فى سياق الاستعداد لجولة الاعادة الحاسمة للانتخابات الرئاسية المصرية التى ستجرى يومى السادس عشر والسابع عشر من شهر يونيو الحالى بين الدكتور محمد مرسى مرشح حزب "الحرية والعدالة" والمرشح "المستقل" احمد شفيق يبدو موضوع نائب الرئيس مثيرا للجدل ولايخلو من التباسات بقدر مايمكن ان يؤشر لطبيعة الجمهورية الجديدة. وواقع الحال ان وضع نائب الرئيس واختصاصاته وادواره مسألة مثيرة للجدل حتى فى نظام سياسى ديمقراطى ومستقر مثل النظام الأمريكى فيما يفصح الجدل الراهن فى السياق الانتخابى المصرى عن ان وضع نائب الرئيس سيكون جزءا هاما ودالا على طبيعة الأبنية السياسية للجمهورية الجديدة فى ظل اول رئيس منتخب بعد الثورة الشعبية وهو الى ذلك يدخل فى الجدل السياسى والنقاشات المجتمعية حول طبيعة وحجم التغيير فى مؤسسات الحكم وصنع القرار .
وفى النظام السياسى الأمريكى - يكون اسم نائب المرشح الرئاسى على نفس التذكرة الانتخابية التى تحمل اسم المرشح للرئاسة وفى حالة خلو منصب الرئيس فان نائبه يشغل موقعه حتى تجرى انتخابات رئاسية جديدة.
وعلى سبيل المثال حدث ذلك فى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين عندما تولى النائب ليندون جونسون منصب الرئاسة بعد اغتيال الرئيس جون كينيدى وعندما حل النائب جيرالد فورد محل الرئيس ريتشارد نيكسون الذى ارغم على التخلى عن الرئاسة بعد انفجار فضيحة التجسس على الحزب الديمقراطى التى عرفت بفضيحة "ووترجيت" وفى الحالتين اختير النائبان عبر انتخابات حرة كرئيسين منتخبين .
ولم تنجح الصحافة الأمريكية فى رصد اى خلافات فى وجهات النظر او التوجهات المعلنة بين الرئيس الأمريكى باراك اوباما ونائبه جوزيف بايدن الذى يبدو حريصا على تأكيد الحقيقة المتمثلة فى ان الرئيس وحده هو الذى يتخذ فى نهاية المطاف القرارات التى تصدر عن البيت الأبيض مع التأكيد على الفارق الجوهرى بين عملية صنع القرار وعملية اتخاذ القرار واصداره.
فنائب الرئيس فى النظام الأمريكى له دور فى عملية صنع القرار ضمن الاطر المؤسسية والدستورية ويؤازر الرئيس المنتخب ويدافع عن سياساته وقراراته مادام يشغل هذا المنصب فيما ينهض جوزيف بايدن بدور ملحوظ فى خضم الحملات الانتخابية الداعمة للرئيس باراك اوباما فى مواجهة ميت رومنى منافسه الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية المزمعة فى شهر نوفمبر القادم .
وكان نائب الرئيس الامريكى جوزيف بايدن قد اوضح انه كان بمقدوره ان يعبر عن ارائه عندما كان عضوا فى مجلس الشيوخ اما بمجرد شغله منصب الرئيس فانه يعرف ان كل مايقوله لابد وان يتسق مع مايقوله الرئيس باراك اوباما ولايحيد عن المواقف المعلنة للبيت الأبيض حيال اى قضية.
غير ان هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية اثارت جدلا وتساؤلات عندما ذهبت مؤخرا بنبرة ساخرة الى ان "منصب نائب الرئيس اشبه بالسيدة الأولى فى البيت الأبيض فكلاهما وظيفته دعم الرئيس وخدمته" معتبرة ان هناك حاجة لمزيد من التوصيف لاختصاصات نائب الرئيس الأمريكى .
وفى تناول مصرى لبعض ابعاد قضية نائب الرئيس - يقول النائب البرلمانى والكاتب الصحفى البارز الدكتور وحيد عبد المجيد :"اقترن ظهور الجمهوريات فى التاريخ الحديث بحضور الشعب فى المشهد العام ودخوله الى قلب المعادلة السياسية وبات المضمون بحضور الارادة الشعبية".
واضاف موضحا:"ولأن الشكل يرتبط بالمضمون فى الأغلب الأعم لاتخلو بعض النظم التى يطلق عليها جمهورية من سمات ملكية من الناحية الفعلية حيث يتم توريث الرئاسة لمن يختاره الرئيس..وليست علاقة الدم وحدها هى التى تصنع حالة الوراثة وعملية التوريث فى السلطة لأن هذه الحالة يمكن ان ترتبط بعلاقة سياسية عندما يختار الرئيس بارادته المنفردة وبلا اى ضوابط او معايير نائبا له ثم تنقل السلطة الى هذا النائب بعد رحيل من اختاره".
