تصوير: شيماء محمود من الدوحة إلى مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية مرورا بميدان التحرير في قلب القاهرة ارتفع صوت الإسلاميين عاليا وجاءت صيحاتهم مدوية في سياق تاريخي مهم ولحظات فارقة بمستقبل مصر بجمعة المطلب الواحد التي بدأت صباح اليوم.
فقد شهد ميدان التحرير في الساعات الأخيرة قبل صلاة الجمعة توافد عشرات الآلاف من المصريين؛ للمشاركة في جمعة حماية الديمقراطية؛ تأكيدًا لرفض وثيقة المبادئ فوق الدستورية التي طرحها علي السلمي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وللمطالبة بالإسراع في تسليم السلطة للمدنيين.
وانتشرت لجان التأمين على مداخل الميدان، فيما نظَم شباب متطوعون حركة السيارات على أطراف الميدان؛ الذي استعاد أجواء الثورة والمشاركة الشعبية الكبيرة.
وردَّد المتظاهرون هتافاتٍ ضد الوثيقة والسلمي؛ منها: "سلمي بيه يا سلمي بيه.. ليه بتلف علينا ليه"، و"يوم الاستفتا هو قرارنا.. ليه بتلفوا على مصيرنا"، و"ما تخرجش علي يا دكتور.. أنا مصري مش طرطور"، و"عسكر عسكر عسكر ليه؟.. هو المدني راح فين؟".
وانتشرت اللافتات الاحتجاجية في أرجاء الميدان؛ منددة بوثيقة السلمي؛ أبرزها "نعم لإرادة الشعب.. لا لتمديد الحكم العسكري"، و"نعم من أجل الاستقرار"، و"نعم لتسليم السلطة"، و"الشعب يريد تسليم السلطة"، و"النصر للثورة والسلطة للشعب"، و"وثيقة السلمي ونظام مبارك وجهان لعملة واحدة"، و"لا لجعل المجلس العسكري دولة فوق الدولة"،و "يسقط علي السلمي ووثيقته"، و"لا للمبادئ فوق الدستورية".
و أعلنت اللجان الشعبية بميدان التحرير عن خدمة للمرة الأولى في جمعة "حماية الديمقراطية"؛ لتأمين مشاركة المواطنين الموجودين في الفعاليات؛ حيث أعلنوا على مداخل الميدان عن أرقام هواتف طوارئ للاتصال بها للمساعدة في أي وقت.
ومن على منبر الجمعة بالدوحة دعا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى ضرورة الإسراع إلى الانتخابات الرئاسية بعد انتخابات مجلس الشعب في مصر، وتسليم البلاد لسلطة مدنية منتخبة في أسرع وقت.
وقال ينبغي للمجلس العسكري حسم الأمور، وعدم ترك المواطنين المصريين للتخبُّط والبلبلة؛ حتى تستوي الحياة السياسية في البلاد.
وأضاف القرضاوي أنه لا يجوز لأحد أن يتسلَّط على الأمة المصرية، حتى ولو كان المجلس العسكري نفسه، مشيرًا إلى أنه لا يجوز أن يتدخل أحدٌ في الدستور أو يضع مبادئ له؛ لأن ذلك من حق مجلس الشعب، وينبغي للجميع أن يخضع له ولرأيه.
ونصح القرضاوي المصريين عند الانتخاب بأن صوتهم أمانة ويمثل شهادة، ودعاهم إلى الاجتهاد في اختيار المرشحين، قائلاً "اختر الشخص العادل الصادق، ولا تختر من أدَّى لك خدمةً أو الشخص الغني والمعروف".
ومن على منبر مسجد عمر مكرم أكد الدكتور مظهر شاهين، إمام المسجد، أن الشعب المصري لن يتخلى عن الميدان، ولن يفارقه، وسيظل يعود إليه جمعةً بعد جمعة حتى تتحقَّق مطالبه، مشيرًا إلى رفضه للوصاية التي يريد بعض الأشخاص فرضها لتحقيق مآرب شخصية.
وأوضح أن تحديد موعد تسليم السلطة للمدنيين في موعد أقصاه مايو 2012 أمرٌ مقضيٌّ وحتميٌّ لا مجال للتفاوض فيه أو الانقضاض عليه، وقال إن هذا الشعب الكريم لن يرضى بالظلم مرةً ثانيةً أو فرض الوصاية في أي شكل من أشكالها، سواءٌ كانت مبادئ وثائق أو غير تلك الأشكال، ومن ثمَّ فإن الشعب يرفض وثيقة السلمي.
