نشأتى فى أحياء القاهرة التاريخية كان حافزاً لدراسة التاريخ. تعرفى على جارى الكاتب الصحفى إبراهيم الحريرى حببنى فى التاريخ والآثار. معرفتى بالدكتور حسين مؤنس كانت نقطة تحول فى حياتى. يجب أن يفعل دور معهد المخطوطات حتى لا يكرر تحقيق الكتاب الواحد عدة مرات كما يحدث اليوم. اتمنى إنشاء قسم لتحقيق التراث فى كل الجامعات المصرية .. اتمنى إدرج تحقيق التراث فى رسائل الماجستير والدكتوراه. د محمد زينهم محمد عزب، محقق تراثي شهير قدم للمكتبة العربية عشرات الكتب والرسائل والمؤلفات ، راعى فيها فى المقام الأول القارىء والمثقف العادىء والباحث المبتدىء، قال عنه الدكتور حسين مؤنس لقد قرأ زينهم هذا القدر الكبير كله من الكتب ثم ألم بتاريخ الفقه والفقه المالكى خاصة، لكى يكتب هذا الإنتاج القيم، والحق أن زينهم بذل أقصى ما يستطيع في سبيل العلم والمعرفية . ولد بالقاهرة فى 27 يوليو 1953، وقضى طفولته فى أحياء القاهرة التاريخية فى باب الشعرية، والسيدة زينب، والدرب الأحمر، وتأثر بأجوائها التى يفوح منها عطر التاريخ، ثم التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم التاريخ ليتلقى العلم على كبار أعلامها فى هذا المجال منهم: د.حسن محمود، ود.سعيد عبدالفتاح عاشور ود.محمد أحمد أنيس، وأخيرا الدكتور حسين مؤنس الذى أشرف عليه فى رسالته للدكتوراه. وأحب الرجل تحقيق التراث، وقدم فى هذا المجال عشرات الكتب والرسائل، ويضيق الحصر عن ذكرها ولكن سنكتفى بأمثله منها تحقيقه لكتاب "الخطط" للمقريزى، و"الألقاب" لابن الفرضى، و"الألقاب" لابن حجر، واسماء شيوخ الإمام مالك بن أنس لابن خلفون الأندلسى، و"المختصر فى أخبار البشر" لأبى الفداء وغيرها.. التقه شبكة الإعلام العربية "محيط" وتحدثت معه عن دور الجامعة فى تحقيق التراث ونصائحه لشباب الباحثين ومستقبل الثقافة في مصر فكان هذا الحوار : كيف كانت للنشأة دورها فى حياتك العلمية فيما بعد؟ ولدت فى منطقة شعبية تدعى باب الشعرية وبالتحديد فى حارة الخراطين فى 27 يوليو 1953، وعندما بلغت الثالثة انتقلت من باب الشعرية إلى منطقة السيدة زينب فى شارع السد، واختلطت بعدد كبير من الفقهاء والمتصوفة لأن منطقة السيدة زينب تشتهر بوجود عدد كبير من أرباب التصوف والتدين، وكان هذا الدافع الأول لحب القراءة والإطلاع وحضرت الدروس للشيوخ والعلماء. تعرفت على الدكتور حسين مؤنس حينما كان يعمل رئيسا لتحرير مجلة الهلال، فى أواخر السبعينيات، وكان تعرفى عليه نقطة فاصلة فى حياتى.. فغير لدى بعض المفاهيم فى مجال التاريخ وخصوصا فى مجال تاريخ المغرب والأندلس لأننى قبل ذلك كنت أميل لدراسة التاريخ المصرى، ووجهنى الدكتور مؤنس لزيارة "دير الدومنيكان" وهناك عرفت الأب جورج قنواتى وهو صاحب فضل على وكان بارا بى ..وفى القاهرة ترددت على دار الكتب، وعانقت المخطوطات بها، وترددت أيضاً على المكتبات المحيطة بها مثل: مكتبة خربوش. وكان تعرفى إلى الكاتب الصحفى إبراهيم الحريرى فى جريدة الأخبار وهو الذى حببنى فى التاريخ والآثار، وكان لديه مكتبة ضخمة وكنت أذهب معه يوم الجمعة لنلف على المكتبات ودور النشر ونشترى الكثير منها وكان له الفضل فى إثراء مكتبتى، وكانت الكتب رخيصة الثمن فى هذا التوقيت ..