واجه الإعلام في فترة الإنتخابات البرلمانية بجميع وسائلهِ تحدياً كبيراً في عملية التغطية الإعلامية للإنتخابات البرلمانية حيث ُ ما واجههُ من زيادة ملحوظة في عدد الأحزاب والمُرشحين، فبعد أن كانت التغطية الإعلامية تُركز على خمسة أو ستة أحزاب رئيسية، صار من المُفترض أن تكون مُحايدة بين ما يقرُب من 92 حزب سياسي، وأكثر من 6000 مُرشح مُستقل. وعلى الرغم من ذلك فيُمكننا أن نقول أن الأداء الإعلامي في فترة الإنتخابات البرلمانية كان بصفة عامة جيد أثناء فترة الإنتخابات، بالإضافة إلى مُبادرة الCBC المُميزة والتي من خلالها قررت إدارتها فتح مساحات إعلانية مجانية للأحزاب والائتلافات والكُتل الشبابية الثورية، وتقديرهُم لعدم توفر الإمكانيات المادية لهؤلاء الشباب، التى تُمكنهم من الإعلان عن برامجهم في الفضائيات لمُنافسة الأحزاب الكبيرة. ولكن يؤخد على بعض القنوات تحيُزها أو ما نستطيع القول بأنهُ مُحاولات خفية لتوجيه الرأى العام في إتجاهات بعينها على الرغم من رفع شعارات النزاهة والرغبة في تحقيق الديمُقراطية الحقيقية. فهُناك بعض القنوات التي إستغلها أصحابها للدعاية لأحزابهِم أو التغني بإنجازات أصحابها أو مُحاولات تشويه صورة الأحزاب أو التيارات الأُخرى والتي تتمثل بالأخص في تيار الإخوان المُسلمين والسلفيين، واللعب في إحدى الفترات على وتر الخطر الذي يواجه العاملين في السياحة، أو الذي يواجه المرأة والأقباط في حالة سيطرة الإسلاميين. أيضاً من المظاهر التي لفتت النظر بعد ظهور بوادر نتائج المرحلة الأولى هو تحول بعض من برامج "التوك شو"، فأصبح مُعظم ضيوفها تابعين للتيارات الإسلامية وخاصة التيارات السلفية وكأنهُم كائنات فضائية هبطت علينا ويجب إستكشافها على الرغم من أنهُم نفس الأشخاص المُهاجمين لهُم في ظل النظام السابق، ولكن لا نُريد أن نُسئ الظن فمن المُمكن أن نُرجع ذلك إلى أننا بعد الثورة أصبحنا أكثر حُرية دون قيود تُحدد مواضيع أو ضيوف الحلقات كما يذكُر العديد من الخُبراء الإعلاميين، ولكن لا نستطيع أن نُنكر أن هُناك نبرة من الحُزن والدهشة التي إجتاحت بعض المُحاورين عند فوز الإخوان والسلفيين، فمثلاً شاهدنا أحد الإعلاميين عندما قال كضيف في أحد برامج "التوك شو": "أنه يجب أن نُسلم بنتيجة الإنتخابات طالما خُطبة الجُمعة أكثر تاثيراً مما نقول نحنُ في برامجنا"، فهذا الإعلامي الشهير في مجال الصحافة والإعلام لم يُكن يُدرك ذلك من قبل، فهل كان يتوقع أن برنامجه أو غيره من البرامج ستصل إلى المواطن البسيط، وأنهُ سيكون أقرب إليه من خطيب المسجد!! وهل أسلوب الإنفعال والنقد والحكي هو ما كان سيؤثر في المواطن البسيط الذي بالطبع يسأم من هذا الأسلوب ويستعجب منهُ مما يجعلهُ يتجه إلي من يتحدث معهُ بالحُسنى وبهدوء مُتبعاً سياسة الإقناع والإستقطاب بإحتراف كما نعلم !!
تغطية الصُحف القومية والتي لوُحظ تصاعُد اهتمامها بجماعة الإخوان المُسلمين وحزب "الحرية والعدالة" و"التحالُف الديمُقراطي". حيثُ تعمدت تغطيتها للتيار الإسلامي استخدام ألفاظ توحي بقوة التيار وقوة الجماعة كلفظ "الحملات الذكية، مُواجهات قوية، الذراع السياسي للجماعة، السيطرة علي القوائم، الإستحواذ علي المقاعد، القوة القادمة، الخطر القادم...إلى آخره" وعلى الجانب الأخر استخدمت العوامل الإخراجية والتحريرية لتنفير الرأي العام من هذه القوة من خلال العناوين أو تعمُد التأكيد علي استياء العديد من الأحزاب من استيلاء حزب " الحرية والعدالة" علي القوائم أو بالربط بين أسلوب دعاية "الحرية والعدالة" وأسلوب الحزب "الوطني". مثل ما لاحظناه في جريدتى "الأهرام" و"الجمهورية"، مع الإختلاف بالنسبة لجريدة "الأخبار" والتي كانت مُحايدة بدرجة كبيرة في إتجاهاتها لتغطيتة أخبار الأحزاب والكُتل السياسية المُختلفة، بإستثناء أحزاب الفلول التي إنحازت ضدهم إلى حد ما. فقد كانت تغطية الصُحف القومية مُحايدة إلى حد كبير في التعامُل مع الأحزاب الليبرالية والمُستقلة مُقارنة بالتعامُل مع أحزاب التيارات الإسلامية وأحزاب الفلول.
