صدر مؤخرا كتاب "بهاء طاهر .. الناي الحزين" للكاتب حسين عيد، ويضم مقدمة عامة عن الروائي الكبير، والروافد الحيوية والثقافية التي أثرت في تجربته الإبداعية، من حب للموسيقى والمسرح وكلاسيكيات الثقافة الإنسانية، ودراسات عن الملامح الفنية في قصصه القصيرة منذ بدأ نشرها في الستينيات، حين جذبت انتباه يوسف إدريس وقال إن هذا قلم "بهائي طاهري" وصاحبها لا يستعير أصابع غيره، ودرسات عن رواياته منذ "شرق النخيل"، وصولا إلى "واحة الغروب". كما يضم الكتاب الصادر عن دار الهلال محاورات لحسين عيد مع بهاء طاهر، تتناول قضايا متعددة، منها رأيه في أدبه، فعلى سبيل المثال يعترف أن قصته الطويلة "أنا الملك جئت" أفضل أعماله، رغم النجاح والشهرة التي حظيت بها قصته "بالأمس حلمت بك". ويقول المؤلف إن بهاء رغم ولادته ونشأته في القاهرة إلا أن (انتماءه) الأساسي كان لقرية (المنشأ)، "الكرنك" في الصعيد حيث ولد ونشأ والداه، والتي عرفها وعشقها من خلال (حكايات) أمه. كان الارتباط بهذا (المنشأ) هو الأصل، وأحد مصادر ملمح (الحزن) الذي انعكس على كثير من أعماله، حتى بدت ألحانه دانية كعازف ناي بارع حزين! حيث كان ملمح الحزن واضحا في أول قصصه أثناء غربته، وهي "بالأمس حلمت بك" (1983)، وإذا حاولنا أن نجد تفسيرا لاستشراء هذا الحزن في حياته، فالأمر يتطلب أن نغوص قليلا وراء هذا الملمح منقبين عن أبعاده المختلفة سواء في حياته الخاصة أو عبر أعماله الأدبية. ابتعد بهاء عن قرية المنشأ (باختياره) في مرحلة شبابه من أجل التعليم والعمل إلى (منفى) في داخل البلاد وإن ظلّ يشده حنين لا ينقضي لتلك القرية. وحين اشتد اضطهاده في السبعينيات، (أجبر) على الارتحال إلى (منفى) آخر (خارج) البلاد، فكان منطقيا حين بدأ رحلته (الإبداعية) أن يتأرجح إنتاجه الأدبي بين المنشأ والمنفى، إلا أن قضيته (الأصلية) ظلت على الدوام هي قضية (الصعيد) الجواني بكلّ ما له وما عليه. بدأت (أولى) رواياته "شرق النخيل" على استحياء لتجري أحداثها بما تمور به القاهرة من مظاهرات عام 1972، لكن (مرتكزها) الأساسي ارتبط بواقعة معينة حدثت في (الصعيد). وسرعان ما تألق في "خالتي صفية والدير" وهو يمنح الصعيد مساحتها كلها. كما أنجز في المنفى روايتي "قالت ضحى" و"الحب في المنفى"، وبعد أن رجع إلى القاهرة، كتب "نقطة النور". ثم بلغ ذروة نضجه في "واحة الغروب" وهو يتناول واحة سيوة من خلال لوحة واسعة زاهية الألوان امتدت لتشمل عصورا وحضارات أخرى. وفاز بهاء طاهر بجائزة ملتقى القاهرة الروائي العربي السادس 2015، وجائزة النيل (كبرى جوائز الثقافة المصرية) عام 2009 تتويجا لرحلة عطاء متميّزة، بعد أن نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1998، ثم جائزة البوكر العربية عن رواية "واحة الغروب" عام 2008. ويقول أحمد شامخ مدير تحرير سلسلة "كتاب الهلال" إن كتاب حسين عيد إضاءة جديدة لجوانب مهمة من عالم بهاء طاهر الثري في خصوبته.