ربما توقعت توترا مترنحا في أجواء العلاقات الديبلوماسية، ربما وصل الأمر إلى تهديدات مباشرة بقطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين - إن تطورالأمر- وزادت حدة الخطاب الديبلوماسي بين خارجية البلدين، ربما خرجت عدة أصوات إعلامية هنا و هناك تحث شعبيهما على إلغاء رحلاتهم السياحية مثلا .. أما أن تتلقي روسا ضربة قاسمة في قلب العلاقات العسكرية بينها وبين تركيا بالتأكيد لم يكن يخطر ببالها ولا ببال كل المراقبين والمحللين الدوليين حدوث هذا . ليست المرة الأولي التي يخترق فيها الجانب الروسي المجال الجوي التركي منذ بداية الحرب الدائرة على الأراضي السورية منذ ما يقارب السنوات الخمس، ولم يكن متوقعا أبدا قيام تركيا برب الطيران الروسي - وإن اخترق مجالها الجوي - فيكون الرد بكل هذه الحدة والحسم ، صحيح أنها ليست المرة الأولي ، لكن يبقي توقيت الضرب والتصعيد غير مفهوم بالنسبة لكثير من المراقبين والمتابعين للشأن الدولي . ففي الوقت الذي وصف فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ماحدث ب"الطعنة في الظهر من شركاء الإرهابيين"، جاء الرد الأمريكي مدافعا عن ردة الفعل التركية ،حيث قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مؤتمر صحفي له تعلقيا على الحادث إن أمريكا وحلف الأطلسي يدعمان حق تركيا في الدفاع عن سيادتها. أما عن الجانب التركي فقد كلف رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو وزير خارجيته فريدون سنيرلي أوغلو بإجراء مشاورات مع ممثلي الناتو والأمم المتحدة حول الأحداث الأخيرة، وبعدها بدأ رئيس الوزراء التركي اجتماع امع رئيس هيئة الأركان ووزير الخارجية لبحث الأوضاع على الحدود السورية التركية. التحرك التركي جاء بعد استهداف روسيا لمسلحين من التركمان كانوا متواجدين في الشمال الغربي السوري بمنطقة جبل التركمان يقاتلون مع المعارضة ضد نظام الأسد الذي تدعمه روسيا بقوة، وهو ما دفع تركيا لاستدعاء السفير الروسي لديها والملحق العسكري للاحتجاج على ما قالت إنها غارات جوية روسية مكثفة تستهدف القرى التركمانية قرب الحدود التركية، مطالبة مجلس الأمن بعقد جلسة خاصة لبحث ما وصفته بالتصعيد الروسي. ورغم ذلك فإن روسيا تؤكد أن الطائرة لم تكن محلقة أثناء ضربها داخل المجال الجوري التركي بل في الأراضي السورية، حيث نشرت وزارة الدفاع الروسية اليوم لقطات فيديو تثبت أن مسار المقاتلة التركية والقاذفة الروسية "سو-24" قبل عملية إسقاطها قائلة إنها لم تنتهك المجال الجوي التركي . وألمحت روسيا على لسان رئيس وزرائها ديمتري ميدفيديف اليوم إلى أن الحادث قد يؤدي إلى إلغاء بعض المشروعات المشتركة المهمة بين البلدين بما فيها أول مشروع محطة نووية في تركيا الذي يتضمن بناء 4 مفاعلات، منوها إلى أن الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية، وعلى المحك علاقات بنحو 44 مليار دولار سنويا حسب تقدير وكالة روسيا اليوم. وتعد تركيا أكبر خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6% من إجمال التجارة الخارجية الروسية بحسب بيانات إدارة الجمارك الروسية للفترة ما بين يناير وسبتمبر من العام الحالي، لكن في أعقاب الحادث قررت كبرى شركات السياحة الروسية وقف الرحلات السياحية إلى تركيا، الأمر الذي سيكبد أنقرة خسائر جسيمة، حيث أن السياحة في تركيا تعد أحد ركائز الاقتصاد التي تدر على البلاد بمليارات الدولار. في تعليقه على الوضع الدولى المتوتر بين البلدين قال الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن القانون الدولي الجوي يرخص للدولة ذات السيادة أن تُخضع حركة الطيران المختلفة في أجواءها إلى النظام الجوي الذي تضعه هذه الدولة. وكان سلامة قد أشار في تصريحات سابقة ل"محيط" إلى أنه وفقاً للرواية التركية فقد رفضت الطائرة الروسية الامتثال بعدم الاقتراب من المجال الجوي التركي، ثم لم تذعن للإشارات التحذيرية المشار إليها من الطائرات التركية وفقاً لقواعد الاشتباك التركية التي كانت قد نشرت وكررت نشرها تباعاًَ القوات الجوية التركية مؤخرا. أما الدكتور محمد زكريا أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة ليدون الأمريكية فال إن أمريكا تسعي لإشعال الموقف وشن حرب روسية تركية على الأراضي السورية ومن ثم تعقبها حرب بين العرب وإيران أيضا على الأراضي السورية. واستشهد زكريا بالموقف الأمريكي الداعم لرد الفعل التركي مؤكدا أن أمريكا تسعى لإشعال حرب عالمية ثالثة على الأراضي السورية، مضيفا "هذا اتضح جليا من خلال دفعها وحثها تركيا بضرورة إسقاط أي طائرة روسية على الأراضي السورية بحجة خرق الحظر الجوي". وأشار إلى أن تركياوأمريكا اخترقا الحظر الجوي لسوريا والعراق وقاما بتحويلهما إلى كتلة مشتعلة من النيران.