حظيت الكلمة التي ألقاها الرئيس السوري بشار الأسد الثلاثاء باهتمام واسع في الصحف الغربية الصادرة الأربعاء، فأفردت لها مساحات واسعة من النقد والتحليل، وكذلك كان اهتمامها أيضا بردود الفعل الصادرة على الخطاب. لا تراجع فعلى صدر الصفحة الأولى من "الجارديان" نطالع تحقيقا لمراسل الصحيفة في العاصمة السورية دمشق، إيان بلاك، بعنوان "الأسد يصرخ بوجه أعدائه وينذرهم بقبضة من حديد".
ويقول الكاتب أن الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد حمَّل مسؤولية الأزمة التي تمرُّ بها بلاده للمؤامرات الخارجية المدعومة من قبل الدول العربية، ووعد باتخاذ إجراءات صارمة، وبالضرب بيد من حديد في مواجهة الإرهاب.
وقالت الصحيفة إن خطاب الأسد، وهو الثالث له منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظامه في الخامس عشر من شهر مارس"آذار" الماضي , مزج بين روح التحدِّي وبين الحديث عن مواصلة المسيرة، والإصلاحات المستقبلية في البلاد، والإشادة بقوَّات حفظ النظام التي حاربت ما وصفه بالإرهاب.
وأبرزت الصحيفة قول الأسد: "لا يمكننا التراجع في المعركة في مواجهة الإرهاب، بل سنضرب بيد من حديد أولئك الإرهابيين الذين غُسلت أدمغتهم."
ولفتت الجارديان إلى أن الأسد لم يُبدِ في خطابه أي أي مرونة يمكن أن تساهم بكسر عقدة المأزق الدامي بين نظامه وبين المعارضة التي قضى فيها آلاف الأشخاص.
ودلَّلت الصحيفة على ذلك بقول الأسد في نهاية خطابه الذي ألقاه على مدرَّج جامعة دمشق واستغرق 100 دقيقة، ونُقل على الهواء مباشرة: "إنشاء الله سننتصر، فنحن نقترب من نهاية الأزمة، ويجب أن نبقى موَّحدين. والنصر قريب، لأننا نستطيع الصمود، وبتنا نعرف أعداءنا." حرق القوارب
وعلى الصفحة السادسة عشر، تابعت الصحيفة تغطيتها لخطاب الأسد بمزيد من النقد والتحليل، فنشرت مقالا لسايمون تيسدول قال فيه: "لقد اتَّسم خطاب الأسد بنبرة هجومية سلبية نموذجية، إذ تعهَّد بقمع المعارضة، وقدَّم في الوقت ذاته وعودا إصلاحية مُبهمة".
وعن الهجوم الشرس الذي شنَّه الرئيس السوري على بعض الدول العربية والغربية التي اتَّهمها بالتآمر للإطاحة بنظامه، قال الكاتب: "لقد حرق الأسد قواربه مع الدول العربية والغربية، بما في ذلك الولاياتالمتحدة وبريطانيا. فها هي تلك الدول، ومعها أيضا جيران سوريا كتركيا، لا ترى الآن بديلا عن تنحِّي الأسد عن الحكم".
الأسد والعرب
كما نشرت صحيفة "الفايننشال تايمز" تقريرا مشتركا لمراسلتيها، أبيغيل فيلدينغ في بيروت ورولا خلف في لندن، بعنوان "الأسد يهاجم الدول العربية".
ورأى التقرير أن نبرة التحدِّي هي أبرز ما ميَّز خطاب الأسد، مشيرة إلى تهديد الرئيس السوري بمواجهة المعارضة "بيدٍ من حديد وبسحق الإرهابيين".
وجاء في تقرير الفايننشال تايمز أيضا: "لقد استخدم الرئيس السوري المحاصر خطابه العلني الأوَّل منذ أشهر لشنِّ هجوم لاذع على الدول العربية، قائلا إنه لن يستقيل من منصبه ولن يسمح للمؤامرات الخارجية بتدمير بلاده."
وركَّزت الصحيفة على هجوم الأسد على بعض الدول العربية التي اعتبرها "أكثر عدائية وشراسة" في استهدافها لنظامه، قياسا بالدول الأجنبية.
وقال التقرير: "لقد بدا الأسد وكأنَّه يستهدف الدول الخليجية، ومنها قطر الغنية بالبترول، والتي قادت الجهود العربية لعزل النظام السوري". وأبرزت الصحيفة قول الأسد في هذا السياق: "لا يمكن للمال أن يخلق حضارة". كما لفت التقرير أيضا إلى حالة الثقة بالنفس والاسترخاء التي بدا عليها الأسد خلال إلقائه خطابه، وما ينطوي ذلك على رموز ودلالات واضحة.
خطاب العام نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية على صفحتها الأولى أربع صور يظهر فيها سوريون من شرائح مختلفة وهم يتابعون باهتمام واضح خطاب الأسد من على شاشات التلفزيون في منازلهم ومحالهم التجارية، وتحت الصور تعليق يقول: "أمَّا الخبر السيِّء فهو: لقد أظهر الأسد قبضته الحديدية".
وفي الداخل نطالع تحقيقا مصوَّرا لمراسل الصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، روبرت فيسك، يقول فيه: "لقد كان خطاب العام بالنسبة للأسد هنالك مؤامرة دولية حول سوريا هذا صحيح والدول العربية المعارضة لسوريا تخضع لضغوط خارجية وهذا صحيح. ولا أحد ينكر جديَّة تلك المؤامرات. وهذا صحيح".
ويمضي فيسك إلى القول: "وفي نهاية المطاف، تحصي الحكومة السورية 2000 قتيلا من جنودها، بينما تقدِّر الأممالمتحدة عدد القتلى بين المدنيين ب 5000 شخص. كما حذر رجب طيِّب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، مؤخَّرا من أن العنف في سوريا يسير بالبلاد إلى حرب دينية وطائفية، والقليل من أنصار الأسد يعارض مثل هذا القول."
ويتابع المراسل وصفه للمشهد السوري قائلا: "بالنسبة للمؤامرات الخارجية، من يشكُّ بأن الأسلحة تتدفَّق على سوريا من أعداء الأسد في لبنان؟".
أمَّا الرسالة التي أراد فيسك إيصالها من خلال مصادقته على معظم ما أتى الأسد على ذكره في خطابه فهي القول: لا جديد في الخطاب.
يقول فيسك: "ما قد تغيَّر هو حجم وسرعة تدهور الأوضاع في سورية التي تشهد معركة دامية أصبح خصوم الأسد فيها أكثر تسليحا من ذي قبل وأكثر استعدادا وجاهزية لمهاجمة قوات النظام".