شهد سوق الدواء حالة من الارتباك والتضارب عقب إصدار مجلس للوزراء قراره رقم 32 بتحريك أسعار نحو 7310 أصناف يقل ثمنها عن 30 جنيها، إلا أن الواقع كان ضبابيا تلاعبت به شركات الأدوية، وعدد من الصيدليات في الأسعار وفي النهاية دفع المريض الثمن. ووفقا للأسعار الجديدة فقد زادت جميع الأدوية التي يقل ثمنها عن عشرة جنيهات بمقدار جنيهين فوق ثمنها الأصلي، أما تلك التي تتراوح أسعارها بين 10 و30 جنيها فكان مقدرا لها أن تترفع بنسبة 20% للعلبة وهنا كانت الأزمة هل تطبق النسبة على الشريط أم العلبة أكملها، فهناك شرائط أدوية سعرها أقل من عشرة والعلبة لا يتجاوز ثمنها ثلاثين فكيف تطبق الزيادة؟. ووسط حالة من الضبابية والتلاعب قضى المواطنون أيامهم القليلة الماضية منذ اتخاذ القرار رغم عدم إصداره في الجريدة الرسمية فتسابقت الصيدليات في تنفيذ الزيادة كل حسب حساباته، فوقع المرضى في فخ الأسعار وتضاربها بين صيدلية وأخرى. تضارب أسعار في جولة لشبكة الإعلام العربية "محيط" على عدد من صيدليات القاهرة لسؤالهم عن الأسعار الجديدة لبعض الأصناف الدوائية وما آل إليه السعر، وكانت النتيجة أن التضارب سيد الموقف تحديدا في أمر الأدوية بين 10 و30 جنيها، فكل يزيد بما يراه وما يوافق مصلحته أيضا فهناك من نفذ الزيادة على الأدوية التي يرتفع ثمن العلبة بها عن 30 جنيها". فاختلف ثمن مضاد حيوي "أوجمنتين" بين صيدليتين مختلفين أحدهما في شبرا والأخرى المهندسين، الأولى طبقت الزيادة على الشريط من الدواء لتبيعه بثمن 34.80 قرشا، في حين كان مقابل الدواء نفسه بالصيدلية الثانية ب29 جنيها لأن الزيادة شملت العلبة التي يقل ثمنها عن ثلاثين جنيها في حين تكون العلبة من هذا النوع من المضاد الحيوي ب 58 جنيها مقابل 69 جنيها في الأولى، الأمر ذاته انطبق على أحد أدوية السكر وهو أميريل m الذي تباين سعره بين الصيدليتين. تقول نورا كامل –ربة منزل- أنها توجهت لشراء أدوية القلب والسكر الخاصة بها لتفاجأ بأن السعر المدون على العبوة غير الذي حاسبها به الصيدلي، قائلة "علبة من دواء جولوكوفانس كان سعرها 15 جنيها والآن أصبحت ب18 جنيها غير أدوية القلب والضغط التي زادت أسعارها فعلبة أسبوسيد أصبحت بخمسة جنيهات بدلا من ثلاثة ودواء كونكور ارتفع من 21 إلى 25". وأضافت أن الصيدلي كان يحسب الإضافة بالآلة الحاسبة والسعر الجديد لم يكن مدونا على العبوات التي اشترتها، موضحة "حينما طلبت منه أن يحاسبني بالأسعار المدونة رفض، وقال إن الأدوية جميعا ارتفع ثمنها ولم يعد مصرحا لهم البيع بالسعر القديم رغم أن الأدوية مختومة به لكن اضطررت للشراء". الأمر نفسه قاله محروس إبراهيم الذي قال إنه أصبح يدفع ما يقرب من 50 جنيها إضافيا بعد الزيادة الجديدة الأمر الذي حمله أعباء أخرى غير الطعام وفواتير الغاز والكهرباء التي ارتفعت بجنون خلال الفترة الماضية حسب تأكيده، مضيفا "بعد الزيادة الصيدليات استغلت القرار ورفعت ثمن كل الأدوية تقريبا". وهي الإشكالية التي طرحها الدكتور الصيدلي أحمد أبو العينين