«فأنتم تكتبون تاريخ يوسف الذي دخل السجن؛ فخرج وزيرا و سيدا ملكا، ودخل ابنكم محمد مرسي السجن فخرج منها رئيسا .... غريبة هي سجون مصر.. انظروا ماذا تعطي من يوسف إلى مرسي؛ فكيف وانتم بخارج السجن فلا تبخلوا علينا بعطائكم فكل الشعوب في انتظاركم». ما سبق تعليقٌ واحد من تعليقات كثيرة، كتبته سيدة مغربية اسمها عائشة أبراج، على مشاركة قمتُ بخطِّها على صفحتي في الفيسبوك، لتُجَسدَ بحروف قليلة وقصيرة مكانة مصر الكبيرة في قلوب إخوان عرب، يرون في الكنانة ماضي الأمة العربية وحاضرها ومستقبلها وأملها في استرجاع مكانها ومكانتها بين الأمم.
انظروا كيف استطاعت أختٌ عربية أن تربطَ بذكاء مُلفت للنظر والفكر بين حلقتين بارزتين ومتشابهتين من تاريخ مصر، فنبيُّ الله يوسف، الذي أُلقِيَّ في الجُبِّ حقداً، وبيع بثمن بخس ليكون عبداً، وسُجِنَ بضع سنين ظُلماً، حتى دبر الله له أمراً، فخرج من السجن كما خرج من الجُبِّ ليكون وزيراً، لتأتي نهضة مصر على يديه، فتتحول من القحط إلى النماء، ومن الفقر إلى الغنى، بل وتكون وقتئذٍ سلة غذاء العالم.. هذه دورة مشهودة وقعت في تاريخ مصر، سجلها القرآن الكريم، وسجلتها كُتب السِّيَر والتاريخ، بكل ما فيها من همٍّ وكرب، وبكل فيها من فرح وفرج، لتمنحنا على مدار الأيام دروساً وعبراً لا تنتهي أبداً.
وإذا بالتاريخ يعيد نفسه بأحداثه لا بأشخاصه، فالفرق بين القامات واضح والمقارنة لا محل لها، لنرى أنفسنا أمام فصل من فصول التاريخ الحديث، يُحاكي ذلكم الفصل المُضيء في سطور التاريخ القديم في أحداثه وتقلباته ومفاجآته، إذ يصبح الرئيس سجيناً من بعد عزٍّ وسلطان وجاه، و يصبح السجين رئيساً بعد اضطهاد وتضييق وامتهان، ليقيم الله سنته الخالدة في عباده، فتنحني أمام عظمته وقوميته الجباه والقلوب.. قال تعالى: « إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » 140 - سورة آل عمران.
نحن أمام تاريخ يخطبُ في الناس كل يوم من فوق منبر الأحداث ليُعْلِمَهم بقانونه الذي لا يتغير لعلهم يعقلون أو يفقهون.. يقول: ما منْ أهل إيمان ورسالة إلا وتعرضوا لفتن كقطع الليل المظلم، ليُمحصهم الله بالمحن كما يُنقى الحديد بالنار من الخبث، فإن صبروا واحتسبوا تفجرت لهم المنح من قلوب المحن والآمال من أجواف الآلام.. قال تعالي «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» 55 - سورة النور، ويقول: ما من ذي سلطان أو ملك، طغى وتجبر وتكبر وأفسد، إلا قسمه الله وأذله بين عباده.. قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم « إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لا يفلته».. إننا أمام آية في تمكين مستضعفي الأمس، فعلى اللبيب أن يعتبر، فسنة الله في العباد جارية، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
تريد أختنا المغربية عائشة أن تقول: إن السجن الذي أخرج يوسف الصديق عزيزاً، هو نفسه الذي أخرج محمد مرسي رئيساً، وكلا المشهدين وقعا هنا على أرض مصر، فلئن كان سجن مصر يصنع العباقرة وهم في جوفه الضيق المظلم، فكيف بهم لو خرجوا إلى رحاب الأرض مستشعرين فضل الله عليهم؟!.
هذه مكانة مصر يا مصريين في قلوب إخوانكم العرب، فكونوا على قدر الأمل والطموح فيكم، واستلهموا طاقة الانطلاق إلى المستقبل بتاريخ بلدكم، لتكونوا مشاعل هداية وحضارة لوطنكم وأمتكم.
إنَّ مصر وسائر الأمة تنتظر من رئيسها المُنتخب الكثير والكثير.