صدقوني .. لقد انتابني شعور بأن الانفجارين اللذين وقعا في مراكز أمنية في دمشق، جرى تدبيرهما من قبل النظام السوري عشية وصول طلائع المراقبين العرب لسوريا. ومما أكد هذا الشعور لدي في وقت لاحق، أن النظام عزا هذه الانفجارات- بعد ساعتين- لتنظيم القاعدة، وليس لعصابات داخلية أو خارجية، أو بالأدق لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين في سوريا كما عودنا حين يريد ارتكاب جريمة ضد المتظاهرين أو تبرير فعل سياسي- كما الحال الآن- مع طلائع بعثة المراقبين العرب الذين استقبلوا بهذه التفجيرات.
ويبدو أن النظام شعر بأن اتهام القاعدة بارتكاب هذه التفجيرات لم يقنع أحدا، فقام باستحداث موقع على النت باسم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وبثَّ من خلاله بيانا أعلن فيه أن الجماعة مسئولة عن العمليات الانتحارية التي وقعت في دمشق، وراح ضحيتها نحو ثلاثمائة من عناصر الأمن السورية ما بين قتيل ومصاب.
طبعا هناك (من العقلاء حسني النية) من سيقول: ليس إلى هذه الدرجة يذهب هذا النظام في كذبه، فمعظم رجال الأمن والمخابرات الذين وقعوا ضحية هذه التفجيرات، يفترض أنهم يدينون بأشد الولاء للنظام .. فكيف يمكن أن يضحي بشار بهذا العدد الكبير من خلصائه وبهذه البساطة؟!!.
لكن .. قياسا بالادعاءات والأكاذيب التي حاول بها النظام وما زال، أن يوهم العالم بأنه يتعرض لمؤامرة خارجية، وأن ثمة عصابات مسلحة تعمل لصالح أعداء سوريا، هي التي تقوم بعمليات قتل المتظاهرين والمدنيين ،،،
،،، وقياساً بجرائم القتل والتعذيب حتى الموت، والتمثيل بالجثث التي ارتكبها ويرتكبها جيش النظام وقواه الأمنية وشبيحته بحق المواطنين السوريين .. نقول : بهذه المقاييس، لن يتورع "نظام الأسدين" من ارتكاب مثل هذه الجريمة حتى لو صح الافتراض بأن تلك العناصر موالية للنظام، وليس كما يرى البعض أن الضحايا هم من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى مراكز الأمن التي استهدفتها التفجيرات، حيث يُقال أنه جرى إخلاؤها قبل التفجير من أتباع النظام ليحل محلهم هؤلاء المعتقلين!!.
قد يحاول النظام الرد على هذا القول، بأن تلك التفجيرات كانت بفعل عمليات انتحارية، وأن من غير المنطقي أن يجد من بين خلصائه من يقبل القيام بعملية انتحارية.
هنا نقول لأرباب النظام: ومن يصدقكم (أصلاً) في كل ما تروونه حول هذه التفجيرات. فانتم فقدتم الشرعية منذ قيام الثورة .. حين قررتم إعمال القتل في شعبكم .. وحين عملتم على كسر عزة نفسه وإذلاله وإهانته .. وحين حاولتم سلب كرامته .. فهل ما زلتم- بعد كل هذه الجرائم- تحلمون أن يصدقكم أحد؟!!.
ما الذي يثبت أن التفجيرات كانت من فعل انتحارييَن؟، فحتى لو جئتم بجثث اثنين وقلتم: ها هما اللذان قاما بتفجير السيارتين المفخختين، أليس من المحتمل (إن لم يكن من المؤكد)، أن تأتوا بجثتي اثنين من المعتقلين بعد أن تقتلوهما، ثم تقولوا أنهما من قاما بتفجير أنفسهما؟!.
بشار الأسد نفسه وعائلته- على ما تقول صحيفة إسرائيلية- لم يعد يهمه أمن وطنه ولا حتى طائفته ومؤيديه، فقد رتب أمور هروبه لإيران إذا ما ضاقت الحلقة من حوله. فإيران هي الملاذ الآمن له ولعائلته، (التي كانت أمينة على أهداف طهران وخططها في المنطقة) بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
أتفقُ مع الكثيرين على أن ذهابي في سوء الظن بهذا النظام يمكن أن يكون قد تجاوز حدود المنطق، وبخاصة أن المواقع التي هوجمت تعتبر- كما يقال- عصب الحفاظ على أمن هذا النظام. لكني أؤكد أني لم أتجاوز حدود الواقع الذي أظهر للعالم على مدى عشرة شهور، بشاعة الجرائم التي ارتكبها هذا النظام بحق شعبة، والتي تجاوز- هو- نفسه بارتكابه هذه الجرائم كل حدود المنطق.
