"لا اعلم كيف ارتكبت جريمتي و كيف تخلصت بيدي من زوجتي و اطفالي فلذات قلبي ، لم اخطط لشيء لكنني فجأة وجدت نفسي استل سكينا لاذبح بيدي زوجتي التي احببتها سنوات طويلة ثم قررت قتل اطفالي حتي لا يتعذبون بعد فراق امهم".. كانت تلك الكلمات جانباً من اعترافات سباك ذبح زوجته و طفلتيه ثم اشعل النيران في الشقة ليكتب سطور النهاية لقصة اسرة حكم عليه رب الاسرة بالخلاص. جاء صوته حزينا و عيناه زائغتان يبدو عليه الندم علي ما اقترفت يداه في حق اغلي الناس لديه ، تسقط الدموع من عينيه كلما تذكر مشهد زوجته و اطفاله و هم غارقين في دمائهم و ملقون ارضا بعد ان قام بذبحهم كالطيور بدون رحمة او شفقة و بدون ان يفكر للحظة واحدة ما هو ذنب هؤلاء الاطفال الابرياء ان يحرموا من الحياة قبل ان يعيشوها او يستمتعوا و لو لايام فيها حيث ان الطفلة الكبري لم يتعدي عمرها العامين و اختها الصغري كانت لا تزال رضيعة تبلغ من العمر 6 اشهر فقط!
استرجع القاتل شريط ذكرياته عندما خفق قلبه بحب ابنة عمه "فاطمة" التي لم تغب عن باله لمدة شهور طويلة يفكر في طريقة للتقرب منها و الارتباط بها رسميا ليستطيعا ان يعيشا في بيت واحد مليء بالفرح و السعادة و يزينه البنون و البنات ، الا ان العائق الوحيد الذي كان يعكر عليه صفو حياته و احلامه هو تذكره ان محبوبته الجميلة تتمتع بمستوي تعليمي اعلي منه ، ذلك الامر الذي كان يؤرقه لخشيته من تعاليها عليه او رفضها الارتباط به .
الا ان حبه طغي علي عقله و قرر الا يجعل المستوي التعليمي عقبة في طريق احلامه و تقربه من حبيبته ، و سرعان ما بدأ رويدا رويد الاقتراب من "فاطمة" و التلميح لها بحبه ، و كانت السعادة الطاغية بالنسبة له عندما لاحظ وجود قبول من جانبها و شعر انها قد فتحت له ابواب السعادة برضائها عنه ، فلم ينتظر طويلا و استغل الفرصة و صارحها بعشقه لها و رغبته في جعلها زوجته و ام اولاده ، و رحبت هي الاخري بالامر و طلبت منه ان يطلب يديها من والدها.
لم يتمالك "محمد" اعصابه من فرط السعادة التي بلغته عندما شعر باقتراب تحقيق حلمه بالزواج من حبيبته ، و سارع الي عمه طالبا يدها و هو يتملكه بعض الخوف من ان يتم مقابلة طلبه بالرفض نظرا لانه اقل مادياً و تعليميا من العروس ، حيث انها حاصلة علي دبلوم تجاره بينما هو لم يكمل تعليمه ، الا انه قد خاب ظنه و فوجيء بعمه يرحب ترحيبا جماً بتلك الزيجة مؤكدا له انه يطمئن علي ابنته في احضان شخص من دمها يستطيع ان يخاف عليها و يراعي الله في تصرفاته معها ، طالبا منه كسائر الاباء ان يضع ابنته في عينيه و يحافظ عليها والا يحزنها او يغضبها مهما حدث بينهما.
و بالفعل وعده بالحفاظ عليها و مراعاتها و اسعادها بكل ما بوسعه ، و تمت الزيجة الا ان الزوج سرعان ما نسي وعوده التي قطعها امام عروسته و ابيها باسعادها و ارضائها ، حيث طار بها الي دولة ليبيا للعمل هناك كسباك و ليستطيع توفير اموالا تضمن لهم استقرار الحياة غافلا عن ان الاموال وحدها لا تكفي لتحقيق السعادة ، فالاموال التي حارب في جمعها لجعله يعوض شعور النقص الذي يتملكه بسبب ان زوجته اعلي منه تعليميا و ثقافياً لم تفلح في تحقيق ذلك الامر ، فالشعور بالنقص ظل يطارده و يؤرق حياته و ما زاد الطين بلة هو فقده لعمله بعد نشوب الثورة الليبية و اضطراره الي الرجوع الي مصر ليس هو و وزوجته فقط بل حاملا طفلتين في عمر الزهور هن "شهد" و "ملك" الطفلتان الجميلتان اللاتان يملؤن الدنيا فرحة و بهجة في وجوه اسي شخص يراهن.
