في عام 2003م كنت خارجاً للتو...من قضاء عقوبة الحبس في سجن مزرعة طرةً،لمدة عامين بتهمة السب والقذف بحق التطبيع مع "إسرائيل"،،هذا السجن المودع فيه الان من حبسني وفلول الحكم جميعا ،وذلك عندما دعاني زميلي الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس لحضور الصالون الأسبوعي لوالده الراحل الأديب إحسان عبد القدوس،وبالصدفة كان عنوان الندوة عن الإرهاب في المنطقة وفي العالم،وأتذكر ساعتها أنني طالبت السماح لي بمداخلة ووقفت وقلت بالنص "ان الإرهابي الأول هو حسني مبارك ،وهو سبب ظهور الإرهاب في المنطقة ،واستمرار نظامه يعني استشراء هذا السرطان وتزايده بشكل غير مسبوق "،وأكدت ان مبرراتي لما أقول "ان الطاغية مبارك يمارس القتل خارج إطار القانون ،ويدفن قتلاه في مقابر جماعية ،ويصادر الحريات ،ويفصل ديمقراطية شكلية علي هواه من اجل مرضاة الغرب الاستعماري لا أكثر ،ويحتضن وينتصر للفساد ". وساعتها تعالت الهتافات ضدي داخل القاعة من قبل حضور بالندوة،وكان أكثر الأصوات ارتفاعا هو صوت أخي وصديقي محمد عبد القدوس مدير الندوة ومقدمها الذي طالبني بالتوقف عن الكلام والجلوس ،وخرج من بين الجالسين من كاد يعتدي علي بالضرب،وكان محاميا يقود جمعية حقوقية للشرطة،وهو يحاول منعي بالقوة ان استرسل في الكلام،وعلمت بعد ذلك ان جمعيته تتلقي تمويلا ًخارجيا،وان مباحث امن الدولة نصحته بتأسيسها مكافأة له علي خدمات جليلة أداها لهذا الجهاز الأمني،ولكي يسترزق من خلال التمويل الذي تتلقاه الجمعية من الداخل والخارج .
وبعد انتهاء الندوة ، وبمجرد عودتي لمنزلي ،أتصل بي تليفونيا العقيد حسام سلامة مسئول النقابات في جهاز مباحث امن الدولة ،وابن عم مدير جهاز مباحث امن الدولة وقتها المدعو اللواء صلاح سلامة ،وبلهجة لا تخلو من الاستكبار والافتراء نصحني ان اذهب الي كافتريا بالمعادي لكي التقي مع مقدم لا اذكر اسمه ينتمي لأمن الدولة وأتفاهم معه ماذا أريد،ثم قال لي "ان أردت عملا ً شغلناك نظير تفتيح مخك معنا ،وأن أردت أية مصلحة أنهيناها لك".
فخاطبته قائلا ً "إنني أريد عودة صحيفة الشعب التي اعمل بها والتي أغلقتموها وفقا ً لشريعة الغاب التي تسيير علي هديها لجنة أحزابكم سيئة الصيت ،والتي كانت الأداة التي استخدمها مبارك في إغلاق الصحيفة ،فرد علي هذا القرار سيادي ولا نملكه ،ولا حل أمامك سوي أن تلتقي معنا لحل وسط وتريحنا وتريح نفسك ،وعندما رفضت عروضه،أمطرني بوابل من السباب لأبي المتوفي وأمي وأهلي وسب الدين لي ولأمي وأغلق سماعة التليفون .
وفي الصباح فوجئت بمكالمة تليفونية،واذ بحسام سلامة يقول لي فكرت يابن ال.... ،فقلت له من فضلك اغلق السكة ،هذا الأسلوب ارفضه ،وأمامك النائب العام ان كان لديك اي خروج من قبلي تراه علي القانون،فقال لي انت ...لاتفهم ، أكتب مقالات تشييد فيه بانجازات سيادة الرئيس مبارك ،وبادر بالاعتذار إليه وللدكتور يوسف والي ،علي كتاباتك السابقة بحق سياساتهم ،ساعتها من الممكن أن تعيش في أفضل حال ،فقلت له الرزق بيد الله ومن فضلك لا تتصل بي ثانية ،وأغلقت السكة في وجهه .
بعدها قررت الاتصال بعدد من الزملاء الذين يملكون أدوات إعلامية من الممكن ان تفضح تهديداتهم لي،قبيل ان يقدموا علي اية حماقة ضد أسرتي التي هددوني بأن ينتقموا منها ،وكان من أبرز من اتصلت بهم زميل لي بجريدة الشعب وفق أوضاعه مع شقيقه وبات يدير صحيفة أسبوعية مستقلة ،فقال لي من فضلك صلاح انسي صحيفة الشعب ،خلاص دورها انتهي والناس نسيتها،ثم قال لي قصيدة شعر في الرئيس مبارك وحكمته ونبله ، وبعد ان سمعت ما قاله "كرهت نفسي من الندم انني توسمت فيه خيرا واتصلت به" .
