قال الروائي والكاتب الصحفي عزت القمحاوي أن الإسلام السياسي هو ظل الديكتاتور على الأرض، وأنه يخشى على مصر منه لأن هذه التيارات ترغب في احتكار الدين وأن تصبح هي الناطقة باسم الإله، واعتبر أن الإعلان الدستوري المكمل هو قرار استباقي من حاكم عسكري تمهيداً لحكم البلاد، ليصبح انقلاباً تام الأركان.. السطور التالية تحمل تفاصيل حوار أجراه "محيط" مع الكاتب . محيط : كيف تنظر للإعلان الدستوري المكمل ؟
- هذا، لا دستوري ولا مكمل. هو قرار استباقي من حاكم عسكري يرتب لنفسه أوضاعًا خاصة فوق الدولة وفوق القانون وفوق الرئيس، ومن قبل خطط الحاكم العسكري طوال المرحلة السابقة لكي تنحصر المنافسة بين الكوليرا والطاعون كما في أيام مبارك. وهو بالفعل ليس مكملاً لأن الإعلان السابق يعطي حق تعيين العسكريين وإنهاء خدمتهم للرئيس والآن المجلس العسكري يقول إنه يعين نفسه، وهذا إلغاء لمادة الإعلان الأول عمليًا من دون أن يلغيها نصًا. وقد اعتدنا هذا الأداء من البداية، حيث أجرى العسكريون استفتاء على مبادئ دستورية وعادوا وكتبوا غيرها، وها هم يغيرون ما كتبوه من قبل بجديد.
ومن أغرب الأشياء التي يمكن أن تواجهها لجنة دستور هو جلوس الحاكم العسكري فوق رأسها ليحلها أو يتدخل في عملها كما يحلو له، هذا انقلاب تام الأركان.
محيط : كيف ترى التخبط في إعلان نتيجة انتخابات الإعادة..ولمن تتوقع الفوز بمقعد الرئيس؟
أرى أنه ليس تخبطا، هو انتظار لجس النبض أو التفاوض مع المرشحين، وهو ما يفرغ عملية الانتخابات من مضمونها. الغريب أن جماعة الإخوان مازالت تضع قدمًا في الميدان وقدمًا في مخلاة العسكر، سعيدة بانتزاع رئاسة شكلية لن يكون رئيسهم خلالها آمنًا حتى على حياته ناهيك أن يفرض قرارًا في أي اتجاه.
وإذا كان المرشح أحمد شفيق قد تعهد للشعب بأن يعيد إليه ثورته وهو يقصد إعادة أهداف الثورة، فقد أعفاه المجلس العسكري من تحقيق الوعد، وأعاد إلينا الثورة كاملة أعاد غضب الثورة واشتعالها لا الأهداف، أعادنا إلى حدود 24 يناير.
محيط : كيف تقرأ المشهد السياسي الحالي في مصر؟
المشهد الحالي مؤلم، أكثر من كونه مخيفًا، فكل الترتيبات التي حدثت حتى الآن تمهد لصراع طويل، يرى بعض المتشائمون أنه سيكون دمويًا، لكنني أقنع نفسي بفكرة تشبه الأمنية بألا تكون ضريبة الدم كبيرة، وأقنع نفسي بأننا لا نحب العنف. وقد التزم الشباب بأقصى درجات المدنية طوال عام ونصف من العنف الذي تمارسه السلطة من أجل الالتفاف على الثورة.
ولأن الشرعية تأتي من العدل وليس من تستيف الأوراق والإجراءات الشكلية من اختيار رئيس أو كتابة دستور، فإن كل خطوة تقوم على باطل ستنقضها الثورة، وكل ما يستفيده العسكر أنهم يرفعون علينا ثمن الحرية ويراكمون الوقائع في سجلهم الحافل. ويبدو أنهم لا يريدون أن يعودوا إلى ثكناتهم من دون أن يدمروا مصداقية آخر صروح الدولة المصرية وهي القضاء بوضعه في محل الشبهات بامتحانه في قضايا أحدثها الحكم بعدم دستورية مجلس الشعب وعدم دستورية قانون العزل الذي صدر عن المجلس.
ومن حيث المضمون لا يستطيع أحد أن يقول إن هذا الحكم معيب؛ فالمجلس غير دستوري بالفعل لأن انتخاباته أجريت على نظام يخل بتكافؤ الفرص وقانون العزل ساقط مرتين واستبعاد أحمد شفيق غير قانوني ثلاث مرات. القانون ساقط لأنه صدر عن مجلس غير دستوري ساقط لأنه انتقامي وانتقائي، والسببان كانا يمنحان شفيق الحق في الترشح وهناك سبب ثالث وهو صدور القانون بعد تقديمه أوراق ترشيحه، لأن الإخوان أضاعوا شهرين أو أكثر من عمر المجلس في مناقشة الختان وزواج القاصرات ومطاردة ممثل هزلي.
