.

والترجمة المحتملة لهذا القول نراها في (إمكان) عقد صفقة بين روسيا وبشار (إذا ما ساءت الأمور إلى حد تعرض نظامه للسقوط) قوامها : قبول الروس بإقامة كيان علوي مستقل في الساحل السوري الذي تقطنه أغلبية علوية، مقابل السماح لهم بإقامة قواعد بحرية وبرية في هذا الكيان، ما يكفل لروسيا أطلالة ثابتة على البحر الأبيض المتوسط وعلى بلدان المنطقة العربية بصفة عامة.

فروسيا والصين تدركان تماما أن سقوط نظام بشار، يعني إبعادهما (إلى حد كبير) عن المنطقة لصالح أمريكا ودول أوروبا، التي استطاعت- بحق- أن تقطع شوطاً لا يستهان به في الظهور بمظهر المؤيد لثورات الربيع العربي، ناهيك عن نفوذها القائم (أصلاً) في معظم البلدان العربية الأخرى، وبخاصة وجودهما المادي والسياسي والأمني في بلدان الخليج التي تختزن أرضها ما يزيد عن 60% من احتياط النفط العالمي .

3- الأوراق المحلية والعربية والاقليمية التي يهدد بها بشار استقرار المنطقة. وهنا يلاحظ المراقبون والمحللون السياسيون أن تهديداته كانت واضحة الهدف والمرمى، حيث شملت المنطقة بأسرها ولم تستثن أحداً فيها. وأول هذه التهديدات كان الرسالة التي وجهها للغرب بشأن عزمه على إثارة اشتباكات مع إسرائيل وضربها بالصواريخ، إذا ما تعرضت سوريا لغزو أوروبي عسكري.

وفي السياق ذاته .. أكد بشار على أن إيران سوف تقوم بقصف إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة بالصواريخ، كما أكد على أنه سيطلب من حزب الله اللبناني بأن يقوم بقصف إسرائيل بكم هائل من الصواريخ التي وصفها بالمتطورة، والتي لا يعرف الغرب ولا مخابراته شيئاً عن قدراتها التدميرة العالية بحسب قوله.

ثم أعقب هذا التهديد بآخر استهدف إشاعة الفوضى ونشر القلق في دول الخليج، وذلك بإيقاظ ما يسميه المراقبون ب (الخلايا الشيعية النائمة) التي يُعتقد بأنها تحظى على رعاية من إيران الشيعية .. كما تحظى على رعاية النظام السوري الذي يعتنق رئيسة وأغلب قادة نظامه المدنيين والعسكريين المذهب العلوي، الذي يعد قريبا من المذهب الشيعي. والجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من سكان الدول الخليجية هم من السنة.

ولم يقتصر تهديد بشار على دول الخليج، وإنما شمل (ضمناً) إشاعة القلق في البلدان العربية الأخرى وبخاصة لبنان والأردن، إذا ما رأي في موقفهما من الأزمة السورية خطراً يهدد نظامه، كما لم تغفل تهديداته توظيف الدعم الإيراني المفتوح له في التأكيد على أن طهران، ستلبي طلبه في قصف القواعد الأمريكية والسفن الحربية المرابطة في بلدان الخليج العربية وفي مياه الخليج، وكذلك قصف إسرائيل بالصواريخ إذا ما تعرضت سوريا لذلك الغزو.

4- ليس من شك أن بشار ينظر إلى الحلف الثلاثي الذي يجمع بينه وبين إيران وحزب الله، على أنه الورقة الرئيسة التي تكفل له الحصول على الدعم المادي واللوجستي والعسكري، إذا ما قرر أو (اضطر) إلى الهروب من ورطته بالدخول في اشتباك عسكري واسع أو محدود مع إسرائيل.