اما الزميل الثاني فكان يكتب مقال بصحيفة مستقلة شبه معروفة وأصبح بعد ذلك رئيس تحرير صحيفة يومية،باعها صاحبها وسرعان ما بات يترأس تحرير صحيفة أخري يومية ومن ملاك فضائية،فرد علي بلطف،وابدي تعاطفا معي،بيد انه لم يفعل شيء،ربما لأن المرحوم رئيس تحرير تلك الصحيفة التي كان يكتب فيها من اتصلت به كانت علاقته جيدة جدا بمباحث امن الدولة .
وعندها بادرت بكتابة مذكرة بتهديدات ضابط مباحث امن الدولة وقدمتها كشكوى الي نقيب الصحفيين ومجلس النقابة ،واخذت منها صورة وسلمتها لرئيس تحرير تنفيذي لأحدي الصحف المستقلة الحزبية،وزميله رئيس تحرير نفس الصحيفة لكي ينشرها ،الا انه رفض وقال لي ان حسام سلامة سلامة سينكر ما ذكرته فيها وتركوني وسط تلك التهديدات .
والأمر الذي كان يجعل المرء يشعر بالأسف ان عناصر امن الدولة كانوا كُثر ،وكانوا يتلذذون بتهديدي ،فحسام سلامة قال لي سنخطف ابنك الرضيع محمد ،وسنلفق قضية كما لفقناها لسعد الدين إبراهيم ما لم تخضع وتنصاع لتعليماتنا ،وكتبت كل ذلك في المذكرة لإبراهيم نافع نقيب الصحفيين الذي لازال رئيسا لإتحاد الصحفيين العرب بعد قيام ثورة 25يناير المجيدة ،الا ان إبراهيم نافع غض الطرف عن تلك المذكرة .
وعلمت بعد ذلك ان من الضباط الذين كانوا يهددوني من يتلقي مكافأة ثابتة من رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام والذي هو نقيب الصحفيين إبراهيم نافع ،ولما كنت علي خلاف مع إبراهيم نافع حول طريقة إدارته لأزماتنا النقابية،فأن تلك العناصر بأمن الدولة المنتفعة من نافع استثمرت انتقادي لسياسات الطاغية مبارك لتفعل تعليمات صادرة لها بتهديد من ينتقدون مبارك بشكل أكثر صرامة،وفي ذات الوقت تتقرب لإبراهيم نافع باللحاق الأذى به.
ومضت الأيام واتسع نطاق المعارضة ورأت امن الدولة أن تهديداتها تفضح الحكم ،فأقلعت عن التهديدات وباتت تداهم المعارضون خلسة بالضرب والخطف والتهديد العملي،ثم تنفي انها فعلت ذلك،وبعد ذلك رأينا مبارك يخص الصحيفة التي يديرها زميلي السابق بالشعب الذي كنت قد استغثت به بتصريحات،ويعفو عن زميلي الآخر في المهنة بعد صدور حكم ضده بالحبس،وعندما قامت ثورة 25يناير كان الضابط الذي هددني وقد أحيل للتقاعد ،وعمه مدير مباحث امن الدولة تمت ترقيته لموقع المحافظ،ثم أطيح به وجلس في بيته ،اما من استغثت بهم وخذلوني ودافع احدهم عن مبارك ،فامتطوا موجة الثورة وبات كل منهما مليونيرا ً
وظللت انا أعيش مستور الحال ،وازعم إنني اجتهد لأرضي الله سبحانه وتعالي ،تغمرني سعادة القناعة وارتياح الضمير،وازعم إنني فوق مستوي الشبهات بفضل الله ،ومصدر سعادتي ان مصر تتقدم وتنتصر وشعبها ينتزع حريته وفي طريقه لبناء مجتمع العدالة ،لكن قبل ذلك يتوجب ان تأخذ العدالة مجراها لأن ما تعرضت له انا كصحفي مجرد لعب عيال ان قسناه بما تعرض له التيار الإسلامي من سحل وتعذيب وقتل وتغييب في السجون والمعتقلات بغير الحق ،وانتهاك أعراض ونسف منازل وإرهاب وعنف ضد عشرات الآلاف من الأسر المصرية .
ولن تبرأ مصر ابداً من جراحها بدون فرز ضباط امن الدولة وتقديم مجرمي هذا الجهاز علي مدار العقود الماضية للعدالة ،لكون ان عقوبات التعذيب والقتل لن تسقط بالتقادم في القانون المصري وكل القوانين الدولية،فلا يمكن ان تفلت الأيادي الملطخة بالدماء تفلت بجرائمها ،وإلا ستكون العدالة مختلة ،ولا اعتقد ان العدالة تختل يوما لأنها من عند الله ومن صفاته ،الله الذي قال ما معناه من قتل نفس بغير نفس كأنه قتل الناس جميعا. [email protected]