انطلاقا من أن السياسة هى فن الممكن، و من ان الحكمة هى فعل ما ينبغى كما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى، نجد أن ما يحدث ليس له علاقة بالسياسة ولا بالحكمة حيث يتصف جموع الثورين حاليا بأفكار تختلف عما يريده الشعب حيث ان طبيعة الشعب المصرى مسالمة و تميل الى التسامح و تمجد الاستقرار و التعايش فى ظل تعددية الديانات و الثقافات و الأيدولوجيات و هذا ما يؤكده التاريخ و ما يؤكده صمود هذا الشعب أمام ما واجهه من احتلال للمستعمر الأجنبى و من ضغوط للسيطرة الفكرية عليه، و ما ان انطلقت الشرارة قامت ثورة الشعب لتقول لا للفساد و لا للتوريث و لا للاستعباد و كاننا أمام مقولة احمد عرابى الشهيرة "لن نستعبد بعد اليوم". و بعد ذلك وكتسلسل تاريخى تهب الأعاصير ثم الامطار الرعدية لتحاول بذلك اجهاض حلم الشعب . و سوف أطرح عليكم مجموعة نقاط تؤكد ذلك.
أولا: أحداث نيسان و أيار 2011 حيث بدأت حكومة عصام شرف فى القيام بأعمالها فى ظل نسمات الحرية الوليدة لتتحرك معه اليد الحامية الممثلة فى القوات المسلحة بقائدها المشير طنطاوى حيث يتم توقيع اتفاقية المصالحة بين حركتى فتح و حماس. و يتزامن ذلك مع هبوط عصام شرف مع مجموعة وزارية الى دول الخليج ليطلب دعم الاقتصاد المصرى من الاخوة و الأشقاء جيراننا العرب انطلاقا من مشاركتهم عروبتنا و ديننا ، وينطلق وزير الخارجية نبيل العربى بتصريحات تزلزل الكيان الصهيونى المحتل (اسرائيل) مرتبطة بفتح ملف استغلال ثروات سيناء عبر 15 عاما من الاحتلال ، ثم تتجه الفرق الأخرى الى أوروبا و أمريكا للمطالبة باسترداد أموال الشعب المنهوبة و فى نفس التزامن تنطلق تصريحات الفريق سامى عنان أنه ليس لاسرائيل حق التدخل فى قرار فتح معبر رفح فهذا شأن مصرى فلسطينى ، ليرد الكيان الصهيونى على مصر بأن ما تفعله مصر ضد الأمن القومى لاسرائيل و فى نفس الوقت قامت القيادة المصرية بالسماح بحرية تأسيس الأحزاب السياسية لتكون قاعدة اتطلاق لارساء قواعد الديمقراطية التى هى فى الأساس جنين لم يرى النور.
وبعد المصالحة اتجه جهاز المخابرات المصرى لانهاء ملف الأسير الاسرائيلى جلعاد شاليط .
والآن ندقق ماذا كان رد فعل خط واشنطن – تل أبيب تجاه هذه الانجازات غير المسبوقة ؟ بداية، اتجهت واشنطن الى دعم منظمات المجتمع المدنى فى مصر ماليا بشكل مفرط ثم قامت مؤسسات لدعم حقوق الانسان و عمل أبحاث على الشعب المصرى بدون موافقات قانونية لتفتح لها فروع فى القاهرة و محافظات أخرى عديدة و تسعى فى مصرفسادا انطلاقا من مقولة دعم الديمقراطية الوليدة و هى فى الأساس تريد تقنين التجسس و التخابر لضرب الأمن القومى المصرى . ومن جانب آخر نجد أن اسرائيل أعلنت الحرب السرية ضد مصر حيث ذهبت تشوه الثورة المصرية و القدرات الاقتصادية لمصر لكى تمنع وصول المساعدات المالية سواء كانت خليجية أو اوروبية لعرقلة مسيرة التنمية الاقتصادية و قد حدث بالفعل و نجح المخطط الصهيونى.
ثانيا: استجابة النشطاء والسياسيين لمخطط واشنطن – تل أبيب وكنتيجة طبيعية للدسائس و الأسافين من القوى الخارجية للقوى الداخلية المسيطر عليها المناخ الثورى و الخدعة الكبرى و بالتوازى فان هناك قوى داخلية متكيفة و متوائمة مع قوى خارجية لها اتجاهات و اهداف زرعت من عام 2003 و اخرى من عام 2009 و 2010 أى ما قبل الثورة ، و وجدت فى الثورة التربة اللينة لانجاح هذه المخططات . والأدلة من خلال محاكاة الواقع للأحداث : نبدأ من أول يوليو 2011 حيث المطالبات باسقاط حكومة عصام شرف ثم ما حدث كاتفاق خط تل أبيب – ودولة خليجية لابعاد نبيل العربى عن القضايا المصرية و تعيينه رئيسا للجامعة العربية. وبعد ذلك تعمد اسرائيل قتل الجنود المصريين على الحدود المصرية الاسرائيلية كفعل استفزازى للقيادة المصرية و تأتى تبعات ذلك فى الداخل باحداث السفارة الاسرائيلية على مرحلتين وما تخلله من تدخلات ثنائية (واشنطن – تل أبيب) فى الشأن المصرى لتدور تصريحات الثنائى حول ربط المعونة الأمريكية لمصر باتفاقية السلام و هنا وضوح و تبجح مباشر من املاءات و ضغوطات واشنطن – تل أبيب على القاهرة، كما توضح وسائل الاعلام الاسرائيلية من آن لآخر من أن هناك استراتيجيات عسكرية جديدة لمواجهة تحديات الربيع العربى على امن اسرائيل مشيرة الى أن الصدام المسلح بين مصر و اسرائيل على المدى البعيد هو حدث حتمى لا مفر منه كما توضح تسريبات اعلام الكيان الصهيونى بان اسرائيل تستعد لاحتلال شبه جزيرة سيناء حالة اتجاه مصر لالغاء اتفاقية كامب ديفيد.
