1- إن أي قضية أو مسألة علمية تعرض علينا لكي نصدر فيها حكما أو نصل إلى حل لها, يجب أن نعرفها أولا معرفة علمية صحيحة , لأن هذه المعرفة تكون هي المدخل المنهجي الصحيح لتشخيصها بدقة و معرفة طبيعتها و من ثم معرفة الحل الصحيح لها , غير ذلك, فإننا لن نعرف المسألة أو القضية المعروضة علينا و لن نصل إلى الحل الصحيح لها. 2-عملا بذلك , فإن الحديث عن ثورات الربيع العربي من حيث المشكلات التي تواجهها و طبيعتها, و مستقبل هذه الثورات , فإننا مطالبون أولا بمعرفة هوية هذه الثورات , لأن معرفة هويتها ستساعدنا في معرفة الطريق الاستراتيجي الصحيح لانتصار الربيع العربي, تزداد أهمية معرفة الطريق الصحيح للانتصار إذا ما تذكرنا أن ليست هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الواقع العربي ربيعا ثوريا, فقد شهد هذا الواقع ربيعا ثوريا ضد الاستعمار و الصهيونية , و شهد ربيعا ثوريا بعد هزيمة 1967 , و لكن فشل الربيعان , و نجني نحن ثمار الفشل الأن , فكيف لا يكون مصير الربيع العربي الراهن هو ذات مصير الربيعان السابقان , و كأنك يا أبو زيد ما غزيت. 3-إن الثورات التي قامت في تونس ثم في مصر ثم في اليمن ثم في البحرين ثم في ليبيا ثم في سوريا , كلها ثورات عربية , قام بها شعب واحد ينتمي إلى أمة واحدة هي الأمة العربية , و عليه, فإنه بحكم هذا الانتماء, فإن المشكلات التي تواجهها هذه الثورات عربية و ليست قطرية , و طبيعتها مركبة و معقدة بحكم تركيب و تعقيد الواقع العربي , لأنه واقع مجزأ لأمة واحدة , هذه الهوية و الطبيعة العربية لثورات الربيع العربي و مشكلاتها , تجعل البحث عن حلول لهذه المشكلات يتجه قوميا و ليس قطريا , و ترتيبا على ذلك, تكون المهمة العاجلة هي تمهيد طريق قومي تسير عليه هذه الثورات للخروج من مأزقها الراهن. 4-لا يفسد و يبطل الدعوة إلى الحاجة الفورية لإستراتيجية قومية للربيع العربي كي تخرجه من مأزقه و تضعه على طريق الانتصار دعوتان, تقول الأولى أننا جربنا قبل ذلك هذه الدعوات القومية و فشلت , و هي لم تفشل فقط و إنما فوق ذلك وصمت بالاستبداد, و تقول الدعوة الثانية أن فقدان وجود الدولة القومية العربية على كامل التراب القومي العربي أو حتى على جزء منه يجعل من المستحيل اعتبار الواقع العربي واقعا واحدا و مشكلاته ذات طبيعة قومية لها حلول قومية أيضا . والرد على الدعوى الأولى أن التجارب المسماة بالقومية فشلت ليس لانها قومية ولكنها فشلت لأنها في الحقيقة تجارب غير قومية وإن رفعت راية القومية , هذه التجارب كانت في صميمها قطرية حتى النخاع , قطرية المنطلقات والغايات والأسلوب, و كان خطابها السياسي بشكل عام يفتقد بصمة هوية الأمة , أما القول –كما يردد أصحاب الدعوة الثانية- بأن افتقاد الدولة القومية يجعل من المشكلات التي تواجه أقطار الثورات مشكلات قطرية و ليست قومية , فإنه قول يفتقد التمييز بين الدولة و الأمة , و يربط بين وجود الأمة ووجود الدولة , و هو قول مردود بأن الأمة غير الدولة , الأمة طور اجتماعي يتميز بوحدة الوطن القومي , أما الدولة فهي الإطار السياسي و القانوني للأمة,و قد لا يوجد إذا كانت الأمة محتلة تفتقد دولتها , و قد يوجد و لكن بشكل مشوه يستهدف تفتيت الأمة و تجزئتها بهدف وضعها في إطار تجزئوي يجعلها دائما تعيش حالات التبعية و الاستبداد و التخلف و الوهن الدائم, و قد يوجد للأمة دولتها القومية إذا تطابق شكل الدولة القانوني و السياسي و الجغرافي مع الواقع القومي للأمة, و الذي ينطبق على حالة الأمة العربية الراهنة أنها تعيش الحالتين الأولى و الثانية, أي حالة الإحتلال غير المباشر و فقدان الدولة القومية, لأن العلاقة بين التجزئة و الاستعمار و الصهيونية هي علاقة السبب و النتيجة , فالاستعمار أفقد الأمة دولتها و هويتها حين جزأها و رحل عنها ضامنا تبعية دويلات التجزئة له, لكن المهم الذي يجب أن نعيه أن افتقاد دولة الأمة لا يعني فقدان الأمة نفسها, لأن الأمة مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي غير قابلة للتبديل و التحويل , و بقاء الأمة ووجودها رغم عدم وجود دولتها القومية يعني أن واقعها واقعا قوميا رغم عدم وجود الدولة القومية ووجود دويلات التجزئة الاستعمارية الصهيونية, بالمجمل, أن وجود الأمة شيئ ووجود دولتها شيء أخر , لكن وجود دولة الأمة –الدولة القومية- يظل أمر حتمي لنهضة الأمة و اداء رسالتها و مشروعها الحضاري , والنضال من أجلها يعد مهمة جهادية مقدسة. 