الذي قال إن كل صيدلي يبيع "بمزاجه" الآن بسبب عدم وجود تسعيرة ثابتة وأسعار واضحة، غير أن القائمة التي ارتفع ثمنها طويلة جدا، ولم توزع بشكل صحيح فلا أحد يعرف بالضبط كيف يبيع، ولكي نحدد الثمن الحقيقي نعرفه من الفاتورة التي تحاسبني بها شركة التوزيع لأنها بالتأكيد اشترت بهذا الثمن الذي حددته الوزارة". وقال أبو العينين من المفترض أن الدواء الذي يقل سعره عن 30 جنيها زاد بنسبة 20%، وما يقل عن عشرة زاد بقيمة جنيهان، مضيفا "هناك أدوية كانت رخيصة بجنيه أو اثنين زادت بنسبة مائتين بالمائة، وهي كل الأدوية رخيصة الثمن التي كانت بأقل من جنيهن مثل الأسبوسيد ارتفع من ثلاثة إلى خمسة جنيهات وكونجستال ارتفع من تسعة إلى 13 جنيه بنسبة 40% زيادة، وهناك بعض الأدوية لم تزداد لأنها بالفعل تم تحريك سعرها في القائمة الأخيرة منذ شهر تقريبا والتي رفعت قيمة أحد الأدوية من 10 إلى 50 جنيها". وقال إن الأدوية التي يزيد ثمن الوحدة بها عن 30 جنيها لم تزداد أسعارها، لكن هناك أدوية زادت مثل مضاد حيوي أوجمنتين الذي كان سعر 29 جنيها ومع ذلك زاد والبديل له هاي بروتيك سعره 25 جنيها ولم يزداد ثمنه فهناك ضبابية بعض الأدوية ارتفعت والتي تشابهها في نفس الفئة لم تزداد، مع الأيام سنعرف". وأوضح أن بعض المواقع التابعة لنقابة الصيادلة تداولت منشورات بالأسعار الجديدة لكنها ليست دقيقة وتختلف فيما بينها عن الموقع الآخر ولذلك فالوضع مبهم بالنسبة لنا، مؤكدا أن هذه الزيادة هي ضغط على المرضى رغم أنها كانت ضرورة لكن تم تنفيذها بشكل خاطئ لأن حد ثلاثين جنيها مرتفع فالأدوية التي كان المفترض تحريك أسعار ما يقل عن عشرة فكان يجب وضع نسبة للأقل من عشرة جنيها، ونسبة أقل منها لما يقل عن عشرين فقط". وأضاف أن هذه الزيادة جعلت بعض الأصناف تزداد بنسبة مائتين بالمائة فضلا عن إحداث حالة إرباك هل الوحدة المقصودة هي الشريط أم العلبة فالزيادة تكون على سعر العلبة أقل من ثلاثين أم سعر الشريط وكذلك العلبة بها أكثر من شريطين فكيف تكون الزيادة فالقرار مبهم وغير واضح". وأوضح أن شركات قطاع الأعمال العام كان تنتج أصناف رخيصة الثمن وتخسر فتوقف الإنتاج مع أسفر عن وجود نواقص كبيرة في السوق الدوائي لأن المادة الفعالة والعمالة والتشغيل وكل متطلبات عملية تصنيع الدواء لم تعد بنفس الأسعار فهذا اضطرها لإيقاف الإنتاج وإحداث النقص في السوق بعد خسارتها فاتخذوا خطوة تحريك الأسعار". وقال سليم محمد صيدلي إن التساؤل كان هل الزيادة على سعر العلبة أم الشريط لأن الشركات سعرت حسب الشريط لأن العبوة متغيرة حسب ما تريده الشركة وحسب الاستهلاك الشخصي فمثلا دواء كونكور كانت علبة من شريطين فأنتجوا علبة من ثلاثة أشرطة لكي تكفي المريض طوال الشهر فلذلك يجب التسعير حسب الشريط وربط الثمن بالعلبة ظلم لأن الشركة قد تغير فيها فتزيد عن الثمن المحدد فلا تطبق عليها الزيادة". "الأمر مربك" وصفه محمد قائلا: إن هناك أدوية مثل أوجمنتين مثلا العلبة تزيد عن 30 والشريط أقل من 30 فكيف نتعامل في هذه