وعلي سبيل المثال .. تغطية الصُحف المُستقلة والحزبية هذه النوعية من الصُحف والتي أصبحت تُمثل أهمية كبيرة وخاصة في ظل عدم ثقة القُراء في أداء الصُحف القومية، وقد جائت تغطية بعضها بشكل إيجابي ومُحايد بشكل كبير في إتجاهات تغطيتها للأحزاب الليبرالية والإسلامية على حد سواء وفي مُقدمتها جريدة "الشروق"، يليها تغطية جريدة "اليوم السابع" والتي لوُحِظ إنحيازها من حيثُ المساحة وعدد المواد الصحفية للأحزاب والكُتل الكبيرة (مثل: التحالُف الديمقراطي، الكتلة المصرية، الوفد، الوسط)، ولكنها كانت مُحايدة بشكل كبير بالنسبة للأحزاب الليبرالية والإسلامية أيضاً.
في الوقت الذي إنحازت فيه كُلاً من جريدة "المصري اليوم"، وجريدة "الدستور" ضد الأحزاب الإسلامية خاصة "الحرية والعدالة"، و"النور"، و"الأصالة"، وأيضاً أحزاب الفلول، وذلك على عكس تعامُلهما الإيجابي مع الأحزاب الليبرالية وبالأخص "الكُتلة المصرية"، ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لتغطية جريدة "التحرير" والتي أشارت التقديرات إلى إنحيازها بشكل سلبي يفوق ال 60% في إتجاهات التغطية لأحزاب الفلول، ولكن بشكل إيجابي وبنسبة تتعدى ال50% في إتجاهات تغطيتها للأحزاب الليبرالية.
أما بالنسبة للصُحف الحزبية فقد جاءت تغطية جريدة "الوفد" مُنحازة بشكل إيجابي من حيثُ المساحة والإتجاه لحزب "الوفد"، وبشكل سلبي ضد الأحزاب الإسلامية وأحزاب الفلول، وذلك على عكس جريدة "الحرية والعدالة" والتي جاءت تغطيتها مُحايدة بشكل كبير في التعامُل مع الأحزاب الليبرالية، وإيجابية في التعامُل مع "التحالف الديمقراطي"، والأحزاب الإسلامية.
تغطية المواقع الإلكترونية لنفس الصُحف السابق ذكرها لم تختلف كثيراً عما سبق.
رؤية خاصة أعتقد أنه كان يجب أن يحدث نوعاً من التكاتُف الإعلامي في تلك المرحلة عن طريق الإتفاق فيما بينهُم على خريطة عمل كمُحاولة لتعريف الشعب بالأشخاص المُرشحة وإتجاهاتهُم ومُحاولة تقريب الصورة بدلاً من حالة التشتُت التي أصابت الغالبية من الشعب، والتي تسببت في أن بعضهُم عزف عن المُشاركة أو الإنسياق وراء ما يسمع من غيرهُ، وهُنا يجب الإشارة إلى وسائل "الإعلام الإلكتروني" التي كان الإعتماد بشكل أكبر عليها، فهى كانت أكثر نشاطاً في تقديم البرامج الإنتخابية للمُرشحين، والأحزاب والتعريف بالتكتُلات الحزبية ومما تتكون، فعلى الرغم من أن بعض الصُحف قامت بجُزء من هذه المُهمة والتي بدأتها في وقت ضيق، إلا أنها مع الأسف بياناتها كانت مُختلفة نوعاً ما فيما بينها مثل جريدة "المصري اليوم"، و"اليوم السابع"، و"التحرير"، و"الأخبار" مما جعلنا نعود إلى الواقع الإفتراضي "الإنترنت" مرة أُخرى، ولكن ليس كُل الشعب المصري من مُستخدمي الإنترنت، أو قادر على الوصول إلى تلك البيانات التي كُنا نحتاجها ولم يوفرها الإعلام المصري بالشكل الذي كان يأمل فيه الكثرين.
ان مرحلة الإنتخابات بالفعل أظهرت حقيقة وجوهاً كثيرة، سواء بالسلب أو الإيجاب فلا نستطيع أن نُنكر ظهور بعض القنوات الفضائية الخاصة وتألُقها من خلال أسلوب تغطيتها الشامل والمُميز أثناء مرحلة الإنتخابات ومُحاولة إثبات جدارتها حتى وإن كان هُناك بعض التجاوزات أو الأخطاء المهنية، ولكن يؤخذ عليها في نفس الوقت عدم الإهتمام بمرحلة ما قبل الإنتخابات، كما يؤخذ على البعض الآخر مُحاولات لتشويه النتيجة التي أتت بها الصناديق، فأياً كانت تلك النتيجة يجب أن نرتضيها ونبدأ في النظر إلى المُستقبل، وأن تكُف بعض البرامج عن الوقوف عند كُل نقطة بداية لمرحلة جديدة وإعادتنا إلى الخلف مرة اُخرى. ** جزء من ورقة عمل في ندوة "تحليل نتائج الانتخابات البرلمانية .. وانعكاساتها على الخريطة السياسية لمجلس الشعب"