فجمعت كتب السلاسل الشهيرة مثل: أعلام العرب، والمكتبة الثقافية، والذخائر، وتراث الإنسانية ...وغيرها ... وكان فى هذا التوقيت يعد رسالته للماجستر فى معهد الدراسات الإسلامية فى الزمالك والذى أسسه المرحوم أحمد حسن الباقورى وكان يحاضر معظم مؤرخى مصر مثل: سعيد عبدالفتاح عاشور، ومحمد الطيب النجار، وأحمد شلبى وغيرهم .. والذى حببنى فى تحقيق التراث أثناء قراءة التريخ هو الدكتور حسين مؤنس وجعلنى اتخصص فى تاريخ المغرب والأندلس، وقد ذهبت إليه فى منزله فى الزمالك 28 شارع محمد مظهر واختبرنى بست اسئلة كانت الجسر الذى عبرت إليه إلى قلبه وتوثقت صلتى به حتى وفاته سنة 1996وشاركته فى تحقيق بعض الكتب . وتعلمت فى مدرستين أولها مدرسة الدكتور حسين مؤنس وهى تهتم عبرض المصادر وعرض المخطوطات والاستفادة من مناهج الغربيين، والمدرسة الأخرى مدرسة محمد جمال الدين سرور (وهو بالمناسبة عم د.أحمد فتحى سرور) وكان الباحثون يشبهون هذين المدرستين بنهرى دجلة والفرات .. وماذا عن علاقتك بأساتذتك؟ كانت علاقة جيدة .. كل أستاذ تعرفت عليه كنت أصادقه .. وتعلمت على الكثير من المؤرخين منهم: الدكتور حسن محمود وكان أول يوم لدخولى الكلية كان وكيلها سألنى عدة أسئلة وأعجب بى وأعطانى كتاب هدية هو كتاب "الولاة والقضاة" للكندى بتحقيق الدكتور حسين نصار، وقد مر بنا علاقتى بالدكتور حسين مؤنس وتعرفت عليه لأول مرة عندما كان عائدا من الخارج وكنت فى فترة التمهيدى، وهو الذى حول انتباهى للتسجيل فى تاريخ المغرب والأندلس، وكذلك تعرفت على الأستاذ الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور رائد مؤرخى العصور الوسطى وتلميذه الأثير الأستاذ الدكتور حسنين محمد ربيع، والدكتور حامد زيان وكان يجعلنى وأنا أقوم بشرح الحروب الصليبية لزملائى، والدكتور سيد على الناصرى وكان يدرس لنا التاريخ اليونانى الرومانى، وكانت لى علاقة جيدة بالدكتور محمد أحمد أنيس أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، وهكذا حصلت على درجة الماجستير فى رسالة بعنوان "الإدارة المركزية للدولة الأموية"عام 1981، أما رسالة الدكتوراه فحصلت عليها عام 1986 وكانت عن الإمام سحنون ... كيف ترى دور الجامعة المصرية فى تحقيق التراث؟ دور الجامعة تقليدى ولم يتطور بل يرجع إلى الخلف.. فى الماضى كانت الجامعة تساهم فى تحقيق التراث وهذا ظهر فى كتاب "المغرب" لابن سعيد الذى حققه شوقى ضيف، وكانت الجامعة تقتنى المخطوطات مثل جامعة القاهرة والإسكندرية.. أما اليوم فالبعض يقول أن تحقيق التراث هو تحويل المخطوط من ورق أصفر إلى ورق أبيض.. كيف ترى تحقيق التراث فى مصر والعالم العربى فى العصر الحالى؟ للآسف كل محقق ينتهج منهجا مختلفا عن الآخر ولا يوجد منهج موحد يقوم عليه المحققون كما عند المستشرقين، وهناك دخلاء فى المجال أساءوا إلى التراث والتعامل مع مخطوطاته، وهناك سرقات يقوم بها البعض يحذف بعض التعليقات ويضيف تعليقات أخرى ويطبع الكتاب باسمه كما أن هناك نقطة مهمة أن من يمر علي وفاته خمسون عاما صار إنتاجه كلأ مباحا لكل الناشرين .. مرحلة تحقيق كتاب خطط المقريزى؟ هناك 37 مخطوطة موزعة بين معهد المخطوطات ودير الدومنيكان ودير الفرنسيسكان ودار الكتب، وقمت بتحقيقه بالاشتراك مع الدكتورة مديحة الشرقاوى فى ثلاثة مجلدات وصدرت عن مدبولى ، ولو أعدت تحقيق الخطط مرة أخرى لصدرت فى 12 مجلد ..والفضل فى إصدارها للحاج محمد مدبولى الذى كلفنا بإعداد هذه النشرة واعتمدنا على هذه المخطوطات وكانت للمقريزى تعليقات على الهامش أدخلتها فى المتن ... كيف يتم التنسيق بين الدول العربية لمنع تكرار تحقيق المخطوط الواحد؟ هذا دور جامعة الدول العربية ومعهد المخطوطات التابع الذى ينبغى أن يفعل دوره فى هذا المجال وينسق بين مراكز التحقيق وأعلام التحقيق أيضاً وهو أن يرسل منشورات لتلك المراكز ويخبرها بالمخطوطات التى لم يتم نشرها وهناك سيل من النشرات للكتاب الواحد.. خذ على سبيل المثال كتاب "تاريخ الإسلام" للذهبى ظل فترة طويلة يتمنى الباحثون إخراجه وتحقيقه، وقد حاول الدكتور شعير، والناشر حسام الدين القدسى، ولكن تم تحقيقه فى نشرتين مختلفتين ظهرتا فى وقت واحد، وهما نشرة الدكتور عمر تدمرى ونشرة الدكتور بشار عواد معروف، وهذا الأمر تكرر مع كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير الذى حقق فى دار ابن كثير ودمشق ودار هجر بالقاهرة، وكذلك كتاب "تاريخ مختصر الدول مطبوع" فى كل الدول بتحقيق مختلف.من الممكن أن نوفر تلك الجهود فى أعمال أخرى يجب أن تظهر إلى النور.. روشته لشباب الباحثين والمحققين؟ 1- يجب أن يتم إنشاء قسم لتحقيق الترا ثفى كل كلية آداب مصر بها مصورات للمخطوطات يشاهدها دارسى التاريخ ومتاحة لشباب الباحثين حتى يكون دافعا لهم لحب هذا المجال والولوج إليه، لأننا عندنا كنوز مخبوءة لم يتم الكشف عنها بعد ..وإسرائيل تهتم بتحقيق التراث أكثر من الدول العربية وعندها مراكز لتحقيق التراث ..ويدرسون تاريخنا ويعرفون أدق الأشياء عنا ونحن نكتفى بالمشاهدة. 2- أن تمنح هذه الأقسام شهادات مثل التخصصات الأخرى وهذا يوفر لنا دارس كفء بدلا من الاعتماد على الدورات التى يعقدها معهد المخطوطات وهى جرعات قليلة ... 3- أن يدرج تحقيق التراث فى رسائل الماجستير والدكتوراه وبحوث الترقيات فى المجلس الأعلى للجامعات. مواقف وطرائف خلال رحلتك العلمية من المواقف الطريفة التى شاهدتها أننى وجدت أناس يمتلكون مخطوطات فى الصعيد فى التصوف وعن البلدان وفى علوم أخرى ويعتبرونها ملك لهم وحدهم ويتوارثونها ولا يسمحون بتصويرها وهذا الشىء وجدته للآف فى الخزانة الملكية فى المغرب لا يستطيع أحد فى الوصول إليها إلا قليل من الباحثين منهم أستاذنا عبدالله عنان والدكتورة عائشة عبدالرحمن..وهناك موقف أخر يستحق الذكر وهو ماحدث معى مع كتاب "الألقاب" لابن الفرضى ت403ه، وبينما أقلب فى معهد المخطوطات وجدت نسخة وحيدة مصورة ومكتوبة بخط أندلسى غير واضح وشجعنى الدكتور مؤنس فى مواصلة السير وأخيراً انتهيت من تحقيقها وهذا دعانى إلى كتاب "نزهة الألباب فى الألقاب" لابن حجر ، وعندى مخطوطة للسخاوى عن الألقاب شارفت على الانتهاء منها..