الحالة غير أنه هناك صنفان منه فئة 625م بسعر 35 جنيه لم يرتفع سعره لكن فئة 1 جم ازداد من 29 إلى 34.80 جنيها، مضيفا "هناك بيان وصلنا بما تم زيادته حسب العلبة وما زاد على الشريط حسب الشركة". وقل إن هناك مواد ارتفعت أثمانها ما جعل الشركات المنتجة تطالب بضرورة رفع الأسعار حتى لا يتوقف الإنتاج أو تحدث نقص في السوق، كما حدث مع "ريفو" مثلا كنت في فترات ماضية لا أجده وناقص من السوق وأدوية أخرى توقفت فكان يجب تحريك السعر. تلاعب من جانبه قال الدكتور علاء غنام مدير برنامج الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن هناك تلاعب في السوق الدوائي تقوده شركات الأدوية بعد القرار الأخير، لأن الأدوية التي يزيد سعرها عن 30 جنيها زادت وهذا يستلزم تدخل الوزارة ووضع الأمور في نصابها لأن المكاسب التي جنتها الشركات خلال الأيام الماضية ليست قليلة وجاءت على حساب المرضى"، واصفا موزعي الأدوية بتجار العملة، قائلا "تصرفوا بنفس منطق تجار العملة فأصبحنا نسمع مائة سعر لنفس الدواء. وأضاف أنه بالأساس المواطنون لا يتحملون مثل تلك الزيادة فجاءت ألاعيب شركات الأدوية لتحملهم أكثر من طاقتهم، مشيرا إلى أنه "إذا كانت شركات الصناعة الوطنية ستتأثر وتتوقف الشركات عن الإنتاج فآلية تحريك الأسعار واردة لكن بضوابط وتحدد الأدوية التي ستزيد أسعار ونعرف أعدادها وليس كل الأدوية". وتابع هناك إدارة للتسعير في وزارة الصحة هي المنوط بها تحديد الأسعار ويجب عليها حين اتخاذ قرار أن تحدث توازن بين حقوق المرضى وحماية الصناعة الوطنية التي تخسر أو توقفت إنتاجها لأدوية ضرورية نحتاجها، مضيفا "ليس من المفترض في جميع الأحوال أن يتحمل المواطنون نتيجة هذه القرارات فيمكن أن يكون هناك دعم من الدولة للشركات وتوفير تأمين صحي شامل لكل المواطنين لكي لا يتعرضوا لمثل تلك التلاعبات". الصحة تتدخل وأكد الدكتور أحمد دومة المتحدث باسم نقابة الصيادلة أن سوق الدواء في مصر يشهد ارتباكا منذ عدة أيام، مضيفا أن الإدارة المركزية لشئون الصيدلة ووزارة الصحة تتدخل لإصدار نشرة بالأدوية متضمنة جميع الأصناف وأسعارها وهذا سيحسم الوضع ويضع حدا لهذه الحالة وستكون هذه النشرة معلنة على الموقع الرسمي للوزارة ومتاحة للجميع. وأضاف أن عدد الأدوية التي تم تحريك أسعارها تقارب من سبعة آلاف صنف وهي الأدوية التي تقل عن 30 جنيها بحد أدنى 2 جنيه وحد أقصى 6 جنيهات، موضحا أن "القرار صدر بعدما وجدنا أن نحو 1400 صنف من الأدوية أصبحوا في عداد الذكريات فجاء القرار دعما للشركات الوطنية حتى لا تتوقف ويلجأ المريض للشركات المستوردة والأدوية غالية الثمن". وأضاف أن التسعير جبري ولا يستطيع الصيدلي البيع بأعلى أو أقل من السعر، فالصيدلي ملتزم أن يبيع بالتسعير الموجودة لديه حاليا، مضيفا "ليس هناك حالة استغلال من قبل الصيدليات لأن بيعه بأقل أو أعلى من السعر يضعه تحت طائلة القانون، كما أن شركات التوزيع باعت الأصناف على الأسعار الجديدة بعد أن نفذت قرار التسعير وباعت بالتسعير الجديد".