تأتي تحذيرات الولاياتالمتحدة لإسرائيل من تنفيذ عملية عسكرية محتملة ضد إيران، في خضم التوترات التي تشهدها المنطقة على خلفية الملف النووي الإيراني والعقوبات الغربيةوالأمريكية التي طالت مؤخرا البنك المركزي الإيراني. وتحمل هذه التحذيرات الكثير من المخاوف بشأن اندلاع نذر حرب رابعة في المنطقة، على اعتبار أن الأولى (الحرب العراقية - الإيرانية) والثانية (حرب تحرير الكويت) والثالثة (الحرب الأميركية لإسقاط نظام صدام واحتلال العراق).
ثمة مجموعة من الأحداث والتطورات السياسية التي تشير إلى احتمالات نذر الحرب في المنطقة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى التصعيد الذي يمكن تصل إليه طهران والغرب وماهية الأطراف العربية التي قد تكون مضطرة إلى الدخول إلى ساحة حرب لا تريدها، بل فرضت عليها. ظاهرة التسلح الخليجي أول الأحداث والظواهر السياسية تكمن في تزايد ظاهرة التسلح الخليجي وشراء الأسلحة من واشنطن، رغم أن دول المجلس الخليجي تتبنى موقفا يؤمن بمبدأ وجوب قيام اتفاق إقليمي يشمل دول منطقة الخليج، وربما منطقة الشرق الأوسط عامة ويشمل إسرائيل بشكل خاص، وهدفه ترسيخ الأسس القانونية لإعلان المنطقة "منطقة منزوعة السلاح النووي" أو "منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل" ، وأن تلزم جميع دول المنطقة بتطبيق هذا المبدأ وأن تستحدث آلية دائمة وفعالة لتنفيذ الاتفاق ومراقبة الدول التي تمتلك برامج نووية للأغراض السلمية.
وجاء توقيع الولاياتالمتحدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة على عقد لتزويدها بنظام دفاع صاروخي لم يسبق بيعه بالأسواق الدولية، في صفقة عسكرية هي الثانية بين واشنطن ودولة خليجية، إذ سبقتها صفقة مع السعودية بقيمة نحو 30 مليار دولار لبيع السعودية 84 طائرة من طراز "اف 15" وتحديث 70 طائرة أخرى من الطراز نفسه، بالتزامن مع تزايد التوتر الإقليمي بسبب ملف إيران النووي.
وذكرت شركة رايثيون" المتخصصة في صناعة الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي أنها ستقوم بتوفير رادارات من نوع (تي بي واي/إيه إن 2) للإمارات خلال عام 2018، ضمن عقد لتوفير مكونات "نظام الدفاع الصاروخي في الارتفاعات القصوى" (ثاد) في أول صفقة لبيع هذا النظام في الأسواق الدولية.
وتبلغ قيمة العقد نحو 5ر582 مليون دولار، واشتملت الأسلحة المقترحة على أنظمة صواريخ باتريوت 3 ذات القدرة المتقدمة من ريثيون ولوكهيد مارتن والتي تصل قيمة النظام منها إلى 121 مليون دولار.
كما تتضمن الاتفاقية، التكنولوجيا والتدريب والإمداد بنظام صواريخ متوسط المدى في إطار درع دفاعي متعدد تقيمه القوات المسلحة الإماراتية لحماية البلاد من تهديدات تستشعرها في المنطقة. رد "مؤلم وقاس في الوقت المناسب" ثاني الأحداث والظواهر السياسية يتمثل في التهديدات الإيرانية برد "مؤلم وقاس في الوقت المناسب"، على اغتيال العالم النووي مصطفى احمدي روشن في طهران يوم الأربعاء الماضي، وامتلاكها مستندات ووثائق تؤكد ان وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه ) خططت لاغتيال روشن. ما يعني دخول جهاز الاستخبارات الإيرانية مرحلة جديدة في المواجهة مع أجهزة الاستخبارات التي تقف وراء اغتيال العلماء النوويين. ثالث الأحداث هو تزايد الحشد العسكري الأمريكي في المنطقة، إذ تمركزت حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" قرب الخليج العربي في منطقة عمل الأسطول الأمريكي الخامس التي تشمل أيضا مياه البحر الأحمر وبحر عمان، ترافقها بارجة ومدمرة وعلى متنها حوالى 80 طائرة ومروحية، وبذلك تلتحق بالحاملة "يو إس إس جون ستينيس" التي لا تزال في المنطقة. ورغم نفي البنتاجون أن تكون هذه الاجراءات بقصد تعزيز قواته في الخليج فإن حاملة طائرات