"طعنة في الظهر" من "شركاء الإرهابيين".هكذا وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إسقاط طائرة روسية على الحدود بين سورياوتركيا . فلم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الذي اعتاد أن يظهر بمظهر المتحكم، يعتقد أنه سيواجه في زيارته لمنطقة الشرق الأوسط ، ما لم يكن يضع له حسباناً.فالأحداث أخذت بوتين على حين غرة عندما تهاوت إحدى مقاتلات السوخوي على الحدود السورية أمام ضربة وجهتها لها القوات التركية بعد اختراقها لمجالها الجوي بحسب ادعاء تركيا . الحادث أثار غضب موسكو ومخاوف الأسرة الدولية من العواقب الجيوسياسية لهذا الحادث. وبحسب موسكووسوريا كانت الطائرة تحلق فوق الأراضي السورية لكن تركيا أكدت أنها خرقت مجالها الجوي. المقاتلة الروسية التي أصيبت سقطت في أقصى شمال غرب الأراضي السورية حيث تدور معارك عنيفة بين الجيش السوري المدعوم من الطيران الروسي وفصائل المعارضة المسلحة. وتقول تركيا إن طائراتها أسقطت الطائرة الروسية بعد تحذيرها من أنها تخرق المجال الجوي التركي. ولكن روسيا تقول إنها لم تخرج قط عن المجال الجوي السوري. اجتماع طارئ للناتو .. وبدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) اجتماعا طارئا لبحث الحادثة بناء على طلب تركيا.وحذر بوتين من أنه ستكون هناك " عواقب وخيمة" على العلاقة بين موسكووأنقرة. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إنه سيلغي زيارة إلى تركيا، التي كانت مقررة الأربعاء. يشار إلى أن تركيا هي أحد أعضاء الناتو البالغ عددهم 28 عضوا. تحذير من زيارة الروس لتركيا .. كما وجه لافروف الروس بعدم زيارة تركيا، وقال إن تهديد الإرهاب هناك ليس أقل من التهديد في مصر، حيث أدى انفجار قنبلة إلى سقوط طائرة روسية الشهر الماضي. وقال لافروف إن الطائرة وهي من طراز سوخوي – 24 اصابها صاروخ جو-جو أطلقته طائرات تركية من طراز إف -16 في المجال الجوي السوري. وقال بوتين إن الطائرة تعرضت لهجوم "على ارتفاع ستة آلاف متر، على بعد كيلو متر واحد من الحدود". وتمكن الطاقم المكون من شخصين من الخروج باستخدام المظلات بينما سقطت طائرتهما محترقة فوق تل في سوريا. وأظهر تسجيل بالفيديو ما يبدو أنه جثة أحد الطيارين يحيط به عدد من مسلحي المعارضة السورية. ويقول بوتين : على أي حال، لم يهدد طيارونا وطائراتنا المناطق التركية بأي صورة. الأمر واضح تماما". وأضاف "كانوا يقومون بعملية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الجبلية شمال اللاذقية، حيث يتركز مسلحون ينحدر معظمهم من روسيا". وقال "كانوا مهمة رئيسية هي شن هجمات احترازية ضد هؤلاء الذين يمكنهم العودة إلى روسيا في أي وقت. هؤلاء يجب وصفهم بصورة مباشرة بأنهم إرهابيون دوليون". وقال مسؤولون عسكريون روس إن الطائرة هوجمت بعد تحذيرها من أنها تخترق المجال الجوي التركي. جدير بالذكر ان هذه أول مرة تتحطم فيها طائرة روسية في سوريا منذ أن بدأت روسيا في شن هجمات جوية ضد الجماعات المسلحة التي تقاتل الرئيس السوري بشار الأسد في سبتمبر/أيلول الماضي. وقال حلف شمال الأطلسي، الذي تنتمي تركيا لعضويته، إنه يتابع الموقف "عن قرب" مع السلطات التركية.