هنا يبدو أن بشار لم يتحسب من أن يفسر حكام إيران وحزب الله استثماره لهذا الحلف (وعلى هذا النحو) على أنه توريط لهم. فالعديد من المحللين والمراقبين السياسيين يستبعدون موافقة حلفائه على الدخول في حرب شاملة أو حتى (محدودة) مع إسرائيل في هذا الوقت بالذات .. حيث يواجه فيه الإيرانيون تهديدات أمريكية وإسرائيلية وأوروبية بضرب المؤسسات النووية الإيرانية بدعوى أن طهران تتجهة نحو تصنيع سلاح نووي. كما يواجه حزب الله خطر نجاح الثورة السورية الأمر الذي لا بد وأن ينتهي بوقف الدعم اللوجستي الحيوي الذي يتلقاه الحزب من نظام الأسدين ، فضلاً عن الحراك السياسي المعارض لسياسات الحزب والحكومة اللبنانية الحالية والمحسوبة (ولو جزئياً) عليه.

هنا ينبغي أن نتوقف لنرى ما إذا كانت مقومات شخصية بشار تلزمه بالتمسك بتعهداته للغير بما فيهم حلفائه، أم تسمح له بالتخلي عنها إذا ما رأى في ذلك تحقيقاً لمنفعة هامة لنظامه؟!!. علمياً .. من الصعب الإجابة على هذا السؤال دون الرجوع إلى عدة أمور تعتبر مرجعية في دراسة الشخصية، من أظهرها سبر أغوار التنشئة النفسية والاجتماعية التي مر بها بشار، بدئا بمرحلة الطفولة وانتهاءً باعتلائه سدة الحكم في سوريا.

هنا يمكن المجازفة بالقول أن هذه التنشئة، لم تبتعد- بالنسبة لبشار- كثيراً عن غرس القيم والمبادئ التي تزرع حب التسلط والسيطرة الكاملة على أي موقف يواجهه ومن أي نوع وتجييره بالكامل لصالحه، تمثلاً بما سار عليه والده مؤسس "نظام الأسدين". ولعل من أبرز هذه القيم حب التفرد في اتخاذ القرارات والاستعانه بكل الوسائل لتنفيذها، بغض النظر عن قبول الآخر لها من عدمه، وعما إذا كانت تتفق مع القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع أم لا.

وهذا ما يلحظة المحلل السياسي بوضوح، حين يقارن بين النهج الذي استخدمه بشار في التعامل مع المظاهرات التي طالبت بإسقاطه ونظامه، وبين الأسلوب الذي تعامل به والده مؤسس "نظام الأسدين" الراحل حافظ الأسد في التعامل مع مدينة "حماة" التي كانت رائدة الثورة على النظام عام 1982. فكلاهما (الأب والابن) استخدما أقصى درجات العنف في قمع المظاهرات، كما لم يتورعا عن تدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، وارتكاب أبشع جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب بحق المواطنين بهدف القضاء على الثورة.

فقد استخدم الراحل حافظ الأسد راجمات الصواريخ والطيران الحربي والمدافع الثقيلة في تدمير ما لا يقل عن ثلث مدينة حماة، وقتل ما لا يقل عن 25 ألف شهيداً (في المتوسط)، بخلاف المصابين والمفقودين والمعتقلين، وهذا ما فعله ويفعله بشار "الابن" الآن. فقد بلغ عدد ضحايا الجرائم التي ارتكبها جيش بشار وقواه الأمنية حتى اليوم ما لا يقل عن 16 ألف شهيداً، بخلاف الآلاف من المفقودين والمعتقلين الذين يلاقون أبشع ألوان التعذيب الذي يودي بحياة الكثيرين منهم إلى الموت. كما بات من الأمور العادية أن نسمع بأن متوسط عدد الشهداء الذين يتساقطون (يومياً) برصاص النظام ارتفع- في الأسابيع الأخيرة- إلى ما لا يقل عن مائة شهيداً.