واعرب الدكتور وحيد عبد المجيد عن الأمل فى ان تكون الانتخابات الرئاسية التى ستجرى جولتها الثانية بعد ايام "بداية الجمهورية الحقيقية التى يختار فيها الشعب رئيسه بشكل دورى وليس لمرة واحدة وان يحدث تداول على منصب الرئيس وان تصبح رئاسة الجمهورية مؤسسة وليست فردا يأمر فيطاع".
واذا كان الرئيس الجديد لمصر هو رئيس كل المصريين معبرا عن الجماعة الوطنية بكل مشتملاتها وتكويناتها واطيافها فالأمر ذاته لابد وان ينسحب على نائبه الذى يتوجب عليه ان يعمل فى مؤسسة الرئاسة من المنظور الوطنى الجامع وعلى قاعدة قيم ثورة 25 يناير ومجمل التراث النضالى لشعب مصر العظيم.
ويعيد الموظف المتقاعد عبد المحسن هاشم للأذهان ان احجام رأس النظام السابق عن اختيار نائب للرئيس على مدى نحو ثلاثة عقود كان احد اسباب السخط الشعبى على هذا النظام خاصة مع الزعم بعدم وجود شخص مناسب لهذا المنصب وهو ماكان ينطوى على اهانة مرفوضة للمصريين.
وترى سناء محمود التى تعمل فى قطاع التعليم ان من الافضل ان يكون هناك نائب واحد للرئيس الجديد فى مصر على غرار مايحدث فى الولاياتالمتحدة بل انها تحبذ لو كان الرئيس ونائبه قد انتخبا معا.
وثمة تساؤلات فى السياق الانتخابى الرئاسى الراهن بمصر حول مااذا كان مقبولا اختيار عدة نواب للرئيس الجديد وينتمون لاتجاهات سياسية متعددة فى سياق محاولات بناء توافق سياسى والحيلولة دون استحواذ تيار بعينه على مؤسسات السلطة.
وفى المقابل فان هناك من يرى ان هذا الطرح لايخلو من ابتزاز سياسى او املاءات تعجيزية خاصة فى ضوء اختلاف وارد وجذرى فى التوجهات والبرامج بين الرئيس ونوابه وهو مايعيد للأذهان الجدل الدائر حول اقتراح لتشكيل مايسمى بالمجلس الرئاسى بهدف تقاسم السلطة بما ينطوى عليه ذلك من ظلال لفكرة المحاصصة التى تحمل دلالات سلبية قد لاتتفق مع امانى المصريين بشأن وجود مؤسسة رئاسة فاعلة وقادرة ولا مع خيارات الديمقراطية الحقة والياتها التى تتضمن مساءلة الرئيس حال اخفاقه او تقصيره .
ففى الديمقراطيات العريقة يكون نائب الرئيس منتميا لذات الاتجاه السياسى للرئيس كما فى النظام الأمريكى فيما يمكن ان يكون الرئيس منتميا لاتجاه سياسى مخالف للاتجاه السياسى لرئيس الحكومة وهو ماحدث مرارا فى النظام السياسى الفرنسى.
ويبدو ان مسألة نائب الرئيس مرشحة لمزيد من الجدل فى ضوء التباين الواضح على الساحة السياسية بشأن مايوصف بتقاسم السلطة وباعتبار ان اختيار نائب او نواب للرئيس الجديد يمكن ان يكون مظهرا من مظاهر هذا التقسيم المقترح للسلطة من جانب بعض التيارات والمرشحين الرئاسيين الذين لم يصلوا لجولة الاعادة الحاسمة.
وتشير بعض الكتابات الى انه لايجوز وضع اى اشتراطات او فرض املاءات على المرشحين للرئاسة من مجموعات لم ينتخبها الشعب او يوكلها صراحة للتفاوض باسمه مع المرشحين وان الشعب بأكمله قادر على التعبير عن ارائه عبر الصندوق الانتخابى.
واذا كان الدستور الجديد لمصر يتصدر بالضرورة جدول الاهتمامات لعملية اعادة البناء المؤسسى فى مرحلة مابعد انتخاب الرئيس فان هذا الدستور هو الذى سيحسم فى الواقع وضع نائب الرئيس "بتوصيف" مدى صلاحياته وطبيعة دوره السياسى فى اطار مؤسسة الرئاسة .
ومن نافلة القول ان هناك حاجة لأن يكون وضع نائب الرئيس اضافة ايجابية للاستقرار المؤسسى المنشود للدولة الديمقراطية بعيدا عن تحويل هذه المسألة الى اشكالية او لغم يهدد هذا الاستقرار الذى هو بدوره شىء مختلف كل الاختلاف عن الركود والموات السياسى ومناوئة التغيير الطبيعى والعصف بالكفاءات وأصحاب القدرات القيادية .
ان مصر التى تنتظر رئيسا سيختاره الشعب بكامل ارادته الحرة عبر صناديق الانتخابات تتطلع ايضا لنائب رئيس جدير بموقعه فى مرحلة حافلة بالتحديات الجسام وتتطلب اعلاء الطموح العام على اى طموحات شخصية وان يقر فى وجدان هذا النائب انه يشغل موقعه فى جمهورية تقوم على الارادة الشعبية الحرة والحكم الديمقراطى النافى بطبيعته لأى نوع من توريث السلطة .