أخيرا وبعد طول انتظار صدر الجزء الأول من مجموعة الرسائل الكاملة لارنست هيمنجواى ليشمل الفترة من عام 1907 وحتى عام 1922 وهو من تحرير ساندرا سباينر وروبرت تورجدون، فيما تتكون المجموعة من 12جزءا لرسائل أحد أعظم الكتاب الذين أنجبتهم الإنسانية. ويقدر عدد الرسائل التى كتبها ارنست هيمنجواى بسبعة آلاف رسالة على مدى حياته التى انتهت بإطلاق النار على نفسه، فيما تتدفق كلمات الرسائل بعفوية وعافية وعنفوان عبر الكتاب الأول ناطقة بعبقرية وحضور ومرح هيمنجواى وغضبه أيضا بلا تحفظات أو محاولات لكبح جماح النفس والرقابة على الذات .
وتكشف الرسائل فى هذا الجزء عن مشاعر الكاتب الروائي الأمريكي المبدع حيال فقد بعض مخطوطاته فى عام 1922 غير أن الطريف ما تضمنه الكتاب من رسائل كتبها الطفل ارنست هيمنجواى لوالده ومن بينها رسالة كتبها وهو فى الثامنة عن "بطة" فضلا عن رسائل لزوجته الأولى هادلى .
وتمضى الرسائل لتفصح عن مشاعر ارنست هيمنجواى أثناء الحرب العالمية الأولى التى أصيب فيها وعلاقته الغرامية مع الممرضة اجنيز فون كوروسكى التى تزوجها فى خريف عام 1921 وصور ملامحها في عمله الروائي الشهير "وداعاً للسلاح".
إنها رسائل ممتعة حقا وحافلة بالتفاصيل الدالة فبعضها يقدم الطفل المطيع ارنست هيمنجواى فى بيت منضبط لحد التزمت بالغرب الأوسط الأمريكي وهو يناشد أمه أن تسمح له بارتداء البنطلون الطويل مثل بقية رفاقه في المدرسة وبعضها ينطق بكرم وأريحية أسطورية لهيمنجواى ومدى تقديره لقيمة الصداقة في الحياة.
وبقدر ما تكشف الرسائل الكاملة لهيمنجواى فى جزئها الأول عن شخصية جذابة وظريفة فإنها تومىء أحيانا للشعور الكبير للكاتب بذاته بما قد يراه البعض تفخيما للذات وإطراء للنفس مبالغا فيه من صاحب "العجوز والبحر" .
وإذا كان البعض قد لاحظ منذ وقت طويل أن الكاتب الأمريكى الكبير سكوت فيتزجيرالد تمتع بالقدرة على التجدد فإن "صديقه اللدود" ارنست هيمنجواى كما ذهب بعض مؤرخى الأدب كان يتميز غيظا بسبب هذه القدرة المستمرة على الانبعاث والتجدد والتى تجعل شمس فيتزجيرالد تشرق دوما فيما يمر هيمنجواى بفترات كسوف وحذر.
غير أن النظرة الأكثر إنصافا التي تبناها الآن فريق من النقاد فى الغرب تؤكد أن ارنست هينجواى لم يعدم بدوره القدرة على التجدد وأنه كلما توارى كانت شمسه تشرق من جديد والأكثر أهمية أن حضوره الإبداعي كان عملاقا ولا يمكن لسكوت فيتز جيرالد أو غيره أن ينحيه جانبا ويدفعه لمنطقة الظل . ومن هنا فعندما شعر هيمنجواى عاشق المغامرات وكوبا وباريس بشكوك حيال قدرته على الاستمرار في توهجه الإبداعي كان لابد لكاتب عملاق مثله أن ينتحر مثلما انتحر والده الطبيب من قبل والمولع بالصيد مثله .
وكانت بعض رسائل هيمنجواى فى الفترة ما بين عامى 1917 و1961 قد ظهرت من قبل في كتاب من ألف صفحة لكارلوس بيكر غير أنه لابد وأن يوصف بالتواضع البالغ بالمقارنة مع هذا الصرح الجديد الذي ظهر مجلده الأول ضمن مجموعة من 12 مجلدا لكاتب "روابى افريقيا الخضراء".