جاء المرسوم الأميري بتأجيل اجتماعات مجلس الأمة الكويتي لمدة شهر ، كخطوة غير مسبوقة في تاريخ الكويت البرلماني ، في محاولة لتهيئة الأجواء السياسية لتحقيق التعاون المنشود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال منح تهدئة لازمة لتصفى فيها النفوس وتتدبر فيها الألباب سبل الرشاد سعيا لوقفة مراجعة تتيح للجميع تقويم مسار المرحلة السابقة . وتلمس الطريق الأسلم لإصلاح الممارسة البرلمانية وإصلاح ما يشوبها من أخطاء جعلت فقدان الثقة بين السلطتين وتجاوز الحدود الفاصلة بين اختصاصات السلطات هو شعار المرحلة الماضية .
وبينما اعتبرت الحكومة المرسوم الأميري فرصة لتهدئة لأزمة تصفى فيها النفوس وتتدبر فيها الألباب سبل الرشاد ، تباينت الرؤية النيابية تجاه المرسوم ، بين من رأى أن لا مبرر له ، ومن أكد أن السبب هو البيت الحكومي وليس مجلس الأمة ، وآخر قرأ فيه مقدمة لحل المجلس ، ورابع شخّص الحال الذي تعيشه البلاد بالفوضى. مؤكدا أنهم لا يريدون التصعيد وتحريك المجاميع الشعبية الداعمة للغالبية ، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام من يريدون فرض أجندتهم .
ووسط تأكيدات مصادر رفيعة المستوى على أن تأجيل اجتماعات المجلس هو خطوة على طريق الحل ، بعدما وصلت العلاقة بين السلطتين إلى طريق مسدود في ظل إصرار الأكثرية على فرض أجندتها والتصعيد ضد الحكومة وخرق تعهداتهم السابقة بمنح الحكومة مهلة ستة أشهر قبل اللجوء إلى أدوات المساءلة والرقابة البرلمانية ، وسعيهم إلى التمديد لعمل عدد كبير من لجان التحقيق البرلمانية بلا مبرر ولا مسوغ . فضلا عن الهجمة الشرسة التي شنتها الأسبوع الماضي على السلطة القضائية وتضمنت زحفا على صلاحياتها وتشكيكا بأحكامها ، ربطت المصادر في الوقت ذاته بين القرار الذي جاء للتهدئة وإعطاء النواب فرصة لإعادة حساباتهم.
وبين التصعيد الأخير الذي لجأت إليه الأكثرية في خطوة سابقة لحزمة من الأحكام المفصلية المرتقب أن يصدرها القضاء خلال الشهر الجاري في جملة من القضايا ، بينها الحكم في قضية اقتحام المجلس ضمن أحداث " الأربعاء الأسود " المتهم فيها عدد من النواب والنظر في صحة ترشح ومن ثم عضوية عدد اخرمن النواب ، فضلا عن الطعن ببطلان مرسوم حل المجلس السابق.
وأفسح المرسوم الأميري الكويتي المجال أمام القيادة السياسية والحكومة للتفكير ولدراسة الخيارات المتاحة لمعالجة وضع الحكومة والعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي تواجه عواصف سياسية منذ مجيء هذا المجلس في فبراير الماضي.
وأكدت مصادر مطلعة انه وبينما تأتي هذه الخطوة للتهدئة بين السلطتين فإنها قد تكون مقدمة لخطوات أخرى على صعيد المعالجات ، لان ألازمة عالقة وعامل المراهنة على الوقت لن يحقق الحلول المطلوبة .
وقالت إن هدف المشرع من نص المادة 106 من الدستور التي يملك صلاحية استخدامها أمير الكويت ، هو نوع من التحذير وانه بعد ذلك فان كل الخيارات ممكنة إذا لم تعد المياه إلى مجاريها . لافتة إلى آن هذه المادة تشبه تعطيل الجلسات إذا اختل النظام لائحيا رغم أنها وضعت ضمن ضوابط إذ لا يجوز استخدامها في دور الانعقاد الواحد إلا مرة واحدة فقط.
