بعدَ وفاةِ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم سافرَسيدنا بلالٌ ابن رباح رضوان الله عليه إلى بلاد الشامِ،فأقامَ فيها ،وبينما هو في الشامِ نامَ سيدانا بلالٌ ذات يوم ،وبينما هو نائم رأَى النبيَّ في منامِهِ، فقالَ له سيدنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم:''ما هذهِ الجفوةُ يا بلالُ؟ وقالَ لهُ: أمَا آنَ لكَ يا بلالُ أنْ تزورَني''، فاستيقظَ بلالٌ مِنْ نومِهِ حزيناً، فتذكَّرَ بلالٌ المنامَ فركِبَ راحلتَهُ وقصَدَ المدينةَالمنورةَ لزيارةِ قبرِ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شوْقاً لهُ. فلمّا دخلَ سيدنا بلالٌ عندَ الضريح الطاهر لرسولنا الحبيب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أخَذَ يُمَرِّغُ وجْهَهُ على القبرِ ويبكي ،فرآهُ الحسنُ والحسينُ إبْنا بنتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،فأقبلاَ نحْوَهُ فضمَّهُما وصارَ يُقَبِّلَهما فقالا لهُ:يا بلالُ نشتهي أنْ نسمَعَ الآذانَ منكَ فأسمِعْنا الآذانَ بصوتِكَ،فارْتَقَى بلالٌ سقْفَ المسجدِ ووقَفَ في المكانِ الذي كانَ يقفُ فيهِ أيامَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبدأَ بالآذانِ.
فلمّا قالَ: "اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ" ارْتجَّتِ المدينةُ كلُّها،فلمّا قالَ: "أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ" ازْدادَتْ رَجَّتُها،فلمّا قالَ: "أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ" خَرَجَتِ النساءُ مِنْ بيوتِهِنَّ يَبْكِينَ،فما رُؤِيَ يومٌ أكثر باكياً ولا باكيةً مِنْ هذا اليومِ ،إلاّ يومَ ماتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
والمعروف ان سيدنا بلال ابن رباح رضي الله عنه كان قد اكتئب وحزن حزنا ً شديدا ً بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ،واعتزل الآذان ولزم داره ،لكن عندما طالبه احب الناس للرسول صلي الله عليه وسلم وعلي اله الطيبيين الطهرين "سيدنا الحسن ،وسيدنا الحسين "،لم يستطع ان يرفض لهما طلبا ً ،وأذن في الناس علي الفور للصلاة ،فذكر اهل المدينة الاحباب ،مدينة رسوبنا العظيم بأيام كان بلال يؤذن ونبينا العظيم الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم وعلي اله الطيبيين الطاهرين واصحابه الغر الميامين بينهم فأذرفوا دموعا غزيرة وقتها .
وصوت سيدنا بلال عذبا قويا مفعم بالخشوع والأيمان يتسلل الي القلوب علي الفور ،عندما كان يعلوا كانت المدينة كلها تهرع الي المسجد لتؤدي الصلاة ،وهو صوت ارتبط في اذهان اهل المدينة بانتصارات الاسلام وفتوحاته وبداياته وذكرياتهم مع الرسول وصحابته .
كانَ بلالٌ الحبشيُّ عبْداً مملوكاً عندَ أحدِ المشركينَ،صدَّقَ النبيَّ ودخَلَ في دينِ الإسلامِ، فعذَّبَهُ المشركونَ،كانوا يُعَرُّونَهُ مِنْ ملابِسِهِ ويَضعونَهُ عارياً على رمالِ الصحراءِ المُلْتَهِبَةِ،فكانَ بلالٌ ثابتٌ على إيمانِهِ يقولُ أحدٌ أحدٌ والمشركونَ يزيدونَ عليهِ العذابَ.فاشتراهُ أبو بكرٍ الصديقُ رضيَ اللهُ عنهُ وأعتقَهُ، وصارَ مُؤَذِّناً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم . فلمّا كان يَحِينُ وقْتُ الصلاةِ كانَ يُؤذِّنُ بصوتٍ حسنٍ جميلٍ.