"أنا ضابط ملتحٍ"، صفحة أطلقها ضابط شرطة الاتصالات، أشعلت حرارة النقاش على صفحات "فيس بوك"، حول مدنية الدولة. فهناك من هلل للفكرة واعتبرها بداية للتحول التدريجي نحو دولة مسلمة، ومنهم من اعتبرها بداية لدولة دينية يتخوف منها الليبراليين والعلمانيين واليساريين تمثل تحديا للدولة المدنية وانقضاضا على سلطات الدولة والتي بدأت بمجلس الشعب.
واعتبر آخرون أنها حرية شخصية لا تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحرية التي اعتبرت من مكاسب ثورة يناير.
أنا ضابط ملتحي
بداية الأزمة وقعت حينما قام مجموعة من الضباط الملتحين منهم العقيد ياسر جمعة، والمقدم ياسر عاشور، والنقيب وليد حسني، بالانضمام إلى صفحة "أنا ضابط ملتحي" التي أنشأها النقيب هاني الشاكري المتحدث الرسمي باسم الصفحة.
وقد كتب الشاكري عن الصفحة "أعلم أن كثيرا من المحبين يشتاقون لرؤية ضباط مصر ملتحين بهدي نبيهم، ولكن فيما أحسب وأظن أنه لو جُمِع شوقكم كله في كفة وشوقي لإشعار هذه السنة في كفة لكنت أنا أشوق منكم لهذه السنة إن شاء الله، إخواني في الله إنني اليوم بعد أسبوع تقريبا من إطلاق لحيتي لربما يراني الرائي فيظن أنني في مشقة عظيمة ولكنني لا أرى ذلك، إنني أشعر الآن بآدميتي حقا، والتي كنت أفتقدها وسط نظام كامل من القمع والاستبداد، ولطالما كنا نشهد الفساد والتبديد أمام أعيننا ويعلم الله أننا كنا لا نشترك فيه وما بقينا في أماكننا إلا للتقليل من الفساد، وهنا نحن ذا في أماكننا نرفع راية التغيير والله من وراء القصد، وأخيرا أقول إنني بشر يعتريني ما قد يعترى البشر من الذنوب وأمراض القلوب، ولذا فإنني إذعانا مني ببشريتي فإني أدعوا الله قائلا: اللهم إن هذه سنة نبيك وهذه ذنوبنا فإن أخذتنا بذنوبنا ذهبت عن الناس سنة نبيك, وإن قبلتنا بعوجنا بقيت في الناس سنة نبيك فاقبلها اللهم منا لا لأجلنا بل رفعة لسنة نبيك".
150 ضابطا وأمين شرطة بلحية
وبحسب ائتلاف "أنا ضابط شرطة ملتح" تقدم أكثر من 150 ضابطا وأمين شرطة بطلبات إخطار لوزارة الداخلية لإطلاق اللحى، وهذه الطلبات وقع عليها كل شخص بنفسه يخبر الوزارة أنه سيطلق لحيته؛ نظرا لأنه لا يوجد قانون ينص على المنع من ذلك، وأن هذا حق دستوري لهم.
وقال الائتلاف: "الدفعة الأولى أبدت استغرابها الشديد لما مارسه مفتشو الداخلية معهم من وسائل قمعية وصلت إلى التهديد بأسرهم، ولذا فقد قررنا نحن ائتلاف (أنا ضابط شرطة ملتح) أن باقي الدفع المشاركة معنا في الائتلاف ستقوم بإطلاق اللحى فورا وبدون إخطار للوزارة".
طلبات في المحافظات بإطلاق اللحية
الأمر لم يقتصر على ضباط الأمن المركزي بالقاهرة، فقد امتد إلى محافظات مصر المختلفة، حيث تم نشر طلب مكتوب لمساعد وزير الداخلية لأمن كفر الشيخ، اللواء صلاح عكاشة، للسماح للعاملين في مديريات الأمن، وهيئات الشرطة، بإعفاء لحيتهم، جاء فيه أنه تم مراجعة قانون هيئة الشرطة، والقرارات الوزارية الصادرة بخصوص شكل هيئة وأعضاء هيئة الشرطة، وأنه لا يوجد ما يمنع عضو هيئة الشرطة من إطلاقه لحيته على غرار الشارب.
وذكر الطلب أن إعفاء اللحية حق دستور وقانوني؛ حيث أن المادة الثانية من الدستور تنص على هوية الدولة الإسلامية والتزامها بمبادئ الشريعة الإسلامية، وأن اللحية تعد أمرا موجودا فيها.
والأمر أيضا لم يقتصر على محافظات وجه بحري، بل امتد الأمر إلى محافظات الصعيد، حيث كشف النقيب هاني صبري، ضابط أمن مركزي ومؤسس ائتلاف: "أنا ضابط شرطة ملتح"، عن عقدهم عده اجتماعات ضمت عددًا من الضباط الملتحين بإحدى محافظات الوجه القبلي، وتم تفعيل مطالبهم وإرسال الطلبات لوزارة الداخلية.
استنكار للتحقيق مع ضباط اللحية
وعبر عدد من ضباط الشرطة الملتحين عن استنكارهم لقرارات وزارة الداخلية التعسفية تجاههم، نتيجة إطلاقهم اللحية، وأكدوا أنهم يتعرضون لتعسف وقرارات بالنقل وسحب السلاح الميري من بعضهم، إلى جانب تلقيهم تهديدات من قبل مجهولين، مطالبين الداخلية بقبولهم بين صفوفها ومعاملتهم معاملة لائقة.
