دعا المستشار زكريا عبد العزيز المجلس العسكري للملمة أوراقه والرجوع إلى ثكناته خلال أيام ، لإنقاذ المؤسسة العسكرية المصرية، وطالب بمحاكمة كل رموز النظام السابق على جرائمهم، متسائلا عن سر عدم محاكمة القضاة الذين أصدروا أحكاما جائرة باعتقال المعارضين لنظام مبارك بلا ذنب اقترفوه. وأكد عبدالعزيز أن الثورة المصرية الثانية لن تكون غير سلمية ولكنها ضرورة لأن البلاد بحاجة للتطهير .. السطور التالية تحمل تفاصيل حوار أجراه "محيط" مع أحد أبرز وجوه تيار استقلال القضاء في مصر. محيط : ما توقعاتك لمشهد الثورة خاصة بإعلان الجيش والشرطة انسحابهما من الميدان ؟ - الشرطة والجيش لم يكن لهما أي دور في معظم المليونيات السابقة، فقد شهد يوم 28 يناير بداية انهيار للشرطة وتغيب من مواقعها بالشارع، حتى شرطة المرور . لكن المؤسف محاولات إثارة الفزع بين الناس لإجهاض الثورة والتي بدأت مبكرا حين أكد عضو بالمجلس العسكري أنه "سيحدث ضرب وتخريب منشآت وغيرها". ونحن مع الاحتفاء ولكننا ضد الاحتفال لاختصار ثورتنا في رقص وغناء؛ وذلك لأن ثورتنا المجيدة لم تتحقق أهدافها التي أعلنتها "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وكيف نحتفل وأبناؤنا استشهدوا وأصيبوا ودماؤهم لم تجف على الأرض بعد ولم نأخذ لهم القصاص ولم نرعى المصابين ولم تتحقق المحاكمات للجناة حتى الآن!!. وقد جاءت وعود المجلس العسكري متأخرة بتوظيف مصابي الثورة في الحكومة بعد عام من إصابتهم، وصندوق الشهداء تم إنشاؤه بعد ستة أشهر من قيام الثورة وقد فشل الصندوق فأعلنوا إصدار شيك لأسرة كل شهيد . محيط : هل يعد الإفراج عن 1500 ناشط سياسي انفراجة نسبية بالأوضاع ؟ - بحت أصواتنا في طلب الإفراج عن من تمت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية لأنها غير مختصة، والقضاء العسكري لا يجوز له أن يحاكم المدنيين، كما لفقت القضايا للثوار وصدرت ضدهم أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، ثم نرى قرار عفو قبل 25 يناير. وعلى أية حال أتوقع قرارات جديدة خلال اليومين القادمين قبل الثورة لتهدئة الشارع، وكمزايدة من المجلس العسكري على القوى السياسية والوطنية ومجلس الشعب ، لكن التساؤل لماذا لا يصدر بيان بكل المعتقلين من قبل المحكمة العسكرية، ولماذا لا نعلم بنتيجة التحقيق في وقائع ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء ، والذي أحمل مسئوليته للمشير والمجلس العسكري والحكومة ، خاصة أن جنودنا خالف بعضهم شرفه العسكري واعتدى على الفتيات العزل ، ومع ذلك لم نرى الضابط الذي أمر بسحل الثوار وضربهم يحاكم . محيط : ما أهم المطالب التي يجب رفعها في ميدان الثورة ؟ - هي كل المطالب السابقة؛ لأن أي منها لم يتحقق، بل بالعكس أضيفت لها آثار مترتبة على مرحلة ما بعد الثورة، والمتعلقة بالاعتقالات والفوضى وغياب الأمن وأزمة البوتاجاز والبنزين . لكن المطالب الحقيقية هي تطهير البلاد من النظام السابق ورجاله فهم مازالوا يتحكمون في أمور الدولة؛ ولذلك نرى 9 مليار جنيه في البنك المركزي لا نحتكم عليها، وأزمات مصطنعة منها أزمة البنزين خلال الأيام الماضية، برغم أن استهلاك المصريين لم يزد لأي سبب ، ولذلك فما يحدث أحد أمرين ، إما أن جهة حكومية تقوم بتخزين هذه المواد البترولية تحسبا لأمر قد يحدث، أو بيعه في السوق السوداء، لكن الشرطة للأسف لا تتخذ إجراءاتها ضد هؤلاء . محيط : ما رأيك في خط سير محاكمة مبارك ؟ - بدأت المحاكمات متأخرة جدا، وهي بطيئة، لذا فالحل في محكمة ثورية سياسية ، خاصة أنه لا يمكن أبدا اختزال جرائم النظام السابق في قتل وجرح وضرب، بل لابد أن تكون المحاكمات عن حالة النظام السابق كله، منذ تاريخ بدأه في أكتوبر عام 1981، وحتى سقوطه في عام 2011. ونظام مبارك أضر البلاد 30 عاما في جرائم ، ولا يمكن محاكمته عن جرائم وقعت في يوم واحد وهو 28 يناير . ولو حاولنا استرجاع أعوام مبارك سنجد مساع لتكريس التوريث لدرجة تعديل الدستور مرتين، وتعديل المادة 43 بالدستور لإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات بعد أن فضح القضاة تزوير الانتخابات في عام 2005 . ومن الناحية الاقتصادية باع نظام مبارك القطاع العام وأراضي مصر بثمن بخس، ووزعت على الحاشية والبطانة ورجال الأعمال الفاسدين وأعطيت لحفنة من رجال الأعمال ، كما انقسم المصريون في عصر مبارك لطبقة أغنياء مصابة بالتخمة من الثراء تعيش بمنتجعات الجولف وشرم الشيخ والغردقة، بينما تغرق الطبقة العريضة في الفقر والعشوائيات ، لذا نحمد الله أن ثورة الجياع لم تحل محل ثورة يناير ، وأن شعبنا خرج راقيا سلميا . محيط : كيف نحقق استقلال القضاء في مصر ؟ - القضاء حاليا غير مستقل في مصر، وهناك قضاة يتعاملون مع المؤسسة التنفيذية التي تمثلها الحكومة، ولذا نحتاج لتعديل قانون السلطة القضائية ، حتى لا نرى مثلا تعيين وزير للعدل من قبل النظام، والذي بدوره يكون له سلطان على القضاة ويستطيع محاكمتهم تأديبيا . وأيضا يجب أن يتحول منصب النائب العام من شكله السياسي الحالي لمنصب قضائي مستقل، وألا يتبع رؤساء المحاكم الابتدائية وزير العدل، مع أهمية إلغاء نيابات أمن الدولة العليا لأنها تعتبر نفسها تابعة للداخلية . نحتاج إذا ثورة داخل القضاء بدء من اختيار معاون النيابة بلا محسوبية ووساطة، وأن يكون مجلس القضاء الأعلى المتحكم في إدارة القضاء بالانتخاب، وأن يكون تحت رقابة الجمعيات العمومية وليس المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف. محيط : ما توقعاتك للبرلمان الذي يطغى عليه التيار الإسلامي ؟ - لاشك أن خروج الشعب للانتخابات البرلمانية كسر حاجز السلبية، ولاشك أن الانتخابات كانت تتمتع بقدر كبير من النزاهة، ولاشك أن هذه أول انتخابات في مصر تجرى في حرية كاملة بعد ثورة أزهقت النظام السابق. الشعب اختار، ويجب أن نعلي هذا الاختيار ونحترمه ونقدره أيا كان، ومجلس الشعب القادم سيبذل جهدا كبيرا خاصة أن أعضاءه يعرفون مواطن الفساد والضعف وكيفية الإصلاح، والشعب سيحاسب هؤلاء النواب ويكون رقيبا عليهم. محيط : كيف تنظر لتشرذم آراء الميدان حول أولويات المرحلة القادمة ؟ - هذه ميزة وظاهرة صحية تخرج أفضل الحلول، ونحن شعب محروم من حرية الرأي والتربية السياسية ، فمنذ عام 1952 تم إلغاء الاحزاب، وفي ظل مبارك خرجت أحزاب كثيرة من باطن أمن الدولة، وكانت ورقية، لكن ستتوحد المطالب بالتدريج بعد استقرار مؤسسات الدولة واستيفاء مجلس الشعب، ومجلس الشورى الذي لا أرى له ضرورة الآن ، بعدها سننتخب رئيس الجمهورية ، وسيكتمل بناء النقابات وغيرها بشكل حر بعيدا عن جهاز أمن الدولة الساقط والحزب الوطني المنحل. محيط : هناك اختلافات في الميدان حول رحيل المجلس العسكري مبكرا ما تعليقك ؟ - أرى أن المجلس العسكري يجب أن يعجل بالرحيل؛ لأن بقاءه في العمل السياسي مضرة للمؤسسة العسكرية، وشاهدنا خلال الفترة الماضية كيف كانت إدارة المجلس العسكري للبلاد وللسياسة مرتبكة ، وأرى تعجيل كافة الإنتخابات بما فيها رئيس الجمهورية لتشكيل جمعية تأسيسية للدستور في موعد غايته أول أبريل. محيط : كيف تخرج مصر من أزمتها الراهنة ؟ - أطالب بأن تستمر الثورة لعامين أو ثلاثة؛ لأن هدم النظام القديم لم يتم حتى الآن؛ حيث سقطت الرأس لكن مازالت الجذور متغلغلة في الأجهزة الحكومية، وأن ننهي حالة الطواريء والمحاكمات العسكرية واستقلال القضاء، وتطهير الدولة من رجال النظام السابق ومحاكمتهم. محيط : لكن الكثيرين يخشون انفجار الأوضاع بعد الثورة الثانية ؟ - الشعب الذي خرج 25 يناير الماضي كسر حاجز السلبية والخوف، وستكون ثورتنا الثانية يوم 25 يناير القادم هي ثورة سلمية ، وقد خرج أكثر من 15 مليون مصري في الميادين رغم عدم وجود أمن ولم تحدث جريمة واحدة، لكن هناك من تعمد فتح السجون وإطلاق المجرمين ، وهي نفس الجهة التي استخدمت البلطجية في الانتخابات السابقة، وكانت ضمن مؤامرة النظام السابق لجر الثوار للعنف . وأظن أن الشعب حين ترك القانون يحاكم رجال النظام السابق رغم أنه يعرف مواقعهم ، فهو يثبت تحضره ، رغم أنهم كانوا يعتقلون بلا محاكمة المعارضين لمدد تزيد عن عشرين عاما ، وهنا أتساءل أين هؤلاء القضاة الذين أصدروا هذه الأحكام ، والذين تلقوا تعليمات أمن الدولة ؟ !