وهكذا تبدو شخصية بشار لا تبتعد كثيراً عن القول الشائع "الابن سر أبيه". والكل يعرف من هو الراحل حافظ الأسد، وكيف وصل إلى الحكم في سوريا، وما العقيدة التي تحكم سلوكه في تعامله مع الآخرين سواء من طائفته أو من الطوائف الأخرى.

هنا نتساءل : كيف يواجه الشعب السوري هذا النظام؟.

بعد أن ثبت (عملياً) فشل مبادرة الجامعة العربية وفشل مهمة كوفي عنان في وقف الجرائم التي يرتكبها بشار، وعدم إصغائه لصوت العقل، وإصراره على الغلو في استخدام الخيار الأمني المغلظ، وصم آذانه حتى حيال النصائح التي يهمس بها حلفاؤه الروس والصينيون (وأحياناً الإيرانيون) للتخفيف من حدة استخدامه لهذا الخيار (الأمني) .. نقول وبدون تحفظ : إن استمرار المقاومة المسلحة لإسقاط هذا النظام (برئيسه ورموزه) ينبغي أن تكون الوسيلة الرئيسة في التعامل مع هذا النظام، وأن أي تحريف لهذا الهدف يجب أن يكون مرفوضاً تماما.

فقد أثبتت أحداث الثورة أن بشار لا يأبه لمصالح الشعب السوري، ولا للمصالح القومية العربية، ولا ل "تغول" الوجود الصهيوأمريكي في المنطقة كما يدعي، وإنما ينصب جل اهتمامه على بقاء "نظام الأسدين" في الحكم مهما كان الثمن. ويكفي- للتدليل على ذلك- أن الدمار الذي لحق بمدن سوريا وقراها نتيجة استخدام نظامه لهذا العنف الإجرامي من أجل بقائه في الحكم، ما كان ليقع لو أنه قرر الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل.

والسؤال الأهم الآن: كيف يستطيع الشعب السوري الصمود للآلة العسكرية التي يمتلكها النظام، والتي تحظى على دعم مستمر بالسلاح والمال من حلفائه الإيرانيين والروس والصينيين؟.

صحيح أن التاريخ يقرئنا أن النهاية المحتومة لهكذا نظام هي السقوط لا محالة .. وصحيح أن واقع الحال في سوريا والمنطقة العربية التي تجتاحها رياح التغيير العاتية يتجه لتأييد هذا القول، برغم العنف الإجرامي الذي يستخدمه النظام في التعامل مع الثورة .. لكن الصحيح أيضاً أن أعمال القتل والتعذيب الذي يرتكبها نظام بشار قد تجاوزت كل الحدود ، إذ لا يعقل أن يسمح له بارتكاب هذا الكم الرهيب من الجرائم المروعة بحق شعبه (يوميا ولأكثر من سنة ونصف)، دون أن يُتَّخذ إجراء دولي أو عربي ما، يستطيع أن يحد من قدرة هذا النظام على الاستمرار في ارتكاب جرائمه.

وإزاء هذا الواقع "المأساة"، لم يعد للتحفظ الذي تلتزم أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية نحو تسليح الثوار في سوريا ما يبرره .. لا أخلاقيا ولا إنسانيا ولا سياسياً. فليس من العقول والمقبول أن يظل الدم السوري ينزف بهذه الغزارة على يد حاكم مجرم، أثبت أنه سليل تنشئة نفسية واجتماعية لا يهمها سوى بقاء العائلة والطائفة اللتين ينتمي إليهما على رأس السلطة، حتى لو اقتضى الأمر تدمير سوريا بأكملها.

نعلم أن أوروبا سعيدة بأعمال التدمير التي تلحق بهذا الجزء الهام من الوطن العربي، ونعلم دواعي سرورها بذلك. فليس من الصواب في شيء- والحال هذه- أن ندعوها للتدخل الشامل في سوريا على غرار ما فعلت في ليبيا أو العراق أو افغانستان. فما يهم الشعب السوري والشعوب العربية والشرفاء من شعوب العالم الآن وبصورة عاجلة، أن تتوقف أعمال القتل التي يمارسها النظام السوري ضد هذا الشعب المكلوم. وهذا يتطلب- على وجه السرعة- اتخاذ إجراءات تمنع جيش هذا النظام من الاستمرار في ارتكاب مثل تلك الجرائم البشعة بحق المواطنين المدنيين.