وان من حق تركيا الدفاع عن أراضيها . وحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما روسياوتركيا على تجنب التصعيد بعد اسقاط الطائرة. وقال أوباما في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في البيت الأبيض "تركيا، كأي دولة، يحق لها الدفاع عن أراضيها ومجالها الجوي". وأضاف "من المهم جدا بالنسبة لنا الآن أن نتأكد من أن الروس والأتراك يتحدثان سويا لمعرفة ما حدث بالضبط ولاتخاذ خطوات لتجنب أي نوع من التصعيد". المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، اعلن إن الطائرة سقطت في منطقة جبل تركمان في اللاذقية، حيث وردت تقارير عن هجمات المعارضة المسلحة والقوات السورية الحكومية في وقت سابق من الثلاثاء. وبحثت الطائرات العسكرية الروسية عن الطيار ومساعده في منطقة تحطم الطائرة في منطقة بيار بوجاك ذات الأغلبية التركمانية. وقال متحدث باسم جماعة مسلحة تنشط في المنطقة، : إن طاقم الطائرة حاول الهبوط بالمظلة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ولكنهم تعرضوا لهجوم من الجماعة. وقال المتحدث إن أحد الطياريين كان ميتا عند هبوطه. وأضاف أن مصير الطيار الثاني غير معلوم. وحذرت تركيا، وهي معارض شديد للرئيس السوري، من مغبة اختراق مجالها الجوي من قبل القوات السورية والروسية. العلاقات التركية الروسية.. إن طبيعة العلاقات التركية الروسية يغلب عليها الطابع المميز لمسار العلاقات الدولية، فعلى مدار التاريخ الطويل للدولتين مرت علاقاتهما بموجات من الصعود والهبوط ارتباطا بتوجهات القيادة السياسية في الدولتين من ناحية، وبالارتباطات الدولية والإقليمية لكل طرف من ناحية أخرى، وبطبيعة القضايا والمشكلات الخلافية بينهما من ناحية ثالثة. ميراث تاريخى من الخلافات .. هناك ميراثاً تاريخياً من الخلافات بين البلدين، منها: الخلافات حول المرور في مضيق البوسفور، والتنافس على نقل بترول آسيا الوسطى، والموقف من قضية النزاع حول منطقة "ناغورنو كاراباخ"، بين أذربيجان وأرمينيا، والقضية القبرصية، والدعم الروسي لليونان، ومشكلة الشيشان والموقف التركي منها. التدخل الروسي في سوريا ..نقطة تحول وواحدة من اسباب تصاعد الأزمة الحالية بين الروس والاتراك هي قضية التدخل الروسي في سوريا والمصالح المتضاربة بين الروس والاتراك بين بقاء نظام بشار الاسد ورحيله، فضلاً على تعصب القيادة التركية المتمثلة ب اوردوغان، والخلاف بين الرئيسين بوتين واوردوغان، التي وصلت لحد السجال والقاء التهم بين الاثنين في وقت سابق. ولعل الخلاف بين الطرفين بشأن الازمة السورية، والعلاقة الأمريكية التركية، وعضوية الاخير بحلف الناتو، والعلاقة التركية الجورجية. كل تلك المشكلات باستثناء الازمة السورية هي خلافات سابقة أو خلافات لايمكن أن تؤدي إلى الصدام المباشر، وقد عفى عليها الزمن، إلا أن نقطة التحول في العلاقات التركية الروسية، تغيرت بعد التدخل الروسي في سوريا ودعمه لنظام بشار الاسد، ولعل الاخطر من ذلك، والذي كان يدور منذ تدخل روسيا في المنطقة قد حدث بإسقاط الطائرة الروسية، طائرة سيخوي من طراز "سو- 24" فوق جبل التركمان. إذ تقول تركيا أنها اخترقت الاجواء التركية لعشرة مرات خلال 5 دقائق وتم