واستدلت مصادر على أن توجه استخدام المادة 106 قد اتخذ قبل فترة وتقرر إعلانه أمس ، بخروج وزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود في إجازة ووجوده خارج البلاد رغم موعد مناقشة استجوابه المقدم من النائب محمد الجويهل - الذي كان من المقرر عرضه في جلسة اليوم الثلاثاء - خاصة أنه لا يمكن تأجيل المناقشة إلا بطلب من الوزير نفسه .
لكن مصادر أخرى نوهت بأن الحكومة حاولت الحصول على تأجيل لاستجواب الحمود بأكثر من سبيل إلا أن الرئيس السعدون رفض مشترطا حضور الوزير بشخصه ، ورفض قيام وزير آخر بطلب التأجيل ، كما رفض قبول التأجيل عبر كتاب اقترح أن يرسله وزير الداخلية ويكون موقعا منه.
ورغم أن القرار جاء ترجمة أصيلة للنص الدستوري ، فقد رفضت الأكثرية إلا الخوض في النوايا والتهديد بالتصعيد واللجوء إلى الشارع ، وإلقاء الكرة في ملعب الحكومة .
وأكدوا أن استخدام المادة 106 حق مطلق للأمير ولكنه صدر لأسباب حكومية لا شأن لها بالمجلس لا من قريب ولا من بعيد ، ويبدو أن التشكيل الحكومي يمر بأزمة ، وان يكون السبب هو إعطاء فرصة للحكومة بحسم أمرها أما بالاستقالة آو بتغيير محدود ، فضلا عن حسم موقف وزير الداخلية من الاستجواب المقدم له .
بينما أوضح نواب آخرون أن تعدي الغالبية على السلطات الأخرى طال حتى فرض الرغبات على صلاحيات تعيين الوزراء ، والتشكيك بالقضاء وتوجيه السلطة التنفيذية والقضائية حسب الأمزجة .
ودعا إلى ضرورة أن يقرأ الرأي العام مؤشر عدم الرضا الأميري من تجاوزات الغالبية واتخاذها لخطوات تشريعية طالت قوانين القضاء ومواد قانونية يحاكمون وفق أحكامها بعض نواب الغالبية وان الأزمة السياسية جاءت على خلفية عملية الابتزاز المتصاعدة التي تنتهجها الغالبية بحق الحكومة بعد ان اختطف المجلس في قضية التحويلات والإيداعات وبعد ذلك انقضت على الحكومة وطالبت بالمشاركة فيها عبر 9 حقائب .
من ناحيته قال الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي لصحيفة "الرأي" :"إن الدستور وضع حلولا لحالة ارتفاع مستوى التوتر في الحياة السياسية ، وجعل لرئيس مجلس الأمة رفع الجلسات إذا كان هناك توتر أثناء انعقادها ، أو لرئيس الدولة أن يوقف أعمال المجلس لمدة شهر في حال رأى أن هناك توترا وأن الأمر يحتاج إلى تهدئة". موضحا إننا أمام نص يحتاج إلى تفسير، فإذا فسرنا النص قياسا على الإجازة البرلمانية فتوقف الجلسات العامة وليس اللجان البرلمانية ، وإذا فسرنا النص استنادا إلى الحكمة من صدور المرسوم فالأرجح أن الوقف ينصرف على كامل لجان المجلس والاجتماعات العامة .
وقال في يد المجلس أن يستمر في أعماله بعد فترة التعطيل ولا يعتد بإجازته التي حددت سابقا وأن يكمل إجازته من بداية دور الانعقاد المقبل .
وقررت بعض التيارات السياسية والكتل عقد اجتماعات لمناقشة صدور المرسوم ، ومتابعة الأوضاع السياسية في البلاد وإلى أين ستؤول الأزمة.