فهل يصعب على من قام بتعذيب طفل درعا حتى الموت ووصل به الحقد والكراهية والإجرام حد قطع عضوه الذكري، أن يقوم بإخلاء المراكز الأمنية التي استهدفتها التفجيرات من أتباعة وإحلال معتقلين محلهم؟، ليتم تفجيرهم عشية وصول طلائع بعثة المراقبين العرب؟، وليقول لهم المعلم : ها أنتم ترون بأم أعينكم أن النظام وأمنه مستهدف من عصابات مسلحة كالقاعدة أو جماعة الإخوان المسلمين أو السلفيين.
من تابع كتاباتي منذ سنوات وحتى الأسابيع الأولى من ثورة الشارع السوري .. يعلم أني كنت من أشد المناصرين لنظام بشار والمدافعين عنه، وذلك لاعتقادي- آنذاك- بأن أعداء المقاومة استغلوا الربيع العربي، ليجعلوا منه أداة فاعلة تستطيع- بصورة أو بأخرى- الإطاحة ببشار وبنظامه، والنيل من شعار المقاومة الذي يستهدف تحرير فلسطين والمنطقة العربية من الاحتلال الأجنبي.
ويعلم أيضاً أن تحولي عن هذا التأييد إلى النقيض، كان بسبب ما شاهدته على الفضائيات ومواقع الإنترنت وما سمعته من وكالات الأنباء من تقتيلٍ وتعذيبٍ وتمثيلٍ بالجثث، ارتكبها الجيش السوري وقوى الأمن والشبيحة بحق المتظاهرين المسالمين والمدنيين. فليس هناك من منطق يبرر ارتكاب هذه الجرائم، سوى نظرة هذا النظام لشعبة على أنه مجرد قطيع يحل له أن يفعل به ما يريد ومتى يشاء.
لقد سبق هذه التفجيرات مقولة لوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم للمراقبين العرب تقول: "هذه المنطقة آمنه وهذه غير أمنه". فهل بمكن أن تكون هذه المقولة إنذارا شفويا أكده النظام بإنذار على الأرض حين أجرى تلك التفجيرات؟.. شخصياً لا أستبعد هذا، بل أكاد أجزم أن المراقبين قد يفاجأون بعمليات أخرى، قد تطالهم إذا ما حاولوا تأدية المهام التي كلفوا بها كما يجب.
وحتى يحذروا من وقوع هذا الاحتمال، عليهم أن يسألوا المعلم أولا: عن المعيار الذي يقيس به وجود الأمن في سوريا بعامة؟، وثانياً: عن المظاهر التي تؤكد انعدام الأمن في المناطق التي ينصح المراقبين بعدم دخولها؟.
أيها النظام الذي تستأسد على شعبك بالسلاح والعتاد الذي دفعه من قوت أبنائه .. كفي ضحكاً على الذقون .. وكفى استخفافاً بالعقول .. فأبناء الشعب السوري بخاصة والشعوب العربية بعامة .. أصبحوا من أكثر الأمم والشعوب معرفة وخبرة بالأنظمة الاستبدادية التي تعملون أنتم والنظام الرسمي العربي على قمعها، هذه واحدة ،،،
،،، والثانية: الجميع على يقين من أن المبادرة العربية وبروتوكول المراقبين، بل وكل ما يمكن أن تنتهي إليه محاولة حل معضلة النظام في سوريا مع شعبه على يد الجامعة العربية .. إنما هو لغو ولعب، ولن يزيد الأمر إلا إمعانا في تعذيب الثائرين وقتلهم.