أمريكية ثالثة هي "يو إس إس أبراهام لينكولن" ستلحق قريبا بكارل فينسون، وهذه الحاملة موجودة حاليا في المحيط الهندي وهي في طريقها للالتحاق بمنطقة عمل الأسطول الخامس. كانت الولاياتالمتحدة قد اعتمدت منذ سنوات إجراء أطلقت عليه اسم "الوضع 7ر1" من أجل دعم العمليات العسكرية في أفغانستان، الذي يقضي بوجوب أن يكون هناك في منطقة البحر الأحمر وبحر عمان والخليج ما معدله 7ر 1 حاملة طائرات طيلة العام. تعزيزات بحرية أمريكية في الخليج وتأتي هذه التعزيزات البحرية الأمريكية في الخليج بعد تزايد التوتر بين الولاياتالمتحدةوإيران التي سبق أن هددت بإغلاق مضيق هرمز وباستخدام "كل قوة البحرية" الإيرانية لمنع الحاملة الأميركية "يو إس إس جون ستينيس" من العودة إلى مياه الخليج الذي غادرته إلى البحر الأحمر. رابع الظواهر والأحداث السياسية التي تشي بنذر حرب في المنطقة، هو التصاعد المتزايد لأزمة مضيق هرمز، فمع إعلان إيران أواخر شهر ديسمبر 2011 عن إسقاط طائرة تجسس أمريكية بدون طيار، كانت تحلق فوق مناطق في شرقي البلاد، واستطاعت الدخول من الحدود الأفغانية، والتفجيرات التي حدثت في بعض المواقع النفطية والنووية، وكذلك الاختراقات الإلكترونية لأجهزة الكمبيوتر الخاصة ببعض المنشآت النووية، تشير هذه الحوادث في مجملها إلى وجود ما يمكن وصفه بالحرب الاستخباراتية السرية على إيران، وعلى الرغم من ذلك، لم تسع إيران للرد على هذه الممارسات، مكتفية بالمضي قدما في تحقيق تطورات نووية. عقوبات أمريكية وأوروبية ولكن الإعلان عن عقوبات أمريكية وأوروبية تطول الواردات النفطية والبنك المركزي، يمكن أن تدخل حيز التنفيذ خلال أشهر قليلة، الأمر الذى يعني فقدان العائدات النفطية التي تشكل 60\% من ميزانية الدولة، يعد بمثابة إعلان الحرب على إيران بشكل صريح، وهو ما رأته إيران وعكسته تصريحات مسئوليها . ومع التسليم بأهمية هذه التطورات السياسية والأحداث التي تشي بنذر حرب في المنطقة، إلا أنه يمكن القول أن معطيات الواقع السياسي الآن إقليميا ودوليا تمثل كوابح وموانع تمنع وقوع مثل هذه الحرب. فعربيا، أحدثت ثورات الربيع العربي تطورا مهما في ضرورة الأخذ في الاعتبار أهمية الرأي العام الذي أصبح عاملا أساسيا في صنع التوجهات السياسية الخارجية، حيث أن قرار الحرب لم يعد من السهولة بمكان في ظل المعطيات الجديدة. وإقليميا، لم يعد إقليم الشرق الأوسط عامة والخليج العربي على وجه الخصوص يحتمل إمكانية اندلاع حرب جديدة، فالأكيد أن دول الخليج لا تريد الحرب ولا تتمنى قرع طبولها، لكنها في الوقت نفسه تعمل على إفشال المشروع الإيرانيالإقليمي، وإحباط نيات طهران التوسعية، فيما تظل إيران تعمل على إثارة المجتمع الدولي من خلال تلويحها المستمر بالحرب والتهديد لدول الخليج والتدخل في شؤونها. ودوليا، ثمة أزمة اقتصادية خانقة تدفع دول العالم أجمع للهروب من خيار الحرب والتحول إلى خيار التسويات السياسية والمواءمة بين حسابات التكلفة والعائد جراء خيار الحرب، على خلفية قرار وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بخفض التصنيف طويل الأجل لتسع دول أوروبية‾،‾ فرنسا والنمسا من المستوي الممتاز وهو إيه إيه إيه إلي إيه إيه موجب، بينما تم تخفيض تصنيف إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وقبرص بمقدار درجتين، وتم خفض التصنيف الائتماني لمالطا وسلوفاكيا وسلوفينيا بمقدار درجة واحدة، أما ألمانيا وهولندا وفنلندا ولوكسمبورج فقد حافظت علي تصنيفاتها الائتمانية عند المستوي الممتاز إيه إيه إيه، بينما احتفظت بلجيكا وإستونيا وآيرلندا بتصنيفاتها الائتمانية المتدنية. ويبقى القول إن إرادة المجتمع الدولي وهيكل قواه الفعلية وطريقة توزيع ونمط القوة فيه يظل هو الآخر أحد أهم كوابح اندلاع حرب جديدة في المنطقة.