فني رسالة إنسانية تلغي الحدود الجغرافية عندما رسم بيكاسو "جورنيكا" لم يرسم الحرب بل لخص مأساة الإنسان الفن هو ذاكرة الشعوب و الثورات الصورة أصدق من الكلمة في كثير من الأحيان وأكثر حرية منها كل فكرة عندي تفرض طقوسها الثورة السورية اعادتني للطريق الصحيح، "صنعت رسالة تخدم الآخرين"، فني رسالة إنسانية تلغي الحدود الجغرافية حلا العابد فنانة سورية شابة لها لمستها الخاصة على تصميماتها ورسوماتها, من أهم أعمالها تصميمات "ثورة الورد"، التي قامت فيها بتحويل الآلام و جراح الأطفال في سوريا من معاناة إلى إبداع وابتكار. ولدت في مدينة حماة, وتخرجت من قسمي الإعلام وعلم النفس بالجامعة السورية، وشاركت في العديد من المعارض الفنية. التقتها شبكة الإعلام العربية "محيط" فكان هذا الحوار: متى اكتشفت أنك تمتلكين موهبة الرسم؟ البداية كانت مع أول علبة تلوين وصلتني كهدية من والدي في الخامسة من عمري، وما زلت اعتبر أن أفضل لوحاتي تلك التي رسمتها على جميع جدران المنزل، واضطررت إلى إزالتها فيما بعد. وكانت أغلب رسوماتي من الخيال، فلم يتسنى لي أن أرسم الكوخ، والشجرة، والجبل والشمس الساطعة كباقي الأطفال، وكانت رسوماتي من خارج الطبيعة، وما زلت احتفظ بالكثير منها حتى الآن. ومتى بدأت دخولك في عالم الرسم والتصميمات الرقمية؟ في سن الخامسة عشر بدأت من خلال برنامج الفوتوشوب، واستمريت في ذلك لمدة عام، ثم انقطعت لاهتمامي برسم الواقع والكاريكاتير، وعدت بعد بداية الثورة السورية. وكانت سنوات الانقطاع كفيلة بأن تنسيني كيف استخدم الفوتوشوب وأخذ مني الأمر قرابة أسبوع كي أتمرن عليه، وأول ألبوم نشر لي كان ألبوم "ثورة الورد" وأخذ مني حوال 11 ساعة. ووقتها طلب مني المقربون أن اتجه للرسم الواقعي أو الكاريكاتير، ولكن فظاعة الصور التي مررت عليها كان من الصعب أن أعيد رسمها من جديد، بالفرشاة أو الفحم والرصاص. وعلى الرغم من عدم تمكني من التصميم حينها بشكل محترف إلا أنني استطعت أن أوصل الرسالة التي أومن بها، فالفن ذاكرة الشعوب، وهو ذاكرة الثورات، وأنا مؤمنة بأن الصورة أصدق من الكلمة في كثير من الأحيان وأكثر حرية منها. فالفن قادر على إيصال معاناة الشعوب بطريقة بصرية، تضع المشاهد أمام الصورة الحقيقية "للمعنى والمغزى"، وعندما رسم بيكاسو "جورنيكا" لم يرسم الحرب وحسب، بل لخص مأساة كاملة بدون أن ينطق بكلمة. وكيف تستلهمين أفكارك وما طقوسك قبل البدء في عمل فني جديد؟ أومن بأن كُلَ إنسان هو فنان أحاسيسه تمكنه بشكل فطري من تلمس الجمال من العالم الخارجي بطرق مختلفة وأشكال عدة. وبالنسبة لي اترك نفسي للعبثية والارتجال إن استطعت القول، لا يمكنني تحديد شيء واحد يلهمني وإنما الحياة بما فيها من متناقضات وأمور تستوي للمنطق هي كفيلة بإشعال الإلهام بداخلي. ولربما صدق المشهد الذي أراه هو ما يشدني لأن أعبر عنه بطريقتي، من زهور برية، وسبع حبات لوز، ونافذة، وموسيقى برامس، يمكنني تلخيص طقوسي بهذه البساطة. أو صوت الأخبار، وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي بصور الضحايا والشهداء وضجيج نفسي الصامتة العاجزة عن الحراك، لا طقوس للفن كي أصدقك القول، كان الشاعر نزار قباني يكتب أشعاره في المقاهي، على الشاطئ، بين ضجيج السيارات وزحامها، على المحارم، في أي مكان وأي زمان، لا شيء حتمي، كل فكرة تفرض طقوسها. البعض يرى أن الفن الرقمي تشويه للفن التقليدي باستخدام الريشة بينما يراها البعض تطورا يضفي مزيدا من الجمال للوحة الفنية.. ما تعليقك؟ لا أوافق هذا أو ذاك، فهو ليس تشويه للفن التقليدي، إذ أنه باقٍ بمكانته التي برأيي لا تعلو ولا تدنو عن أي نوع آخر من الفن، وليس "بتطور"، المسألة ابسط من ذلك بكثير. هو فن مستقل بذاته وطالما أنه يخدم الفكرة السامية للفن فلا يمكن المساس بمكانته، وأي عمل ينتجه الإنسان لخدمة رسالة يؤمن بها هو فنٌ بحد ذاته لقد اتخذ الإنسان أشكالاً عدة للتعبير، الرسم على الجدران، فن البناء، الموسيقى، النحت، الحرق على الخشب، الرسم الزيتي والرقمي كذلك، وبالتالي هو فن مستقل كباقي الفنون. هل ترين أن ما حدث بسوريا لعب دورا في تغيير مسار حياتك الفنية؟، وهل كان في مخيلتك يوما ما أن يكون حاضرك على ما هو عليه الآن؟ ما يحدث في سوريا وجميع الشعوب التي قامت بثوراتها، كان له تأثير على بالطبع، وكأي مواطن عربي كانت الحافز الذي شجعني على كسر حواجز الخوف التي تربينا عليها. الثورات غيرت مسار حياتي الفنية ولكن صقلها، أو إعادتها للطريق الصحيح، صنع رسالة تخدم الآخرين، حاضري هو نتاج الماضي وما اكتسبته من خبرات، وهو نتاج أحلامي وشغفي الذي أسعى له في المستقبل، أرى أنني لم أحقق ما أصبو إليه إلى الآن، وما حققته في الآونة الأخيرة هو توفيق من الله، وسعي مني دوماً لأن أساعد غيري بما أملك. الفن يدفع ضريبة الصراع السياسي، فحضارة سوريا العريقة الآن تئن بين جماعات ترتدي ثوب الدين وتقوم بتحطيم بعض التماثيل في مدينة تدمر، ونظام لا يتوانى عن قصف المناطق الأثرية وكأنه يسعى إلى هدم حضارة هذا الشعب من أجل كرسي الحكم.. ما تعليقك؟ دعينا نتفق بأن من يرتدي عباءة الدين لتحقيق مكاسبه الشخصية، هو خارج هذا الدين. أما بالنسبة لتحطيم الآثار التي اقبلت عليها بعض الجماعات، والفنانين الذين اعتقلوا وتم تعذيبهم، وممن لم نعد نعلم أي شيء عنهم مع الثورات، وحتى من قبلها، فأقول بقدر ما هى خسارة للمجتمع إلا أنها ليست خسارة للفن، بل تزيده قيمة، نعم، لقد كان الفن هو ضريبة الصراع السياسي منذ الأزل. ألم يحرك الفن، وحنظلة لناجي العلي على أبسط مثال الآلاف من الناس نحو القضية، ألم تستطع لافتات كفر نبل وحماة وحمص وحلب أن تحرك المجتمعات الغربية والعربية للتضامن! وبالتالي، لربما قمع وظلم سياسات الدول، ضريبتها هي رسائل الفنانين التي كانت كالطلقات في وجههم ولا تكل ولا تموت. هل لوحاتك اقتصرت فقط علي التعبير عن أوجاع وطنك سوريا؟ لا لم تقتصر على مأساة الشعب السوري وحسب، بل كانت لي مساهمات لتجسيد معاناة شعوب اخرى كفلسطين ومصر والنيجر. هل لديك اهتمامات اخري بعيداً عن التصميم والرسم؟ تتنوع اهتمامات أي انسان طبقاً للحالة المزاجية التي يعاصرها، رافقني البيانو لسنوات عديدة تزيد عن العشر سنوات وكان محط اهتمام وإلهام بالنسبة لي، تماماً كالشعر، والتعمق في علم النفس وهو جزء من مجال دراستي، بالنسبة لي هى الاهتمامات التي لازمتني دوماً على غرار باقي الاهتمامات التي تكون أسيرة الموقف. وما أحلامك في المستقبل؟ أتمنى أن أوسع نطاق عملي في التصميم وصناعة الأفلام الوثائقية وأمزج بين الصورة والواقع المعاش، كي يتسنى لي الوقت والجهد أن أغطي جميع مآسي بلادي التي تحتاج إلى من يسلط الضوء عليها، ويجعلها محط اهتمام العالم العربي والغربي علي وجه الخصوص وأن يكون فني هو رسالة إنسانية تلغي الحدود الجغرافية.