ولكن .. ييدو أن موقف الجامعة العربية مما يحدث في سوريا يتفق مع بنيتها الأساسية. فهذه البنية تحاول أن توهم الشعوب العربية والمجتمع الدولي بأنها ومن تمثلهم، لا توافق على ما يفعله نظام بشار مع شعبه .. بينما يتمنى الكثيرون من أعضائها أن يخرج نظام الأسد من هذه الأزمة سالماً معافى، حتى لا تصل إليهم هم رياح التغيير التي تهب على المنطقة ،،،
،،، أما الثالثة: فالكل يدرك أن هذه الحركة الساذجة من أمانة الجامعة العربية، ونعني بها إرسال مراقبين يصل عددهم لنحو خمسمائة مراقب (على الأكثر).. لن تستطيع أداء المهام الموكلة إليها لأسباب عديده لا تخال على أحد في هذا العالم، ومع ذلك دعونا نستعرض بعضاً منها:
1- من المشكوك فيه لدى العديد من المراقبين وأبناء الأمة أن تنفيذ مبادرة الجامعة العربية على هذا النحو، سوف يؤدي إلى حماية الشعب السوري والمتظاهرين من الجرائم التي يرتكبها النظام بحقه يومياً. فإقدام الجامعة على هكذا مهمةٍ موسومةٍ مسبقاً بالفشل، إنما يدل (في أحسن حالات الظن) على تغاضي أرباب الجامعة أو جهلهم المطبق بقدرات الشعوب العربية التي باتت تتمتع بثقافة ومعرفة عالية بكل ما يجري في المنطقة والعالم.
2- يقال بأن العدد النهائي لأعضاء بعثة المراقبين قد لا يزيد عن خمسمائة مراقب، يفترض أن يغطوا كافة المناطق السورية التي تشتعل فيها المظاهرات. وهذه (مزحة) لا يقبلها عاقل. فهولاء لا يستطيعون مراقبة ما يجري حتى على جزء من أحياء حمص أو حماة أو دمشق، كما لا تستطيع (بالقطع) تغطية كل ما يجري في ريف هذه المدن من تجاوزات النظام وجرائمه.
فالثورة- كما تؤكد الأحداث الموثقة- عمت كل مناطق سوريا ومدنها وقراها وضياعها، من درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة .. مرورا بمدن الساحل السوري وإدلب والمناطق الحدودية مع تركيا .. وصولا لدير الزور والقامشلي والحسكة .. والتفافا حتى دمشق وريفها .. وانتهاء ببركانها الثائر في حمص وحماة وريفهما. فهل يُعقل أن يغطي هذا العدد من المراقبين كل ما يحدث في هذه المناطق؟!!.
3- يقول النظام: إن ثمة مناطق حساسة لا يجوز للمراقبين أن يمارسوا نشاطهم فيها. فإذا كانت تلك المناطق تتمتع فعلاً بهذه الخاصة، فهل هناك من يمنع النظام من أن يقوم بنقل المعتقلين إليها، بهدف إخفائهم عن عيون المراقبين؟!.
4- إذا كانت بداية تعامل النظام مع طلائع بعثة المراقبين على النحو الذي يحاول به إقناع أعضائها بأن تنظيم القاعدة هو المسئول عن تلك التفجيرات ، ثم يحاول نسبتها لجماعة الإخوان المسلمين السورية.. فهل هذا يعني تحولاً مؤقتاً أو دائماً في طريقة نصب شراك الخداع ليس لإقناع المراقبين العرب فقط، وإنما لإقناع العالم بأن ما تواجهه سوريا اليوم ليس بفعل ثورة شعبية على النظام، وإنما بفعلٍ يستهدف إحداث الوقيعة بين الشعب وحكامه من طرف ثالث سبق له أن مارس مثل هذا الفعل في بلدان أخري (ويعني به "بالطبع" ما يسمى ب "تنظيم القاعدة")، أو بفعل مخرب في الداخل السوري ويعني به "جماعة الإخوان المسلمين"!!!.
من جانبنا لا نعتقد بأن مثل هذه الحيلة الساذجة يمكن أن تنطلي على أحد بما فيهم المؤيدين لبشار. ذلك أن ثورة الاتصال في العالم أصبحت- لسوء حظ هذا النظام- على قدرٍ هائل من التطور والقدرة على نقل الأحداث ساعة وقوعها. وهذا ما جرى وما زال بالنسبة للجرائم التي ارتكبها ويرتكبها النظام بحق المتظاهرين، والتي جرى نقل الكثير منها للمواطن العربي بالصوت والصورة على شبكة النت والفضائيات. والسؤال الذي يبقى يتردد في ضمير هذه الأمة: متى يتخلص الشعب السوري المكلوم من هذا النظام الظالم؟. الله جل جلاله قادر على كل شيء .. والله المستعان.