ومع سلامة الحكم موضوعيًا يظل التوقيت المتزامن مع الانتخابات وتزامن الحكمين موضع تساؤل؛ إذ أن أحكام الدستورية لم تكن تنجز بهذه السرعة، كما أن تلويح أحد أعضاء المجلس العسكري بالحكم قبل أسابيع طويلة في إطار الملاسنة مع الإخوان يسيء إلى القضاء، وإلى أعلى محاكمة. محيط : هل يتشابه ما يحدث مع الإخوان الآن وأزمتهم عام 1954 مع جمال عبدالناصر؟
هناك تشابهات واختلافات. من حيث التشابه لدينا ضباط يفعلون ما بوسعهم لضرب التحول الديمقراطي، وهناك الجماعة نفسها التي ساندتهم في أزمة 1954 للعصف بالأحزاب وهي نفسها التي ساعدتهم من 2011 حتى اليوم لتقويض الثورة عندما حشدت الحشود للاستفتاء وفازت ببرلمان يصلح فقط لرفع الآذان وليس للتشريع، وعندما أنكر البرلمان دماء شهداء محمد محمود، وساعدتهم الجماعة كذلك بتقديم مرشح للرئاسة على عكس وعدها السابق، ولو ذهبت أصواته لمرشحين آخرين لفاز واحد من مرشحي الثورة الذين يتحملون جانبا من الخطأ كذلك.
ولكن المختلف والذي لا يعيه هؤلاء القدامى من العسكر والإخوان أن الشعب عام 1954 كان خارج المعادلة. هناك تسعون ضابطا متحمسًا قاموا بانقلاب واستخدموا الإخوان لرسم صورة جديدة للبلاد. والآن قام بالثورة شباب انضم إليهم الشعب أو الطبقات المظلومة من الشعب وهي في أضعف التقديرات أكثر من خمسين بالمئة، بينما كان التسعة عشر ضابطا من ضباط المجلس العسكري ساكتين على مشروع التوريث. واختلاف المدخلات يجعل من المستحيل الوصول إلى نتيجة 1954 ولكننا سنتعب كثيرًا، وأتمنى أن ألا يموت شباب جدد، لأن من يموتون هم الأفضل بيننا.
محيط : هل يمكن أن ندخل على أعتاب ثورة جديدة ؟
الثورة لن تهدأ حتى تحقق مطالبها. ومن يقفون في طريقها لن ينجحوا لكنهم فقط يضاعفون الثمن. الزمن تغير ولن يعود إلى الوراء. ومثلما تسببت ممارسات مبارك في الموجة الأولى من الثورة يغذي العسكر الآن الموجة الثانية، وكل إجراءات هد الحيل من الإعلان الدستوري إلى الانتخابات البرلمانية إلى الرئاسية كلها بناءات فوق الرمال ستعصف بها الموجة الجديدة، لأن ما يتأسس على غش لا يدوم.
محيط : هل هناك مخاطر على حرية الإبداع بعد صعود الإخوان سياسيا؟
أخشى على مصر وعلى الإبداع من السلاح من الديكتاتور؛ فالإسلام السياسي هو ظل الديكتاتور على الأرض. أحدهما يقهرنا بالسلاح الذي كان يجب أن يحمينا به، والآخر يقهرنا باحتكار الدين الذي يخصنا جميعًا.
لنتحدث عن مواطنين فاعلين وواعين بحقوقهم. وقد جرب الكثير ممن يُسمون "المثقفون" النضال ضد الظل تاركين الأصل في موقعه. وأظن أن نضال كل من له مظلمة من المصريين يجب أن يكون ضد عسكرة الدولة المصرية لأن هذه هي المفرخة الحقيقية لخيبة الأمل التي تدفع الشباب إلى التطرف.
يمكننا أن نتحدث عن تراجع الإسلام السياسي أيضًا. كنا نتصور أنه سيتحكم فينا طويلا، لكن هذا أسرع اضمحلال بعد الصعود.
ما يخيفني حقيقة الآن هو استمرار نظام حسني مبارك، وإذا سقط هذا النظام ستسقط كل أنواع القهر، وستتكفل حركة المجتمع بوضع الإسلام السياسي في حجمه إما بجعله ذكرى أو بتعليمه الديمقراطية والقدرة على قبول الاختلاف.
برأيك ما هو دور المثقفين في مصر الآن والمرحلة المقبلة؟
منذ مدة طويلة أشعر بحرج من كلمة "مثقف" فهو يعني بداية افتراض نوع من التميز في الوعي. وتاريخيًا الأمر صحيح، لكن صورة المثقف بعد ثورة يوليو جعلت الكلمة سيئة السمعة.
وهذه الثورات قام بها الشباب الذين كان لهم من الآباء الكثير، ورغم أن الثورات لم تضع بعد نهاية الطغيان العسكري الذي ولد مع ثورة يوليو فإنها تقريبًا حطمت صورة المثقف التقليدي الذي يرى ما لا يراه غيره ويستأثر بالتفكير تاركًا الفعل لغيره. الآن المثقف هو الذي ينزل إلى الميدان، وكثير من الموجودين في الميدان لديهم النزاهة الأخلاقية ووضوح الرؤية الفكرية أكثر من محترفي الكتابة. وهذا يضع المفكر الحكيم المتعالي بعيدًا بعيدًا؛ فالحكمة الآن عند الشباب ومن يريد أن يكون بينهم عليه أن يقبل بتساوي الرؤوس.