5- إذن فإن تقدمنا مرتبط عضويا بإنجاز مهمتين : الأولى توحيد الأمة , و هذه مهمة ثورية تتطلب تأسيس أداة الثورة القومية التي ستتحمل مهمة توحيد الأمة تحت لواء عقيدة ثورية و خطاب تعبوي ثوري منبثقان من هوية الأمة, والثانية بناء نظام دولة الوحدة العربية الإنساني الذي يمكن كل عربي من تحقيق الإشباع الدائم للحاجة للحرية, ويمكن الامة من إعادة مواصلتها لأداء رسالتها الحضارية بين الأمم على قاعدة الحرية و العدالة و الكرامة لكل الناس, وأن تنقل العلاقات بين هذه الأمم و الدول من حالة الصراع و الحرب إلى حالة التعارف و اتقاء الله. و إذن فإن تأخرنا و حالتنا التي لا تسر عدو و لا حبيب , و أننا أصبحنا كالقصعة على مائدة اللئام , مرجعه إلى أننا في كل محاولاتنا للنهوض سواء كانت هذه المحاولات إسلامية أو غير إسلامية تسير على طريق الفشل و الهزيمة – طريق التجزئة- الذي رسمه لنا الاستعمار و الصهيونية ,في حين أن المطلوب هو أن نسير على الطريق النقيض له و هو طريق الوحدة , إن طريق الوحدة هو الفريضة الغائبة لوعينا الثوري, في حين أنه لا طريق غيره لانتصار الثورة و تحرير الناس و استرداد كرامتهم , هذا الطريق لكي يوصل إلى غايته مليء بالطرق الفرعية التي لها غايات إستراتيجية قصيرة المدى أو متوسطة لإشباع حاجات الناس العاجلة و التعامل مع تعقيدات الواقع العربي التي سببتها لنا التجزئة . 6- إن الإستراتيجية الثورية العربية الوحدوية , المرتكزة على التعبئة الثورية لكل عناصر الأمة شعبا و أرضاً و موارد, بالإضافة إلى أنها كفيلة ببناء قاعدة نهوض الأمة , فإنها الوحيدة الكفيلة أيضا بتوفير كل الشروط اللازمة لهزيمة قوى الثورة المضادة المرعوبة من وحدة ثورات الربيع العربي في أداة ثورية وحدوية تحقق وحدة القوى و الإستراتيجية و التخطيط , و تتمثل قوى الثورة المضادة لحركة الثورة العربية في قوى دولية و إقليمية و داخلية , و تتجمع القوى كلها متحالفة أو متعاونة على هدف واحد هو تخريب ثورات الربيع العربي و احتوائها و أسرها واحدة تلو الأخرى بهدف تثبيت و تعميق مصالحها على الأرض العربية على حساب حرية و كرامة الشعب العربي , و بقدر ما تعجل ثورات الربيع العربي سيرها نحو الوحدة الثورية (جبهة ثورية عربية) بقدر ما تعجل الانتصار الثوري, و بقدر ما لا تعي هذا الطريق أو تتكاسل في السير عليه نحو الوحدة لتشكيل الجبهة الثورية الوحدوية العربية بقدر ما تمكن الأعداء منهم, إن المعركة بين ثورات الربيع العربي و قوى الثورات المضادة لها هي معركة وجود الأمة ذاتها , و توحيد الأمة على قاعدة هويتها هو شفاء لوجودها من كل الأمراض السياسية و الاجتماعية و الثقافية الحالة بها, و تدعيم قدرتها و شحذ همتها على المقاومة , أما التجزئة فهي على عكس الوحدة تمثل نظاما للتبعية و التخلف و الوهن و الاستبداد و إعادة إنتاج نفسها في عملية تجزئة المجزء. 7- هكذا إن طريق النصر للثورات العربية يبدأ بتوحيدها في حركة ثورية عربية مروراً بهزيمة قوى الثورة المضادة الدولية و الإقليمية و الداخلية , و انتهاء بالوحدة و بناء نظامها الثوري على قواعد الحق و العدل و الحرية و الكرامة . فهل نحن يا ثوار العرب قادرون أن نملك إرادة التحرر من التجزئة و نطهر وعينا من نجاساتها, و ننقذ أمتنا و شعبنا من المحنة , أم أننا مصرون على السير على الطريق الخطأ الذي نسير عليه منذ قرنين من الزمان.