قال الكاتب الكبير جلال أمين أنه لن ينسى مصادرة كتاب "في الثقافة المصرية" عام 1955، والذي كتبه شابان ماركسيان هما عبدالعظيم أنيس، ومحمود أمين العالم، ويتمتعان بالوطنية والثقافة الواسعة والقدرة على توصيل الأفكار للناس ، وكانوا يؤمنون بالاشتراكية ويفكرون بالشعب الكادح. جاء ذلك خلال لقاء مفتوح بمعرض الكتاب أول أمس أداره الكاتب مصباح قطب . وأضاف أمين : كانت فكرة الكتاب عن التحيز الطبقي في الثقافة السائدة عام 1952، وأن كتاب هذا العصر كان عندهم تحيز طبقي ؛ فعندما نقرأ قصة لتوفيق الحكيم أو طه حسين أو العقاد نشعر أن مصر ليس بها إلا 10% من سكان المدن. كما كان إحسان عبد القدوس يكتب في قصص الحب الموجودة في هذه الطبقة، لكن كان أكثر من 80% من سكان مصر فلاحين ومحرومين من أبسط ضرورات الحياة. وكان كتاب أنيس والعالم مختلفا في حينه لأنهم وصفا مشاكل البسطاء، ويضيف جلال أمين : فوجئنا بعد عام 1952 بتغيير المناخ الثقافي تغييرا مدهشا؛ لأن الثورة كانت تسير سياسيا في هذا الاتجاه، فبعد شهرين من إقامتها صدر قانون الاصلاح الزراعي، وعلى المستوى الأدبي غير يوسف إدريس كتابته في القصة، كما غير نعمان عاشور والفريد فرج وزكي طليمات كمخرج وأعطوا لنا مسرحا في اتجاه آخر. وظهر فجأة كمال الطويل وبليغ حمدي ومحمد الموجي في الموسيقى، وعبد الحليم حافظ، وظهرت الجرأة في العلاقة بين الرجل والمرأة، وظهر صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي في الشعر. استطرد أمين: عندما قامت ثورة 25 يناير لابد أن نتوقع تغيرات مهمة لا تقل عن التغيرات المهمة التي حدثت عا 1952، والسبب أن الفترة بينهم طويلة حوالي 60 عاما وحدثت تغيرات اجتماعية رهيبة فلابد أن تعبر الثقافة عن هذا التغير الذي حدث، فالمرأة حققت تحرر أكبر في ستين عاما. وما يميز ثورة 25 ينايرعما قبلها من وجهة نظر أمين أن المثقفين لم يجدوا أناسا بالقامة الموجودة أيام ثورة 1952 التي كان بها طه حسين وتوفيق الحكيم يكتبون، فهذه الثورة قامت والساحة الثقافية جرداء كصحراء شبة قاحلة، والسبب أن بعد قيام ثورة 1952 ب15 عاما حدثت المأساة الرهيبة في نكسة 1967 فأصابت المثقفين المصريين بحالة من الاكتئاب واليأس وشبة إحباط جعلهم إما يتوقفوا عن الكتابة، أو يهجروا مصر، ومنهم من توفى. أما في 25 يناير كانت الحياة الثقافية فقيرة، ولأن الربيع تأخر والشتاء طال كان لابد أن تخرج براعم قليلة قبل ثورة يناير من بينهم علاء الأسواني الذي يراه أمين الخليفة الحقيقية لنجيب محفوظ؛ فكتابيه "شيكاغو"، و"عمارة يعقوبيان" بشرا بثورة يناير. وأوضح جلال أمين أن الطبقات الدنيا حققت مكاسب بعد عام 1952 لا يمكن الرجوع فيها، فالفلاح دخل الأدب المصري وزادت سرعة الإيقاع في الموسيقى والأدب الذي توقع زيادتهما بعد ثورة 25 يناير، وقال أن الصورة حاليا تغلبت على الكلمة، واعتقد أمين بحلول العامية محل اللغة العربية بعد ثورة يناير لدرجة أن عناوين الصحف أصبحنا نرى فيها عبارة مثل "هانشوف" وهو نزول للعامية أكثر من اللازم، لذا فنحن نحتاج ما يقرب من ثلاثين عاما لتدارك ما حدث في الثقافة المصرية. وتوقع أمين أن تلعب المرأة المصرية دورا أقوى في الثقافة المصرية، ففي الخمسينيات والستينيات احتلت فاتن حمامة المركز الأول للمرأة، وقبلها كانت أمينة رزق الأم الحزينة ، لكن المرأة المصرية في العقود التالية هي كما يمثلها بنات ميدان التحرير المختلفات عن أمينة وفاتن ، فثقافتهن أكثر وثقتهن بأنفسهن أكبر. كما توقع أمين زيادة ظهور أدباء الصعيد والوجه البحري وعدم احتكار القاهرة والإسكندرية للثقافة . وتحدث أمين عن الخلاف بين ما أسماه بالتفسير العقلاني واللاعقلاني في الدين، فعبد الناصر شجع التفسير العقلاني، لكن زاد التفسير اللاعقلاني بعد النكسة، وزاد أيضا بشدة في الثلاثين عام الماضية وكانت الجلسة الأولى لمجلس الشعب مثلما شاهدناها على التليفزيون، لكن مع انتشار التعليم وانتعاش الظروف الاقتصادية سوف ينتصر التفسير العقلاني. ووصف أمين التليفزيون بأنه ينشغل بالمناقشات التي لا جدوى منها لكنه بإمكانه القضاء على الأمية في ستة أشهر. وأكد أمين أن مصير الثقافة المصرية يتوقف على مصير ما يحدث لاتجاه التفكير اللاعقلاني والفوارق الطبقية. وأوضح جلال أمين الفرق بين العسكر في علم 1952، وعام 2011، بأنهم تغيروا خلال الستين عاما الماضية، فدرجة الوعي السياسي عند الضباط كانت أكثر في 1952 على الرغم من أنهم لم يكن عندهم أي امتيازات مالية، وكانوا يرتعبون من عبد الناصر، وكانت أمثلة الفساد فيهم قليلة وترتكب بحذر، كما كان مدى شغفهم بالمال أقل. لكنه من ناحية أخرى هناك أمل أن العسكر الآن أصبحوا أقل قدرة على فرض إرادتهم على المجتمع المصري كما كان في عصر عبد الناصر، فالموضة حاليا هي "الديمقراطية". ورأى أمين ضرورة الإصلاح من حال المدرسين لإصلاح التعليم، كما اقترح إعادة تدريس الكتب القديمة وكتب المطالعة والتاريخ مع بعض التغيرات لإصلاح التعليم.