تثير زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جنوب السودان غدا الأربعاء والتى تستغرق يوما واحدا يجري خلالها مباحثات مع سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب العديد من التساؤلات حول أهداف تلك الزيارة وتأثيرها على الدول المحيطة بجنوب السودان وخاصة مصر . ويتفق الخبراء والمراقبين على أن إسراع إسرائيل بالاعتراف بدولة جنوب السودان واقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها يأتي خدمة لمصالح سياسية واستخبارية. وقد وصل وفد مقدمة الحراسة الشخصية لنتنياهو الى جوبا أمس على متن طائرة خاصة لإجراء الترتيبات التأمينية الأولية للزيارة ويتكون الوفد من 200 جندي من الحرس الرئاسي الإسرائيلي . ونقلت صحيفة الانتباه السودانية عن "مصدر موثوق" بأمانة الحكومة في جوبا تأكيدات قاطعة بوصول رئيس الوزراء الإسرائيلي لجوبا غدا ، وكشف عن تحضيرات غير مسبوقة تجريها "الحركة الشعبية" لاستقبال نتينياهو برئاسة الأمين العام باقان أموم . وأوضح المصدر أن نتنياهو سيجري مقابلة منفصلة مع الرئيس سلفاكير وينتقل للاجتماع بأعضاء المكتب السياسي للحركة الشعبية ويختتم زيارته المقررة بيوم واحد فقط بلقاء قيادة الجيش الشعبي والقيادات الأمنية والعسكرية . تعاون متكامل وكان أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي قال إن تعاون البلدين سيقوم على مساواة واحترام متبادلين وأكد أن ذلك يتوج مسيرة دبلوماسية مطولة قادتها وزارته. بينما قال المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية السابق ألون ليئيل إن بلاده تبحث عن أهداف سياسية ومعنوية واستخبارية بقرارها السريع بالاعتراف بجنوب السودان لأنها تهتم بكل دولة جديدة تقيم معها علاقات دبلوماسية حتى لو كانت صغيرة وفقيرة. وبالنسبة للتعاون التجارى فقد سارع وفد من رجال الأعمال الإسرائيليين بالتوجه إلى جنوب السودان للاجتماع بالمسئولين في أول حكومة لهذه الدولة بعد انفصالها ، وصرح المحامي الاسرائيلي براونشتاين بأن جنوب السودان يحتاج أولاً إلى مساعدات في مجالي الزراعة والبنى التحتية. كما دعت دوائر اقتصادية يهودية الشركات الإسرائيلية إلى ضرورة الإسراع للاستثمار فى جنوب السودان ونُشرت قائمة - وزعت على كبرى الشركات اليهودية - صادرة عن الاممالمتحدة بالمجالات التى يمكن الاستثمار فيها ، خاصة وأن الاممالمتحدة قد خصصت مبلغ 30مليار دولاراً لعام 2011 فقط لتطوير البنية التحتية فى الدولة رقم 193 على مستوى العالم. ودعا المعلق الإسرائيلي إيدان فيشمان فى مقال له في صحيفة جيروزاليم بوست إلى استغلال فرصة استقلال جنوب السودان بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية والصراع مع الشمال لتقديم كل ما تحتاجه الدولة الوليدة من مساعدات سواء تعلق الأمر بالدعم العسكري من خلال تدريب قوات الجنوب، أو فيما يتعلق بالاقتصاد والمشاركة في إعمار البلد الذي يعتبر الأفقر بين الدول الأفريقية. وفي هذا الإطار أيضاً ركز الكاتب على اللاجئين من جنوب السودان داخل إسرائيل الذين يتعين حسب رأيه تأهيلهم في الجامعات "الإسرائيلية" قبل العودة إلى بلدهم للمشاركة في إعادة بنائه، وبخاصة في مجال الطاقة والتخصصات العلمية الدقيقة. واعتراف إسرائيل بدولة جنوب السودان يستلزم بالمقابل وربما بذات السرعة اعتراف دولة جنوب السودان بإسرائيل وذلك كله تمهيداً لإنشاء علاقات دبلوماسية بينما بدأت إرهاصاتها الأولى بتسمية (لاجئ جنوبي) في تل أبيب يدعي (بيس تيانق) قنصلاً لجنوب السودان في تل أبيب ، ومسارعة الجنوب من جانبه لتسمية قنصل والسعي للاعتراف