ثالثا: تفوق التيارات الاسلامية فى مصر على باقى القوى السياسية داخل صراع المجالس البرلمانية دعما من تأييد الشارع المصرى للقوى الاسلامية و انطلاقا من البنية التحتية المنظمة لجماعة الاخوان المسلمين عبر عقود من الزمن و حب الشعب للسلفيين و من اضطهاد الانظمة العلمانية الاستبدادية للتيارات الاسلامية و شعور القاعدة العريضة من الفقراء و البسطاء و المهمشين داخل المنظومة الشعبية المصرية نجد ان الأحقية فى السلطة و الحكم كان لا بد ان تتجه الى الأحزاب التابعة للتيارات الاسلامية حيث ان غالبية الشعب بفطرته ضد أى شئ يخالف الاسلام (ليبراليين – علمانيين – اشتراكيين – أقباط) .
رابعا: ارتباك حسابات تحالف الديمقراطيين والليبراليين والعلمانيين والاشتراكيين وبعض الأقباط وكنتيجة لتحطم فكر هؤلاء الكتلة أمام القوى الاسلامية داخل حرب الصناديق ثم نتائج الانتخابات أدى الى ردود أفعال غير سياسية وغير حكيمة ليتم الترفيص يمينا و يسارا مثلما فعلت ادارة بوش الابن فى حربها ضد الارهاب لاجتياح العراق و استمرار القتل غير المبرر فى افغانستان و فى الأصل أمريكا قد قامت بخداع العالم انطلاقا من أحداث 11 سبتمبر 2001 التى هى من تخطيط و تنفيذ المخابرات الإسرائيلية. و استكمالا للخداع تأتى تصريحا البرادعى بأن العراق يمتلك سلاح نووى ليتم تدمير شعب و دولة كانت من اغنى و أقوى الدول العربية فى ذلك الوقت.
واذا رجعنا للساحة السياسية المصرية نجد ان كتلة المنهزمين المتشرذمة لم تجد فى ذراعها الأيمن محمد البرادعى الإله الروحى و المنقذ للادينيين كما لم تجد فى ذراعها الأيسر الملياردير نجيب ساويرس المخلص ليتفق الجميع مدعوما بوسائل إعلامية متنوعة و منظمات مجتمع مدنى يقودها محامين و سياسيين و كتاب على هدم المعبد مستخدمين سلسلة من المطالب التى تتغير و تتلون حسب خارطة رؤية المخططين و القادة فى أمريكا و اوروبا .
إرهاصات من أجل الحسم دعونا هنا ونحن فى نهاية هذا المقال نطرح تصورات و إرهاصات عن ماذا بعد القرار الحكيم بمداهمة منظمات المجتمع المدنى الرسمية منها وغير الرسمية و بعض المنظمات غير الحكومية و بدون تصاريح قانونية حيث ثبت تواطؤ الدور الأمريكى المشبوه فى محاولته لتقنين التجسس و زرع الفتن و ضرب الأمن القومى المصرى كرد فعل للتخبط و الارتباك من جانب الادارة الامريكية فى عدم قدرتها على ضبط توجهات الديمقراطية الزائفة بالاضافة لعدم قدرتها على مساندة الكتلة المنهزمة أمام نداء الروح لنفاجأ بتهديدات أوباما فى انه لا معونة الا اذا تركت القيادة المصرية منظمات المجتمع المدنى التابعة لها تمارس عملها بحرية و بدون أى قيود. لذلك نقترح على صانعى القرار فى مصر أن يضعوا ارهاصات مرتبطة بماذا لو رفضنا المعونة الامريكية تماما و قمنا بحسم اتجاهات الشراكة الامريكية المصرية و ألغينا اتفاقية كامب ديفيد كمطلب يؤيده 90% من الشعب المصرى.
كما يجب بحث و دراسة سبل التوازن الاستراتيجى فى المنطقة العربية بقيادة مصرية حيث تقوم مصر بابرام اتفاقيات عسكرية فيما بين القاهرة – موسكو – طهران – أنقرة – دمشق و بالتوازى تقوم بابرام اتفاقيات صناعية اقتصادية بين مصر و الصين لتحويل شبه جزيرة سيناء الى منطقة صناعية دولية تنافس هونج كونج و منطقة جبل على بالامارات. ومن ناحية العملة الوطنية يتم فصل الربط فيما بين الجنيه المصرى والدولار الامريكى واستبدال ذلك باليورو الاوروبى مع الاتجاه الى تنوع احتياطى الدولة من خليط من العملات و الذهب كخطة استراتيجية مستقبلية.