ولعل ما يطرحه الخبراء في هذا المجال، وهو إنشاء مناطق عازلة تؤمِّن الحماية لمن يلجأ إليها، وكذلك إنشاء ممرات آمنه تساعد المدنيين على الخروج من مناطق الاشتباك التي يتعرضون فيها للخطر، وتحديد مناطق لحظر الطيران الحربي السوري في سمائها .. لعل ذلك يمثل أفضل وسيلة يمكن أن تحد من صلف هذا النظام وتقلل من جرائمه من ناحية، وتعين الثورة السورية في التصدي الفاعل لجيشة وشبيحته من ناحية أخرى.

لكن الأهم من ذلك .. ضرورة السماح بمدِّ الثوار بالأسلحة التي تمكنهم من الصمود في وجه الآلة العسكرية للنظام الذي يلقى دعما يومياً متصلاً بالمال والسلاح من حلفائه الإيرانيين والروس والصينيين. فالهدف من تحقيق هذه الخطوات ليس الوقاية من هجمات نظام بشار على المدنيين فحسب، وإنما الصمود أيضاً أمام قواته حتى يتحقق إسقاطه، وأقامة نظام جديد ينبثق من رحم الثورة السورية.

أما التدخل العسكري الأجنبي وبخاصة الغربي، فهو مرفوض تماما ولا ينبغي لأي جهة سورية أو عربية أو إسلامية أو دولية محايدة أن تقبل به. فليس هناك ما يجلب السعادة لدول الغرب وإسرائيل، ويحقق لها أهدافها في السيطرة على المنطقة العربية وتدميرها اقتصادياً وسياسياً .. أكثر من التدخل العسكري للغرب في سوريا.

هنا يحضرنا سؤال هام .. حول ما إذا كانت المؤتمرات الإقليمية والدولية التي تعقد من حين لآخر بشأن الوضع في سوريا والاجتماعات التي تعقدها الهيئة الأممية، وكذلك اجتماعات مختلف أطياف المعارضة السورية في الخارج بدعوى توحيدها وتحديد مطالبها .. نقول : هل كل هذه الاجتماعات والمؤتمرات .. تستطيع أن تصل بنا إلى حل سلمي للمشكلة .. يحقق للثورة السورية أهدافها وبخاصة تنحية بشار ونظامه عن الحكم؟ .. وإحلال نظام ديمقراطي بديل يحفظ للبلاد وحدتها، ويجنبها الانزلاق إلى حرب أهلية قوامها الطائفية البغيضة؟.

بالنسبة للمؤتمرات الدولية والاجتماعات الأممية التي تعقد بدعوى البحث عن حل سلمي للمشكلة .. نقول: إن عقد هذه المؤتمرات دون اتخاذ قرارات عملية يمكن تنفيذها على الأرض، من شأنه أن يطيل من عمر المشكلة أكثر مما يعمل على حلها. والدليل على ذلك تقاطع المصالح الشرقية والغربية في سوريا والمنطقة حيال بعض الموضوعات، تماما كما التعارض في المصالح بينهما بالنسبة لموضوعات أخرى.

ويتمثل تقاطع المصالح بينهما .. في أن كليهما (الشرق والغرب) لا يريدان لا لسوريا ولا لدول المنطقة العربية أن تصل إلى وضع يمكنها من أن تشكل خطراً حاسماً على إسرائيل. أما مسألة تعارض المصالح بينهما، فيظهر بوضوح في تصميم كل منهما على التأكيد للآخر، بأنه قوة عالمية فاعلة يجب أن يقر بوجودها.