فعقب عودته لمصر مر بالعديد من الازمات المالية و تدهور به الحال و هو ما جعله يصاب بالعصبية و ضيق الخلق لاتفه الاسباب و اختلاق المشاكل مع زوجته و التعدي عليها اذا خالفته الرأي في اي شيء ، حتي جاء اليوم الحزين بوفاة والد الزوجة و هو ما اصاب الزوجة باكتئاب شديد بعدما شعرت انها اصبحت وحيدة في مواجهة قسوة زوجها ، و بدلا من ان يقوم الزوج باحتوائها زاد من مخاوفها و عاملها باسلوب غير لائق حتي جاء يوم الحادث الذي انهي كل شيء ، و بتذكر المتهم لذلك اليوم المشئوم انخرط في البكاء ساردا المشهد الاول فجر يوم الحادث و الزوجة نائمة مطمئنة و هي مستلقاة علي سريرها فلم تتخيل ابدا ان طعنة الغدر قد تاتي من زوجها و والد بناتها ، حيث ذهب الزوج الي المطبخ و استل سكينا ثم تسلل بخطوات بطيئة الي غرفة النوم حيث توجد زوجته و نظر اليها نظرات حادة و لم ينتظر طويلا حتي وضع السكينة علي رقبته محاولا ذبحها الا انه شعرت به و حاولت مقاومته لكنها لم تفلح في ذلك نظر لضعف جسمها النحيل و لم تتمكن من الصراخ بل نظرت اليه نظرة تساؤل "لماذا تفعل بي هذا" لكنها لم تجد الاجابة بل وجدت الطعنات تتزايد علي رقبتها حتي انهت حياتها.
توقف المتهم بعض الوقت عن الكلام ثم روي تفاصيل المشهد الثاني عندما توجه عقب ذلك الي حجرة الملائكة "شهد و ملك" و نظر اليهما نظرات الوداع ثم ذبحهما بدون ادني وعي او رحمة لحالهما و صغر سنهما ، و قرر التخلص منهم نهائيا و اخفاء جريمته باشعال النيران في المنزل الا ان الجيران وجدوا السنة الدخان تتصاعد من داخل الشقة فكسروا باب الشقة ليجدوا مشهد مروع الا وهو الام و ابائها غارقين في دمائهم و المتهم مغشي عليه و ملقي ارضاً وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية لمكان الواقعة، وتم الدفع بقوات الحماية المدنية للسيطرة على الحريق ، ليتم اسدال الستار علي قصة اسرة لم تكمل الثلاث سنوات من عمرها هي مدة زواج المتهم من المجني عليها.
فتم نقل المتهم الي المستشفي ثم القي القببض عليه بعد افاقته ، و امام اسلام حسين رئيس نيابة الزقازيق اعترف المتهم الذي يبلغ من العمر 32 عاماً بارتكابه للجريمة مبررا مروره بضائقة مالية هو ما دفعه لارتكاب الواقعة بعدما لعب الشيطان برأسه و زين له قتل زوجته و اولاده ، و تارة اخري يدعي الجنون قائلا انه قد جاءه هاتف يأمره بقتل زوجته و بناته فدائاً لمصر ، بينما أكد الدكتور خالد عبد النبى خالد، كبير أطباء ومفتش الصحة بمركز الزقازيق، بتوقيعه الكشف الطبى على المتهم، أنه نفذ جريمته بترتيب وتخطيط وبشكل منظم، وكان مدركاً لما يفعله، ويقوم به بدليل أنه بعد تنفيذ جريمته حاول إخفاء معالمها بإشعال النيران بالمنزل، مضيفا أنه من خلال حديثه مع المتهم لاحظ عليه أنه يتعاطى مواد مخدرة، وشعر باكتئاب بعد ارتكابه الجريمة.
اختلفت مبررات الجريمة لدي القاتل لكن ظلت النهاية واحدة هي تدمير اسرة كاملة ، و بناء عليه تحرر محضر بالواقعة و تم احالته الي المستشار أحمد دعبس المحامى العام الأول لنيابات جنوبالشرقية الذي امر بحبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات التى باشرها بعد أن انتقل إلى مكان الواقعة لمعاينة الجثث ، والحريق الذى نشب بالمنزل، وأمر بانتداب الطب الشرعى لمناظرة جثث المتوفين، وأمر بالتشريح، لبيان سبب الوفاة، وصرح بالدفن عقب الانتهاء من الصفة التشريحية، وأمر بانتداب المعمل الجنائى لمعاينة المنزل، كما طلب سرعة اجراء تحريات المباحث حول الواقعة وظروفها وملابساتها.