لا زلت أتذكر المحامي الكبير الأستاذ الدكتور محمود السقا القيادي بحزب الوفد، وهو يقف شامخاً أمام دائرة المستشار عادل عبد لسلام جمعة، في مواجهة زميله د.نعمان جمعة نائب رئيس حزب الوفد، وذلك في عام 1999م. وكان دكتور محمود السقا يقف مدافعا عن كاتب تلك السطور ورفاقه بجريدة الشعب، مطالباً بتكريمنا وتبرئتنا من التهم الموجهة إلينا؛ لأنها بمثابة شرف لنا، لكون أننا ندافع عن المجتمع الزراعي المصري في مواجهة الاختراق الصهيوني.
هكذا كان موقفه، بينما كان رفيقه في حزب الوفد نعمان جمعة يدافع عن خصمنا في القضية دكتور يوسف والي أمين عام الحزب الوطني ووزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء -المودع في السجن الآن، حيث طالب نعمان نيابة عن يوسف والي بحل حزب العمل وإيقاف جريدته الشعب، لأننا في تلك الصحيفة نهاجم واشنطن وتل أبيب ونهدد اتفاقية كامب ديفيد.
هذا الشريط من الذكريات مر على ذهننا أمس، ونحن نتابع د. محمود السقا - متعه الله بالصحة والعافية- وهو يترأس أولى جلسة من جلسات برلمان الثورة ويقودها بحنكة شديدة, وخبرة سياسية تثير الإعجاب، حيث تم اختيار د.محمود السقا القيادي بحزب الوفد؛ لكون أنه أكبر أعضاء مجلس الشعب في العمر لترأس أول جلسة من جلسات برلمان الثورة، وهو اختيار يستحقه هذا الرجل عن جدارة؛ لأن أمثاله يشرفون مصر وأمثاله يشرفون حزب الوفد.
ضاع نعمان جمعة محامي يوسف والي في زوايا النسيان، أما صديقه يوسف والي فيقبع حاليا في زنزانة شديدة البرودة بليمان طرة، لاتهامه بسرطنة المصريين، في انتظار مصير مؤلم مع ابن شقيقه د.شريف والي المتهم بموقعة الجمل.
نعم كان أمس يوم من أيام الله، يوم نصر الله فيه الذين استضعفوا وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين، وجعل من استضعفوهم أذلاء؛ لأنهم نسوا الله، واستبدلوا بخشيته خشية واشنطن وتل أبيب.
استبدلوا برزقه الحلال الطمع والغش والاحتكار، وتبديد أموال الشعب، فحقت عليه لعنة الله، وظلوا طوال يوم أمس كما علمنا يحدقون في شاشات التليفزيون مذهولين، وذلك من خلال عنابر وزنازين سجن المزرعة، وعيونهم تفيض دما وليس دموعا.
وليتها تكون دموع الندم، ولكن لا، فنحن نحسبها دموع تماسيح على ملك زال ودنيا خسروها، وشعر غطاه شيب، كانوا يدارونه بالمساحيق والأصباغ متعددة الألوان.
ونتذكر ونحن في سجون مبارك بتهم ملفقة لأننا ندافع عن وطننا ضد الاختراق الصهيوني،كُنا لا نستطيع أن نتواصل مع أي مسئول، ولا عضو برلمان، فكلهم كانوا يهربون منا؛ خوفاً ممن أودعونا في سجونهم.
حتى زملاء لنا بالمهنة كانوا يتجاهلوننا، ويساهمون في حصارنا حتى في قوت أولادنا، لا لشيء إلا لكون أننا كصحفيين أغضبنا مبارك وأمين حزبه العام يوسف والي ووزير داخليتهم، والذي كان مع رجاله بمثابة شيطان في ثوب إنسان.
والآن شاهدنا كل من نحب ونهوى، وشاهدنا الأصدقاء لنا، وشاهدنا رفاقنا في سجون الظلم، الذين وثق بهم شعبنا، واختارهم ممثلين له في مجلس الشعب، نعم شاهدنا نوابا عن شعبنا العظيم يمثلون كل ألوان الطيف المصري، وليس من فصيل واحد.
