لم يكن مشهد "الكر والفر" بين الجيش السوري النظامي و"الجيش السوري الحر" على الحدود الشرقية للبنان مجرد تطور عابر، فرغم التقارير المتناقضة عن حدود توغل قوات الجيش النظامي في الأراضي اللبنانية، فان ما حدث يؤشر إلى الطبيعة "الرخوة" للحدود اللبنانية - السورية وإمكان تحوّلها مسرحاً لأحداث أكثر دراماتيكية مع استمرار المواجهات في المناطق السورية المتاخمة لشمال لبنان وشرقه، لا سيما تلك المحاذية لوادي خالد شمالاً وعرسال شرقاً. فالحدود التي صارت لغماً دائماً في السياسة والأمن منذ تعاظم المواجهات في الداخل السوري، مرشّحة لان تكون الحدث الأكثر صخباً في المرحلة المقبلة نتيجة واقعها الجيوبوليتيكي وطبيعة سكانها على الطرفين، ولارتباطها الوثيق بمجريات الصراع ل"دفرسوار" سياسي - امني يجري توظيفه من النظام السوري وحلفائه، ومن المعارضة والأطراف الداعمة لها، خصوصاً أن الحدود اللبنانية مع سوريا هي الأكثر حيوية في هذا السياق كون حدود العراق والأردن والى حد ما تركيا تحت السيطرة نسبياً.
ونقل قريبون من النظام في سوريا عن حلقاته الأمنية الضيقة سيناريوهات توحي بان الحدود مع لبنان ستكون في الصدارة في المرحلة المقبلة، وكشف هؤلاء لمصادر صحفية عن خطة تقضي بمحاصرة المسلحين المناهضين للنظام وحشرهم في الجغرافيا اللصيقة بلبنان وممارسة فائض من الضغط عليهم لدفعهم إلى النزوح باتجاه المناطق اللبنانية المتاخمة.
وتحدث القريبون من النظام عن أن الأطراف اللبنانية الحليفة له سيكون عليها تولي أمر هؤلاء المسلحين عبر اعتقالهم أو مطاردتهم وتصفيتهم، الأمر الذي يضمن تحقيق هدف مزدوج يتمثل في نجاح النظام في "تنظيف" المناطق التي ما زالت عاصية، وفي ضمان عودة المسلحين لإشغال القوات النظامية التي لم تنجح في ضبط الحدود رغم تلغيمها تارة ورفع مستوى الجهوزية عليها تارة أخرى.
غير أن أوساط لبنانية متابعة رأت في هذا السيناريو ما يشبه تصدير الصراع المتفجر إلى لبنان عبر سعي النظام في سوريا الزج بحلفائه في المعركة ذات الطابع الأمني - العسكري، وهو ما يخشى معه من إيقاظ الفتنة غير النائمة أساسا نتيجة الاستقطاب الحاد السني - الشيعي الذي فاقم منه وهج الأحداث في سوريا.
ورسمت هذه الأوساط شكوكاً حيال الموقف الافتراضي ل"حزب الله" من الانزلاق إلى هذا النوع من المعارك، وقالت أن "القوى اللصيقة بسوريا كحزب "البعث" والحزب "السوري القومي الاجتماعي"، لا تملك القدرة على الاضطلاع بهذا الدور، أما "حزب الله" الأكثر جهوزية من حيث القدرة فلا يملك رغبة في دفع الأمور في لبنان إلى منزلقات خطرة".
هذا "الأخذ والرد" حول "الكر والفر" على الحدود والتوقعات المثيرة في شأنها لم يحظ بالتقويم عينه لدى دوائر لبنانية موثوقة وعلى بينة من التطورات في الميدان السياسي وعلى المستوى الأمني. واذ أقرت ب"الدور الحيوي" الذي لعبته الحدود اللبنانية مع سوريا، فإنها قالت أن تلك الحدود استنفذت وظيفتها في عملية تهريب الأسلحة والذخائر إلى الداخل السوري، ليس لان قراراً اتخذ في هذا الشأن بل لندرة السلاح بعدما نشط التجار المهربون في تسريب ما هو متاح، مشيرة إلى أن سعر الكلاشينكوف ارتفع من 150 دولاراً إلى نحو 2200 دولار.
وروت تلك الدوائر العارفة أن عمليات التهريب كانت تجارية وليست سياسية بدليل أن المهربين الذين نشطوا على المعابر غير الشرعية كانوا من جميع الطوائف والاتجاهات، حتى أن مخازن أطراف حليفة لسورية أفرغت إما بالسرقة وإما بالاتجار وذهبت محتوياتها إلى سوريا التي لم تبصر عمليات نقل الأسلحة إليها على الحدود مع لبنان، بل نشطت عبر الحدود العراقية والأردنية والتركية نتيجة الامتداد السكاني للمناطق على طرفي هذه الحدود.
وبدت هذه الدوائر مطمئنة نسبياً إلى حصانة "الاستقرار الهش" في البلاد، مستبعدة حدوث أي اضطرابات من النوع الدراماتيكي، اقله في المدى المنظور، خصوصاً أن الطرف الوحيد الذي يملك القدرة على إشعال الوضع هو "حزب اللهط الذي يحرص على بقاء الوضع الحالي، السياسي والأمني.
ولم تلمس تلك الدوائر ما يوحي بان "حزب الله" في وارد قلب الطاولة لأسباب تتصل بالصراع على خلفية ما يجري في سوريا، بدليل سعيه الدائم إلى منع تهاوي الحكومة تحت وطأة أزماتها المتعاظمة وتفاقم الخلافات بين مكوناتها، الأمر الذي يضطره إلى البحث المتواصل عن تسويات تمدد عمرها.