وطالب الشعب المصري بالتوحُّد وعدم الفرقة التي تؤدي إلى ضياع الوطن وعدم الانصياع لمحاولات إشعال الفتنة المفرقة.
ووجَّه كلامه لمن يتخوفون من الإسلام بأن مصر دولة إسلامية، رضي من رضي، وأبى من أبى، مؤكدًا أن الإسلام هو الضمانة الوحيدة لغير المسلمين؛ بأن يعيشوا في أمان،لأنه يُسمح للكل بأن يمارس حقوقه كاملةً؛ قائلا "الدولة التي نريدها دولة مدنية ديمقراطية برؤية ومرجعية إسلامية".
و أكد الدكتور محمد سليم العوا، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، أن من وقفوا في ميدان التحرير وميادين مصر اليوم في جمعة "المطلب الواحد .. لحماية الديمقراطية"، لم يخرجوا لأية أهداف خاصة، بل خرجوا لإعلاء راية مصر، وإعلاء كلمة الحق في مواجهة الزيف والبهتان.
وأشار خلال كلمته من فوق المنصة الرئيسة في الميدان، إلى أن الشعب المصري إذا ما خرج إلى الميادين فإنه لا يطالب أحدًا ولن يطالب أحدًا بعد اليوم؛ فالشعب يقرر وعلى الجميع أن يلتزموا بقراره.
وأضاف أن قرارات الشعب اليوم أسمعت الجميع، فالشعب لديه قراران لن يتراجع عنهما، وسوف يحيا ليدافع عنهما، الأول منهما هو إسقاط وثيقة علي السلمي؛ مؤكدًا أن الوثيقة سقطت بالفعل بمجرد خروج الشعب رافضًا لها.
واستطرد قائلاً "القرار الثاني هو أن يلتزم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعلان الموعد النهائي لتسليم السلطة حسب الجدول الزمني الذي وضعه الشعب، وبأن تتم الانتخابات الرئاسية في إبريل وتُسلم السلطة في مايو".
وقال العوا إن مليونية اليوم لها ما بعدها، وإذا لم يستجب المجلس العسكري لهذه المطالب فستتحول المليونية إلى اعتصام، وبعد ذلك يتحول الاعتصام إلى عصيان مدني، فلن ينتظر الشعب من أحد قراره.
و أعرب الشيخ حافظ سلامة، زعيم المقاومة الشعبية بالسويس، عن أن الثورة المصرية رغم مرور 10 شهور على بدايتها إلا أن أهدافها لم تتحقق، وأن المجلس العسكري لم يبدِ أية تجاوبات مع تنفيذ هذه المطالب.
وطالب خلال كلمته في ميدان التحرير في جمعة "المطلب الواحد .. لحماية الديمقراطية"، الشعب المصري كله بأن يعمل لحماية مصر وإنقاذها مما وصلت إليه من تدهور.
وقال الدكتور عماد عبد الغفور، رئيس حزب "النور" السلفي، في كلمته بالميدان اليوم "إن الشعب المصري قال كلمته في مارس الماضي، وهي الكلمة التي لن يتخلى عنها، فلسنا عقارًا يمتلك، أو دُورًا تُورَّث، فهذا الشعب سيعيش حرًّا، فقد انتهى عصر الفراعنة بغير رجعة".
وطالب المتظاهرين الموجودين بعدم تسليم رقابهم ومستقبل أبنائهم لأي طاغية كائنًا من كان، وأضاف "هذه الجموع لن تسمح مرة أخرى لاستمرار الظلم".
وأعلن رفضه لأي وثيقة حتى لو كانت استرشادية؛ لأنها صادرة من مجلس الوزراء، ويقرها المجلس العسكري الذي يعد الحاكم الفعلي، محذرًا من خداع المصطلحات.
وأكد المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة السابق، في كلمته من المنصة الرئيسة بالتحرير أن المجلس العسكري يحتكر السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذه المرحلة، ويجب الآن العمل على حماية الانتخابات؛ لسرعة تسليم السلطة التشريعية، ومواجهة من يدبرون لإفشالها.
وأشار إلى أن انتخابات الرئاسة لا بد أن تبدأ بمجرد انتهاء تسليم السلطة التشريعية، وعلى المجلس العسكري أن يعود لمهمته الأساسية في حماية الحدود.