ولعل إصرار روسيا على موقفها المؤيد لبشار ونظامه يعتبر أبلغ تعبير عن هذا التعارض. فبالرغم من يقينها بأن نظام بشار ارتكب وما زال يرتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية، وأن الاستمرار في تأييدها له سيترك أثاراً سلبية على مكانتها في المجتمع الدولي .. غير أنها تصر- وبشدة- على تأييد بشار ونظامه.

والشيء ذاته يتكرر في موقف الطرف الآخر من هذه المشكلة، حيث نرى عزوفاً شديدا من الدول الغربية عن التدخل في الشأن السوري، بما يحقق حماية المدنيين (على الأقل). ومرد ذلك .. رغبتها وإسرائيل في تدمير هذا البلد الذي كان- عبر التاريخ- ومازال، يمثل (هو ومصر) العمود الفقري لهذه المنطقة، تماما مثل ما يمثلان (على المستوى القريب والبعيد) الخطر الداهم على استمرار وجود إسرائيل والنفوذ الغربي فيها.

وأبلغ دليل على ذلك رفض الولايات المتحدة ودول أوروبا السماح بتزويد المقاومة المسلحة السورية بالسلاح والعتاد الذي يعينها في التصدي لجيش النظام وقواه الأمنية، وفي حماية المدنيين الذين يتعرضون يومياً لأبشع عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب على يد عناصر هذا النظام. ولك أن تتصور كيف أن سويسرا أوقفت التعاقدات المبرمة مع دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن تزويد الأخيرة بالسلاح، لا لشيء إلا لمجرد العثور على قنبلة يدوية من صناعة سويسرية في أحدى القرى السورية التي شهدت اقتتالاً بين رجال المقاومة والجيش السوري النظامي!!!.

فإذا ما انتقلنا للبحث فيما وصلت إليه المؤتمرات الإقليمية والدولية والاجتماعات الأممية من نتائج، فسوف لا نجد في أي منها ما يصب (عملياً) في مصلحة الوصول لحل سلمي للأزمة، ووقف نزيف الدم السوري.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نظام بشار الأسد بسبب ارتكاب قواته انتهاكات جسيمة (بما في ذلك تنفيذ إعدامات وارتكاب عنف جنسي)، وبسبب ارتفاع وتيرة العنف الطائفي، ومع ذلك فإن تقرير اللجنة الدولية التي كلفت بالتحقيق في مجزرة بلدة "الحولة" يقول بأن ثمة (اشتباهاً) في أن القوات الموالية لبشار قد ارتكبت "العديد من عمليات القتل في بلدة الحولة في مجزرة مايو الماضي"، وأن المحققين غير قادرين- في نظر اللجنة- على تحديد هوية الجناة الذين ارتكبوا تلك المجزرة !!!.

أما النموذج الصارخ للمحاولات الأممية الفاشلة بشأن إيجاد حل سلمي للأزمة، فتتمثل فيما آلت إليه بعثة كوفي عنان من مصير غامض، أقل ما يقال فيه أنه لا يعبر عن طموحات شعوب العالم في إيجاد حل سلمي عادل يلبي مطالب الشعب السوري المكلوم، ويوقف نزيف الدم الذي يجري مدراراً في سوريا.

وفي هذا السياق خرج المجتمعون في مؤتمر جنيف الأخير باتفاق من ستة نقاط تتصل بدعم مهمة عنان وتحدد معالم المرحلة الانتقالية التي تؤمِّن الوصول لحل سلمي للمشكلة. غير أن أياً من هذه البنود يشير (صراحةً) لوجوب تنحي بشار ونظامه عن سدة الحكم خلال المرحلة الانتقالية، ما يعني أن تطبيقها على أرض الواقع (وبما يتفق ومطالب الشعب السوري)، لن يكون ممكنا.

