لم يكد الرأي العام المصري يحسم الجدل حول مصير الجزيرتين "تيران وصنافير" حتى أثيرت أزمة أخرى بعد تصريحات متباينة عن جزيرة يونانية قيل إنها مصرية وتم التنازل عنها في اتفاقية جديدة لترسيم الحدود ليفتح باب الأسئلة مجددًا حول مدى صحة هذه الأحاديث ومتى وكيف وقعت هذه الاتفاقية المزعومة. البداية كانت بتصريح أحد مسئولي الأوقاف السابقين قبل عدة أيام زعم فيه أن مصر لديها جزيرة في قلب اليونان تسمى "تشيوس" وأن الجزيرة كانت هبة من السلطان العثماني لمحمد علي باشا أوقفها فيما بعد للأعمال الخيرية، مشيرًا إلى أنه تم تأجيرها عام 1997 بمليون دولار سنوي، وهي التصريحات التي أثارت الجدل في ظل تأكيده أن الجزيرة مصرية فضلا عن أوقاف أخرى خارج البلاد. وجاء أحد ردود الفعل على تلك التصريحات إقدام المحاميان حميدو جميل البرنس وعلي أيوب لرفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبت بإصدار حكم قضائي بوقف تنفيذ القرار الصادر بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، في ما تضمنته من التخلي والتنازل عن جزيرة "تشيوس". خيوس أم ثاسوس بالبحث عن الجزيرة المذكورة وهي جزيرة خيوس يتضح أنها جزيرة يونانية تقع شرق البلاد تفصل بينها وبين الساحل التركي نحو 12 كيلومتر والتي كانت على مدار تاريخها مثار للجدل بدءا من القرن السابع قبل الميلاد حين قررت صك عملة ورمز خاصين بها، وظلت تحافظ على ميزتها الاستقلالية حتى تحت حكم الرومان. وشهدت الجزيرة خلال العصور الوسطى حالة من عدم الاستقرار والنزاعات فكانت محل خلاف بين عدد من القوى منها البيزنطيين والأتراك والصليبين حتى انتهى بها الحال تحت الحكم العثماني منتصف القرن السادس عشر بعد أن سيطروا عليها لكنها بعد ما يزيد عن قرنين ثارت على حكمهم لكن الأتراك قمعوا ثورتها بعنف شديد أفقدها ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكنها. فأمر السلطان العثماني بإنزال الأسطول في المدينة في مارس 1822 ما أدلى لمقتل أكثر من 20 ألف من سكانها بالإضافة إلى تهجير واستبعاد الباقيين وهو ما عرف باسم "مذبحة خيوس"، وبعد مرور السنوات عاد إليها سكانها لكن ما لبث أن يقترب هذا القرن على الانتهاء حتى تعرضت الجزيرة لزلزال مدمر في 1881 أفقدها عدد كبير من معالمها السياحية. وبعد العام 1912 انضمت المدينة لليونان بعد استيلاء القوات اليونانية عليها وطرد العثمانيين منها خلال الحرب البلقانية، لكن الجزيرة لم تكن وحدها التي استردتها اليونان فكانت جزيرة أخرى وهي "ثاسوس" وهي الأخرى انضمت للقضية ليتضح أن بالفعل لمصر أوقاف بها. هذا على الجانب التاريخي وما هو منشور من معلومات عن الجزيرة، أما فيما يخص علاقتها بمصر، قال الدكتور خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية إن لا يوجد لمصر أية ممتلكات على تلك الجزيرة، مضيفا أن الجزيرة التي تمتلك مصر أوقافا عليها هي الأخرى "ثاسوس" في بحر إيجة أقصى الشمال قبالة سواحل مدينة قولة "كافالا". علاقتها بمصر وتعود صلة مصر بتلك الجزيرة إلى فترة حكم محمد علي بعد أن نجح نجله طوسون في استعادة أراضي الحجاز من أيدي أتباع محمد بن عبد الوهاب وطردهم منها واستعادة مفاتيح المدينةالمنورة وبعدها مكة وهو ما عزز من مكانة محمد علي لدى السلطان العثماني محمود الثاني ما دفع محمد علي يطلب من مندوبه في الآستانة لطلب منحه حق تحصيل ضرائب الجزيرة التي تسمى بالعثمانية "طاشيوز" وهي مسقط رأسه. ووعد "علي" باستخدام عائدات ضرائب الجزيرة في بناء مؤسسة تعليمية ضخمة لصالح فقراء قولة، مسقط رأسه، مع إنشاء وقف من إيرادات طاشيوز، وكان هذا الوقف سيستخدم لبناء مجمع تعليمي هائل ضم مدرستين ابتدائية وإعدادية، و"عمارة" أي مطبخ لإطعام الفقراء والمحتاجين، ومسجدا وحماما، حسبما أوضح أستاذ التاريخ. وأكد أنه لم تكن "عمارة" صغيرة هينة، بل كانت عظيمة في مبانيها غنية بحدائقها وملحقاتها، وأن السلطان لم يمنح محمد علي الجزيرة ملكا له، إنما منحه إياها كحق انتفاع نظير خدماته في الحجاز وفي مقابل بنائه للعمارة في قولة تتولى أمرها إدارة الأوقاف الخديوية المعنية بإدارة الجزيرة وزيادة ريعها، مؤكدا أنه بعد عودة الجزيرة للسيادة اليونانية بعد انهيار الدولة العثمانية. وأوضح فهمي أن "عمارة قولة" وهي الوقف المصري هناك عانت من الإهمال ومن أنقذها منه هي سيدة تسمى آنا مصريان، تنحدر من قولة نفسها وليست مصرية، وتواصلت مع وزارة الأوقاف المصرية منذ حوالي 15 عاما ووقعت عقد إيجار لمدة خمسين سنة، وأشرفت على أعمال ترميم وتجديد وصيانة واستطاعت أن تعيد للمبنى رونقه وجماله، وحولته لفندق خمسة نجوم ووضعت علم مصر. وأضاف أن الأوقاف المصرية على جزيرة ثاسوس وثقتها بعثة من مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية في زيارة لها عام 2007. وفد مختص يسافر قريبا وبعد تواتر التصريحات وردود الفعل، أكدت وزارة الخارجية المصرية أن مصر لا تمتلك الجزيرة ولم تكن أبدا تحت السيادة المصرية في أي وقت وأن البلدين لم يوقعا أية اتفاقيات بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما، فيما أوضحت أن ممتلكات وزارة الأوقاف رفض التنازل عنها وستسعى لترميمها واستثمارها على نحو أفضل. وهو ما أكده بيان صادر عن لجنة استرداد الأراضي بعد اجتماع لها مطلع الأسبوع الجاري بحضور وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، فأوضح البيان إنه تم تفويض السفارة المصرية في أثينا لاتخاذ اللازم بشأن ترميم بعض الأوقاف المصرية هناك، موضحة أنها كلفت وفد مختص بالسفر عقب عطلة عيد الأضحى مباشرة لاتخاذ اللازم تجاه هذه الأوقاف.