وأكد طارق الزمر، القيادي بالجماعة الإسلامية، أن السلطة الحاكمة أظهرت نواياها بأنها لا تريد تسليم السلطة، وعلى الشعب المصري ألا يترك الميادين إلا بعد التأكد من ضمان تسليم السلطة، فميدان التحرير هو القلب النابض لمصر الذي سيعيد الحياة لكل المصريين.
وطالب المصريين أن يظلوا يدًا واحدة في مواجهة كل من يريد أن يبطش بالشعب ومن يريد إقرار وثائق مشبوهة تفرض على الشعب فرضا، مشيرًا إلى أن الشعب على موعد مع ثورة جديدة إذا استمرت السياسات الحالية التي أهدرت دماء الشهداء، والتفَّت على مطالب الثورة.
وأكد المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، أن مليونية اليوم تحمل رسالة وهي أن الكلمة للشعب، وأن الشعب وحده صاحب القرار، وعلى الجميع أن يحترموا إرادته.
وأضاف في كلمته من المنصة الرئيسة بالتحرير "إن بعض الأشخاص يبيعون المبادئ والقيم؛ لخوفهم من وصول الإسلاميين، فيؤيدون حكم العسكر، ويريدون تطبيق تجربة الجيش التركي في السطو على الديمقراطية"، مطالبا بسحب الوثيقة التي شملت موادا ومبادئا تتناقض مع الديمقراطية.
وشدد على أن الشعب المصري لن يفرط في الدماء الزكية التي سالت من الشهداء في هذه الثورة، مؤكدًا أن أحدًا لن يستطيع الوقوف في وجه الشعب وفي وجه إرادته.،
واستنكر عبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمي عن الدعوة السلفية بالإسكندرية الديكتاتورية التي يسعى بعض الأشخاص لإقرارها في البلاد من خلال فرض غالبية الجمعية التأسيسية على الشعب المصري بطريقة غير منتخبة، وهو ما لم يتم في عهد مبارك.
وأضاف أن علي السلمي، نائب رئيس الوزراء، يجامل المجلس العسكري لكي يستطيع إقرار رؤيته السياسية على الشعب المصري من خلال وثيقة مبادئ فوق دستورية.
وطالب الشحات المجلس العسكري والحكومة المصرية بسرعة سحب هذه الوثيقة، وإجراء الانتخابات وتسليم السلطة، مؤكدًا أن مجلس الشعب القادم سيكون حريصًا على أن يحافظ على أسرار الجيش، مؤكدا أنه لا يوجد داعٍ للخوف من الإسلاميين.
ووجه الشحات كلامه للمجلس العسكري بالقول "إن الشعب المصري لم يسحب منك شرف حماية الثورة، فعليك أن تراجع مواقفك".
وفي الإسكندرية طالب الشيخ أحمد المحلاوي "خطيب الثورة" وإمام مسجد "القائد إبراهيم" خلال خطبة جمعة "المطلب الواحد" القوى السياسية بالتكاتف والتوحد من أجل تحقيق مطالب الثورة، متسائلاً عن سبب الفرقة بعد أن كانوا متحدين حين نصرهم الله على النظام السابق رغم كونهم عزلا من السلاح، داعياً إلى تكاتف الأحزاب والطوائف من أجل نصرة قضيتهم.
وحذر من مخطط على أعلى مستوى يشارك فيه المنتفعون من النظام السابق يهدف إلى إفساد الثورة.
ومن جهة أخرى، استنكرا المحلاوي مرور ستة أشهر منذ بدء الثورة دون أن يفي المجلس العسكري بوعده بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، مضيفاً "العام شارف على الانتهاء ولم ينفذ المجلس العسكري وعده والثورة الآن أصبحت حتمية.
وأشار المحلاوي إلى أن مطالب الشعب والثورة ليست بحاجة إلى قوانين لكي تنفيذ، وكذلك محاكمة من قاموا بإفساد الحياة السياسية، موجهاً نقده كذلك إلى القوى السياسية التي انشغلت بالانتخابات قبل تحقق مطالب الثورة.
وطالب فضيلته الشعب المصري بعدم الاستسلام الذي لا يشير إلا إلى تصفية حسابات مع القائمين بالثورة، "فإما الحرية وإما الهلاك".
وأكد المحلاوي أن ما تشهده مصر من أحداث هي في الحقيقة أشد مرارة مما يحدث في سوريا، لأن سوريا تدرك أمرها ،أما مصر فلا يعرف أمرها إلا الله .