ففي حين يرى الغرب أن مضمون واحد من هذه البنود ينطوي على المطالبة بتنحية بشار ونظامه، يبدي وزير خارجية روسيا رفضه لهذا التفسير، ويؤكد على أن روسيا لم تقبل باستبعاد بشار الأسد في مفاوضات المرحلة الانتقالية المقترحة. كما نفى وجود مباحثات بين روسيا وأمريكا بشأن قبول موسكو منح بشار حق اللجوء السياسي، ما يعني أن تلك البنود لا تشير-في نظره- صراحةً أو ضمنا- إلى ضرورة تنحي بشار عن الحكم.

وفي هذا السياق .. انعقد بالأمس مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس، للبحث في السبل الكفيلة بوقف نزيف الدم السوري، وبمساعدة السوريين على التحرر من نظام بشار. لكن النتيجة- وكما كان متوقعاً- لم تتعد استنكار أعضاء هذا المؤتمر وإدانتهم لنظام بشار، ودعوتهم للمجتمع الدولي ومجلس الأمن باتخاذ المزيد من الإجراءات والعقوبات ضد هذا النظام، بهدف التضييق عليه وعزله وإجباره على وقف الجرائم التي يرتكبها جيشه بحق شعبه.

ومن جانبنا نتساءل: هل هؤلاء المجتمعين جاءوا من كوكب آخر حتى يدعون المجتمع الدولي بالعمل على إنقاذ سوريا؟!! .. أليس هؤلاء الذين يمثلون مائة دولة في هذا الكوكب، هم من معشر الإنس الذين يعيشون على أرض كوكبنا؟!!. ألم يسمعوا عن تعليق رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا "روبرت مود" لعمل البعثة واستهلال تصريحه الصحافي الأخير بما معناه: إن الكثير من التمنيات والكلمات الجميلة تصدر عن مؤتمرين يعقدون اجتماعاتهم في فنادق فاخرة مريحة .. بينما الوضع الأمني في سوريا ينحدر سريعاً إلى حالة من التردي لا تسمح باستئناف المراقبين لعملهم؟!!!.

ومهما يكن من أمر، فإن استمرار التعارض الراهن في مواقف القوى الدولية الكبرى من هذه المشكلة لن يصل بنا إلى حل سلمي كما يدعى الطرفان المؤيد لبشار والمعارض له. بل العكس هو ما نراه على أرض الواقع. ذلك أن دعم روسيا لنظام بشار بالسلاح والعتاد ما زال يجري على قدم وساق (طالما بقيت إيران تدفع ثمن هذه الأسلحة)، بينما لم يتجاوز الدعم الغربي للشعب السوري ومقاومة فصائله المسلحة إصدار بيانات الشجب والاستنكار (للعنف المفرط !!!) الذي استخدمه نظام بشار وما زال في قمع الثورة السورية.

وإذا كان هناك من يأمل في أن يتطور موقف الشرق والغرب من هذه المسألة باتجاه دعم فاعل للشعب السوري، فلينتظر سقوط عشرات الآلاف من الشهداء ومثلهم من المعتقلين والمفقودين من أبناء سوريا. ولسوف ينتظر طويلاً طويلاً حتى يفيق على حقيقة مؤداها: إن المؤيدين لنظام بشار والمعارضين له، لن يقدموا حلاً ناجعاً و (من أي نوع) للمشكلة، إلا إذا اتفقوا فيما بينهم. أما على ماذا يمكن أن يتفقوا؟ .. فسيكون على إقرار تقاطع مصالحهم في المنطقة، وسيكون- بالقطع- على حساب سوريا والمنطقة.

فيا عرب .. صدق المثل القائل : "ما حك جلدك غير ظفرك"، فبدون تحرك سريع للشعوب العربية نحو تقديم الدعم المادي والمعنوي الكافي للشعب السوري، فسيبقى نظام بشار وأمثاله مطبق على انفاس الشعوب التي يحكمونها .. وساعتها لن يفيد الغافلين الندم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.