تحذيرها بشكل متكرر ولم تستجيب الطائرة للتحذير، مما ادى إلى سقوط الطائرة وقتل الطيارين في منطقة جبل التركمان كما تشير بعض المصادر. وبالمقابل صرح الكرملين بأن الطائرة الروسية لم تخترق الاجواء التركية وكانت على بعد 4 كيلومتر أو أكثر عن الحدود المسموح بها، وهي داخل الاجواء السورية أي في المناطق التي يدور فيها قتال. وبغض النظر عن أن الطائرة اخترقت الاجواء التركية أم لم تخترقها، إلا أن من المؤكد بأن لتلك الحادثة تداعيات خطيرة على المنطقة، وتمثل تشنج كبير في العلاقات التركية الروسية المتوترة أصلاً. وقد وعد الكرملين بأن حادثة اسقاط الطائرة سابقة خطيرة، وقد تلقي بظلالها على العلاقات التركية الروسية. ووصف الرئيس الروسي بوتين الحادثة خلال زيارته العاهل الأردني، بأن حادثة اسقاط الطائرة الروسية "طعنة في الظهر من قبل قوى داعمة للإرهاب"، مؤكداً بأن روسيا لن تتسامح مع هكذا جرائم، كحادثة الهجوم على الطائرة الروسية. وهذا يشير إلى الاتهام الروسي المتكرر لتركيا بأنها هي من تساعد تنظيم داعش وتدعمه اقتصادياً، محذراً تركيا بالقول: "ستكون هناك عواقب وخيمة على العلاقات بين موسكووأنقره". في المقابل لم يكن الموقف التركي اقل قوة من ردة الفعل الروسية، وقد جاء الرد على لسان رئيس الوزراء احمد داود أوغلو بأن "من حق تركيا الرد على انتهاك مجالها الحيوي". وقد استدعت موسكو الملحق العسكري التركي لديها بعدما اكدت السفارة الروسية في أنقرة على استدعاء وزارة الخارجية التركية الوزير المفوض لدى سفارتها "سيرغي باتوف". وقد طلبت تركيا من حلف الناتو اجراء مشاورات حول الحادث، وهذا مايثير حفيظة الروس أكثر؛ لأن حادثة سقوط الطائرة الروسية يعد الأول من نوعه من قبل دولة عضو في حلف الناتو منذ خمسينيات القرن الماضي، ولموقف الروس من حلف شمال الأطلسي اذ أن أحد أسباب خلاف الروس مع تركيا هو بسبب عضويتها بحلف الناتو. وتعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية سابقة خطيرة في العلاقة بين البلدين، وتصعيد كبير في مسار الاحداث المتلاحقة في المنطقة، وقد تلقي بظلالها على الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، لاسيما الجهود الفرنسية والأوروبية الساعية إلى توحيد جهود المجموعة الدولية من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بعد الاحداث الاخيرة التي ضربت العاصمة الفرنسية "باريس"، ونجاح الاخيرة في كسب قرار مجلس الأمن من أجل تضافر الجهود في ضرب تنظيم "داعش". وبالتأكيد ستتصاعد الأزمة السياسية بين البلدين في ظل التواجد الروسي في المنطقة، وربما لن تكون حادثة اسقاط الطائرة، الحادثة الأخيرة، وقد يترتب عليها تداعياتها خطيرة، لاسيما بعد وفاة الطيارين، وربما تنذر تلك الحادثة بمواجهة أو صدام مباشر بين الطرفين في حالة تكرار الحادث، لاسيما في ظل الموقف المتشنج وتراكم الازمات بين البلدين. فاذا ما حاولت تركيا استفزاز الروس مرة ثانية، سيكون للروس ردود فعل غاضبة، وقد تنذر بمواجهة عسكرية، وستكون الفصائل المسلحة التي تدعمها تركيا ودول الخليج هدفاً للطائرات الروسية بعد هذا الحادث، لاسيما وأن قتل الطيارين جاء على يد تلك الجماعات بعد هبوطهما بالمظلة. وسيحاول الروس رد الاعتبار لهم في قادم الأيام، وربما سكوت الروس لحد الآن هو لمعرفة ملابسات الحادث، والوقوف على تفاصيله، من خلال تشخيص مكان سقوط الطائرة، والتأكد هل كانت الطائرة ضمن الاجواء السورية أم اخترقت الاجواء التركية؟ وإذا كانت الطائرة ضمن الاجواء السورية لماذا تعمدت تركيا اسقاطها؟ وماهو مصير الطيارين؟ وما هي طبيعة الموقف الدولي وحلف الناتو؟ لاسيما إذا ما توافقت الرؤية الروسية مع روايتها القائلة بأن طائرتها لم تخترق الاجواء التركية. كل تلك المواقف سيكون لها أثر كبير في تحديد الموقف الروسي من الاتراك، لاسيما الموقف العسكري الذي يستبعده البعض. مما سينذر بتصاعد الأزمة بين البلدين وتصاعد حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لاسيما بعد ورود بعض الاخبار التي تشير بأن سفينتان حربيتان روسيتان عبرتا مضيق جناق قلعة (الدردنيل)، شمال غرب تركيا، وعبرت السفينة بحر مرمرة ومنه إلى البحر الأسود دون أن تتضح وجهتها النهائية. تداعيات غير عسكرية.. ويؤكد المراقبون أنه سيكون لتلك الحادثة تداعيات غير عسكرية، ربما تتمثل في التقاطع الدبلوماسي بين الطرفين، وسحب كل دولة سفيرها من الدولة الأخرى، كذلك سيكون التقاطع التجاري والاقتصادي بين البلدين أحد تداعيات هذا الحادث، وربما تفرض روسيا عقوبات اقتصادية على تركيا. وكان أول تداعيات الحادث، هو الغاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارته فى اليوم التالى إلى تركيا. كذلك اوصى اتحاد السياحة الروسي بوقف بيع تذاكر الرحلات إلى تركيا. ردود فعل دولية .. كذلك ادى الحادث إلى بعض التداعيات الدولية، فالموقف الأوروبي بانتظار دراسة الموقف النهائي للحادث ومنع التصعيد بين الطرفين، والموقف الأمريكي عن طريق البنتاجون أكد بأن تركيا لم تتصرف في حادثة الطائرة بوصفها شريكة واشنطن، وإنما لحماية اجوائها، وأن القوات الأمريكية لم تشارك في هذه الحادثة، أما التشيك فقد انتقدت تركيا ووصف رئيسها "ميلوش زيمان" تصرفات أنقره بأنها ستعكر الاجواء في المنطقة، وقد اكد وزير خارجيتها "لوبومير زاوراليك" بأن " الحادث يعد تنبيهاً، وأن على المجتمع الدولي الجلوس إلى طاولة واحدة والتوصل إلى اتفاق وإلا فليعمل لصالح الإرهابيين، بينما اعربت المانيا عن مخاوفها من الحادث متخوفة أن يتسبب الحادث في تعقد المفاوضات بشأن سوريا، أما الرئيس الشيشاني "رمضان قاديروف" فقد قال بأن "تركيا ستندم طويلاً لإسقاطها الطائرة الروسية. وبهذا يمكن القول بأن الموقف الروسي النهائي يتجلى بدراسة الحادث بكل تفاصليه، ومعرفة موقف المجتمع الدولي دون تفرد، ومن ثم اتخاذ الاجراء اللازم اتجاه تركيا، إلا أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة ستحاول تهدئة الأجواء بين الطرفين ومنع التصعيد العسكري، واجماع كل الاطراف على هدف مشترك وهو مقاتلة تنظيم "داعش" الذي يهدد أمن أوروبا بأكملها، وسيحاول المجتمع الدولي تهدئة الروس بعدم تكرار مثل هذه الحوادث من الجانب التركي، إلا أن تداعيات الحادث السياسية ستلقي بظلالها على العلاقات الروسية التركية وستكون لها تداعيات على مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والسياحية بين البلدين.