"إنه الغضب .. إنه الغضب، إنه اللهب .. يطلب الحطب، ذلك الرضيع .. سوف لا يجوع ، أمه الجموع .. أقبلت تثبت، أمه الحياة .. قد حمت حماه، ترعب الطغاه .. والذي اغتصب ، إنها تقول .. اقرعوا الطبول ، طاردوا االفلول .. وهي تنسحب " هذه القصيدة هي الأولى التي كتبها صلاح جاهين ولم تنشر من قبل، والتي قرأها الشاعر شعبان يوسف خلال الاحتفالية التي عقدتها "ورشة الزيتون" أمس في ذكرى صلاح جاهين، وحضرها د. محمد عبد المطلب، والشاعر أشرف عامر، بالإضافة إلى كتاب وشعراء آخرين.
يقول جاهين بقصيدته :
إنها تصيح أيها الجريح ضمد الجروح ثم قم وثب أدرك الطعام في يد اللئام فهو بالحسام سوف يجتلب إنه الغضب إنه الغضب إنه اللهب يحرق الحطب" وخلال الأمسية، أشار د. محمد عبد المطلب إلى أن جاهين ربط دائما الجديد بالقديم، كما أنه استخدم الضمير في أشعاره، ورباعياته الشهيرة التي تصل عددها إلى 159 رباعية تعبر عما يدهشه ويستفزه، برع في أن يجمعها جميعا بكلمة "عجبي" وكأنه يعبر عن رؤيته للعالم ، وقد برع أيضا في أن يصنع المفارقة بعيدة عن المقابلة. أضاف عبد المطلب أن الموت عند جاهين قضية فلسفية من الدرجة الأولى، عبر عنه في رباعيات كثيرة جدا، ومع ذلك كان يحب الحياة "اصحى كما ولدتني امي وابات". وأكد عبد المطلب أنه وجد 82% في رباعيات جاهين من الفصحى، والباقي من العامية، ولذلك تعجب من نسب أشعاره للعامية . وقال الناقد أن جاهين أسقط الحركة الإعرابية بتسكين اواخر الكلمات، ثم عدل في حركة الكلمة نفسها، وكأنه عدل في الحركة ليسمح لدخول الكلمة في العامية، فحرف الذال اصبح دال، والثور أصبح طور وغيره، وبعد ذلك حول الحركة إلى قيمة فنية بذاتها. وهو استخدم في الرباعيات ما يقرب من 700 كلمة مرجلة الحروف، وهذا يعطي ايقاعا داخل النص، واستخدم كلمات متشابهة الحروف زيادة في الايقاع. بالإضافة إلى أنه استخدام الموصول والشرط الجديد وكأنها اصبحت ادوات تعبيرية داخل اللغة العامية، واستخدم معجم للجموع لم يكن موجودا في اللغة العربية كحجاير، كما أنه لم يكن موجود أيضا في العامية؛ فكل هذا جعل رباعياته عامية لكنا لم تقطع الصلة بالفصحى، قدمها بخلفية ثقافية مدهشة وكأن القاريء هو من أنتج هذه الرباعية؛ وبهذا اخذت رباعياته هذا الزخم. ونوه عبد المطلب أن شعر جاهين تضمن الهدف "الجمالي والأدبي"، والهدف "الاجتماعي" ، وكان الهدف "الاجتماعي" يتقدم في العامية عنده، والجمالي يتقدم في الفصحى.
ولفت الشاعر شعبان يوسف إلى أن أول ديوان لجاهين كتب عليه "قصائد عربية" ثم تحولت لعامية.كما قرأ قصيدة ثانية لم تنشر لجاهين . وقال أن جاهين ينفرد في أن كل شخص يأخذ منه رباعيته الخاصة. وحكى أنه عندما حبس الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وحكمت لهم المحكمة بكفالة 90 جنيها، دفع جاهين هذه الكفالة على الرغم من أنها كانت كبيرة جدا وأن نجم كان يهاجمه باستمرار، وكان يوسف جاهين رفض دفعها بالرغم من أنه كان مدينا لهما ببعض المال. وأوضح يوسف أن جاهين قدم الكثير من الشعراء كالابنودي وسيد حجاب، وفريدة الهامي التي اهملت بعد ذلك. ونبه لضرورة جمع كل اشعار جاهين ونثره الذي لم ينشر من قبل. وتحدثت الروائية مي خالد عن اشعار جاهين التي استحضرتها في روايتها. وقالت أن جاهين تغلغل في وجدان المصريين جميعا واصبح جزء من حياتهم اليومية. واعترضت على تسمية جاهين بأنه يعاني من "هوس اكتئابي"؛ لأنه كان يكتئب وخصوصا بعد النكسة، لكنه لم يتميز بالهوس الذي يرتكب من خلاله حماقات، فهو يعطي الكئابة لكنه يختمها بالبهجة.
وقال الشاعر أشرف عامر ان جاهين بحث عن علي الحجار واتصل به حينما سمع صوته. وأكد أن جاهين يكتب العامية بمرجعية الفصحى. كما أن علاقته بالكاريكاتير تخص رؤيته الممتدة في شعره، فهو رجل اختزالي يختزل الاشياء، وله ضمائر مكثفة تؤدي لاختصار للجملة، والعلاقة بينه وبين الكاريكاتير هي نفسها ما بينه وبين الشعر.
ورأى الشاعر يسري حسان أن حداد وجاهين أهم شاعرين في تاريخ الإنسان المصري، وكان جاهين اقرب الشعراء الى روح شعراء جيل الثمنانيات، فشعرهم وموقفهم ورؤيتهم للعالم تتماس مع جاهين. وقال أن من يتأمل قصائده يشعر بمدى العمق والفلسفة الكامنة وراءها، وهو لم يهتم بالوزن في بعض الأحيان، وكان محتشدا بالشعر، ويقدم وجه نظر في كيفية اصطياد الشعر من الحياة اليومية، وعادية شعر صلاح جاهين هي سر عبقريته. كما أنه عالم واسع سواء في الزجل او شعر العامية او الاغاني، وهو وحداد من أكثر الشعراء الذين تعرضوا للظلم النقدي، واعتقد حسان ان هشام الجخ هو أشهر منهما حاليا!!.
وقال شعبان يوسف أن جاهين كان عنده مشكلة اليسار الذي ينتمي إليه والناصرية التي يعشقها، له كتاب "رحلة إلى موسكو" بالاشتراك مع اثنين آخرين، كما كتب قصيدة بعد قتل شهدي عطية ولم يستطع نشرها، ومن الكتابات المستبعده لجاهين منها جانب فني وسياسي بشكل أكبر.
ومن جانبها أفادت هويدا صالح بأن العامية المصرية لغة لها جماليتها وشاعريتها الخاصة جدا والتي لم تموت، ودليل على ذلك اننا مازلنا نقرأ بيرم التونسي ورباعيات جاهين التي يقرئها ويتأثر بها الكثير من الشباب في سن العشرينيات؛ فالعامية المصرية استرفدت من الفصحى الكثير وهذا لن يميتها اطلاقا.
وقرأ الناقد مدحت صفوت مقالة لمحمود درويش كتبها عن صلاح جاهين (فيديو) ونشرت سابقا في عدة صحف ومجلات.