يشهد العصر الحديث تراجعاً مخيفاً في التواصل الإنساني والجسدي بشكل ملحوظ، ما يفقدنا اللمسة الحانية والحضن الدافئ بما لذلك من فوائد نفسية وجسدية وصحية، بل إن الحضن يكون في معظم الأحيان أهم من ممارسة العلاقة الخاصة. وحسب صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية، أدت الحياة الحديثة التي يقضي فيها معظم الناس أوقاتهم على الفضاء الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي إضافة إلى ارتفاع معدلات الطلاق وتأخر سن الزواج في العديد من المجتمعات، إلى ندرة أو غياب أحد أهم عناصر التواصل الإنساني وهو "التواصل الجسدي". فالحضن الدافئ بين أفراد العائلة الواحدة أو حتى الربت على الكتف بين الأصدقاء صار من الأمور النادرة، وهي مسألة لا تضر بالصحة النفسية فحسب بل والجسدية أيضا كما يؤكد الخبراء. ويرصد طبيب العلاقات الجنسية أوفيه هارتمان، الأستاذ بجامعة هانوفر الألمانية، ظاهرة أطلق عليها "الفقر المدمن في التواصل الجسدي"، ويقول في تصريحات نقلتها صحيفة "دي تسايت": إن التواصل الجسدي بين الأزواج يقل مع الوقت، وبعد سنوات طويلة تندر المواقف التي يحتضن فيها الزوج زوجته عند عودته من العمل أو من رحلة قصيرة على سبيل المثال. يظهر هذا الافتقار بشكل جلي في استطلاعات للرأي إذ أظهر كشف أحد هذه الاستطلاعات في ألمانيا أن "الاحتضان" يأتي في المركز الأول في قائمة الأمور التي تجعل الإنسان سعيداً، حتى قبل الحياة الأسرية أو السفر أو النزهات الخلوية، ويبدو أن هذا الافتقاد يمتد حتى للمتزوجين حيث كشف الاستطلاع أن نصف الزوجات وثلث الأزواج يتمنوا الحصول على حضن دافئ بعيداً عن العلاقة الخاصة. فوائد صحية كشف الأطباء الفوائد الصحية العديدة للحضن، فهناك نوع من التلامس الجسدي يؤدي لإفراز هورمون الأكسيتوسين الذي يساهم في تقليل حدة الضغط العصبي، كما أن الحضن يؤدي لخفض ضغط الدم وتقليص إفراز هورمون الكورتيزول المسبب للتوتر كما تتراجع مشاعر الخوف والقلق. ويؤدي الحضن المنتظم لتقوية جهاز المناعة كما يقلل من فرص التعرض لفيروسات نزلات البرد والأنفلونزا، حسب دراسة أجرتها جامعة كارنيجي ميلون الأمريكية، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أثبتت الدراسات أن ثقة الطلبة في أنفسهم تزيد وتتراجع لديهم رهبة الحديث أمام باقي الزملاء، عندما يشجعهم الأستاذ بلمسة على الكتف، كما أن مواظبة المريض على تعاطي الدواء ترتفع أيضاً عندما يحمسه الطبيب عند كتابة الوصفة الطبية بالربت على كتفه، وتعتمد العديد من المستشفيات ودور المسنين على اللمسة الحانية كتقنية علاجية، لاسيما لدى من يعانون من الزهايمر أو كبار السن الذين فقدوا التواصل مع العالم المحيط بهم، فهذه اللمسة من طاقم التمريض كفيلة بإعادة الشعور لهم بأنهم جزء من الحياة.