نعم اليوم شاهدنا تلك الأعداد التي كانت محبوسة معنا ظلما في سجن مزرعة طرة، شاهدناهم يمثلون الشعب، ويتبادلون الأماكن بالحق مع من حبسهم ظلما، بعد أن وهبهم الله نصره، وجعلهم أصحاب سلطة وسلطان.
وحقا كان يوم أمس يوما من أيام الله، ترقبته مصر طويلا، وفي هذا اليوم اغرورقت دموع فرح المظلومين، وسعدوا بنصر الله، وراقب شعب مصر سعادتهم من خلال الفضائيات، وهو يشعر أنه يعتذر لهؤلاء الرجال، الذين ظلموا في الماضي، ولم يتمكن هذا الشعب أن يرد هذا الظلم عنهم.
لم يستطع الشعب أن يرد عنهم، لكنه ووجد في الانتخابات ضالته ليعتذر إليهم بشكل عملي، لأنه كان يشعر بمرارة اضطهادهم، ولم يكن فوز التيار الإسلامي وغيره من ألوان الطيف الوطني الشريفة بالانتخابات البرلمانية يجيء من فراغ.
لم يأت من فراغ، وإنما جاء استنادا إلى تاريخ مضى قدَّم فيه هؤلاء الشرفاء الدماء والدموع والغالي والنفيس من أجل مرضاة الله، ودفاعا عن هذا الوطن، وجاءهم الحصاد مكافأة ربانية، لا يعقلها إلا ذوي القلوب المفعمة بالإيمان.
فالثورة لم تكن بدايتها في 25يناير فقط، بل بدأت الثورة ضد نظام مبارك منذ أكثر من عقدين، خلالهما قدمت القوى الوطنية والإسلامية تضحيات هائلة من أجل تهيئة المناخ ليوم 25يناير، والذي كان منحة إلهية لنا يتعين علينا أن نستغلها كما يجب ونشكر الله على أن منحنا إياها، لاسيما أن نظام مبارك الفاسد كان يتسلح بدعم أمريكي صهيوني.
وكان يتسلح أيضا بآليات أحزاب ومجتمع مدني وحركة سياسية رسمية فاسدة، ومجتمع رجال أعمال كان يفسد في وطننا و"على عينك يا تاجر".
وإذا كان دكتور محمد سعد الكتاتني -رئيس مجلس الشعب المنتخب- قد شدد في كلمته عقب انتخابه على أن الثورة مستمرة، ومطالبها ستتحقق كاملة، وأن قصاصا للشهداء سيتحقق، فإن يوم أمس،كان علامة كبرى سيقف أمامها تاريخ بلادنا متذكرا ً الدور العظيم الذي لعبته قواتنا المسلحة والمجلس الأعلى لها بقيادة السيد المشير.
هذا الدور الذي تم من خلاله ويتم ترسيخ معالم ديمقراطية ستكون من أهم الديمقراطيات في العالم، وسيقف أمام ما حدث في هذا اليوم كل مصري شريف على مر السنين، سيقف خاشعا وضاربا "تعظيم سلام" لجيشنا وقياداته ولشهداء ثورتنا، وشهداء هذا الجيش.
ولنا وقفة - نتقدم بخالص التهنئة للأستاذ د.محمد سعد الكتاتني ، والأخ الصديق د.عصام العريان رفيق سجن المزرعة، وللزميل والصديق محمد عبد العليم، ولكافة من اختيروا في تشكيلات برلمان الثورة كقيادات للجانه.
- تهنئة من القلب للأخ الصديق والزميل محمد الهواري لاختياره رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، متمنيا له التوفيق في مهمته، وأن يأخذ في الاعتبار حل مشاكل شباب الثورة الذين ظلموا بمؤسسته علي أيدي رؤساء مجلس الإدارات السابقين وعلى رأسهم الزميل طه أبو الشيخ.
- نناشد السيد وزير الداخلية حماية السنترالات التي يسرق اللصوص كابلاتها في أطراف القاهرة الكبرى بعد أن تم إصلاح معظمها مؤخرا، ويا ليت الوزارة تخصص دوريات على تلك السنترالات أسوة بالكمائن الليلية التي تقيمها الشرطة علي الطرق. [email protected]