حالة غضب سادت الوسط الصحفي إثر الإعلان عن معايير مجلس الشورى لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية، وقد اشترطت المعايير أن يكون المرشح للمنصب يمتلك خبرة بالعمل الصحفي لا تقل عن 15 عاما، وأن يكون أمضى السنوات العشر الأخيرة متصلة في العمل بالصحيفة، وألا يزيد عمره عن 60 عاما، وأن يكون من داخل الإصدار نفسه أو الصحيفة، وإن لم يتوفر، فيكون من المؤسسة نفسها التي يتبعها الإصدار أو الصحيفة، وأن تكون مدة التعيين في المنصب 3 سنوات، وأن تتم مراجعة أرقام التوزيع والكفاءة المهنية كل عام ، حيث يمكن ألا يستكمل أي رئيس تحرير مدته بناء على هذه المراجعة السنوية. اعتبر الكاتب الصحفي إبراهيم خليل رئيس تحرير جريدة "روزاليوسف" أن المعايير التي وضعتها لجنة مجلس الشورى لاختيار رؤساء تحرير الصحف نوع من الإهانة لجموع الصحفيين ولنقابتهم؛ باعتبار أن هذا المنصب المرموق الذي يتطلع له كل صحفي لا يمكن أن يكون مسابقة للقوى العاملة أو للتعيين.
وانتقد خليل نقابة الصحفيين التي لم تدافع عن كرامة الصحفي ولم تعترض على تلك المعايير، قائلاً أنه من المهين للمهنة الصحفية أن يكون التقدم لهذا المنصب الهام – رئيس التحرير - باعتباره وظيفة شاغرة في قطاع عام ك"باتا" أو "عمر أفندي"؛ لأن تقلد هذا المنصب يجب أن يكون عن جدارة ومهنية، من خلال الانفرادات والحملات الصحفية، وكشف ملفات فساد، وعبر فترة طويلة من العمل بهذه المهنة.
ليست الكفاءة وحدها هي المطلوبة كما يقول خليل، بل ضرورة إلمام رئيس التحرير بكافة أدوات المهنة، وهذا ما يرشحه أن يكون في هذا المنصب، ومن الممكن أن يكون هذا الصحفي عمل بمجال الصحافة فترة خمس أو عشر سنوات لكنه يتمتع بخبرة أكثر من صحفي آخر ظل يعمل في الصحافة أكثر من ثلاثين عاما ولم يحقق أي إنجاز؛ لأن الصحافة موهبة في الأساس، ودأب على العمل، وإلمام بأدوات المهنة والتمكن منها؛ لذلك فإن هذه المعايير التي وضعها مجلس الشورى مغلوطة لأنها تتعامل مع مهنة الصحافة وكأنها وظيفة يخضع العاملون بها للترقي وتقلد المناصب بغض النظر عن موهبتهم.
وأشار رئيس تحرير "روزاليوسف" إلى أن أحمد بهاء الدين تولى رئاسة تحرير مجلة "صباح الخير" وهو يبلغ من العمر 28 عام، وكذلك محمد حسنين هيكل عندما تولى جريدة الأهرام، وهناك عديد من عباقرة الصحافة الذين مارسوا المهنة لمدة سنوات قليلة لكنهم أصبحوا رؤساء تحرير وكانوا بمثابة مواهب فذة وعلامات مضيئة في تاريخ الصحافة مثل مصطفى أمين، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس، وصلاح حافظ وغيرهم الكثيرون.
واعتبر خليل أن تلك المعايير التي يناقشها مجلس الشورى تدل على عدم الإلمام بقواعد المهنة الصحفية، منتقداً تنظيمهم لأمر لم يلموا بقواعده من قبل.
وانتقد خليل أن نقابة الصحفيين ممثلة في النقيب ورئيس لجنة الحريات أصبحت مُسخرة على حد قوله لخدمة جماعة الإخوان المسلمين وحزب "الحرية والعدالة" بإقامة المؤتمرات والدعوات واستضافة قادة الجماعة والحزب في ندوات لا فائدة منها على حد وصفه، في حين أنها لم تتخذ موقفاً من المعايير التي طرحتها لجنة مجلس الشورى الذي أنشأه الرئيس الراحل أنور السادات لقصف أقلام الصحفيين، وشرائهم عبر المناصب التي توزع عليهم، والآن الإخوان عبر مجلس الشورى الذي تهمين عليه الجماعة وحزبها يريدون وضع معايير تضمن اختيار رؤساء تحرير يدينون بالولاء لهم. وتساءل خليل لماذ التلويح بهذه المعايير والشروط التي تجعل من الصحفي موظف وليس مبدع أو كاشف للفساد.
أوضح حلمي النمنم رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال أن العقلية التي تقف خلف هذه المعايير في مجلس الشورى هي نفس عقلية جمال مبارك الذي رأى أن أزمة المؤسسات الصحافية في قياداتها فأدخل معايير جديدة وأزاح معظم القيادات، وأتى بمن يدينون بالولاء المطلق له، والآن الأمر يتكرر حرفيا.
ووصف النمنم المعايير التي تناقشها اللجنة بال"مضحكة"، ودلل على ذلك قائلاً أن من بينها إتقان رئيس التحرير لللغة العربية، وكأن الصحفي العادي ليس متقنا للغة العربية!، كذلك أن يكون المتقدم للوظيفة عضواً بنقابة الصحفيين منذ 15 عام، وهو ما يعتبره النمنم إجحافاً للموهبة فكيف نحكم على صحفي شاب في موهبة أحمد بهاء الدين، أو فتحي غانم، أو جلال الحمامصي بعدم تقلد هذا المنصب، رغم أن هؤلاء العظام وغيرهم وصلوا إلى منصب رئيس التحرير قبل أن يمضي 15 عام على عضويتهم بالنقابة، أو عملهم لمدة 10 سنوات متصلة بالمؤسسة الصحفية التي ينتمون إليها. وأوضح النمنم أنه من حق مجلس الشورى أن يغير القيادات الصحفية، لكن ليس من حقه أن يتهم القيادات الحالية بالفساد أو الفشل؛ لأننا بهذا المنطق يمكن القول أن مجلس الشورى نفسه ظاهرة فساد؛ فقد أسسه الرئيس السادات في السبعينات ليكون بابا للوجاهة والحصول على مكافآت لأنصاره الذين لم يتمكنوا من دخول مجلس الشعب.
من جانبه اعتبر الكاتب الصحفي يحيى قلاش أن وضع معايير لاختيار رؤساء تحرير الصحف نوع من التحايل لتجميل الوضع القديم. طالما أن مجلس الشورى هو المهيمن على الصحافة، وهو من يختار اللجنة التي تختار رؤساء التحرير، حيث تقدم اللجنة للمجلس ثلاثة اسماء يختار منهم واحدا. قائلا أننا نطالب بأمر أشمل هو تحرير وسائل الإعلام من تبعيتها للسلطة، وما حدث هو الإكتفاء بوضع معايير لاختيار رؤساء التحرير لتظل العلاقة بين الصحافة ومجلس الشورى قائمة!، مؤكدا أننا نريد الآن استقلال الصحافة بشكل حقيقي لأن هذا هو الضمان الوحيد لكشف الفساد وعدم تراجع الصحافة عن ذلك.
وعن نقابة الصحافيين قال قلاش أنها طرف أساسي لوضع أسس وقوانين تمكنا من استقلال الصحافة، معتبراً معايير لجنة الشورى جريمة في حق الصحافة والصحفيين.