ويقول هؤلاء الضباط إنهم أجبروا على حلق اللحية وتم إيقاف أحدهم عن العمل، مؤكدين أنهم يترددون يوميا بالنسبة لترك العمل بسبب مخالفة شرع الله.
هذا، وقد انضم للصفحة أكثر من 13 ألف عضو حتى الآن.
أما الضابط الذي تم إيقافه فهو النقيب وليد حسني، والذي كان يعمل في كتيبة تأمين سجن برج العرب بالإسكندرية، وكتب على الصفحة أنه وقف أيام الثورة سدا منيعا هو ومن معه ضد خروج البلطجية من السجن، وتم إيقافه بعد أسبوع من إطلاق لحيته.
وكانت وزارة الداخلية قامت بإحالة عقيد شرطة، يدعى "ياسر جمعة" يعمل في شرطة الاتصالات بمديرية أمن القاهرة إلى التحقيقات على خلفية قيامه بإطلاق لحيته، بالإضافة إلى التحقيق مع النقيب هاني الشاكري المتحدث باسم الجروب، وكتب على الصفحة أنه بعد الدعاء قبل التحقيق أُلجِمت ألسنتهم عن قرار وقف صارم له.
وأما اللواء رئيس قطاع الأمن المركزي، فرغم تاريخه المُشرف، وأكثر من ذلك الحب الجم من جميع من حوله، إلا أنه تم نقله من الأمن المركزي للأمن العام تعسفيا، بالمخالفة للوائح النقل في الوزارة والمخصص لها شهري يوليو وأغسطس، ومازال يمارس عمله باللحية.
اللحية ليست مخالفة لقوانين الشرطة
وبالنظر والتدقيق في قوانين هيئة الشرطة والوقوف على ما فيها من فساد، قام عدد من الضباط بتعديل عدد من البنود التي من شأنها الإضرار بحق الضباط والمواطنين، وقام بصياغة عدد من قوانين هيئة الشرطة في بطريقة جديدة، تمهيدا لعرضها على عدد من نواب مجلس الشعب.
ويشير النقيب هاني إلى أنه عقب اعتكافهم على قراءة مواد القانون رأوا أن المادة 41 إلى 47، التي تحدد واجبات ومحظورات ضباط الشرطة، خالية من أن حلق اللحية يندرج ضمن الواجبات، مؤكدا أن القرارات الوزارية والتي تحدد شكل وهيئة ضباط الشرطة لا يوجد بها قرار وزاري واحد يمنع الضباط من إعفائهم اللحية.
ويقول النقيب: إن هناك عددًا كبيرًا من الضباط الملتحين، قد تعرضوا للظلم والضغوط التي تم ممارستها ضدهم إلى جانب التعسف من قبل الوزارة، والتي مارست نقلا تعسفيا لأحد الضباط لمجرد أنه أطلاق لحيته.
وأكد أنهم لن يتركوا عملهم بجهاز الشرطة وإنما سيواصلون الكفاح من أجل قضيتهم التي تعد حرية شخصية وحقا يكفله لهم الدستور، مستندا إلى أن المادة الثانية من الدستور تنص على هوية الدولة الإسلامية والتزامها مبادئ الشريعة الإسلامية، إلى جانب وجود عدد من الفتاوى التي لم تجبر أحدًا على حلق اللحية، كما أشار إلى أن إطلاق اللحية حق من الحقوق الشخصية التي تمارس بأية دولة بالعالم.
الداخلية تتهم مطلقي اللحية بتملق جماعات الإسلام السياسي
وحول مدي انتشار ظاهرة إطلاق اللحية بين ضباط وأفراد الشرطة قال مصدر أمني رفض ذكر اسمه: إن المعلومات المنتشرة عن هذه الظاهرة لا تعد أكثر من كونها محاولة من البعض للشو الإعلامي، و تملق جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، خاصة مع وجود أغلبية برلمانية لهم.
وأكد مصدر أمني، بأن الوزارة حتى الآن لم تتلق أية طلبات من قبل ضباط وأمناء شرطة للسماح لهم بإطلاق اللحى، مؤكدا أن ذلك مجرد أقاويل يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه في حالة تلقي الوزارة أية إخطارات بهذا الشأن فسيتم العمل على فتح تحقيق في ذلك الأمر مع من يريد ذلك، بقصد الوقوف على مدى صحته وجديته، مشيرا إلى أن ذلك الأمر لا يجوز خلال العمل الشرطي، وذلك نظرا لأن رجل الشرطة معروف بطبيعة عمله بأنه لابد وأن يظهر بمظهر لائق، وأن حلاقة اللحية تعد من أهم عوامل الظهور بالمظهر اللائق لضابط الشرطة.
وأضاف المصدر: أن رجال الشرطة بالفعل تعودوا على حلاقة ذقنهم يوميا قبل بدء يوم العمل، وهو العرف السائد في طبيعة العمل الشرطي أو أي عمل ميرى آخر، موضحا أنه منذ نشأة وزارة الداخلية وحتى الآن وطبيعة العمل تحتم حلاقة الذقن، مؤكدا استحالة ممارسة رجال الشرطة لعملهم دون حلق الذقن.
اللواء عادل عفيفي: لا تعليق
من جانبه رفض رئيس حزب الأصالة السلفي، اللواء عادل عفيفي، التعليق على إطلاق رجال الشرطة لحيتهم أو الحديث عن الموقف القانوني من ذلك، على الرغم من أنه كان ضابط شرطة سابق.
وعندما سألناه عن أسباب عدم التعليق، قال إنه يعرف جيدا النظم والقواعد في وزارة الداخلية بشأن إطلاق اللحية؛ لذلك يفضل عدم الحديث في هذا الموضوع.