صدرت عن "مكتبة الدار العربية للكتاب" الشقيقة الصغرى للدار المصرية اللبنانية ، رواية "شمس تشرق مرتين" للكاتبة الصحفية زينب عفيفي . وفي كلمة الناشر نقرأ : "تكتنز الكاتبة معاني إنسانية وبشرية كثيرة ، فهي تغوص وراء المشاعر المخبوءة والمسكوت عنها والتي تتخفى وتضيع ، ويتراكم عليها التراب وسط صراعات الحياة ، ومحاولات النجاح المادي ، لكننا في قلب هذا النجاح ، نكتشف أننا فقدنا أشياء عزيزةً على أنفسنا ، لا يمكن شراؤها بالمال ، لو حتى بملايين الدنيا كلها . التحقق بالحب والثورة ، ذلك هو الخط الدرامي الذي يلضم أحداث الرواية ، ويكسبها عمقها ومعناها الإنساني العام ، فالبطلة الرئيسية في العمل : «شمس» . تمتلئ حياتها بكل الكماليات ، زوجة لرجل أعمال ناجح ، الصفقات والشيكات هي أساس وجوده ، ولا ينقصها شيء ، أو لا تعرف أنها ينقصها شيء ، هي مستقرة كأم لفتاة على وشْك الزواج ، لديها الخادمة والمال والسيارة ، سعيدة بحياتها وبابنتها ، لكنها فجأة ، تجد نفسها وعلى غير توقع أمام حبها القديم «صلاح» لتكتشف عندها ، أن اللحن الضائع والخيط الرفيع الذي يعكِّر صفو سعادتها ، هو الحب الذي استبدلته بالراحة المادية ، فهل يصلح الحب بعد هذا العمر علاجًا للمشكلة ، « وهل ما كان ممكنًا في الماضي ، يصبح ممكنًا في الحاضر » ؟ تقول البطلة «شمس» .. « أريد أن يخبرني أحد ، هل أنا واقعة في الحب أم أنني في حالة فقدان شديد للحنان » . تلك المشكلة الوجودية ، لا يأتي حلها إلَّا عبر تضحيات كثيرة وكبيرة ، لا تستطيعها شمس ، ولا يستطيعها الطرف الآخر « صلاح » أما الزوج فمشكلته هينة ، حسب وصف البطلة له ، « أما محمود فلا أحمل همه .. سفرياته المتعددة جعلت غيابه وحضوره متساويين .. تعودت غياب محمود ، وللأسف صار وجوده يربكني أكثر ما يسعدني .. غيابه الدائم جعله غريبًا في بيته ، وهذا أمر محزن ، لكن ليس له حل » . نحن هنا أمام مشكلة رباعية ، أمام عاشقين قديمين ، وزوج لا يعلم هو زوج شمس ، وزوجة لا تعلم أيضًا هي زوجة صلاح ، وأمام تعقد الأمر ، يأتي الحل الإلهي عبر ثورة 25 يناير في ميدان التحرير ، حيث ينسى الجميع همومه ويستغرق في هموم الوطن ، تختفي الذات الفردية وتصعد ذات المجموع ، تجد شمس حلًّا لمشكلتها الذاتية ، في قلب المد الثوري ، والفنان المحبط صلاح ، الموظف في قطاع الفنون ، يعثر على خيط حياته وفنه المفقود ، بالرسم في قلب الميدان ، مع الأطفال والشباب ، ليقرر البطلان استكمال حياتهما معًا ، لكن القدر يتدخل مرة أخرى ، ويفارق صلاح الحياة ، تنتصر الرواية من حيث لا تدري لفكرة الاستقرار ، وتنتهي علاقة الحب ، وتنتصر الثورة ، ويبقى منهما معنى محاولة العثور على معنى لحياتنا ، حيث سوف نذهب جميعًا ، ويبقى ما صنعناه يدل علينا : مات الفنان وعاشت ألوانه ، التي امتزجت بألوان الطيف يومًا وتسربت من نافذة مرسمه إلى روحي ، فأعادت إليها الحياة ، وستظل شمس التحرير تشرق إلى أن تتحقق كل الأحلام ، فلن تكون هناك أحلام مؤجلة بعد اليوم » . هذا المقطع في ختام الرواية ، يأتي كغناء البجعة في لحظتها الأخيرة ، ويمثل طرف القوس الآخر الذي يتصادى مع الإهداء الذي تقول فيه المؤلفة : إلى الشمس التي لا تظلم في ناحية إلَّا وتضيء في ناحية أخرى » ، فلا ظلام دائمًا ولا ضياء كذلك ، دورة تتبدل فيها الأحوال ، وتتغير العلاقات : من الحب إلى الفتور ، من الملل إلى الهروب ، من الاستقرار إلى الثورة ، من حالة تشبه الموت ، إلى حياة تشيه الهدير ، وما يبقى هو المشاعر التي أحسها القلب يومًا ، إنها البنية الدائرية التي تؤطر عالم السرد في الرواية . بالإضافة إلى تلك البنية الدائرية ، تظل هناك أنهار صغيرة تغني عالم الرواية ، تتمثل في التناقضات الصغيرة التي تصب في النهر الكبير ، فالبطلة في قمة تعاستها وتمزقها بين الحب والواجب ، هناك ابنتها في قمة سعادتها بفرحها وعريسها ، والنجاح والصعود في عالم البيزنس الذي يمثله «محمود» الزوج ، يقابله المشاعر الرقيقة الفياضة التواقة إلى التحقق والحب والرومانسية في شخص «شمس» النجاح في الأولى ، يعني الفشل في الثانية، ويخرج من كونه تناقضًا يخص حالة إنسانية مفردة ، إلى تناقض وجودي لا يستطيع الجمع أبدًا بين شهوة جمع المال ، والاستمتاع بمشاعر الحب مع امرأة ، أو حتى ابنة ، لأن الحياة لا تعطينا ما نريد ، ويظل النقصان قانونها الدائم ، والمرأة التي تختار الراحة المادية ستصبح هي ذاتها المرأة المحرومة من الحنان والحب ، خط الدراما هنا يقول بوضوح إن اللحن الأساسي هو الفقد ، والفقد قرين الوحدة وتأمل الذات والإغراق في همومها ، والحل يكمن في الاندماج مع الأحداث الكبيرة ، لكنها هي ذاتها لا تحدث كل يوم أو حتى كل عام . « تأملت الموقف .. تأملت حياتي – تقول شمس – تأملت مشاكلي التي تضاءلت وتقزمت أمام هذه المشاهد في الميدان .. ما هذه الوحدة التافهة التي أشكو منها ، ويمكن في نصف ساعة أن تذوب في هذه الجموع المتلاحمة الصادقة إذا قررت أن أذهب إلى الميدان». نحن أمام رواية لا يمكن الوقوف أمام سطح أحداثها ، التي رغم بساطتها وانسيابها السردي تحفر وراء المشاعر الإنسانية المتجددة ، والتبدلات البشرية ، نجحت كاتبتها في التقاط لحظتها المناسبة لتكشف عن مخبوء النفوس البشرية برقي وبساطة ، اتسم الوصف فيها أحيانًا بالشاعرية واللغة المقتصدة التي توحي ولا تصرِّح ، ما منح مناخ السرد حيوية وروحًا وثابة تربط القارئ بالزمن الروائي " .