بإسرائيل وإن بدا أمراً محتملاً بالنظر للعلاقات الخفية الممتدة بين الطرفين والتي لن يضيف لها الإعتراف الرسمي جديداً إلاّ أن هذه العلاقة الرسمية لجنوب السودان مع اسرائيل في ظل حاجة دولة الجنوب الملحة للمحيط العربي والإسلامي القريب سواء في المجال الاقتصادي (الاستثمار) أو السياسي يبدو أمراً شديد الخطورة علي دولة جنوب السودان . ترقب مصري وقد أكد المهندس أحمد بهاء الدين محمد رئيس بعثة الرى المصرى بالخرطوم ، أن انفصال جنوب السودان وإعلان دولة جديدة لا يؤثر ولا يمس حصة مصر من مياه النيل، مشيرا إلى أن سلفا كير رئيس حكومة الجنوب أكد خلال زيارة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف الى جوبا فى أبريل الماضى أنه لا تأثير أو مساس بحصة مصر من النيل وأن احتياجات الجنوب من المياه سيتم مع حكومة الشمال فى إطار حصة السودان الموحد والتى تقدر ب5.18 مليار متر مكعب طبقا لاتفاقية 1959 ولا مساس بحصة مصر إطلاقا من مياه النيل. وأضاف بهاء الدين أن جنوب السودان يتمتع بوفرة مائية تتمثل فى هطول الأمطار الغزيرة لفترة تستمر 180 يوما فى السنة والتى تسجل أعلى معدلات لتساقط الأمطار فى المنطقة وتقوم عليها الزراعات المطرية وأنشطة الرعى وقد تتسبب فى حدوث مشاكل تعيق انسيابية الحياة اليومية للمواطنين على مستوى المجتمعات المحلية فى الجنوب بما يؤكد عدم حاجة الجنوب لكل هذه المياه والتى تزيد كثيرا عن احتياجاتها. وأشار إلى أنه من الطبيعى بعد إعلان الدولة الجديدة يحتاج جنوب السودان إلى معدلات تنموية عالية بما يعنى تزايد الاحتياج المائى كقاطرة للتنمية و التى تلبيها الأمطار الغزيرة وأن أى مشروعات زراعية يمكن إقامتها باستخدام التساقط المطرى مع الاحتياج إلى إدارة زراعية جيدة لتحسين الإنتاجية. وقال إن الجنوب يحتاج الى تقنيات ومساعدات فنية فى العديد من المجالات والتى يمكن أن تلبيها مصر من خلال قنوات التعاون من خلال القطاعات المختلفة بالدولة ورجال الأعمال ..مشيرا إلى أن ذلك ظهر جليا فى طلب وزيرة الزراعة بحكومة الجنوب عن حاجة الجنوب للمساعدة المصرية فى توفير خبراتها الزراعية والبذور "وهو ما سيتم تفعيله خلال الفترة القادمة. اما الخبير الاستراتيجي الصهيوني تسيفي مزائيل فيقول من جانبه فى سياق ورقة بحثية ان مصر تترقب ما يحدث في السودان عن كثب خاصة وأن مياه نهر النيل المتدفقة للأراضي المصرية تأتي عبر الأراضي السودانية ، وتتخوف القاهرة من أن تجد نفسها في مشاكل وخلافات مع دولة جنوب السودان مستقبلاً ولهذا فأنها تسعي دوماً لإقامة علاقات ودية معها وتقوم بإيفاد العديد من البعثات لمساعدة الجنوبيين في العديد من المجالات على رأسها مجال الزراعة. الدولة الوليدة وكان الاستفتاء الذي أجري في التاسع من يناير / كانون الثانى الماضي عن انفصال جنوب السودان، تحت مسمي "دولة جنوب السودان"، واصبحت فعليا فى التاسع من يوليو / تموز الدولة رقم 54 في إفريقيا، ورقم 193 في العالم. ومنذ الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، فرضت الدولة الوليدة نفسها علي الساحة السياسية الإقليمية والدولية، لما أحدثته من تحولات جذرية في الخارطة الجيوبوليتكية للمنطقة. اهتمام غير مسبوق ومما يجسد مدى الأهمية التى يوليها الكيان الصهيوني لدولة جنوب السودان، هو الاهتمام غير المسبوق من جانب الإعلام العبري بتغطية حية سواء لفاعليات الاستفتاء حول إنفصال الجنوب أو إحتفالية الإعلان الرسمي عن دولة جنوب السودان، والذي انعكس من خلال كم هائل من التقارير والدراسات البحثية التى عبَّرت عن الارتياح الصهيوني لإقامة هذه الدولة.